مواعظ القلوب بين الترغيب والترهيب - [09] أهوال يوم القيامة الكبرى
الدنيا فانية زائلة منتهية لا محالة وتبدأ الرحلة الحقيقية إلى حياة الآخرة من الموت ثم القبر ثم البعث ثم الحشر ثم العرض والحساب ثم الميزان ثم صحائف الأعمال ثم الصراط ثم الحوض ثم القنطرة ثم الجنة أو النار ثم الشفاعة، ولكن من أطاع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يفوز بجنات النعيم.
الحمد لله الحي القيوم الدائم الباقي العلي العظيم والصلاة والسلام على رسولنا الأمين المبعوث رحمةً للعالمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أما بعد :
فيقول تبارك وتعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ} [إبراهيم:48] ويقول تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا. وَتَسِيرُ الجِبَالُ سَيْرًا} [الطور:9-10] ويقول تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيه. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34-37] أتدري ما هو هذا اليوم؟
إنه يوم القيامة، يوم القارعة، يوم الحاقة، يوم الطامة، يوم الصاخة، يوم الغاشية، يوم الواقعة، يوم الفصل، يوم البعث، يوم الآزفة، يوم الحساب، يوم الوعيد، يوم الحسرة والندامة، يا له من يوم جمع الأسماء والمعاني ما تليّن به القلوب، وتقشعر منه الجلود، وتشيب منه الرؤوس من شدة ما يشاهدون ويسمعون.
لقد قضى جل وعلا بأن هذه الدنيا فانية زائلة منتهية لا محالة ولا يبقى إلا وجهه تبارك وتعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:26-27] وقال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] وقال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى: « » (صحيح البخاري [7382]).
ذلك اليوم يُذهل العقول ويفزّع القلوب، والسماء تضطرب والأرض تشقق والجبال تندك والقمر ينخسف والشمس تتكوّر والكواكب تنتثر والبحار تُسجّر وتشتعل نارًا.
ذلك اليوم يشهده الأولون والآخرون ويحشر فيه الملوك وغيرهم حُفاة عُراة غُرلاً بُهمًا، لا ينفعهم مالهم ولا جاههم ولا سلطانهم وتستوي الخلائق وليس بينهم وضيع الكل عبادٌ لله قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:93]. فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ » فقالت عائشة: "يا رسول الله، النساء والرجال؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح مسلم [2860]).
وتكون أرض الشام هي أرض المحشر، ووصفها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « » (صحيح مسلم [2790]) فأرض المحشر لا حجر فيها ولا شجر وتدنو عليهم الشمس قدر ميل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « (صحيح مسلم [2864]) قال التابعي سُليم بن عامر رحمه الله: "فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم ميل الذي تكتحل به العين". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ». (صحيح مسلم [2864]) وفي رواية بأن النبي صلى الله عليه وسلم(أشار بيده إلى فيه)(رواه مسلم) أي: (أشار بيده إلى فمه).
وفي ذلك اليوم أناس نسأل الله العلي القدير أن نكون منهم في ظل عرش الرحمن تبارك وتعالى وهم من أطاعوه في الدنيا في السرِّ وفي العلن، الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «
» (صحيح بن حبان [7338]).في يوم القيامة يبدأ الحساب والجزاء بالعدل بلا ظلم يقول جل وعلا: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُون} [الزُّمر:69]. فلا تخفى صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا أحصاها الله عز وجل ويحاسب عليها. سُئل علي بن أبي طالب رضى الله عنه كيف يحاسب الله العباد يوم القيامة فقال: "كما يرزقهم في يوم" وقال الحسن البصري رحمه الله: "الحساب أسرع من لمح البصر". وقال النبي صلى الله عليه وسلم ». (الترغيب والترهيب [1/247])
وفي ذلك اليوم يُسأل الإنسان على أمور مهمة كانت له في الدنيا، فعن أبي برزة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «
» (سنن الترمذي [2416]).أخي في الله اعلم بأن الدنيا فانية زائلة منتهية لا محالة. وتبدأ الرحلة الحقيقية إلى حياة الآخرة من الموت ثم القبر ثم البعث ثم الحشر ثم العرض والحساب ثم الميزان ثم صحائف الأعمال ثم الصراط ثم الحوض ثم القنطرة ثم الجنة أو النار ثم الشفاعة، ولكن من أطاع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يفوز بجنات النعيم. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الغَرُورُ} [لقمان: 33].
- التصنيف:
- المصدر: