ثناء المنافقين على بعض العلماء لا يُبشِّر بخير!
مما ابتليتْ به الأمة في هذا العصر أقلام كثير من الكُتّاب والصحفيين الذين يكيلون المدح والذم جِزافًا حسب ما تمليه مذاهبهم وأهواؤهم وأطماعهم...!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..
أما بعد:
فإن المدح والذم نوعان من الخبر يعرض لكل منهما الصدق والكذب ويتأثر حكم كل منهما بحال المادح والذام فالممدوح من مدحه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمذموم حقًا من ذمّه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد إن مدحي زين وذمي شين، فقال صلى الله عليه وسلم: « ». ويتفرّع عن هذا أن من مدحه الصالحون من عباد الله فمدحهم له من عاجل بشراه ومن ذمّه الصالحون فذلك عنوان على سوء حاله أو سوء عقباه والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لمّا مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « »، ثم مرّوا بأخرى فأثنوا عليها شرًا، فقال: « » ثم فسّر قوله وجبت للأول وجبت له الجنة، وللثاني وجبت له النار ثم قال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري).
أما مدح الكفرة والمنافقين والفاسقين فلا يُبشِّر بخيرٍ للممدوح بل يدل على شرٍ فيه بقدر رضاهم عنه ومدحهم له.
وذمّ الكفرة والمنافقين والفاسقين شرف لمن ذمّوه؛ لأنه يدل على عدم رضاهم عنه لمخالفته أهواءهم وهذا معيار وقياس صحيح في المدح والذم؛ فلينظر العاقل في حال ونوعية من يمدحه أو يذمّه وفي الحامل لهم على مدحه وذمّه. فمدح الأخيار للمرء شرف وذمّ الأشرار للمرء شرف والعكس صحيح.
وتذكّر أيها العاقل قول المتنبي:
وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ *** فهي الشهادة لي بأني كامل
وقال آخر:
حب الأراذل للفتى مزرٍ به *** وثناؤهم ذم فلا يسمو به
وذكر أن الطبيب بقراط رؤي يومًا مغتمًا فسأل عن ذلك فذكر أن إنسانًا دنيئًا ذكر أنه يحبه والمحبة إنما تكون لتناسب بين المحب والمحبوب.
ومما ابتليتْ به الأمة في هذا العصر أقلام كثير من الكُتّاب والصحفيين الذين يكيلون المدح والذم جِزافًا حسب ما تمليه مذاهبهم وأهواؤهم وأطماعهم، ومن أحسن ما قيل في جنس الصحفيين ما قاله محمد بن سالم البيحاني إذ يقول:
وأرى الصحفيين في أقلامهم *** وحي السماء وفتنة الشيطان
فهم الجنات على الفضيلة دائمًا *** وهم الحماة لحرمة الأديان
فلربما رفعوا الوضيع سفاهة *** ولربما وضعوا رفيع الشان
فجيوبهم فيها قلوبهم إذا ملئت *** فهم من شيعة السلطان
وإذا خلت من فضله ونواله *** ثاروا عليه بخائن وجبان
وأقرب مثل لهذا الصنف من الكُتّاب والصحفيين الشعراء الذين قال الله فيهم: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ . أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ . وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:224-226].
وأكثر ما يكون هذا المدح مزريًا بالممدوح وحاطًا من قدره إذا كان معدودًا من العلماء، إذ كان مدح أولئك السفهاء من أجل ما يوافق أهواءهم من آرائه وفتاويه، وإن كان هو قد يكون معذورًا لتأويل تأوّله أو شبهة حسبهًا دليلًا لكن من القبيح أن يفرح العاقل بمدح أولئك الصحفيين الجهلاء الدائرين مع الأهواء وأمثالهم من الإعلاميين...!
القائمين على البرامج في وسائل الإعلام فهم الجناة على الفضيلة دائمًا والناشرون لفتنة الشيطان كما قال البيحاني رحمه الله.
أسال الله أن يعصمنا من مكرهم ومن أنفسنا والشيطان.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- التصنيف:
- المصدر: