القلب المُهاجِر!
دعونا نُهاجِر معًا إلى زمانٍ حلّقت فيه قلوبٌ طاهرة، فعلت وارتقت وشقّت الغيوم باحثةً عن النور، ولنقترب من قلبٍ بريء.. لفتاةٍ رقيقة انتفض ودقّ وسبّح بحمد الله فهاجر وحيدًا، تارِكًا الأب، والأهل، والدار، والمال، والجاه، واستجاب لنداء الحق، وأسلم مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. إنه قلب الحبيبة أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها..
دعونا نُهاجِر معًا إلى زمانٍ حلّقت فيه قلوبٌ طاهرة، فعلت وارتقت وشقّت الغيوم باحثةً عن النور، ولنقترب من قلبٍ بريء.. لفتاةٍ رقيقة انتفض ودقّ وسبّح بحمد الله فهاجر وحيدًا، تارِكًا الأب، والأهل، والدار، والمال، والجاه، واستجاب لنداء الحق، وأسلم مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
إنه قلب الحبيبة أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها.. هاجرت بقلبها واشتاقت لهذه الراحة والسكينة التي يحتويها ديننا،
فآمنت وأسلمت رغم أنها كانت ترى والدها (عقبة) وشقيقها (الوليد) والآخر (عمارة) - يتفنّنون في تعذيب العبيد والضعفاء لأنهم أسلموا.. فلم تتراجع بل حلّقت معهم، تمامًا كما تفعلين أنتِ عندما تهاجرين بقلبكِ في زمنٍ تزاحمت فيه الفتن..
عندما تُقبِلين على الطاعات وترفعين رأسكِ إلى السماء وتُغمِضين عينيكِ، وتتنفسين براحةٍ فينشرح صدركِ لأنكِ على صلةٍ دائمةٍ بالله.
وهاجرت بنفسها عندما اتخذت قرارًا شُجاعًا فخرجت من بيتها لتهرب بدينها مهاجرةً إلى المدينة، تاركةً خلفها عِزّ الأسرة وأمان الأب وعزوة الأهل لتشق طريقًا طويلًا.. تتلفت يمينًا ويسارًا وهي لا تجد ما تركبه!
وحيدةٌ لا تجد من يصاحبها ويؤنسها، احتواها الليل بظلمته، وقست عليها الشمس الحارقة فأظمأتها فلم تتراجع وبلّلت شفتيها بالتسبيح، وتمسّكت بأطراف حجابها تطلب منها الأمان، واستعانت بدقات قلبها تسألها الأُنس في الطريق الوعرة، حتى الرمال الناعمة لم ترحم أقدامها الصغيرة فصارت تبتلعها بدقتها ورِقتها ورغم هذا.. أكملت الطريق
مُهاجِرةً على قدميها من مكة إلى المدينة بروحٍ شريفة وقلب مهاجر.
وكذلك أنتِ في كل لحظةٍ تثبتين فيها، وتتمسكين بدينكِ وحجابكِ وكرامتكِ وطاعتكِ لربكِ، حتى لو غضب منكِ الجميع، عندما تقفين عند حدود الله، عندما تتساءلين عن الحلال، عندما تترفعين عن الحرام، عندما لا تشهدين الزور، عندما تقولين لا في وجه من يقول للمعاصي نعم.
عندما تصفعين الشياطين على وجوههم القبيحة، وأنتِ تزيحينهم من طريقكِ، ربما تكونين أحيانًا وحيدة مثلها، لكنكِ تثبتين لأنكِ تشبهينها بقلبكِ المهاجر..
وأخيرًا وصلت.. وأخيرًا فرِحت، وها هي في المدينة، لكنهم سرقوا منها فرحتها عندما سارع أهلها للمدينة طالبين من النبي أن يرجعها التزامًا بصُلح الحديبية، وبنود المعاهدة التي نصّت على إرجاع كل من أتى من مكة مُسلمًا وردِّه لأهله.
حزِنت الحبيبة واعتصر فؤادها المهاجر ألمًا، وارتفع مُحلِّقا في السماء يبتهل ويتوسّل إلى الله، فارتجت السماء، واهتزت أجنحة الملائكة، واقترب الأمين جبريل حامِلًا لآياتٍ أنزلها الله عز وجل رحمةً بقلبها، وقال تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة من الآية:9].
الله أكبر..
هنيئًا لك أيها القلب المُهاجِر، الآن فقط تستطيع أن تفتح جناجيك وتُحلِّق بأمان..
هكذا كانت حبيبتنا، فهاجري بقلبكِ مثلها.. وكوني مثلها.. كوني صحابية.