خطوات في التربية - (36) العلم قبل الطريق (5)

منذ 2015-07-03

فمن صرف حقًا خالصًا من حقوق الله، إلى غيره، فهو شرك وإن سماه بغير اسمه

التحذير من شرك الأولين بغطاء جديد.

للعبادة مفردات لا يجوز صرف أي منها الا لله تعالى.

وهنا يحذر المسلم  من التقرب الى غير الله تعالى بأي نوع من أنواع العبادة، من الدعاء أو الاستعانة أو الاستغاثة فيما لا يقدر عليه الا الله تعالى، أو الرجاء أو الخوف أو التعظيم أو الحلف أو الذبح أو النذر، أو خوف السر أو المحبة.

فإن الله تعالى ما أرسل رسله إلا لتنهى الناس عن هذا الشرك الذي صرف المشركون العبادة بمقتضاه لأصنام تمثل رموزًا للصالحين أو للملائكة وظنوا أن لهم الواسطة والشفاعة لما لهو من وجاهة إدلالًا على الله تعالى.

ومن أعظم ما يجب على العبد معرفته هو الفرق بين حقوق الله الخالصة وحقوق الخلق، والتمييز بين حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم وحقوق عموم المؤمنين.

وقد أوضح الله تعالى تلك الفروق في كتابه، وهذا من أعظم العلم الذي يوضح حق الله الخالص لتحقيق معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وعلم الفرق بينها وبين حقوق رسوله والمؤمنين، ومن علمها علم حدود ما أنزل الله ليحمي دينه من الضلال.

فقال تعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} فغاير تعالى بين الضمائر ليوضح الفرق بين ما هو حق خالص له، وبين ما يُصرف لرسوله صلى الله عليه وسلم كمبلّغ عن ربه تعالى؛ فنسب الإيتاء لله والرسول في أول الآية وآخرها، لأنه كما جاء في الحديث «إنما أنا قاسم والله معطي أضع حيث أُمرت» (صحيح البخاري:3117) فعُلم أن الله تعالى يأمر رسوله بقسمة المال، والرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بالقسمة على الوجه الذي أُمر به، ولهذا صحت نسبة الإيتاء لله والرسول.

أما التحسب والكفاية فلله وحده لأنه عبودية يتوجه بها الرسول وسائر المؤمنين لله تعالى وحده دون شريك، ولهذا قال تعالى {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} [آل عمران:173] يعني وحده، فهذه عبودية لا يجوز صرفها لغيره تعالى فلم يقل: "حسبنا الله ورسوله" ثم كرر نسبة الإيتاء لله ورسوله على نفس المعنى السابق.

ولهذا كان القول الصواب في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64] أن الله تعالى حسبك وحسب المؤمنين الذين اتبعوك.

ثم قال موجها عبده أن يقولوا {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة:59] يعني اليه لا الى غيره، وهذا يفيد الاختصاص، كما قال تعالى لنبيه {وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب} [الشرح:8] يعني الى ربك وحده.

فالتحسب والرغبة عبوديات تصرف لله ولا يجوز صرفها لغيره.

وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:52] فجعل تعالى الطاعة لله تعالى لأنها حقه تعالى، وجعلها لرسوله كمبلِغ عن ربه تعالى، وهو معصوم لا يقول بخلاف ما أُمر.
وأما الخشية والتقوى فجُعلا لله تعالى وحده بلا شريك فإن الخشية والتقوى عبوديات خالصة لا تُصرف لغيره تعالى.

وكذلك فرّق الأنبياء بينها فقال نوح عليه السلام رقَالَ {يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح:2-3]

فجعل نوح عليه السلام العبادة والتقوى لله وحده، وجعل الطاعة لله تعالى أصلا، وله كمبلّغ عن ربه تعالى لا يأمر إلا بما أمره الله تعالى به.

فعلم الفرق بيهما.

وأما صلاح أحد وتقواه فلا توجب عبوديته، فما عبدت الأصنام إلا من خلال عبادة الصالحين قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:56-57].

وقال الصحابة والتابعون أنها نزلت في أقوام كانوا يعبدون نفرًا من الجن فأسلم الجن وهؤلاء لا يشعرون، كما أنها نزلت فيمن يعبد الصالحين من الأنبياء والملائكة.

فلا يدفع صلاح العبد غيره ليصرف إليه حقًا خالصًا لله تعالى.

وأما حقوق رسوله صلى الله عليه وسلم فالمحبة أكثر من أنفسنا والطاعة والنصرة والتعزير والتوقير والإرضاء، وغيرها من الحقوق التي اختص بها من بين سائر المؤمنين.

وأما حقوق المؤمنين ففي المحبة والنصرة والولاء والستر وحسن الظن وتفريج الكروب وتنفيث الهموم والتعاون على البر والتقوى والذب عنهم، إلى سائر الحقوق.

فمن صرف حقًا خالصًا من حقوق الله، إلى غيره، فهو شرك وإن سماه بغير اسمه، فتغيير الأسماء لا يغير حقائق الأشياء، والمشرك مشرك شاء أم أبى، ومن سمى شركه توحيدًا فهو شرك وليس بتوحيد، فلا يخادعن امرؤ ربه، وإلا كان هو المخدوع.

فيا أيها العابد اعلم أصل الحقوق وأعظم الحدود، فمن صرف حق الله الخالص لغيره ما نفعته طاعة ولا قربة، {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:104]، تقبل الله منا ومنك صالح العمل.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي

  • 0
  • 0
  • 1,720
المقال السابق
(35) العلم قبل الطريق (4)
المقال التالي
(37) العلم قبل الطريق (6)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً