مختصر قصة الأندلس
كان الفتح الإسلامي لشبة الجزيرة الأيبيرية إسبانيا والبرتغال أمرًا طبيعيًا حسب الخطة التي اتبعها المسلمون أثناء فتوحاتهم وهي تأمين حدودهم ونشر دعوتهم، فبعد أن وصل تيار الفتح إلى شمال إفريقية، وبعد أن أرسى موسى بن نصير ومن معه كلمة الإسلام في الشمال الإفريقي، كانت الخطوة التالية الطبيعية هي فتح الأندلس.
كان الفتح الإسلامي لشبة الجزيرة الأيبيرية إسبانيا والبرتغال أمرًا طبيعيًا حسب الخطة التي اتبعها المسلمون أثناء فتوحاتهم وهي تأمين حدودهم ونشر دعوتهم، فبعد أن وصل تيار الفتح إلى شمال إفريقية، وبعد أن أرسى موسى بن نصير ومن معه كلمة الإسلام في الشمال الإفريقي، كانت الخطوة التالية الطبيعية هي فتح الأندلس[1].
دخل الإسلام بلاد الأندلس من عام 92هـ واستمر حكم المسلمين بها إلى عام 897هـ وهي فترة طويلة شهدت أحيانًا قوة المسلمين وأحيانًا أخرى ضعف وتخاذل إلى أن سقط الحكم الإسلامي بتلك البلاد، وتعرف الأندلس بهذا الاسم نسبة إلي قبائل الفندال أو الوندال فسميت هذه البلاد بفانداليسيا ومع الأيام حُرّف إلى أندوليسيا فأندلس.
[1] عبد الرحمن علي الحجي: التاريخ الأندلسي ص 43.
فكرة الفتح
تعود فكرة فتح الأندلس إلى أيام الخليفة الراشد عثمان بن عفان، فقد فكر عقبة بن نافع سنة 63هـ في اجتياز المضيق إلى إسبانيا[1]، ولكن التنفيذ الفعلي للفتح كان في زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، بعد أن نُوقِشَت خطة الفتح بينه وبين قائده على شمال إفريقية موسى بن نصير[2].
موسى بن نصير:
ولد موسى في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سنة 19هـ= 640م، بقرية يقال لها كفر متري من قرى أرض الشام في جبل الجليل- ونشأ في وسط وثيق الصلة بأمور الحرب والجندية، فتوطدت صلته بقادة الفتح وأعلام الفكر الإسلامي، في دار الخلافة بالشام، وأخذ عن أبيه الجرأة والصراحة والورع، فظهرت عليه علامات الطموح ومؤهلات القيادة منذ نعومة أظفاره، وكانت نشأته مع أبناء الخلفاء الأمويين كمروان بن عبد الملك وبشر بن مروان من العوامل التي مهدت له طريق المستقبل[3].
بعد نقاش فكرة الفتح أرسل موسى بن نصير أحد ضباطه ويدعى طريف بن مالك المعافري على رأس قوة عسكرية إلى ساحل إسبانيا الجنوبي في مهمة استطلاعية وذلك في عام 91هـ= 710م فنزل طريف في جزيرة بالوماس، وأغار على المناطق المجاورة وأصاب سبيًا كثيرًا وعاد محملاً بالغنائم، وأقنعته هذه الحملة بضعف وسائل الدفاع الإسباني، بعد ذلك أرسل موسى بن نصير في عام 92هـ= 711م قوة عسكرية قوامها سبعة آلاف مقاتل بقيادة طارق بن زياد نائبه على طنجة[4].
طارق بن زياد:
من المعروف أن طارق مولى مغربي أمازيغي لموسى بن نصير، وهو أيضا من البربر الزناتيين أو النفزاويين، وقد أسلم والد طارق منذ أيام عقبة بن نافع الفهري[5].
وقد قيل إن طارق: طويل القامة، ضخم الهامة، أشقر اللون، وتنطبق هذه الصفات على عنصر البربر"[6].
وقد كان طارق بن زياد حسب الروايات الأدبية والنقدية شاعرًا؛ إذ أورد له المقَّرِي في كتابه (نفح الطيب) بعض الأبيات الشعرية نقلاً عن الحجاري في المسهب وابن اليسع في المغرب، وهي:
ركبنا سفينا بالمجاز مقيرا *** عسى أن يكون الله منا قد اشترى
نفوساً وأموالاً وأهلاً بجنة *** إذا ما اشتهينا الشيء فيها تيسرا
ولسنا نبالي كيف سالت نفوسنا *** إذا نحن أدركنا الذي كان أجدرا[7]
[1] السابق نفسه ص 44.
[2]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 207.
[3]بسام العسيلي: موسى بن نصير ص 10-11.
[4]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 207.
[5]مجلة ديوان العرب، الأحد 23 مارس 2008 =http://www.diwanalarab.com/spip.php?article11466
[6]الدكتور علي محمد الصلابي: صفحات مشرقة من التاريخ الإسلامي، 1/ 311
[7]المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 1/ 248.
عمليات الفتح
كان طارق عسكريًا ناجحًا وقائدًا ممتازًا، مخلصًا للإسلام، متحمسًا لنشره في بقاع الأرض؛ لذا بدأ طارق بالتجهز للعبور؛ فقام ببناء عدد كبير من السفن؛ ليتمكن من عبور المضيق الفاصل بين أفريقية وأوربا. عبر طارق بن زياد المضيق فنزل تجاه الجزيرة الخضراء، وسيطر على الجبل الذي حمل اسمه منذ ذلك الوقت، ثم تقدم حتى بلغ بحيرة خندة - غربي إسبانيا - وعلم بالحشود الضخمة التي حشدها لذريق ملك الأندلس، فطلب النجدة من موسى بن نصير، فأمده بخمسة آلاف جندي، والتقى الجيشان عند وادي لكة 92هـ= 711م وانتهت المعركة بانتصار المسلمين وتم القضاء على الجيش القوطي[1].
بعد ذلك توغَّل طارق بن زياد في البلاد ففتح قرطبة وطليطلة في أوائل عام 93هـ= 712م، ثم فتح شذونه والبيرة وغيرها من المدن؛ مما شجَّعه إلى أن يكتب إلى موسى بن نصير يخبره بما حقق من انتصارات، فشجع ذلك موسى بن نصير على العبور بنفسه إلى الأندلس في عام 93هـ= 712م، ففتح مدنًا كثيرة مثل قرمونة وإشبيلية ودخل ماردة صلحًا، وامتدت فتوحاته إلى برشلونة شرقًا وأربونا في الجوف وقادش في الجنوب، وجليقية في الشمال الغربي.
ثم اجتمع القائدان المسلمان في مدينة طلبيرة لتقويم ما تم إنجازه من خطة الفتح، وما سيتم فتحه في المستقبل، واشتركا معًا في فتح مدينة سرقسطة في إقليم أرغوان، واخترق موسى جبال البرينييه الفاصلة بين إسبانيا وفرنسا، فغزا ولاية سبتمانيا، وفتح قرقشونة وناربون، كما غزا وادي نهر الرون ووصل إلى مدينة ليون، في حين اجتاز طارق وادي الأبرو وغزا جليقية.
وتلقى في هذه الأثناء كل من موسى بن نصير وطارق بن زياد أمرًا من الخليفة بوقف العمليات العسكرية والعودة فورًا إلى دمشق ربما كان ذلك خوفًا من الخليفة على المسلمين من كثرة التوغل في تلك البلاد- وعين الأول قبل مغادرته ابنه عبد العزيز حاكمًا على الأندلس نيابة عنه[2].
يتضح من خلال هذا العرض التاريخي لفتح المسلمين لبلاد الأندلس، أن المسلمين أتموا فتح بلاد الأندلس ولم يتجاوز عددهم الثلاثين ألفًا، وكان المسلمون يقومون بهذا الفتح ويعرفون أن أعدادهم أقل بكثير من عدوهم، لكنهم كانوا يتفوقون على ذلك بالإيمان القوي المتدفق، وكانوا مستعدين لكل تضحية مهما عزت لنصرة الإسلام[3].
ومن الأمور المهمة التي يجب الإشارة إليها أيضًا أن مهمة الفتح الإسلامي لا تنتهي أو تتوقف عند النصر الحربي، بل بعده تبدأ؛ وذلك ببيان الإسلام والدعوة إليه، وهي مهمة ما بعد الفتح على لسان الفاتحين وفي سلوكهم وتصرفهم[4].
وقد عاش الأندلس في ظل الحكم الإسلامي فترات من القوة، وفترات أخرى من الضعف.
[1]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 208.
[2]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 208.
[3]عبد الرحمن علي الحجي: التاريخ الأندلسي ص 123.
[4]السابق نفسه ص 124.
عصور القوة في تاريخ الأندلس
1- فترة القوة في عهد الولاة
2- عهد الإمارة الأموية
3- عهد الخلافة الأموية
4- الدولة العامرية أو عصر سيطرة الوزراء
5- دولة المرابطين
6- دولة الموحدين
فترة القوة في عهد الولاة
عبد الرحمن الغافقي
عبد الرحمن بن عبد الله بن بشر بن الصارم الغافقى، كنيته أبو سعيد ولقب بأمير الأندلس والغافق قبيلة في اليمن ينسب إليها، رحل إلى إفريقية ثم وفد على سليمان بن عبد الملك في دمشق وعاد إلى المغرب فاتصل بموسى بن نصير وابنه عبد العزيز أيام إقامتهما في الأندلس، ولى قيادة الشاطئ الشرقي من الأندلس، وبعد مقتل السمح بن مالك أمير الجيوش انتقل إلى أربونة فانتخبه المسلمون فيها أميرًا وأقره والى إفريقية، ثم نشأ خلافًا بينه وبين عنبسة بن سحيم فعزل عبد الرحمن وولى عنبسة مكانه وصبر عبد الرحمن يغزو مع الغزاة، حتى ولاه هشام بن عبد الملك إمارة الأندلس سنة 112 هـ ليكون سابع الولاة عليها، وكان صالحًا حسن السيرة في ولايته[1].
استطاع عبد الرحمن الغافقي القضاء على النزاعات القبلية وتوحيد الجميع تحت رايته، فكان تجرده القبلي أحد أسباب النجاح الذي حققه فاحترمه الجميع واستطاع أن يجتاح بجيوشه وادي الرون إلى عمق فرنسا حتى نهر اللوار، إلا أن هُزِمَ وسقط شهيدًا في معركة بلاط الشهداء أمام شارل مارتل في 114هـ= 732م[2].
[1]http://www.elrasol.com/file/ozamaa/men/alkhafky.htm
[2]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص213.
الإمارة الأموية فترة القوة والازدهار
عبد الرحمن الداخل (صقر قريش):
هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان مؤسس الدولة الأموية بالأندلس، بعد أن سقطت الخلافة الأموية على أيدي العباسين وأخذ الولاة العباسيون يتعقبون الأمويين ويقتلونهم، إلا أن عبد الرحمن بن معاوية استطاع الفرار منهم، واتجه إلى المغرب ومنها إلى الأندلس ليؤسس دولته هناك[1]، وقد لقب عبد الرحمن بن معاوية بالداخل لأنه أول من دخل الأندلس من بني أميه حاكمًا، وقد لقبه أبو جعفر المنصور بصقر قريش لبراعته وتوليه الحكم في الأندلس بعد أن كان هاربًا من أيدي العباسيين[2].
ومن الأمور المهمة التي يجب الإشارة إليها أن عبد الرحمن بن معاوية قد تربى في بيت الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك الذي كان عهده عهد ازدهار الدولة الأموية فكان قصره مدرسة للتعلم من كل المهارات والفنون فمنه تعلم عبد الرحمن[3].
استطاع عبد الرحمن الداخل القضاء على الثورات والصعوبات الداخلية التي واجهته، وأصبحت فترة حكمه من أقوى الفترات التي حكمت فيها الأندلس، فقد كان رجلاً موهوبًا جمع صفات كثيرة من الحزم والسياسة.
وقد تعرضت الأندلس أيام عبد الرحمن الداخل إلى محاولة قام بها شارلمان للاستيلاء على سرقسطة أي الثغر الأعلى- ولكن لحسن الحظ أن الأندلس كان مجتمعًا تحت راية عبد الرحمن في ذلك الحين فتمكن من النجاة من ذلك الخطر[4].
بدء مرحلة الاستقرار:
تعتبر هذه الفترة فترة ازدهار وقوة بعد فترة الضعف التي مرت بها الأندلس في عهد الولاة والدليل على ذلك ما قام به عبد الرحمن بن معاوية من أعمال العمران فقد بدء في ببناء مسجد قرطبة عام 170هـ واستمر بناؤه سبع سنوات، بالإضافة إلى تجميل المدن وتشيد دارة سماها الرصافة في ظاهر قرطبة، وكان من ضمن ما غرسه فيها نخله أتى بها من الشام فأنشد فيها شعرًا يقول:
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة *** تناءت بأرض الغرب عن بلد النخيل
فقلت شبيهي في التفرد والنوى *** وطول التنائي عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة *** فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
سقتك غوادي المزن من صوبها الذي *** يسح ويستمري السماكين بالوبل[5]
هشام الأول (الرضا) 173- 180هـ
كان عادلاً متواضعًا ورعًا تقيًا، شهد عهده تحولاً مذهبيًا بشيوع مذهب الإمام مالك وتخلي الأندلسيين عن مذهب الإمام الأوزاعي الذي كان المذهب الرسمي حتى ذلك الحين، وقد نعمت الأندلس في عهده ببعض الهدوء بعد أن احتوى بطبعه الهادي كل الزعامات القبلية.
أما على الصعيد الخارجي، فقد اتجه هشام الأول نحو محاربة النصارى في الشمال مدفوعًا في ذلك بنزعته وحماسه الديني، فحارب الإسبان في ولاية إستورقة كما أرسل حملات صيفية ضد ولاية سبتمانيا في جنوب فرنسا، توفى عام 180هـ= 896م وخلفه ابنه الحكم الأول[6].
الحكم بن هشام 180-206هـ:
كان الحكم يحب حياة الترف والرياضة والصيد وكان من حوله حاشية متكبرة متعالية، وجندًا قاسيًا عنيفًا على الناس معظمه من الصقالبة.
ومن أشهر الأحداث التي وقعت في عهده موقعة الربض في 13 من رمضان 202هـ، وكان السبب فيها أن مجموعة من الفقراء والفقهاء خرجوا يطلبون العدالة لا الحكم، ولكن الحكم تعامل مع الثوار بشكل غير مسبوق في التاريخ الأندلسي فقام بحرق بيوت الثوار الذين اضطروا للعودة للنجاة بأهلهم فقام بقتل الكثير منهم وطرد الكثير منهم من الريف الجنوبي للأندلس.
وقد شغلت هذه الفتنة الحكم عن عدوه الصليبي شارلمان الذي أنتهز الفرصة واستطاع أن يستولي على برشلونة سنة 190هـ وأنشأ فيها ثغر أصبح بعد ذلك شوكة في جنب المسلمين.
وقد تمكن المرض من الحكم بن هشام بعد حادثة الربض، وتطاولت به العلة وحل به الندم وجعل يتمنى لو لم يتصرف مع أهل قرطبة على هذا النحو، حتى توفاه الله[7].
عبد الرحمن الثاني (الأوسط) 206-238هـ:
خلف عبد الرحمن الثاني أباه الحكم الأول في ظل أجواء هادئة، وعرف بالأوسط لأنه ثاني ثلاثة سموا بهذا الاسم، وهو لا يتفق مع أبيه في كثير من الصفات، إنه أقل تمسكًا بنظرية الحكم المطلق، وبالتالي فإن خلفيته الدينية كانت بارزه في البلاط، وانعكست شخصيته المثقفة والفقهية الواسعة، وما تمتع به من إحساس فني مرهف، وذوق اجتماعي رفيع على حياة الأندلس، ويعد عهده بداية الانتقال الحقيقي إلى الدولة بمفهومها المحدد كمؤسسة إدارية وثقافية وعسكرية متطورة[8].
وفي عهده بدأت مظاهر الحضارة والترف تظهر، فأنشأ الناس القصور الجميلة وأخذت قرطبة طريقها لتصير أجمل مدائن أوربا على الإطلاق، ولكن هذه حياة الأقلية أما حياة الأكثرية فكانوا يعيشون في رخاء نسبي، لأن البلد كان غنيًا وكان الناس مقبلين على العمل، والضرائب قليلة، وكان هناك ديوان المظالم مخصص للنظر في شكاوي الناس من أعمال رجال الدولة وتصرفاتهم[9].
التصدي لغارات النورمان:
كانوا يقبلون من البحر ويقومون بغارات على المسلمين، فاستطاع عبد الرحمن الأوسط التصدي لهم وأنشأ البحرية الأندلسية التي استطاعت السيطرة على الحوض الغربي للبحر المتوسط، واستولت على الجزائر الشرقية البليار- وكان هناك أسطولين أسطول بالبحر المتوسط وأخر بالمحيط الأطلسي[10].
وتوفى عبد الرحمن الأوسط في 3 ربيع الثاني 238هـ= 852م بعد حكم دام إحدى وثلاثين سنة تعتبر من أزهر فترات التاريخ الأندلسي بما ساد قرطبة وكبار المدن ومراكز العمران من هدوء وما تمتعت به البلاد من رخاء ورفاهية، لأن عبد الرحمن ورجاله كانوا من أذكياء رجال الدولة الذين يؤمنون بأن رخاء الرعية أساس لثبات الحكم واستقرار أسس العدالة والنظام[11].
[1] السابق نفسه ص222.
[2]عبد الرحمن علي الحجي: التاريخ الأندلسي ص217.
[3]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني، 1/ 375.
[4]حسين مؤنس: موسوعة تاريخ الأندلس 1/ 55.
[5]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني، 1/ 377-378.
[6]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 226.
[7]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني، 1/ 379-380.
[8]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص229.
[9]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني، 1/380.
[10] السابق نفسه ص 380-381.
[11]حسين مؤنس: موسوعة تاريخ الأندلس 1/80
عهد الخلافة الأموية
عبد الرحمن الثالث (الناصر):
كان الناصر أميرًا حازمًا، وذكيًا عادلاً، وعاقلاً شجاعًا، محبًا للإصلاح وحريصًا عليه، قاد الجيوش بنفسه، فأنزل العصاة من حصونهم، لشجاعته وسياسته الحكيمة بالسيف أو بالسياسة الرشيدة التي اتبعها[1].
تولى الأمير عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الحكم وهو في الحادية والعشرين من عمره، وقد تولى الحكم في ظروف صعبة إذ أن أعمامه كانوا أحق منه في تولي هذا الأمر، لكنهم زهدوا فيه بسبب التمزق والحالة التي وصلت إليها البلاد، في حين كان عبد الرحمن شابًا طموحًا فتعلقت آمال الجند به، وهكذا تولى الأمير عبد الرحمن الثالث عرش الإمارة في عام 300هـ= 912م، دون منازع مما أتاح له حرية الحركة للتصدي لمشكلات التي تعاني منها البلاد[2].
الأوضاع الداخلية:
أرسل عبد الرحمن الناصر منشور إلى كل أمير أو ملك من هؤلاء المتغلبين على النواحي، وفيه يعد ويتوعد ويمني ويحذر، فأيما رجل متغلب على ناحية من النواحي قدم ولاءه للحاكم الشرعي فإنه سيكون من المقربين، وسيحقق ما يبتغيه من مال وسلطان تحت راية الإمارة المركزية، ومن لم يفعل فينذره بحرب مدمرة[3].
واستطاع عبد الرحمن الناصر بعد إصدار هذا المنشور أن يقضي على جميع الثورات دون معاناة، أما الخصم الوحيد الذي كلف عبد الرحمن مشقة كبيرة فهو ابن حفصون غير أنه ضعف أمره وذهبت ريحه خصوصًا بعد أن أرتد عن الإسلام وتوفي في سنة 312هـ وكان أمره قد تفرق تمامًا ولم يصمد أولاده من بعد لعبد الرحمن وسقط حصنه المنيع ببشتر[4].
إحياء الخلافة الأموية:
بعد أن استتب الأمر لعبد الرحمن الناصر وجد أن اللقب الذي ورثه عن أسلافه وهو الأمير، لم يعد يسع لطموحه الكبير، ورأى أنه أحق بألقاب الخلافة، فاتخذ لنفسه لقب أمير المؤمنين، وتلقب بلقب الناصر لدين الله أمير المؤمنين وذلك في عام (316هـ=928م)، وقد شجعه على ذلك ضعف الخلافة العباسية، وقيام دولة فتية معادية في شمالي إفريقية وهي الدولة الفاطمية التي تطلعت لضم الأندلس، وأيضًا بعد قيام عبد الرحمن الناصر بإخضاع القوى الثائرة في الأندلس كان لابد من رفع مكانة الأمير السياسية والدينية وإعطاء قرطبة دورًا أكثر مركزية بحيث تشدد قبضتها على الأطراف، بالإضافة إلى رغبة الأندلسيين في أن يكون لهم خليفة[5].
أمّا على الصعيد الخارجي:
فلم يكن باستطاعة عبد الرحمن الناصر تجاهل النشاط الإسباني الواسع ضد أراضيه، وتجسد تصميمه على توجيه ضربه انتقامية للملك الليوني في عمق بلاده، وخاض من أجل ذلك حروبًا طويلة منذ عام 308هـ=920م وأحرز عدة انتصارات واستعاد عددًا من المواقع المهمة لاسيما أوسما وتطيلة، غير أن راميرو الثاني خليفة أردينو الثاني، أنزل به هزيمة في معركة جرت عند خندق مدينة شمنقة في 327هـ= 939م، ورغم ذلك لم تحدث هذه المعركة أي تغير في وضع الأراضي، كما أن استئناف العمليات العسكرية التقليدية من جانب الخلافة ضد ممالك الشمال في أعقاب الهزيمة، كان كافيًا لردع أي محاولة توسعية من جانب الأسبان[6].
إنجازات عبد الرحمن الناصر المدنية:
أنشأ عبد الرحمن الناصر مدينة الزهراء في سفح جبل العروس بالقرب من قرطبة، ووسع مسجد قرطبة الكبير، ولعل أبرز المنشآت التي أضيفت إليه تلك المنارة المذهبة التي سميت بمنارة الناصر.
وازدهرت الحياة الاقتصادية في عهد الناصر فامتلأت خزانة الدولة بالأموال المتحصله من التجارة والصناعة والزراعة، بالإضافة إلى ذلك بلغت العاصمة قمة التألق الثقافي والحضاري، فزخرت مكتباتها بآلاف المخطوطات النفسية، وغصت أروقة مساجدها وقصورها بالنخبة من العلماء والشعراء وبلغت النهضة العلمية مرحلة النضج[7].
ويروي المقري في نفح الطيب: "أنه وجد بخط الناصر - رحمه الله - أيام السرور التي صفت له دون تكدير، يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويوم كذا من كذا، وعدت تلك الأيام فكانت أربعة عشر يومًا"[8].
وقد توفي عبد الرحمن الناصر في اليوم الثاني من رمضان سنة 350هـ=961م بعد أن أدى إلى الدولة الإسلامية هذه الأمجاد، ودفن في رياض قصر قرطبة[9].
الحكم بن عبد الرحمن (المستنصر بالله):
هو الحكم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد لقبه المستنصر بالله ولد سنة 302هـ=914م، تولى الخلافة سنة 350هـ= 961م[10]، وقد جاء المستنصر إلى الحكم ولديه تجربه في الشؤون الإدارية والعسكرية بما اكتسبها نتيجة مصاحبة والده، لكن دوره اقتصر في المحافظة على مكتسبات والده في الداخل، وحمايتها من غارات الأسبان في الخارج، فقد ظهر قويًا، حازمًا، لكنه أشتهر بأنه كان عالمًا أديبًا يقضي الكثير من الوقت في القراءة لكن دون أن يشغله ذلك عن القيام بأعباء الدولة[11].
أما عن فتوحاته فقد تعددت وكان من أعظم ما فتحه قلهرة من بلاد البشكنس على يد غالب بن عبد الرحمن[12].
بناء الدولة والاهتمام بالمعرفة:
كان المستنصر بالله مكملاً لدولة أبيه الناصر، فقد كان أبوه رجل دولة وحرب وسياسة وكان هو إلى جانب ذلك رجل علم وأدب وحضارة، فقد أنشأ في القصر مكتبة بني لها بناءًا خاصًا وأقام لها رجال المكتبات من مسجلين ومنظمين ومفهرسين حتى أصبحت أعظم مكتبة في العصور الوسطى، وقد قدر المؤرخون كتبها بنصف مليون مجلد[13].
واهتم المستنصر بالتعليم فبني عددًا من المدارس، وكانت جامعة قرطبة من أشهر جامعات العالم ومركزها المسجد الجامع، تدرس فيها مختلف أنواع العلوم والمعرفة[14].
وتوفى الحكم الثاني المستنصر في عام 366هـ= 977م[15].
[1] البيان المغرب 2/223.
[2]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز 238.
[3]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني، 1/385.
[4]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني، 1/ص386.
[5]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 239-240.
[6]السابق نفسه 242.
[7]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 244.
[8]نفح الطيب 1/379.
[9]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص84.
[10]السابق نفسه ص85.
[11]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 245.
[12]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص 85.
[13]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص 86- 87.
[14]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 247.
[15]السابق نفسه ص 247.
الدولة العامرية أو عصر سيطرة الوزراء
هشام بن الحكم بن عبد الرحمن: (366هـ - 406هـ = 976م - 1013م)
هو هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر، تولى الخلافة وعمره لا يزيد عن عشر سنوات وأشتهر بلقب المؤيد بالله وانقسم رجال الدولة إلى قسمين:
- قسم العسكر ويرى في هشام طفلاً لا يصلح للإمارة ويرشحون عمه (المغيرة ابن عبد الرحمن الناصر)
- وقسم الوزير المصحفي ومحمد بن أبي عامر ورجال الحكم المدنيين يرون استبقاء هشام في الحكم تقوية لنفوذهم واستئثارًا بالسلطة[1].
المنصور محمد بن أبي عامر:
برز في هذا الصراع محمد بن أبي عامر فقام بقتل المغيرة بن عبد الرحمن الناصر كان المرشح للخلافة بعد أخيه الحكم- ثم انقلب على صديقه جعفر بن عثمان، وأصبح رئيسًا للوزراء، وظل ابن أبي عامر يدبر المكائد والمؤامرات حتى حجر على الخليفة هشام واستولى على الدولة.
وقد قام محمد بن أبي عامر في سنة 381هـ=991م بتعين ولده عبد الملك رئيسًا للوزراء وجعل أخاه عبد الرحمن وزيرًا، وفي سنة 386هـ = 996م اتخذ المنصور لنفسه لقب الملك[2].
جهاده ضد الممالك النصرانية:
واصل المنصور مسيرة خلفاء بني أمية في الأندلس فقد حكم بالعدل، وقام بغزو البلاد المسيحية فخرج إلى قشتلية غازيًا، ثم خرج إلى مدينة شنت ياقوت عاصمة غليسية، وأعظم المشاهد النصرانية الموجودة ببلاد الأندلس.
وفي سنة 387هـ= 997م دخل المنصور مدينة قورية، وكانت آخر غزوة غزاها المنصور في ربيع 392هـ= 1002م وقصد فيها برغش وقشتالة وقد أحتلهم المنصور وهزم جيشهم وعاش في أرض مملكة ليون[3].
كان محمد بن أبي عامر جزعًا على مستقبل إرثه الذي أقامه في أحضان الخلافة الأموية، مدركًا أن مكتسباته لن تعيش طويلاً بعد غيابه لأنها ارتبطت بشخصه وبمنجزاته، وتوفى في مدينة سالم أثناء عودته من غزوة لإقليم قشتالة عام 392هـ=1002م، إلا أن جهوده أفرزت في النهاية حكمًا وراثيًا، فخلفه ابنه الأكبر عبد الملك المظفر، وأصدر الخليفة كتابًا بتوليته الحجابة[4].
[1]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني، 1/ 390.
[2]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص 89.
[3]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص90.
[4]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 249- 250.
دولة المرابطين بالأندلس (484- 539هـ)
من المرابطون؟ من هؤلاء الذين يهدد بهم ابن عبّاد ألفونسو؟
المرابطون هم قبائل ينسبون إلى حمير، وأشهر هذه القبائل لمتونه وجدالة ولمطة، ومن لمتونه كان أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وقد دخلت هذه القبائل المغرب مع موسى بن نصير، وتوجَّهوا مع طارق بن زياد إلى طنجة، لكنهم أحبوا الانفراد فدخلوا الصحراء بالمغرب الأقصى واستوطنوها[1].
وفي سنة 448هـ حدث بينهم انبعاث ديني، وانبثق فيهم من يدعو إلى الجهاد في سبيل الله، وتسمَّى هؤلاء بالمرابطين، وقد تغلب هؤلاء المرابطون على المنطقة كلها من الجزائر إلى السنغال، وكانوا رجالاً من طابع طارق وأصحابه لا تنقصهم الشجاعة وليس للترف إليهم منفذ، وفي سنة 462هـ آل أمر المرابطين إلى يوسف بن تاشفين وكان رجلاً تقيًا حازمًا داهية مجربًا، فمد فتوحه في المغرب الأفريقي حتى دان له جميعه، واختط مدينة مراكش تحت جبال المصامدة، الذين هم أشد أهل المغرب قوة، فكانت مراكش عاصمة لدولة المرابطين ثم ملك سبته وطنجة وأصبح بذلك مطلاً على جنوب الأندلس، ودولته هي أقوى دولة بالمغرب ومن ثم استنجد به أهل الأندلس[2].
السلطان يوسف بن تاشفين أمير المرابطين:
هو أمير المسلمين، السلطان أبو يعقوب يوسف بن تاشفين اللمتوني، ويعرف بأمير المرابطين[3]، وقال عنه ابن الأثير: "أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ملك المغرب والأندلس، وكان حسن السيرة خيرًا عادلاً، يميل إلى أهل العلم والدين، ويكرمهم ويحكِّمُهم في بلاده ويصدر عن آرائهم، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام، وكان إذا وعظه أحدهم خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه"[4].
وقال عنه ابن خلكان: "كان حازمًا سائسًا للأمور، ضابطًا لمصالح مملكته، مؤثرًا لأهل الدين والعلم، كثير المشورة لهم"[5].
[1]السابق نفسه ص397.
[2]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 397.
[3]مجدي فتحي السيد: تاريخ الإسلام والمسلمين في بلاد الأندلس ص 147.
[4]ابن الأثير: الكامل في التاريخ 10/417.
[5]وفيات الأعيان 7/ 124.
معركة الزلاقة
وافق يوسف بن تاشفين على تقديم المساعدة لأهل الأندلس واشترط أن يُمنَح الجزيرة الخضراء لتكون مركزًا لانطلاق جيوشه، بعد ذلك عبر يوسف بن تاشفين بجيوشه مضيق جبل طارق ونزل في الجزيرة الخضراء فنظم شؤونها وحصنها، ثم تابع تقدمه باتجاه إشبيلية.
كان ألفونسو السادس آنذاك يحاصر مدينة سرقسطة، وحينما علم بأنباء الزحف الإسلامي، رفع الحصار عنها وأسرع بجيوشه نحو جيوش المسلمين من المغاربة والأندلسيين، فالتقى بهم في شمال شرقي بطليوس عند سهل الزلاقة، وهناك دارت بين الطرفين معركة طاحنة في شهر رجب 479هـ أكتوبر عام 1086م، هزم فيها ألفونسو هزيمة شنعاء وجرح في المعركة واضطر إلى التراجع باتجاه الشمال مخليًا إقليم بلنسية.
والحقيقة أن انتصار المسلمين في الزلاقة كان له آثار كبيرة حيث أنقذ العالم الإسلامي في الأندلس من السقوط في يد النصارى، كما ثبت أقدام المرابطين فيها[1].
وبعد هذه المعركة رجع يوسف بن تاشفين إلى المغرب بعد أن ترك حامية مرابطية مكونه من ثلاث آلاف جندي بقيادة سير بن أبي بكر تساعد القوات الأندلسية في التصدي للهجمات الإسبانية التي بدأت تشن غاراتها على الأندلس انتقامًا لهزيمتها في الزلاقة[2].
بعد ذلك عاد الأندلسيون إلى سيرتهم الأولى بعد رحيل يوسف بن تاشفين، فاختلفوا فيما بينهم، وضايقوا القوة المغربية التي بقيت في الأندلس لحملها على ترك البلاد، وتجاوز الإسبان بعد عام ذيول هزيمتهم في الزلاقة بعد النجدات التي وفدت عليهم من فرنسا والبابوية فاستأنفوا عملياتهم العسكرية، واختاروا المناطق الأكثر ضعفًا في شرق الأندلس وهي بلنسية ومرسية ولورقة والمرية[3].
ونظرًا لخطورة الوضع قرر المعتمد الذهاب بنفسه إلى المغرب لطلب المساعدة من يوسف بن تاشفين، ووافق الزعيم المغربي على العبور مرة ثانية إلى الأندلس لإنقاذها من براثن الخطر النصراني، والسيطرة على ملوك الطوائف فعبر المضيق في عام 481هـ= 1088م، واستنفر الأندلسيين للجهاد.
وهاجم المسلمون حصن الليط الذي أقامه ألفونسو السادس، بين مرسية ولورقة، بعد معركة الزلاقة، غير أن تجددت الخلافات بين الأندلسيين وبخاصة بين المعتمد صاحب إشبيلية، والمعتصم صاحب المرية، حال دون فتح الحصن، وعاني يوسف بن تاشفين من هذه الخلافات ففقد ثقته بالأندلسيين، وعاد إلى المغرب عام 482هـ= 1089م وأخذ يستعد لعزل أمراء الأندلس، وضمها إلى المغرب[4].
[1]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص257.
[2]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص 127.
[3]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 258.
[4]السابق نفسه ص 258.
ضم الأندلس إلى المغرب
عبر يوسف بن تاشفين المضيق للمرة الثالثة في عام 483هـ= 1090م دون طلب استغاثة، فسار مباشرة إلى طليطلة مجتاحًا أراضي قشتالة، لكنه فشل في اقتحامها، ولم يتقدم أحد من الزعماء الأندلسيين لمساعدته، ثم اتجه إلى غرناطة وبها الأمير عبد الله بن بلكين بن باديس بن زيري الصنهاجي، فدخلها بعد حصار، وضم مالقة، وقاومه المعتمد بن عباد، وترك ابن تاشفين القيادة لبعض قواده الذين استطاعوا الاستيلاء على الكثير من الأراضي الأندلسية.
وجد المعتمد بن عباد نفسه وحيدًا في مواجهة المرابطين مما جعله يستنجد بألفونسو السادس، لكن المساعدة العسكرية التي دفع بها إلى ميدان القتال لقيت هزيمة قاسية في معركة جرت على مقربة من حصن المدور، بعد ذلك بفترة وجيزة تمكن المرابطين من دخول المدينة في 22من رجب 484هـ= سبتمبر 1091م[1].
ولم يكن من الصعب بعد سقوط إشبيلية التي كانت أقوى دول الطوائف أن يضم المرابطون باقي أجزاء الأندلس، ولم ينجح بالاحتفاظ باستقلاله سوى المستعين أحمد بن هود صاحب سرقسطة، والذي كانت إمارته بمثابة شوكة في خاصرة النصارى الشماليين، ويبدو أن يوسف بن تاشفين أدرك مدى أهميتها العسكرية كخط دفاع أول أمام النصارى، وفي تكوين جبهة قوية للوقوف في وجههم، لذلك بقيت سرقسطة الإمارة الوحيدة التي لم يضمها المرابطون، وعبر يوسف بن تاشفين في عام 496هـ= 1102م إلى الأندلس لتنظيم شؤونها الإدارية، وأضحى هذان البلدان المغرب والأندلس يشكلان دوله واحدة عاصمتها مدينة مراكش التي بناها يوسف بن تاشفين[2].
وقد تُوُفي يوسف بن تاشفين في شهر محرم عام 500هـ = سبتمبر 1106م تاركًا لابنه أبي الحسن علي أقوى دولة عرفها الغرب الإسلامي حتى ذلك الحين[3].
علي بن يوسف بن تاشفين:
خلف يوسف ابنه علي وكان في الخامسة والثلاثين من عمره، وكان قد تدرب على شئون الحكم والحرب وسياسة الدولة في أيام أبيه، ولهذا فقد سار بأمور دولته سيرًا حثيثًا إلى الأمام، وسجل اسمه بين عظماء تاريخ المغرب الإسلامي، وكان إلى جانب ذلك شديد التدين حريصًا على الجهاد، منصرفًا إلى الدراسة ومجالسة الفقهاء[4].
واهتم علي بن يوسف بالدفاع عن بلاده وتصدى بشجاعة كبيرة لمحاربة النصارى في الأندلس، فأرسل خيرة رجاله وقواده إلى القتال واستشهد كثيرون منهم في ميدان القتال، وإذا كان أبوه قد كسب موقعة الزلاقة فقد كسب هو معارك اقيش 501هـ= 1116م وافراغة 528هـ = 1134م وفي هذه المعركة الأخيرة لقي ألفونسو المحارب ملك أرغون مصرعه بعد أن طال حكمه وكثر أذاه للمسلمين[5].
وبينما كان علي بن يوسف يواصل جهوده في المغرب والأندلس بدأ محمد بن تومرت المعروف بمهدي الموحدين دعايته ضد المرابطين واجتهد في تشويه سمعتهم واتهامهم بالمروق عن الدين والتجسيم وما إلى ذلك، وقد نجحت دعايته لأنه توجه بها إلى فريق من البرانس كانوا يتشوقون بدورهم إلى إنشاء دولة تضاهي ما وصلت إليه قبائل لمتونه ومسوفة وجدالة وغيرها من المجموعة الصنهاجية الصحراوية المرابطية[6].
توفى علي بن يوسف سنة 533هـ= 1138م فانتهت بوفاته فترة طويلة من الرخاء واستقرار الأحوال في الأندلس والمغرب، وكان قد تلقب مثل أبيه بلقب أمير المسلمين[7].
[1]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيزص 259.
[2] السابق نفسه ص260.
[3]السابق نفسه ص 260.
[4]حسين مؤنس موسوعة تاريخ الأندلس 2/78.
[5]السابق نفسه 2/ 78.
[6]حسين مؤنس: معالم تاريخ المغرب والأندلس ص 200.
[7]حسين مؤنس: موسوعة تاريخ الأندلس 2/79.
دولة الموحدين (539- 620هـ)
محمد بن تومرت:
من قبيلة مصمودة البربرية، ولكنه كان في الأصل من أحفاد العلويين الأدارسة الذين اندمجوا في البربر بعد سقوط دولتهم، فهو عربي الأصل، بربري النشأة، خرج طالبًا للعلم وتأثر بآراء بن حزم، ورحل إلى المشرق فلقي في بغداد أبا بكر الشاشي وأخذ عليه شيئًا من أًول الفقه وسمع الحديث على المبارك بن عبد الجبار، ثم عاد فمرَّ بالإسكندرية فحضر مجالس أبي بكر الطرطوشي، ثم ذهب إلى بلاد المغرب ومنها إلى أغمات، ولحق بالجبل وبدأ في دعوته[1].
أسس عبد الله محمد بن تومرت دعوته على أساس ديني قوامه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أساس قبلي وهو الصراع بين القبائل البربرية، قبيلة لمتونة (المرابطين)، وقبيلة هرغة من مصمودة (الموحدين)، واتخذ محمد بن تومرت حصن (تينملل) مقرًا له ولدعوته.
أما المرحلة الثانية لدولة الموحدين فكانت بقيادة عبد المؤمن بن علي 524- 543هـ والتي توجت بسقوط دولة المرابطين وقيام دولة الموحدين[2].
عبد المؤمن بن علي:
هو عبد المؤمن بن علي، سلطان المغرب، لقب بأمير المؤمنين، ذكر ابن العماد في شذرات الذهب أنه كان ملكًا عادلاً، سائسًا، عظيم الهيبة، عالي الهمة، متين الديانة، كثير المحاسن، قليل المِثل، وكان يقرأ كل يوم سُبُعًا من القرآن العظيم، ويجتنب لبس الحرير وكان يصوم الاثنين والخميس، ويهتم بالجهاد والنظر في الْمُلْك كأنما خُلق له، ولكنه كان سفّاكا لدماء من خالفه[3]!!
وذلك أمر غريب أن يجتمع التدين الظاهري مع سفك الدماء، ولكن هذه الدولة دولة الموحدين كانت دولة فاسدة العقيدة منذ مؤسسها ابن تومرت، ولم يصلح منها، ويسير على منهج الإسلام إلا أبا يعقوب يوسف المنصور بن عبد المؤمن هذا.
عاد مسلمو الأندلس يطلبون النجدة من الموحدين في شمال إفريقية كما طلبوها من قبل من المرابطين، فأرسل عبد المؤمن جيشًا سنة 539هـ فدخل الأندلس ولم يمض أكثر من خمس سنوات حتى صارت جميع بلاد المسلمين في الأندلس في يد الموحدين، ولكن الموحدين لم يفكروا في أن يجعلوا من الأندلس قاعدة لملكهم، بل أرسلوا نوابًا عنهم يحكمونها باسمهم، وبقيت قاعدة ملكهم مراكش[4].
تُوُفي الخليفة عبد المؤمن في 20من جُمَادى الآخرة 558هـ= 25مايو 1163م، وخَلَفَه ابنه أبو يعقوب يوسف.
أبو يعقوب يوسف المنصور:
يقول فيه يقول فيه ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان "وهو الذي أظهر أبهة ملكهم ورفع راية الجهاد ونصب ميزان العدل وبسط أحكام الناس على حقيقة الشرع ونظر في أمور الدين والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الحدود حتى في أهله وعشيرته الأقربين كما أقامها في سائر الناس أجمعين، فاستقامت الأحوال في أيامه وعظمت الفتوحات"[5].
[1]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 402.
[2]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص 131.
[3]ابن العماد: شذرات الذهب182/4
[4]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 403.
[5]ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/7.
موقعة الأرك 591هـ
الأرك حصن على بعد عشرين كيلو مترًا إلى الشمال الغربي من قلعة رباح، على أحد فروع نهر وادي آنة، وهي نقطة الحدود بين قشتالة والأندلس، في حين تجهَّز ألفونسو الثامن ملك قشتالة للقاء الجيش الإسلامي وطلب العون من ملكي ليون وونبارة.
ونظم أبو يوسف يعقوب المنصور جيشه، ودارت المعركة وانتهى يوم الأرك بهزيمة النصارى على نحو مروع، وسقط منهم في القتال ثلاثون ألف قتيل، وغنم المسلمون معسكر الإسبان بجميع ما فيه من المتاع والمال، واقتحموا عقب الموقعة حصن الأرك، وقلعة رباح[1].
نتائج معركة الأرك:
ارتفاع الروح المعنوية لمسلمي الأندلس، وسقوط هيبة ملوك النصارى أمام مسلمي الأندلس، كما جعلت ملوك النصارى يسارعون في عقد المعاهدات مع المسلمين، وإيقاف الحروب والإذعان للشروط التي يضعها الموحدون، وأيضًا من النتائج المهمة أن انصاعت بعض قبائل المغرب التي كانت تفكر في الثورة على الموحدين[2].
[1]د/ علي محمد الصلابي: إعلام أهل العلم والدين بأحوال دولة الموحدين ص 133-137.
[2]السابق نفسه ص 139.
عصور الضعف في تاريخ الأندلس
1- عهد الولاة
2- مرحلة التدهور في عهد الإمارة الأموية
3- مرحلة التدهور في الدولة العامرية
4- نهاية حكم الأمويين بالأندلس
5- عصر ملوك الطوائف
6- فترة الضعف في أواخر دولة المرابطين
7- فترة الضعف في أواخر دولة الموحدين
8- دولة بني الأحمر في مملكة غرناطة
9- حركة إزالة العالم الإسلامي
عهد الولاة
تولى عبد العزيز بن موسى بن نصير بعد والده ولكنه تعرض لحادثة اغتيال وكان ذلك بداية عهد مضطرب ومشوش كان من أبرز سماته عدم الاستقرار السياسي والتناقضات القبلية والعنصرية بين العرب أنفسهم ثم بينهم وبين البربر[1]، ومما يدل على التدهور الذي وصلت إليه البلاد في تلك الفترة من (95 138هـ) (714 755م) هو أن من تولى أمر الأندلس خلال تلك الفترة 22واليًا حكم واحد منهم مرتين[2].
تتابع الولاة على الأندلس بعد مقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير، فتولى أيوب بن حبيب اللخمي لمدة ستة أشهر فقط، ثم عين الحر بن عبد الرحمن الثقفي الذي نقل العاصمة من إشبيلية إلى قرطبة، وأنهمك في قمع الفتن والثورات التي كانت ناشبة بين العرب والبربر ولكنه فشل في حل تلك النزاعات، وتولى بعده السمح بن مالك الخولاني وبادر إلى وضع حد للنزاعات وقام بالعديد من الإصلاحات، ولكنه استشهد في معركة مع الصليبيين بالقرب من تولوز عام 102هـ= 721م[3].
بعد ذلك تولى عنبسة بن سحيم الكلبي وقتل هو الأخر أثناء عودته من إحدى الغزوات في 107هـ=712م، وبعد وفاته عمت حالة من الاضطراب وفقدان الاستقرار البلاد في ظل تفاقم الخلافات بين القبائل، وتمرد البربر، وتفكك الجيش، وعاقب على الحكم ولاة معظمهم فرضته العصبية القبلية، ولم تنتهِ هذه الحالة المضطربة إلا بتعين عبد الرحمن الغافقي واليًا على الأندلس عام 113هـ=731م[4].
[1]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص210-211.
[2]حسين مؤنس: معالم تاريخ المغرب والأندلس ص 277.
[3]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص212.
[4]السابق نفسه ص 212-213.
عبد الرحمن الغافقي وهزيمته في موقعة بلاط الشهداء
ما السبب في هزيمة عبد الرحمن الغافقي في موقعة بلاط الشهداء بعد تلك الانتصارات التي حققها؟
كان هناك عدة أسباب وراء هزيمة عبد الرحمن الغافقي، كان من تلك الأسباب بُعد الجيش الإسلامي عن بلاد الإسلام فكان على بعد 400كم تقريبًا شمال جبال ألبرت تبعد 900كم عن قرطبة - بالإضافة إلى النزاعات التي كانت بين البربر وبين العرب وكان ذلك من أهم العوامل التي أدت إلى هزيمة المسلمين، بالإضافة إلى عوامل أخرى منها أن الوقت كان خريفًا وهو وقت سقوط المطر في تلك النواحي، بالإضافة إلى عامل آخر هام وهو انشغال المسلمين بالغنائم الكثيرة التي كانوا يحملونها نتيجة الفتوحات الكبيرة التي قاموا بها قبل الوصول إلى تلك الموقعة[1].
وكان من نتائج هذه المعركة أن توقف المد الإسلامي باتجاه قلب أوربا، وقضت على تصميمهم في اجتياح هذه القارة، وأقنعتهم بالاكتفاء بما حققوه من إنجازات فيما وراء البرينييه.
في المقابل بددت مخاوف الأوربيين من اجتياح إسلامي للقارة، وأنقذت النصرانية في أوربا الغربية من حكم إسلامي محتمل، وجعل هذا النصر من شارل مارتل بطل النصرانية الأول[2].
بعد ذلك تولى عدد من الولاة كانت الفتن والنزاعات القبلية أهم ما يميز عصرهم إلى أن وصلوا إلى يوسف بن عبد الرحمن الفهري آخر الولاة الذين حكموا الأندلس في هذا العهد، حيث سقطت في غضون ذلك الخلافة الأموية في دمشق، وتمكن أحد الأمراء الأمويين، وهو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، أن ينجو من المذابح التي نفذها العباسيون بحق الأمراء الأمويين، ويمم وجهه شطر المغرب ثم الأندلس ليدخلها ويؤسس الدولة الأموية فيها[3].
[1]حسين مؤنس: موسوعة تاريخ الأندلس 1/ 43-44.
[2]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص220.
[3]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص216.
مرحلة التدهور في عهد الإمارة الأموية
تولى حكم الإمارة بعد وفاة عبد الرحمن الثاني أمراء ضعاف، فتمزقت الأندلس وتفجرت الثورات في أنحائها المختلفة، واستقل الثوار بحكم المناطق التي ثاروا فيها، وتقلص نفوذ بني أمية فاقتصر على قرطبة وضواحيها، وتعد المدة الزمنية بين أعوام (238-300هـ=852-912م) مضطربة سياسيًا وعسكريًا، وتمثل انتكاسة للمنجزات الكبيرة التي تحققت على يد الأمراء الأوائل[1].
أمّا عن الأسباب المسئولة عن هذا الضعف والتدهور الذي وصلت إليه الأندلس في تلك الفترة فيكمن في عدم التجانس بين عناصر شعب الأندلسي؛ فرغم الرخاء الذي عم ربوع البلاد فإن المجتمع الأندلسي لم يكن متجانسًا، إنما تشكل من عدة شعوب متعددة خضعت للسيادة الأموية إما طوعًا أو كرهًا دون أن يجمعها قاسم مشترك، وعاشت في تنافر عنصري وديني، ولم يندمج بعضها ببعض[2].
ونتيجة لذلك كثرت الثورات فكون العرب دويلات أهمها دولة بني حجاج في أشبيلية من قبيلة لخم اليمنية، أما البربر فقد خلعوا طاعة أمراء بني أمية، وعادوا إلى القبائل واستقلوا بالولايات الغربية وجنوب البرتغال، واحتلوا مراكز عظيمة الشأن في الأندلس نفسه كمدينة جيان.
أمّا مولدو الأسبان فقد استولوا على ولاية الجرف في الزاوية الجنوبية الغربية من الأندلس، وملكوا عددًا كبيرًا من المدن والولايات المستقلة بالأندلس، وكان ابن حفصون أكثر هؤلاء قوة وبأسًا وظل يحكم ويمد نفوذه على البلاد حتى اقترب من قرطبة، وظل ابن حفصون في قوته حتى أعلن ارتداده عن الإسلام ليغري المستعربة بالانضمام إليه، ولكن جاء هذا وبالاً عليه؛ فقد انفضَّ من حوله المسلمون، ولم ينضم إليه النصارى، فضعف أمره وزالت دولته[3].
[1]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 233-234.
[2]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص234.
[3]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني، 1/ 383-384.
عهد الضعف في الدولة العامرية
عبد الملك المظفر الحاجب:
تولى عبد الملك المظفر الحجابة بعد موت أبيه محمد بن أبي عامر 392هـ= 1002م ولكنه لم يكن مؤهلاً لتخطي العقبات التي كان عليه أن يتخطاها، فلم يكن يملك موهبة القيادة كما كان والده، فقد كان واقعًا تحت تأثير رجاله، ومع ذلك فقد قام بسبع غزوات في بلاد الروم ففي سنة 393هـ= 1003م خرج في غزوته الأولى التي فتح فيها حصن يمقصر من ثغر برشلونة، وخرج في غزوة عام 395هـ =1005م إلى جليقية، وفي العام التالي إلى بنبلونة، وفي عام 397هـ= 1007م خرج إلى قشتلية وهي الغزوة المشهورة بغزوة النصر، وقد هزم النصارى في هذه الغزوة هزيمة عظيمة وعلى إثر هذه الغزوة سمي عبد الملك بالمظفر.
وتوفى عبد الملك وهو في الطريق لتنفيذ إحدى غزواته في الشمال سنة 399هـ=1008م[1].
عبد الرحمن بن المنصور:
كان مستهترًا محبًا للملذات طمع فيما لم يطمع فيه أبوه ولا أخوه، إذ طمع في السلطة الشرعية، وأراد أن يستأثر بما بقى للأمويين من رسوم الخلافة، فطلب من هشام أن يكتب له بولاية العهد، فأثار ذلك المرسوم المضريين الذين كبر عليهم أن ينتقل العرش إلى اليمنيين (القحطانين)، وأن تبتعد الخلافة عن قريش، فانبعثت العصبية العربية من جديد وانتهز الأمويون والمضريون فرصة غياب عبد الرحمن في الشمال وولوا رجلاً من أحفاد الناصر هو (محمد بن هشام بن عبد الجبار بن أمير المؤمنين الناصر) ولقبوه بالمهدي بالله.
ولما بلغت الأخبار عبد الرحمن رجع من الشمال، وكان كلما اقترب من قرطبة انفضَّ عنه جماعة من جيشه حتى صار في قلة من أصحابه، فاعترضه من خصومه معترض، فقبض عليه وحزَّ رأسه وحمله إلى المهدي وبموته انتهت دولة بن عامر[2].
[1]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص90-91.
[2]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني، 1/392.
الانهيار ونهاية حكم الأمويين بالأندلس: (399هـ- 422هـ)
تلاحقت الأحداث بعد ذلك سريعة ومذهلة، ومرَّت دولة الأمويين في الأندلس بأجواء عاصفة، ومشحونة بالصراعات الدموية بين عناصر الأسرة الحاكمة، حيث اعتلى منصب الخلافة عدد من الخلفاء لم يكن أحد منهم على مستوى الأحداث[1].
فقد تولى الأندلس في تلك الفترة عدد من الخلفاء الأمويين يزيد على عدد من تولوا طيلة القرون الثلاثة الماضية، وضاعت هيبة الخلافة وانقسمت البلاد مرة أخرى وبرزت العنصرية المقيتة بشكل واضح، ووصل الأمر إلى أن يستعين كل فريق على خصمه بنصارى الشمال الذين كانوا ينتهزون تلك الفرصة للحصول على الحصون نظير إجابتهم طلب النجدة.
وبعد تلك الأحوال التي وصلت إليها الأندلس كان الأمر الطبيعي المتوقع حدوثه أن تسقط الدولة الأموية بالأندلس، وقد حدث ذلك بالفعل بموت آخر خلفائها المعتمد بالله سنة 422هـ، وبموته أعلن الوزير أبو محمد بن جهور انتهاء الخلافة، لعدم وجود من يستحقها، وأنه سيحكم الدولة جماعة من الوزراء على نظام شبه جمهوري.
وبانتهاء هذه الفترة انقسمت البلاد إلى دويلات صغيرة، واستقل كل أمير بمقاطعته، وأعلن نفسه ملكًا عليها، ودخلت الأندلس في عصر جديد هو عصر ملوك الطوائف[2].
ولكن قبل الانتقال إلى عصر ملوك الطوائف كان لابد أن نعرف أولاً ما أسباب سقوط الخلافة الأموية في الأندلس؟
[1]محمد سهيل طقوش: التاريخ الإسلامي الوجيز ص 251.
[2]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني، 1/393.
أسباب سقوط الخلافة الأموية في الأندلس
تكمن تلك الأسباب أولاً في غياب القائد والأداة القادرة على الحسم في الوقت المناسب: فالأندلس في هذه الفترة كانت بحاجة إلى أمثال عبد الرحمن الداخل الذي أسسها وإلى أمثال عبد الرحمن الناصر الذي بنى مجدها الحضاري.
ثانيًا: الفصل بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية:
منذ تأسيس الدولة ظلَّ الأمير أو الخليفة يجمع السلطتين الزمنية والروحية حتى سيطر على الحكم الحاجب المنصور بن أبي عامر وأبناؤه، فانتزعوا السلطة الزمنية لأنفسهم وتركوا الخلافة مجرد رمز لا معنى له في الأصل، وكان هذا الفصل مقدمة لنهاية الخلافة.
ثالثًا: التركيبة الاجتماعية للأندلس:
كان أهل الأندلس أخلاطًا متنافرة من السكان بعضهم عرب وبعضهم بربر وبعضهم صقالبة، وبعضهم مولدون وبعضهم مستعربون أو يهود، وكان لزامًا على الحكم أن يصنع الحزم لأن الرغبة في الاستقلال تجعل هناك نوعًا من الحساسية.
رابعًا: الاستعانة بأمراء وملوك الممالك الإسبانية الشمالية:
أدَّى التنازع بين الأمراء إلى استعانة البعض بالنصارى مقابل التنازل عن بعض الحصون والمدن الحدودية وهذا بالتأكيد أدى إلى تفكك الدولة الأموية.
ومن المؤلم تصور الصرح الشامخ الذي بناه رجال أمثال عبد الرحمن الداخل والأوسط والثالث ورجل مثل المنصور بن أبي عامر، ينهار خلال بضع سنوات وذلك استجابة لسنة من سنن الله في الأرض: "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، ويصبح الأندلس بعد ذلك دويلات وإمارات صغيرة وادعى كل حاكم من هؤلاء أنه ملك مقتدر بل أنهم جميعًا تلقبوا بألقاب تدل على سعة الملك وعظيم الشأن وهي لا تنم عن حقيقة حالهم، وقد وصف ابن رشيق حال الأندلس في ظل هذه الدويلات بقوله:
مما يُزَهِّدني في أرض أندلس *** أسماء معتضد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد[1]
[1]عبد القادر قلاتي: الدولة الإسلامية في الأندلس من الميلاد إلى السقوط ص 95-96.
عهد دول الطوائف (422-897هـ= 1031- 1086م)
لم تكد الخلافة الأموية تسقط حتى استقل كل بما امتلكته يده، فأصبح لكل مدينة أو مقاطعة أمير مستقل، فالبربر بالجنوب والصقالبة بالشرق، وأما البقية الباقية فقد ذهبت إلى أيدي محدثي النعم أو بعض الأسر القديمة، وقد حكم في هذه الفترة نحو عشرين أسرة مستقلة، في عشرين مدينة أو مقاطعة، ومن أشهر ملوك الطوائف:
- بنو عبَّاد بأشبيلية
- بنو حمود الأدارسة بمالقة والجزيرة
- بنو زيري بغرناطة
- بنو هود بسرقسطة.
- بنو ذي النون بطليطلة وهم أقوى هؤلاء الملوك[1].
وقد أحسن بعض هؤلاء الملوك، وإن كان أكثرهم عتاة جبارين، غير أنهم كانوا مثقفين محبين للعلم، وكانت قصورهم مثابة للشعراء والأدباء والعلماء، وقد عاش في هذه الفترة وفي بلاط هؤلاء الملوك كثير من العلماء الكبار والأدباء العظام ممن تفخر بهم الأندلس، كما كان من بين هؤلاء الملوك أنفسهم من كان عالمًا أديبًا شاعرًا.
[1]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 394.
المسلمون يدمرون أنفسهم بأنفسهم
كان ألفونسو السادس قد وحَّد تحت إمارته استوريا وليون وقشتالة، ورأى أن يستفيد من الفوضى في الأندلس، خاصة أن أكثر ملوك الطوائف كانوا يتقربون إلى ألفونسو بالعطايا والإتاوات، يطلبون حمايته، فكان ألفونسو يجمع منهم ما يعد به العدة للقضاء عليهم وهم لا يشعرون.
وكان ألفونسو ينتهز كل فرصة ليستولي على الحصون والقلاع، واحدة إثر الأخرى، حتى وثبة وثبة سنة 478هـ استولى فيها على طليطلة، ووضع حامية تزيد على أثنى عشر ألفًا في حصن ليط في وسط الأندلس، ومن هذا الحصن كانت تخرج جنوده لتغير وتنهب[1].
ومن الأمور التي تدعو إلى العزة في ذلك الوقت رغم الأحوال التي وصلت إليها الأندلس في عهد ملوك الطوائف، ذلك الموقف الذي قام به المتوكل بن الأفطس حاكم بطليوس ذلك الحاكم الوحيد الذي رفض أن يدفع الجزية إلى ملك قشتالة الذي أرسل إليه يهدده، ويطلب منه الجزية مقابل أن يتركه دون قتال، وردَّ عليه في رسالة قوية تدل على شجاعته وهذا نصها:
"وصل إلينا من عظيم الروم كتاب مدع في المقادير وأحكام العزيز القدير، يرعد ويبرق، ويجمع تارة ثم يفرق، ويلدد بجنوده الوافرة وأحواله المتظافرة، ولو علم أن لله جنودًا أعز بهم كلمة الإسلام وأظهر بهم دين نبينًا محمد - عليه السلام - أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون، بالتقوى يعرفون وفي التوبة يتضرعون، ولئن لمعت من خلف الروم بارقة فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليميز الله الخبيث من الطيب ويعلم المنافقين"[2].
"أما تعييرك للمسلمين فيما وهي من أحوالهم فبالذنوب المركوبة، ولو اتفقت كلمتنا مع سائرنا من الأملاك علمت أي مصاب أذقناك كما كانت آباؤك تنجزعه فلم تزل تذيقها من الحمام ضروب الآلام شؤمًا تراه وتسمعه وإذا المال تتورعه، وبالأمس كانت قطيعة المنصور على سلفك أهدى ابنته إليه مع الذخائر التي كانت تفد كل عام عليه، وأما نحن إن قلت أعدادنا وعدم من المخلوقين استمدادنا فما بيننا وبينك بحر نخوضه ولا صعب نروضه إلا السيوف تشهد بحدها رقاب قومك وجلاد تبصره في ليلك ويومك، وبالله - تعالى -وملائكته المسومين نتقوى عليك ونستعين، ليس لنا سوى الله مطلب ولا لنا إلى غيره مهرب، وما تتربصون بنا إلا إحدى الحسنتين، نصر عليكم فيا لها من نعمة ومنة، أو شهادة في سبيل الله فيا لها من جنة، وفي الله العوض مما به هددت وفرج يفتر بما مددت ويقطع فيما أعددت"[3].
يئس ملوك الطوائف أن يتوحدوا، فتوجه نظرهم إلى دولة المرابطين بأفريقية، ولقد توجس بعض مشيري ابن عباد ملك أشبيلية وقرطبة من هذه الدعوة خيفة، ولكنه أسكتهم بقوله: "لأن أكون راعي جمال في صحراء أفريقية خير من أرعى الخنازير في قشتالة".
كان المعتمد بن عباد آخر ملوك بني عباد وكان عربيًا شاعرًا، ولكنه كان ذليلاً لألفونسو حيث كان يدفع له كغيره حتى طلب منه ألفونسو يومًا أن يسمح لزوجته أن تدخل جامع قرطبة لتلد فيه حسب إشارة القسيسين والأساقفة، فلم يتمالك ابن عباد نفسه فقتل حامل الرسالة لوقاحتها، وأمر به فصُلِبَ منكوسًا بقرطبة، وأمر بمن معه من الفرسان فقتلوا، وبلغ الخبر ألفونسو فأقسم ليغزونه بأشبيلية، فأعدَّ ألفونسو لذلك جيشين زحف أحدهم إلى كورة باجة ثم أشبيلية، وقاد الجيش الثاني بنفسه ثم لحق به الجيش الأول، ونزل بهما أمام قصر ابن عباد على الضفة الأخرى من نهر الوادي الكبير، وكتب إلى ابن عباد يتهكم: "لقد كثر بطول مقامي في مجلسي الذباب، واشتد على الحر، فأتحفني من قصرك بمروحة أُرَوِّح بها على نفسي، وأطرد الذباب عن وجهي".
فوقع له ابن عباد على الرسالة بخطه قائلاً: "قرأت كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك، وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية في أيدي الجيوش المرابطية، تُرِيح منك لا تُرَوِّح عليك، إن شاء الله! "؛ فلما تُرْجِمَ لألفونسو توقيع ابن عباد في الجواب، أطرق إطراق من لم يخطر له ذلك ببالٍ.
وابن عباد يشير بالجلود اللمطية إلى الاستعانة بالمرابطين في شمال أفريقية[4].
[1]السابق نفسه ص395.
[2]الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية ص 20-23
[3]الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية ص 20-23
[4]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 396.
تاشفين ونهاية دولة المرابطين
تاشفين بن علي (533 539 هـ = 1138- 1144م) ونهاية دولة المرابطين في المغرب والأندلس.
خلَّف علي بن يوسف مُلكًا عريضًا حافلاً بالمشاكل والمصاعب لابنه تاشفين، وكان شابًا حسن الاستعداد، ولكن الظروف التي تولى فيها كانت عسيرة تحتاج إلى رجل ذي تجربة أوسع، ثم إن محمد بن تومرت استعمل أساليب غاية في القسوة والبعد عن الأخلاق في محاربة المرابطين معتمدًا على قبائل أكبر وأَضخم من قبائلهم.
وقد اضطر المرابطون إلى توجيه كل قواهم إلى صراع الموحدين في المغرب دفاعًا عن كيانهم وبهذا حرم الأندلس من جهودهم فيه، والأغرب من ذلك قيام نفر من زعماء أهل الأندلس بالثورة على المرابطين حاسبين أن توقف النصارى عن مهاجمة البلاد الإسلامية سيستمر إذا غاب المرابطون فلم تنفعهم ثوراتهم وأسرعوا ببلادهم إلى الزوال.
وبعد تاشفين بن علي تولى ابنه إسحاق بن تاشفين وكان صبيًا، وفي أيامه تمكن عبد المؤمن بن علي أول خلفاء الموحدين من القضاء على دولة المرابطين ودخول مراكش فلم يدم حكم إسحاق أكثر من عام[1].
ولكن لماذا تسقط دولة مثل دولة المرابطين بعد أن وصلت إلى تلك القوة وأنقذت الأندلس مما كانت عليه؟
[1]السابق نفسه 2/ 80-81.
أسباب سقوط دولة المرابطين
1- ظهور روح الدعة والانغماس في الملذات والشهوات عند حكام المرابطين وأمرائهم في أواخر عصر علي بن يوسف، وكان للمجتمع الأندلسي تأثير لا ينكر في قادة وحكام دولة المرابطين الذين استجابوا لنزوات شهواتهم وانغمسوا في الحياة الدنيا، فتحقق قول الله - تعالى -: ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16].
2- ظهور السفور والاختلاط بين النساء والرجال، فقد بدأت دولة المرابطين في آخر عهد الأمير علي بن يوسف تفقد طهرها وصفاءها الذي اتصف به جيلهم الأول، مما جعل الرعية المسلمة تتذمر من هذا الانحراف والفساد، وتستجيب لدعوة محمد بن تومرت الذي أظهر نفسه للناس بالزاهد والناسك والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
3- انحراف نظام الحكم عن نظام الشورى إلى الوراثي الذي سبب نزاعًا عنيفًا على منصب ولاية العهد بين أولاد علي بن يوسف، كما تطلع مجموعة من الأمراء إلى منصب الأمير علي ونازعوه في سلطانه مما سبب تمزقًا داخليًا أدى إلى إضعاف الوحدة السياسية وإسقاط هيبة الدولة المرابطية.
4- الضيق الفكري الذي أصاب فقهاء المرابطين وحجرهم على أفكار الناس، ومحاولة إلزامهم بمذهب الإمام مالك وحده، وعملوا على منع بقية المذاهب السنية تعصبًا لمذهبهم، وكان لفقهاء المالكية نفوذ كبير مما جعلهم يوسعون تعصبهم وتحجرهم الفكري، بالإضافة إلى استغلال بعض الفقهاء نفوذهم من أجل جمع المال، وامتلاك الأراضي وعاشوا حياة البذخ والرفاهية المفرطة، وكان ذلك في إيجاد ردة فعل عنيفة عند أفراد المجتمع المرابطي.
وقد انبرى الشعراء في تصوير حال الفقهاء في تلك الفترة، فقال أبو جعفر أحمد بن محمد المعروف بابن البني:
أهل الربا لبستم ناموسكم *** كالذئب أدلج في الظلام العاتم
فملكتم الدنيا بمذهب مالك *** وقسمتم الأموال بابن القاسم
وركبتم شهب الدواب بأشهب *** وبأصبغ صبغت لكم في العالم
5- ومن أهم العوامل التي أسقطت دولة المرابطين فقدها لكثير من قياداتها وعلمائها العظام أمثال سير بن أبي بكر، ومحمد بن مزدلي، ومحمد بن فاطمة، ومحمد بن الحاج، وأبي إسحاق بن دانية، وأبي بكر بن واسينو، فمن لم يستشهد من كبار الدولة أدركه الموت الطبيعي، ولم يستطيع ذلك الجيل أن يغرس المبادئ والقيم لمن بعدهم.
6- أيضًا من الأمور التي أنهكت دولة المرابطين أنها مرت بأزمة اقتصادية حادة نتيجة لانحباس المطر عدة سنوات، وحلول الجفاف والقحط بالأندلس والمغرب، وزاد من حدة الأزمة الاقتصادية إن أسراب الجراد هاجمت ما بقى من الأخضر على وجه البلاد مما هيأ الظروف لانتشار مختلف الأوبئة بين كثير من السكان، ووقعت هذه الأزمة في الفترة الواقعة ما بين أعوام 524هـ- 530هـ.
7- ومن الأسباب الرئيسية في زوال دولة المرابطين صدامها المسلح مع جيوش الموحدين[1].
[1]د/ علي محمد الصلابي: الجوهر الثمين بمعرفة دولة المرابطين ص227- 229.
موقعة العقاب وبداية النهاية لدولة الموحدين
في سنة 609هـ أعلن الصليبيون حملة واسعة النطاق ضد المسلمين بالأندلس، فجاءهم المتطوعون من فرنسا وألمانيا وإنجلترا وإيطاليا، وقاد الناصر ابن المنصور بالله جيش المسلمين، وكان عدته كما تقول بعض الروايات حوالي نصف مليون من المحاربين، ولما لم يكن الناصر بارعًا في القيادة، فدارت الدائرة عليه وفقد معظم جيشه، بل إن هذه المعركة كانت نهاية لدولة الموحدين في الأندلس، فقد سقطت المدن الإسبانية مدينة إثر أخرى في يد الصليبين، وعم الشغب بين قبائل البربر في إفريقية، وتوالت وثبات المنافسين للموحدين فيها فتبددت قوتهم وطمع فيهم أمراء الأندلس، فأزاحوهم عن الأندلس سنة 633هـ وأعلن ابن هود نفسه حاكمًا لأكثر بلاد الجنوب، ولما قضى نحبه تحول حكم الأندلس إلى بني نصر أمراء غرناطة سنة 620هـ[1].
ولكن ما السبب وراء هزيمة المسلمين في هذه المعركة رغم ما وصلوا إليه من قوة؟
يكمن ذلك في عدة أسباب منها: الإعجاب بالكثرة، وكأن غزوة حنين تتكرر بعد حوالي ستة قرون في الأندلس، وأيضًا ضعف شخصية الناصر لدين الله كان من أهم أسباب الهزيمة، بالإضافة إلى إصرار ملك قشتالة على الانتقام من هزيمة الأرك، وأيضًا الثورات التي حدثت في المغرب مع بني غانية جعلت الموحدين ينفقون فيها نفائس أموالهم ويقدمون خيرة رجالهم[2].
[1]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 403- 404.
[2]د/ علي محمد الصلابي: إعلام أهل العلم والدين بأحوال دولة الموحدين ص 161-162.
أسباب سقوط دولة الموحدين
1- ظلمهم الفظيع للمرابطين وسفكهم للدماء واعتداؤهم على الأموال وسبيهم للنساء بدون وجه حق، فمضت فيهم سُنَّة الله في الظلم والظالمين.
2- من أسباب السقوط ثورة بني غانية وهم من بقايا المرابطين، حيث قامت هذه الثورة على أسس فكرية ناهضت الأسس التي قامت عليها دولة الموحدين.
3- ثورات الأعراب المتتالية؛ حيث إن قبائل بني سليم وبني هلال التي سكنت إفريقية والمغرب الأوسط وبعد ذلك المغرب الأقصى لا تنظر إلا لمصالحها، فأحيانًا تتحالف مع بني غانية ضد الموحدين وأحيانًا تخضع لدولة الموحدين.
4- ثورات الأندلس ضد دولة الموحدين: ومن أشهر هذه الثورات، ثورة محمد بن مردنيش الذي لم يتم القضاء عليه إلا بعد ربع قرن من تحالفه مع النصارى.
5- النزاع على الخلافة بين الموحدين ولم يستطيعوا أن يضعوا نظامًا ثابتًا لتولِّي الخلافة عندهم.
6- أيضًا من العوامل المسئولة عن سقوط الموحدين الترف والانغماس في الشهوات[1].
[1]السابق نفسه ص 165-172.
دولة بني الأحمر في مملكة غرناطة (620- 897هـ)
كانت مملكة غرناطة هي بقية ملك المسلمين في الأندلس بعد أن تمزق دولتهم، ووقوع أكثر المدن الكبرى في أيدي الصليبيين، وكان منشئ دولة بني الأحمر رجلاً عربيًا من بني نصر الدين يقال إنهم ينتسبون إلى خزرج المدينة ويدعى محمد بن يوسف، كان رجلاً شديد المراس ذا خلق كريم وكفاية نادرة، ولذلك لُقِّب بالشيخ اعترافًا له بالزعامة في بني النضير، ونظرًا للظروف التي كان المسلمون يمرون بها بالأندلس لم يكن بنو الأحمر يطمحون في أكثر من المحافظة على غرناطة، وقد كان ملوك غرناطة يطلبون المساعدة من بني مرين في المغرب ليساعدوهم في الحفاظ على ملكهم[1].
وبعد موت محمد الخامس توالى على عرش غرناطة عدد من ملوك بني الأحمر لم تكن لهم قوة أسلافهم ولا حذرهم ولا حيطتهم فعاشوا عيشة ترف ولهو، وفي الوقت الذي أخذ فيه الضعف يدب في أوصال غرناطة، بدأ النشاط والقوة تتجمع في إسبانيا المسيحية، فقد تزوج فرديناند ملك أراغون من إيزابيلا ملكة قشتالة واتحدت المملكتان ضد غرناطة.
وفي سنة 897هـ= 1492م أراد فرديناند أن يحسم الجولة فخرج بجيش قوامه 50. 000 وحاصر المدينة، ولم يجد أبو عبد الله حاكم المدينة آنذاك بدًا من مفاوضة الصليبين، ولكن قائده موسى لم يرضَ بالتسليم للعدو، فلبس سلاحه وركب جواده، وغاص في الأعداء ضربًا وطعنًا حتى قتل غرقًا، مفضلاً ميتة كريمة عن حياة ذليلة[2].
[1]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 405- 406.
[2]السابق نفسه ص 408
شروط التسليم
كانت شروط التسليم سبعة وستين شرطًا، منها:
- تأمين المسلمين على أنفسهم وأهلهم وأموالهم
- وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وعقارهم
- وإقامة شريعتهم على ما كانت عليه
- وأن تبقى المساجد كما كانت
- ولا يُقهَر أحد على ترك دينه
- وأن يسير المسلم في بلاد النصارى آمنًا على نفسه وماله
- وأن يطلق سراح أسرى المسلمين
- وأن يكون لهم الحق في الخروج إلى أفريقية بأموالهم وأولادهم متى شاءوا.
وافق المسلمون على هذه الشروط ولم يكن أمامهم خيار آخر، ووقف عبد الله في ثلة من فرسانه بسفح جبل الريحان فلما مر موكب فرديناند وإيزابيلا تقدم فسلم مفاتيح المدينة ووقف من بعيد يودع ملكًا ذهب ومجدًا ضاع فلما رأته أمه (عائشة الحرة) يبكي؛ قالت: "ابكِ مثل النساء ملكًا مضاعًا لم تحافظ عليه مثل الرجال"، ثم هاجر أبو عبد الله إلى المغرب ونزل بفاس؛ حيث عاش هو وأبناؤه على سؤال المحسنين[1].
[1]السابق نفسه ص 408-409.
حركة إزالة الإسلام في الأندلس
لم تكن دموع أبي عبد الله آخر دموع سكبت بالأندلس بل تلتها دموع، ذلك أن النصارى ما لبثوا أن تنكروا لعهودهم ونقضوا الشروط، إلى أن آل الأمر إلى حملهم المسلمين على التنصير، فقد استصدرت المراسيم تخير المسلمين بين التنصير أو مغادرة البلاد؛ ففي 4 من محرم 907هـ صدر المرسوم الملكي بمنع وجود المسلمين في مملكة غرناطة، وحظر اتصال المسلمين بعضهم ببعض، ومن يخالف تلك الأوامر يكون جزاؤه الموت ومصادرة أملاكه.
في 13من رمضان 908هـ= 12من فبراير 1502م صدر المرسوم الذي يحتِّم على كل مسلم حر يبلغ الرابعة عشرة من عمره إن كان ذكرًا والثانية عشر من عمرها إن كانت أنثى مغادرة غرناطة قبل أول شهر مايو من العام نفسه، ولا يسمح لمن يريد الخروج التصرف في أمواله وممتلكاته، ولا يكون الخروج إلى شمال إفريقيا؛ لأنها بلد إسلامية.
في 19 من ربيع الأول سنة 920هـ= 12مارس سنة 1524م صدر الأمر البابوي بإجبار المسلمين على اعتناق الكاثوليكية، ومن أبي ذلك فعليه الخروج من إسبانيا خلال مدة معينة أو يصبح عبدًا رقيقً مدى الحياة، وفي ختام الأمر قرار يجعل كل المساجد كنائس، ورغم تنصُّر الكثيرين إلا أنهم لم يُترَكوا لحالهم، ولم يَسْلَموا من التعذيب والمطاردة.
وفي سنة 1007هـ= 1599م صدر المرسوم الملكي باسترقاق شباب المتنصِّرين والكهول منهم، ومصادرة أموالهم ونفيهم إلى خارج البلاد وأخذ الأطفال وإيداعهم المعاهد الدينية المسيحية ليتلقوا تربيتهم.
وفي 1018هـ=1609م صدر المرسوم الملكي بنفي كل المتنصرين إلى بلاد البربر خلال ثلاثة أيام من نشر القرار، وتم تقدير عدد المنفيين بعد ذلك بأكثر من مليون شخص.
وأخذ الأسبان يلفقون تهمًا غريبة لبقايا المسلمين وكان العقاب جاهزًا ومتشابهًا في كل الحالات: فمن الحرق إلى الجلد ومصادرة الممتلكات أو التشهير، ومن التهم التي كانت تُلَفَّق للمسلمين مثلاً: كثرة الاستحمام، أو تكفين الميت في ثياب جديدة، أو ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو اقتناء القرآن، أو إحراز أوراق أو كتب عربية، أو إنشاد أغاني عربية أو الامتناع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر أو الوضوء والقيام إلى الصلاة أو الصيام[1].
ظلَّ الأندلس بعد ذلك شبه خالٍ من المسلمين، إلا من الآثار الإسلامية، والعمران غير المسبوق الذي تركه المسلمون ما يزال شاهدًا على التقدم الذي شهده الأندلس خلال الحكم الإسلامي، وما زالت إسبانيا المسيحية حاليًا تقتات على الدخل السياحي الكبير الذي تدرُّه تلك الآثار الإسلامية التي امتهن النصارى بعضها؛ فحوَّلوه إلى كنيسة، أو متحف.
لقد شُغِف العالم بما شيده المسلمون كمدينة الزهراء التي لم يُبْنَ مثلُها، وقصر الحمراء بغرناطة، والمسجد الكبير بقرطبة الذي شوهه ألفونسو عند دخوله قرطبة؛ فقد جعل في أحد مداخل المسجد كاتدرائية، وأمر بتعليق أجراس الكنائس على المآذن، والآن يُمنَع أن تقام فيه الصلاة ويصعب دخوله إلاّ بتذكرة مدفوعة الثمن!
وما زالت الصليبيون في الأندلس المفقود يحاولون تشويه التاريخ، ويكذبون على العالم كله؛ فقد شاهدنا جميعًا حفل افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية بمدينة برشلونة الأسبانية عام 1992م، وقد أُقِيمت هناك عمدًا في الذكرى الخمسمائة لطرد المسلمين من الأندلس، ورأينا كيف صور النصارى الإسبان من خلال فقرات الحفل الفاتحين المسلمين؛ فقد صوروهم كشياطين وقوى شريرة ترتدي السواد تأتي في سفن من قلب الظلام؛ لتحاول فتح الأندلس؛ فيبرز لها من خلف الأسوار ملائكة ترتدي البياض تشير إلى الصليبيين المجرمين؛ فيهزموا قوى الشر المسلمين ويردوهم على أعقابهم.
لقد مرَّ الحفل على الكثيرين، ولم يفهموا المعنى المراد؛ وذلك لأننا في غيبة عن تاريخنا المجيد، وفي ذهول عن محاولة إعادة ذلك التاريخ؛ بالنهضة والعلم، وقبل ذلك وبعده بالتمسك بصحيح الإسلام.
[1]فريق البحوث والدراسات الإسلامية: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، تقديم د/ راغب السرجاني 1/ 411-413.
- التصنيف:
- المصدر: