أعمال القلوب - [09] الشكر 2-3

منذ 2015-12-15

أقسام الخلق في شكر النعمة ثلاثة: 1- شاكر للنعمة مثني بها. 2- جاحد لها كاتم لها. 3- مظهر أنه من أهلها وهو ليس من أهلها، وكما في الحديث فالمتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور.

أقسام الخلق في شكر النعمة ثلاثة:

1- شاكر للنعمة مثني بها.

2- جاحد لها كاتم لها.

3-  مظهر أنه من أهلها وهو ليس من أهلها، وكما في الحديث فالمتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور.

وقد روى النعمان بن بشير: «من لم يشكر القليل؛ لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس؛ لم يشكر الله» (الفتح الرباني:11/5462). والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب. والتحدث بالنعمة المأمور به ينبغي أن يكون ذلك في النفس وعند الآخرين ولكن إذا كان عند حاسديها فإن كتم ذكرها ليس من كفرها فهو لم يكتم ذكر النعمة شحًا بذلك وتقصيرًا في حق الله لكن لدرء مفسدة وهي حسد صاحب العين وكيده وضرره ودفع الضرر من المقاصد الشرعية.

أما مقابلة النعمة فلايمكن في حق الله {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا} [الحج:37]، فلا سبيل إلى المجازاة ويبقى في قضية الثناء عليه استعمالها فيما يرضيه، أما المجازاة فلا سبيل إليها ولا ينتفع الله بخلقه شيء. و واجبنا نحو الله في النعم:

1- الخضوع له، خضوع الشاكر للمشكور.

2- حبه له، حب الشاكر للمشكور.

3- اعترافه بنعمته عليه ( الإقرار).

4- الثناء عليه بها.

5- أن لا يستعملها فيما يكره بل يستعملها فيما يرضيه.

وإذا كانت النعم تتفاضل فهل يتفاضل الشكر؟ نعم.

والشكر لله يكون بالقلب واللسان والجوارح.

الشكر بالقلب: علم القلب وذلك بأن يعلم أن الله هو المنعم بكل النعم التي يتقلب فيها (الناس يشكرون المعبر ولا يشكرون المصدر!)، وهذا مهم في تربية الأطفال، أن يُعرَّف من أين جاءت النعم {يأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، أول نعمة؛ نعمة الخلق والإيجاد، ورصد النعم والتعرف إليها مرحلة تمهيدية للشكر، وجاءت كثير من الآيات بإحصاء النعم ليكتشف الإنسان كثرتها فيعلم أن النعم لا يمكن حصرها {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل:18].

ولكن ذُكِر لنا أشياء فرعية وأصلية، والفروع نردها إلى أصولها، كالصحة فهي نعمة أصلية وما يتفرع منها من النعم ( الحركة - المشي - العمل – الرياضة - النوم - الأكل – الشرب - السفر)، كذلك المال والوقت والعلم كلها نعم أصلية. وتستطيع أن تضم النعم إلى ما يحاذيها ويشابهها، أنعم علينا بوصفنا مخلوقات بعد الخلق والإيجاد ثم نعمة الآدمية والإنسانية وأنعم علينا بوصفنا مسلمين من نعمة الهداية والإيمان. ونعمة التربية التي ترتقي بالفرد درجة بعد درجة وتعلم علمًا بعد علم حتى يبلغ كماله، وفوق كل ذلك نعمة النبوة للذين اصطفاهم الله، والصديقين والشهداء و الصالحين.

إن عرض النعم على العامة أمر مهم جدًا وهو قضية في الدعوة، فالله عزوجل خص الآدمي أنه خلقه {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان:20]، {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ. وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَاإِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:32-34]

وذكر في سورة النحل (سورة النعم): {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ . أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ . وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيم} [النحل:14-18]، {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل:81]

هذه المنة للإيمان بعد الإسلام أو الإسلام أولاً {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17]، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]،ومن نعمة الهداية يكون الأمن والسكينة والفرج والمغفرة والرحمة والبركة والتيسير وسعة الرزق.

ومن مقاصد ووسائل الدعوة أنك تحدث المدعوين بنعم الله عليهم ليحصل الشكر {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَىالنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [البقرة:243]. فبعض الناس اتجهوا إلى أشياء غريبة في تفسير النعم أو نسبتها إلى مصادر باطلة ليست هي، مثل  الذي فعله قارون لما ذكر بنعمة الله عليه فقال {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي} [القصص:78]، فالغرور يجعلهم ينسبون النعمة إلى غير المنعم، وهذا فعل الأشقياء فالله تعالى يقول: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53] {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق:5]، {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ} [عبس:24]، {أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} [الواقعة:69]، {وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر:22]  {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ .لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}[الواقعة:68-70]

 الشكر باللسان: لسان المرء يعرب عما في قلبه، فإذا امتلأ القلب بشكر الله لهج اللسان بحمده والثناء عليه، وتأمل ما في أذكار النبي صلى الله عليه وسلم من الحمد والشكر لرب العالمين.

1- كان لما يفيق من نومه يقول: «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور» (صحيح مسلم:2711)، «الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره» (صحيح الترمذي:3401).

2- وإذا أوى إلى فراشه لينام يقول: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا فكم ممن لا كافي له وملا مؤوي» (صحيح مسلم:2475).

3- ومن أذكار الصباح والمساء «اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد والشكر» (صحيح ابن حبان:861) من قالها حين يصبح فقد أدى شكر ليله.

4- سيد الاستغفار «أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي» (صحيح البخاري:6306)، اعتراف بالنعمة واعتراف بالتقصير في شكرها لأنه يذنب.

5- يفتتح الأدعية بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله.

6- في كل خطبة أو نكاح أو أمر ذي بال يحمد الله.

7- دعاء الاستفتاح – سورة الفاتحة – الرفع من الركوع – أذكار ما بعد السلام – ربنا ولك الحمد – أدعية التهجد – اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن – الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا.

8- إذا أكل أو شرب أو سئل عن حال أو سافر أو عطس.

9- في أي ساعة يحمد ربه من ليل ونهار، له في كل تحميدة صدقة.

وقعت يد عائشة على يد النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد في بطن الليل وقدماه منصوبتان يقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (صحيح النسائي:1099). قال صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ إني أحبك فلا تدع أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعنّي على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك» (صحيح النسائي:1302)

الشكر بالجوارح: وهي ما سوى القلب واللسان من جوارح، فما من عمل يعمله ابن آدم من الطاعات والعبادات إلا وهو شاكر فيه لنعم ربه سبحانه وتعالى. والخلاصة في الشكر بالجوارح؛ العمل الصالح، فعند بلوغ الأربعين  {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَأَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} [الأحقاف:15]، فسأل الله العمل الصالح عقب سؤاله التوفيق على شكر نعمته يعني أن الشكر باللسان وحده لا يكفي.

ومن وسائل الشكر بالجوارح «إنَّه خُلِقَ كلُّ إنسانٍ من بَني آدمَ على ستِّينَ وثلاثِمائةِ مِفصَلٍ. فمَن كبَّرَ اللهَ، وحَمِدَ اللهَ، وهَلَّلَ اللهَ، وسَبَّحَ اللهَ، واستَغفرَ اللهَ، وعزَلَ حَجرًا عَن طريقِ النَّاسِ، أو شَوكةً أو عَظمًا من طريقِ النَّاسِ، وأمرَ بمَعروفٍ، أو نَهي عن منكرٍ، عدَدَ تلكَ السِّتِّينَ والثلاثمائةِ السُّلامَى. فإنَّه يَمشي يومَئذٍ وقد زَحزَحَ نفسَه عنِ النَّارِ» (صحيح مسلم:1007)، فكيف يؤدي شكر 360 مفصل؟، كل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وعدد المفاصل 360 إذا شكرها المرء، والصدقات كثيرة  جمعها ابن رجب في شرحه الأربعين النووية [الصدقات البدنية - المالية - الخبرة من تعليم صنعة أو تصنع لأخرق - التفهيم – التعليم – الوقت – الجاه...]، فذو القرنين مثلًا علم شعبًا جاهلً صناعة السدود حتى تقيهم شر أعدائهم. المقصود أن المسلم عليه أن يشكر ربه بجوارحه بسائر أنواع الصدقات وكل معروف صدقة ولا يغني شكر يوم عن يوم آخر.

وليس هناك تعارض بين شكر الله وشكر الناس، لأن الله أمر بشكر الناس، وهو سبحانه الذي أرشدنا إلى شكر الناس إذا صنعوا لنا معروفًا أن نكافئهم وأولهم الوالدين {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14]، «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» [صحيح ابن حبان:3407]، فليس شكر المخلوق قادحًا في شكر الخالق بل المشكلة فيمن يشكر المخلوق ولا يشكر الخالق وهذه هي المصيبة، وهناك فرق بين شكر العبد وشكر الرب، فشكر الرب فيه خضوع وذل وعبودية ولا يجوز لشكر العبد أن تعبده وإنما تعطيه شيء مقابل شيء، وتدعو له وتثني عليه. شكر الله أيضًا يختلف عن شكر الناس من جهة العبودية والدرجة ومافيه من أنواع الطاعات له سبحانه وتعالى، والإنسان الذي لا يشكر الناس إنسان لئيم وحريٌ به أن لا يشكر الله.

والنعم تزيد بالشكر وتحفظ من الزوال بالشكر {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]، {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ} [النساء:32].

خالد أبو شادي

طبيبٌ صيدليّ ، و صاحبُ صوتٍ شجيٍّ نديّ. و هو صاحب كُتيّباتٍ دعويّةٍ مُتميّزة

  • 0
  • 0
  • 18,047
المقال السابق
[08] الشكر 1-3
المقال التالي
[10] الشكر 3-3

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً