ثقافة التلبيس - الوسطْ.. الغلطْ

منذ 2015-05-16

يعتقد البعض أن (الوسط) ممدوح في جميع الحالات، مما يوقعهم في أخطاء سواء بنية حسنة أو تعمد

يعتقد البعض أن (الوسط) ممدوح في جميع الحالات، مما يوقعهم في أخطاء سواء بنية حسنة أو تعمد، هذا لايهم، ويغيب عنهم أن هذا الاعتقاد منهم مجانب للصواب، وأن (الوسط) لا يُمدح في كل القضايا، إنما يُمدح إذا كان وسطًا بين طرفين مذمومين. أما إذا كان وسطًا بين حق وباطل؛ فإنه يُذم كالباطل، لأنه أصبح تلبيسًا على الناس، وتكون النتيجة بعكس ما أراد صاحب هذا الوسط الغلط عندما أراد التقريب بين الحق والباطل بوسطيته المذمومة.

وقد أردتُ أن أذكر نماذج لمن غلطوا في فهم (الوسط) الصواب، وتوهموه يصدق في كل القضايا؛ فكانت النتيجة ضررًا على الأمة:

المثال الأول: فرقة (السيخ) الذين ظهروا في الهند. فمؤسس هذه الفرقة المدعو ناناك) عندما رأى الخلاف بين المسلمين والهندوس ساءه ذلك؛ فاتخذ طريقة وسطًا بينهما، فأحدث فرقة (السيخ) التي تخلط في تعاليمها بين الإسلام والهندوسية! فأصبحت هناك فرقة ثالثة! ثم مع الوقت أصبحت هذه الفرقة من أشد أعداء المسلمين. ( يُنظر: كتاب: السيخ العدو الخفي، للشيخ محمد الشيباني).

 

المثال الثاني: مؤسس فرقة الأشاعرة (أبو الحسن الأشعري)، رأى الخلاف قائمًا في عصره بين الحق المتمثل في أهل السنة، والباطل المتمثل في فرقة المعتزلة، فأراد (التوسط) بينهما! فخلط بين الحق والباطل، وكانت النتيجة: إحداث فرقة جديدة! بل قال الإمام أبو نصر السجزي في رده على الأشاعرة (ص 177): "والمعتزلة مع سوء مذهبهم أقل ضررًا على عوام أهل السنة من هؤلاء؛ لأن المعتزلة قد أظهرت مذهبها ولم تُموه.. فعرف أكثر المسلمين مذهبهم وتجنبوهم وعدوهم أعداء"، أي بخلاف الأشاعرة المُلبسين بخلطهم الحق بالباطل.

 

المثال الثالث: حسن البنا، الذي كان أهل السنة في عصره ظاهرين معروفين؛ سواء تمثلوا في أنصار السنة أوغيرهم من العلماء، وكان هناك أهل البدع، فأراد (التوسط) بينهما ليؤلف بين المختلفين -في زعمه-، فكانت النتيجة إحداث فرقة ثالثة تخلط الحق بالباطل !

 

والسبب.. الوقوع في (الوسط) (الغلط).

 

الخلاصة:

1- أن (الوسط) يُمدح إذا كان وسطًا بين طرفين مذمومَين.

2- ويُذم إذا كان (وسطًا) بين الحق والباطل. وتكون النتيجة بعكس ما أراد صاحبه، كما قال الشاعر:

يُحللون بزعم منهمو عُقدًا *** وبالذي وضعوه زادت العُقدُ!

3- ويُذم الوسط أيضًا إذا كان في الأمور المتدرجة، ضعفًا وقوة، أو علوًا وسفلًا.. مثال ذلك: لو قال أحد الطلاب: أنا سأختار الوسط فأحرص على أن يكون تقديري (جيد جدًا) لأنه (وسط) بين (جيد) و(ممتاز)! نقول: أخطأت؛ لأن هذا من الأمور المتدرجة. مثال آخر: مسلم يقول: أنا أتمنى أن أكون من أصحاب اليمين لأنهم (وسط) بين المقربين وأصحاب الشمال! نقول أيضًا أخطأت.. وقس عليه. والله الموفق.

  • 1
  • 0
  • 12,938
المقال السابق
عدم تكفير اليهود والنصارى!
المقال التالي
مصطلح (التنوير)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً