عندما يكون فعلهم جنة ونعيمًا، ويكون رد فعلنا عذابًا وجحيمًا.

منذ 2015-01-15

إن إرهابهم ينعت بأنه جنة ونعيم، بينما مكتوب على جبين إرهابنا بأنه عذاب وجحيم، فيا ليت قومي يعرفون طبيعة العداء الذي نواجهه، ويستشرفون القادم؛ من كيد الأشرار؛ الذي يروم تهجيننا كقطيع أبقار؛ من جنس أولئك الذين مشوا في مقدمة مسيرة الغرب ضد إرهابنا؛ ولم يتمعر وجههم في حشد كانوا في مقدمته؛ ورفعت بين أيديهم لافتات وشعارات مسيئة لنبينا عليه الصلاة والسلام، ومعرضة بديننا

وقف زعيم انقلاب، أو متغلب مطاع -على حد تعبير سلفية (برهامي) وشواكله من فسيفساء ثنائية الظلمة والنور- ليصدع أمام حضور ليس على نسيج واحد، ولكن المقدمة فيه أعطيت لأصحاب العمم المتعالمة، بزعم نزّله -بهمسه ونبسه- منزلة الحق؛ الذي مفاده أن هناك نصوصًا مقدسة تعادي الدنيا، وتتوعد حياة البشرية جمعاء، ثم عطف ناصحًا حريصًا مناديًا بضرورة وواجب الثورة على هذه النصوص، محملًا مسؤولية قيادة هذه الثورة لسواعد علماء الأزهر؛ من الذين انخرطوا في مشروعه، وعبروا على التو عن فروض الطاعة والولاء، لمطلوب خطابه بالصفيق والتصدية.

وما هي إلا أيام معدودات؛ حتى واطأ صدع خوفه استفاقة العالم؛ عربه وعجمه، ومن في الأرض جميعًا؛ على وقع جريمة نكراء غادرة متطرفة إرهابية داعشية قاعدية خارجية حرورية سلفية إخوانية، وحبل المعطوفات طويل الذيل، جريمة خرقت صمت السلم، وجو الأمان، ومناخ الهدنة، والمهادنة الذي يعيشه العالم على مستوى كل زواياه وأركانه.

إنها جريمة؛ قارفها ثلاثة شبان، لسنا هنا في مقام التفصيل في القرائن الفكرية والإيديولوجية التي احتفت بالركن المادي والمعنوي لرد فعلهم، فقد لا يكون الأمر ضروريًا، وقد فُصِّلَ ثوب القرائن على مقاس إرهاب الإسلام، وتطرف المسلمين سلفًا، وإنما المقام مقام تكرار أن فعلهم وصنيعهم خرج عن مألوف ما يعيشه الناس أجمعون، بكل أطيافهم، وأوزاعهم، ونحلهم، ومللهم، من سِلم وأمن وسلام.

ولعله المقام والجو والمناخ الذي دفع الناس إلى أن يهبوا لاستنكار هذا الفعل الشنيع؛ والإرهاب الفظيع؛ الذي قطع عليهم لحظة الأمن، في السرب والمعافاة في البدن، وكفاية قوت اليوم، والذي ضرب فرنسا الموادعة، واغتال بعض أدبيات، ومرتكزات ثورتها المجيدة، من ثلاثية (العدل والحرية والمساواة).

ولأن العدل لا يُقاس إلا بمقاييسهم المسكوكة، كان من اللاعدل بالنسبة للمسلمين أن يستنكروا، أو أن يستوحشوا، أو يستدركوا، أو يسمع لهم صوت، أو حتى مجرد أنين محبوس بين الأنفاس لسنين، وهم يموتون، ويهلكون، ويتساقطون، ويحنذون، ثم يؤكلون، كأي عجل حنيذ على موائد الغرب الحضاري التقدمي، الذي قال في يوم من أيام نهضته: "أنه صنع الطائرة ليحملنا إلى مكان لم نكن بالغيه إلا بشق الأنفس".

ثم ما فتئ أن حولها إلى المقصود أصالة، فصارت طلعاتها المدوية في السماء رمزًا ونذيرًا، على أن ثمة مقصوف؛ اسمه المسلم وحياته، وبالمنسوب والنسبة بيت المسلم، وجحره، وطفله، ورضيعه، وحماره، وبهيمته، وزرعه، وحصاده، والمسلم وكل متعلق به دينًا ودنيا.

ولأن المساواة لا تكون إلا باحترام مقاديرها، وشروطها الموضوعة سلفًا؛ في أديرة، وأقبية صناع القرار من القوى الإقليمية الغاشمة، فإن من اللامساواة أن تكون سبابة المسلم بحجم ووزن سبابة حق الاعتراض، أو (الفيتو) عندهم، وأن تكون دعاوى تظلمه، وشكاوى الاعتداء عليه؛ وسلب ماله، وغصب عرضه، وأرضه ودراريه؛ بل حياته ومماته على مقاس وحجم شماعة جريمة موت وهلاك واحد من جنسهم الآري، حتى وإن كان غازيًا معتديًا بعين معاييرهم.

ولأن الحرية لها قوالب وأحجام مضبوطة؛ لا تتسع لصوتنا وركزنا ونومنا ويقظتنا وحياتنا ومماتنا إلا في جانبها العبثي، المؤشر عليه بالعلامات الضوئية الخضراء، المدفوع عنها، والمدافع عليها محليًا وإقليميًا، فليس من حقنا أن نستدرك بالصوت والصورة إذا أهين ديننا؛ وأسيء إلى رسولنا عليه الصلاة والسلام؛ وانتهكت مقدسات ديننا، بما في مُسمى هذا جميع الأنبياء والمرسلين، باعتبار أن الإسلام هو دعوة إلى الله؛ ترتفع في آدبيات أحكامه وعقيدته إيقاعات الإخلاص الشديد لله؛ والصون البالغ لجناب التوحيد؛ والاحترام التام والكامل لجميع الأنبياء والمرسلين.

ليس من حقنا في مقابل ما يملكون -هم وحدهم- من حقوق إذا أهين شيء من محرفهم، ومحرف غيرهم، إذ الشماعة التي يعلق على أذرعها التجريم والمحاسبة فالحصار والقَدرة هو: (كبيرة معاداة السامية).

ولا غرابة بعد التنصيص والوقوف على هذا الامتياز أن يدفع في مقابل (أفغاني وأولاده وخيمته) أثبتت التحريات العسكرية المدخولة أنه قصف بالخطأ، ما لا يتجاوز في كلفته مبلغ شراء بغل أو حمار بالعملة المحلية، في مقابل أن يُثَمن دم الجندي الغازي بما تنوء بحمل كمه وكيفه العُصبة أولوا القوة والبأس الشديد.

ولأنهم ليسوا لنا قدوة، فلسنا نستمرئ قتل الناس، وإرهابهم خارج قيد الحق؛ الذي يُقدر قدره الراسخون في العلم، على كامل عهدتهم، ومسؤوليتهم أمام الله، بين كبيرة كتمانه، وتكبيرة بيانه للناس، ولكننا نعيب على هذا الآخر؛ كيل التطفيف، وسلوك التجفيف؛ الذي مارسه على كل المنابع، باسم محاربة الإرهاب، والتطرف الديني.

وليست العروة في دائرة الانتساب تعني غير الإسلام، وليس الاتهام والوسم محصور بين أقلام وأفمام ومنابر قوى التحالف (الصهيوصليبي)، وإنما دخل على الخط خلوف من بني الجلدة؛ من الذين أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، وكانوا أوزاعًا، تنميهم نعرات وقوميات شتى، يؤثرون النسبة إليها على نسب الإسلام العظيم، بل تعاطف المصابون فكريًا يسند بعضهم بعضًا يظاهرهم الغرب الحاقد، فكان دورهم ولا زال إخراج ظلم الغرب وتكالبه وبطشه وعدوانه على أرضنا، وعرضنا؛ في قالب غنائي حضاري منغوم، وعندما رصت الأجداث واللحود حبلى بقتلانا، والهالكين من صغارنا وكبارنا، فليس ذلك في آدبياتهم وأجندة أولوياتهم بالشيء الذي يستحق الذكر، أو يثير في نفوسهم حزنًا، أو أسى، أو نوع شفقة.

وليس هذا من باب الرجم بالغيب، والرمي بالبهتان، ولكنه بلاء أَمَرُ، وخبر إذ لم نسجل لوجودهم حضور استنكار وإدانة واحتجاج وتوجع قلب، وهم يرون ويفطرون على الوافد من أخبار القتل المستحر في جنسنا، والحرق لأجساد نَوْعِنا، بالصوت والصورة والرائحة، في مقابل حضورهم وحرصهم على تسجيل احتجاجهم، واستنكارهم، متى ما هلك نفر من إخوانهم بالرضاعة، من الذين ينتظرون منهم الشرف على غدر؛ والعفاف على ذعر؛ والإنصاف على ظلم؛ والإمساك على هدر.

أولئك الذين لم يعرف التاريخ في سجله الضارب في الطول أسوأ من مدنيتهم؛ من جهة معاملة المظلومين، ومصادرة حق المستضعفين، والتميّز حصرًا بفرض آثامهم في ثوب شرف، وإخراج نزواتهم كأنها نواميس عادلة تعلو ولا يُعلى عليها بالنظر، إلى أنها كانت وما تزال جرائم مأمونة الجزاء بل مؤدى عنها بالغالي والنفيس، والمكاء والتصدية في محافل محاكمهم، ومراكز قراراتهم النافذة على المجلود لا الجلاد، والمقتول لا القاتل، والمغصوب لا الغاصب.

وبكل هذا وزيادة ينعت إرهابهم بأنه جنة ونعيم، بينما مكتوب على جبين إرهابنا بأنه عذاب وجحيم، فيا ليت قومي يعرفون طبيعة العداء الذي نواجهه، ويستشرفون القادم؛ من كيد الأشرار؛ الذي يروم تهجيننا كقطيع أبقار؛ من جنس أولئك الذين مشوا في مقدمة مسيرة الغرب ضد إرهابنا؛ ولم يتمعر وجههم في حشد كانوا في مقدمته؛ ورفعت بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وشمائلهم لافتات وشعارات مسيئة لنبينا عليه الصلاة والسلام، ومعرضة بديننا؛ الذي هو عصمة أمرنا، ومصدر عزتنا، تلك العزة التي تجعلنا نستشرف ذلك القادم، بتسليم مفاده أننا لا نملك -ومهما يكن الأمر- إلا أن نعيش متمسكين بعرى إيماننا، أو نهلك دونها، كارهين للعنف والعدوان، وسيرة المعتدين، محبين للحلم والعلم وسيرة سيد المرسلين؛ محمد بن عبد الله عليه صلوات الله، والملائكة، والناس أجمعين.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد بوقنطار

محمد بوقنطار من مواليد مدينة سلا سنة 1971 خريج كلية الحقوق للموسم الدراسي 96 ـ97 الآن مشرف على قسم اللغة العربية بمجموعة مدارس خصوصية تسمى الأقصى.

  • 9
  • 1
  • 4,629

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً