إن الناس قد جمعوا لكم
علوم الاستراتيجيات والتخطيط المعاصرة اليوم تزيد التأكيد أن تهويل بأس ومنَعة العدو في النفوس جزء من الحرب النفسية (Psywar) وعكسه تقليل شوكة العدو ورباطة جأشه من الدعم المعنوي الذي يقوي القلوب ويعزز الروح المعنوية، وقد نبّه على هذا القرآن تنبيهًا عجيبًا على ثلاث مراتب.
مدخل:
الحمد لله وبعد، إلى كل مسلم في الشام وإلى كل مسلم جسده في فجاج الأرض وقلبُه في الشام، ها قد تقاطرت الجبابرة موعدهم الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، فإن كان الصليبي قد سبقه لها بالدرونز فقد جاء الدهري بسوخوي ضنًا أن يختصوا دونه بشؤم الجريمة، وأول من تلقى نيران غاراتهم لم يكن جزار الأطفال بالبراميل بل الأطفال أنفسهم والنساء وفصائل الثوار الفاضلة، ومازال سباع الغرب يظنون أنه لا يليق أن يشغل غيرهم منصب أستاذ حقوق الإنسان والحرية.
تحرّك هؤلاء كلهم بمجرد أن طرق المجاهدون حلقة الباب على الساحل النصيري، صيانة مبرمل الأطفال أغلى لدى أستاذ حقوق الإنسان من ضحاياه، لكم الله يا أهل السنة في الأرض المباركة، غدوتم بين خوذة الجبابرة وضفائر الأزارقة، إن أفلت مجاهدكم من صاروخ هؤلاء احتضنته مفخخات أولئك.
وفي شبيه هذه النوائب يخال لبعض الحادبين أن النذارة تقتضي التهويل، فلا يزال يخطب بالهلع حتى تنخسف القلوب وتتبدد جمعية التوكل ويتيه تعلق النفوس بالله إلى التضرع للقوى الإقليمية وتسوّل النصرة ممن قد يكون في ميزان الله أحوج إليك منك إليه وهكذا كم من شفيق حجب عن أهله الباب وهو يروم نجدتهم، بل ربما داخل عبارات بعض هؤلاء المهوّلين شيئٌ من الجزع وشبيه العويل، وقد صور حال هؤلاء أبو العباس بن تيمية تصويرًا بديعًا فقال تغمده الله برحماته: "وكثير من الناس إذا رأى المنكر، أو تغير كثير من أحوال الإسلام؛ جزع وكلّ، وناح كما ينوح أهل المصائب، وهو منهي عن هذا، بل هو مأمور بالصبر والتوكل، والثبات على دين الإسلام، وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأن العاقبة للتقوى" [الفتاوى: 18/295].
وعلوم الاستراتيجيات والتخطيط المعاصرة اليوم تزيد التأكيد أن تهويل بأس ومنَعة العدو في النفوس جزء من الحرب النفسية (Psywar) وعكسه تقليل شوكة العدو ورباطة جأشه من الدعم المعنوي الذي يقوي القلوب ويعزز الروح المعنوية، وقد نبّه على هذا القرآن تنبيهًا عجيبًا على ثلاث مراتب، في قصة يوم بدر:
فإن الله في تهيئة الأمر أرى نبّيه في منامه الكفار وعددهم قليل كما قال الله: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} [الانفال:43]، فقويت عزيمتهم على لقائهم، ثم لما تقابل الصفان أرى سبحانه كل طرف الآخر بأقل مما هو عليه ليستطمعهم ببعضهم وليغري كل فريق بالآخر كما قال الله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال:44]، ثم لما التحم الجيشان أظهر الله المسلمين في عيون الكفار ضعف عددهم فاستطيرت قلوب الكفار هلعًا وتزايلت أطرافهم ذعرًا فأمكن الله المسلمين منهم، كما قال الله: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عمران:13].
وهكذا فإن الشيطان كان يجرّئ الكفار على اصطلام أهل الإسلام بتهويل قوة الكفار في نفوسهم وأنه لن يغلبهم أحد كما قال الله: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} [الأنفال:48]، ومفهوم تشريد الخلوف، ومفهوم إعداد القوة للترهيب، في القرآن، هي أيضًا جزءً من دلالات هذا المعنى النفسي في الحروب، وباب هذا يطول.
والمراد أن هذه اللغة التخويفية الترهيبية الإحباطية في الحديث عن تواطؤ الأمم على الأرض المباركة، والتي يستعملها بعض الأفاضل هذه الساعة، ليست الطريق الشرعي في هذه الداهية، فهذه اللغة النياحية مثقاب التخذيل، ونحن اليوم أشد ما نكون للغة التثبيت وأنفاس المبشرات، فإنما القوة قوة القلب، والنصر صبر ساعة، وهذا لا يعني عدم ذكر قوة العدو بحق دون زيادة، وعلى وجه الدعوة للثبات والعمل، كما قال الله: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الفتح:16]
والمؤمن الفَطِن يفتح وعي المسلمين لقضاياهم، ويحرك هممهم ليعصبوا جراحاتهم، مع الاحتراس أن يدخل في حد الإرجاف، فقد شنع القرآن على كلمات الإرجاف وقت الحرب، كما قال الله: { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب:60]، وكما ذكر بعض أهل التفسير أن المرجفين في المدينة "قوم كانوا يخبرون المؤمنين بما يسوؤهم من عدوهم، فيقولون عن سرايا المسلمين: إنهم قد قُتِلوا أو هُزِموا، وإن العدو قد أتاكم"، مما يختلط فيه الحق بالباطل، وأصل الإرجاف الحركة والاضطراب، واستعملت هنا لأنه يحصل بمثل كلماتهم هذه اضطراب تماسك المجتمع المسلم.
فأين الوجهة إذن؟
القِبلة حقًا تحت دخان هذه المدلهمة إيقاد سُرُج القرآن حتى تنكشف المخارج والدروب وأنفذ الأسلحة وأمكن العتاد، ويتدلى للقلوب حبل التعلق بالله فإذا هو يلقف ما يأفكون، وسنعرض فيما يلي بعض هذه المعاني القرآنية:
قطع العلائق:
من أعظم أنوار القرآن في نظير هذه الداهية استحضار أن الله يقدر على أهل الإسلام تحزّب أعداء الدين وتواثقهم عليهم ليمتحن التوكل على الله، ففي مشهد مهيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحكيه القرآن لنا في لحظة اكتظاظ الأعداء يقول الله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173].
يا لجلالة المشهد، يقال له إن الأعداء أبرموا صفقة وتحالفوا وهم حولكم الآن، فيصعد القلب في معراج العبودية ويقول "حسبنا الله"، والحسب يأتي بمعنى الكفاية، أي أن الله كافينا، ثم يثني على الله ويعظمه فيقول "ونعم الوكيل"، وأصل الوكالة الاعتماد، والوكيل هو الذي يعتمد عليه فيتولى الأمر، فقوله "حسبنا الله ونعم الوكيل" حاصل معناها "الله كافينا وهو نعم من نعتمد عليه".
ولعلك لاحظت أن القرآن قبل أن يذكر مقولتهم هذه {وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ذكر أن حالًا إيمانية لهم سبقت ذلك فقال عنها {فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} فظهر بذلك أن تلك المقولة التي فخّم الله شأنها {وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} إنما هي ثمرة وأثر لقلب جلجل باليقين بالله في اللحظة التي تعثُر فيها قلوب أكثر الخلق في شقوق الشكوك وصدوع الارتيابات، وكم ينساب من الألسنة في مضائق المواقف كلمات إيمانية تبهت المستمعين يظنها الناس من براعة البيان وإنما هي من حرارة القلوب، فإذا رأيت المعنيين بالشام تتفاوت كلماتهم فاعلم أن وراء ذلك قلوبًا تفاوتت.
بل انظر كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ضمن حدود سيطرة الكفار وبينهم وقد اشتد الطلب عليه، ووصلوا لمكان وجودهم فعلًا، بل لم يكن بين كفار قريش وبين النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلا أن يخفض أحد الكفار عينه ليراهم دونه، كما في البخاري عن أبي بكر (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: يا نبي الله، لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا) فكفاهم الله إياهم وبلغ بهم الإيمان بمعية الله أعظمه، كما قال الله: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].
فإذا تدبر المؤمن هذا الخبر من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن الرهان حقًا على ما في القلوب وعلم أن أكثر الخسائر والنقص الذي أصاب المسلمين اليوم في سياستهم واقتصادهم وحروبهم وعلومهم ومعارفهم إنما منبعه نقص ما في القلوب، وتأمل بالله عليك كيف ينبه القرآن على أن المدار على ما في القلوب في قول الله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:18].
وقد قال أبو العباس بن تيمية عن الأحوال التي تكون النية صادقة في طلب نصرة الدين لكن يغفل عن التوكل:
"وطائفة أخرى قد يقصدون طاعة الله ورسوله لكن لا يحققون التوكل عليه والاستعانة به، فهؤلاء يثابون على حسن نيتهم وعلى طاعتهم، لكنهم مخذولون فيما يقصدونه إذ لم يحققوا الاستعانة بالله والتوكل عليه" [الفتاوى:10/277]. وجوهر التوكل والتعلق بالله في مثل هذه الأحوال أن تنخلع القلوب مما بيد الخلق وينقطع طمعها أن يكون في تدبيرهم شيء من الأمر حتى يكون نظر القلب يتقلب في السماء.
وما أكثر ما يقع في القلوب الاطمئنان للنصر وقت الكثرة والإمكانيات وهذا غير دقيق بل قد تكون الذلة مفتاحًا لتعلق القلوب بالله فتكون سببًا للنصر، وقد تكون الكثرة والإمكانيات تهرش بثور العُجْب فيضعف التعلق بالله فتكون سببًا للهزيمة. وتدبر هذين بالمقارنة بين الآيتين، الأولى قول الله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آلعمران:123]، والثانية في قول الله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة:25]، فانظر كيف قاد الضعف المادي للتعلق بالله فانهمر النصر، وكيف قادت القوة المادية للعُجْب فحُجِب من النصر بقدرها،
ثم انظر في يوم أحد كيف كان من أصعب المواقف إذ شُجّ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته، ومع ذلك نهاهم الله في هذا الموضع عن أمرين في العمل والمشاعر، فنهاهم عن "الهوان" في العمل، ونهاهم عن "الحزن" في المشاعر، وكشف لهم طريق الغلبة فقال لهم سبحانه يوم أحد {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، فالإيمان مفتاح الغلبة.
ثم تدبر كيف يصور القرآن انتصار أهل الإيمان ببركة التضرع والتعلق بالله كما يقول الله: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:250:251]، ومن المدهش حقًا عناية القرآن بالتنبيه على هذه العلاقة بين الضراعة والنصر كما قال الله في موضع آخر: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:146:148]
ومازال القرآن يعيد التصريح بوظيفة "البأساء والضراء والمصائب والخطوب والكوارث" إذ يقدرها الله على الأمم، وأن من أجل وظائفها المصرّح بها في القرآن استخراج الضراعة من قلوب العباد، ومع ذلك مازالت النوائب تتوالى وكثير من القلوب محبوسة لا تكاد تتزحزح، قال الله سبحانه: {ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام:42:43].
وقال سبحانه في موضع آخر: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} [الأعراف:94]، وقال سبحانه أيضًا: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون:76]،
وانظر كيف يصور القرآن نصر الله للقلة المؤمنة في مواجهة جيوش الأمم التي تتكالب عليها بحسب قوة إيمانهم وصبرهم ومجاهدتهم كما قال الله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ} [الأنفال:26]، وشدائد الأيام يختبر الله بها شدائد الإيمان كما قال الله في حكمة مداولة الأيام {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران:140] ثم قال عقيبها: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آل عمران:141].
وفي موضع آخر من كتاب الله قال سبحانه: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} [آل عمران:154]، وهكذا قول الله سبحانه: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران:179]، ونظائرها. فالمحن هي أدق ساعات الاختبار والطالب النابه إذ دخل قاعة الاختبار انكب على إحسان الجواب فكيف تدخل علينا ساعات الاختبار فنتفنن في صياغة الإجابات الخاطئة؟!
ومن عجائب القلوب أنها إذا تعلقت بالمقاييس المادية ضمرت حدود الرؤية فيها وضاق أفقها برغم ظنها أنها أكثر حداثة ورُقيّاً، وإذا تعلقت بالله انفسحت لها أمداء الرؤية وخذ مثالًا من أسباب النصر،فإن المقاتل المادي لا يفكر إلا في وسائل المواجهة التقليدية المعروفة، أما المؤمن فهو يعلم أن "جنود الله" لا يقدر عددها ونوعها وقوتها إلا هو، وما أكثر ما تكون مفاجئة للعدو، كما قال الله: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31]، وقال سبحانه: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح:4]، ومن أجل جنود الله الملائكة العظام كما قال الله: {وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة:26]، وقال سبحانه: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة:40].
بل ومن جنود الله العجيبة في نصر المؤمنين ما يسمونه اليوم الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والرياح والعواصف والزلازل والفيضانات، كما قال الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا} [الأحزاب:9]، وقال عن الفيضانات والمياه في قصة قوم نوح: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} [الفرقان:37]، وقال عن فرعون في قصة موسى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [الأعراف:136]، وقال سبحانه عن جنس ذلك: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت:40]، وقال سبحانه: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا . أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء:68:69]، وهذا باب معروف إن شاء الله، ولكن المقصود التذكير بسعة وتنوع وقوى جنود الله وسعة أفق المجاهد المتوكل وضيق أفق المقاتل المادي.
الاستعانة بالحقائق:
كم في كتاب الله من الحقائق التي إذا تدبرها المؤمن في هذا الزمن وأمام مثل هذه الملمّات أصبحت ركنًا شديدًا يأوي إليه فحقائق القرآن من أجل المثبتات، ومن أعظم هذه المثبتات القرآنية أن لا ينحبس التفكير على جراحات المسلمين، فإن هذا قد يورث الفتور والتقاعس، بل نبّه القرآن على أمر هو في غاية العجب من الإرشادات النفسية، وهو أن يستحضر المؤمن أيضًا المآزق التي يعيشها الأعداء أيضًا، فإن هذا مما يقوي القلوب، وقد جاء هذا الإرشاد النفسي في مواضع من كتاب الله، كقوله سبحانه: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140]، وقوله سبحانه: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء:104].
والذي يظهر –والله تعالى أعلم- أن هذا المعنى المذكور في هذه الآيات هو المغزى من ذكر التضعيف في قول الله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران:165]، فإنه وإن كان السياق سياق عتب، إلا أن ذكر تضعيف ما غرمه الكفار من قبل يراد به التعزية والتسلية والتصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه على ما أصابهم من المصيبة الحالية بأنكم قد أصبتم من الكفار ضعف ما أصابوا منكم، وهذا من جنس ما سبق في آيتي ذكر الاشتراك في القرح والألم، وكل هذا يؤكد عناية القرآن بهذا الإرشاد النفسي في استحضار الاشتراك في التحديات وعدم الاستسلام لدعاية العدو في تهويل قوته والمبالغة في تقزيم قدرة المسلمين على التصدي لهم.
ولذلك فإنك ترى في كتاب الله أنه برغم ذكره لشدة كيد الكفار ومكرهم كقوله سبحانه: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:46]، وقوله سبحانه: {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ:33]، وقوله سبحانه: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [نوح:22]، إلا أن الله سبحانه يقوي قلوب المؤمنين ببيان هشاشة كل هذه الأحابيل والمكر والكيد الذي فتلوه، كما قال الله: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76]، وبيّن أن هذا المكر مآله الإخفاق: {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:10] وقال سبحانه: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر:25]، بل وذكّرهم بمكر سلفهم ونتائجه الخائبة فقال سبحانه: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:26]، ويجعلها سبحانه سنة من سننه: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر:43]، وقال سبحانه: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} [الأنفال:18].
والعاقل الذي يسبر التاريخ ويعرف أخبار الناس وأيامهم يعلم حتى ولو لم يبلغه الوحي أن كيد الخونة لا يثمر، ولذلك حكى الله سبحانه: {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف:52]، بل إن الذي يعلمه أهل الخبرة بأيام الناس ليس أن كيد الخونة لا يفلح فقط، بل كثيرًا ما ينقلب عليهم، كما قال الله: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} [الطور:42]، وقال سبحانه: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [النمل:51]،
وهذه التنبيهات المتكررة عن سقوط كيد الكفار مقصود بها تصفية شعور المؤمن قطعًا كما قال الله: {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} بالنحل:127]، وقوله سبحانه: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النمل:70]، لأنه كلما صفى باطن السلاح كان أنفذ لطلقاته.
والأهم في هذا كله أن يعرف المؤمن طريق بطلان الكيد والمكر الكفري الكبّار، وهو مرةً أخرى: التعلق بالله وتقواه، كما قال سبحانه: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران:120]، ومن حقائق القرآن التي تشد أفئدة المؤمنين المستضعفين أن فتح أبواب الإمكانيات على عتاة الكفار هي اللحظات التي تسبق الأخذ الإلهي المباغت كما قال الله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44]، وقال سبحانه: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [الأعراف:95].
ومن أعظم المثبتات القرآنية أن يستحضر المؤمن أن الله جل وعلا ينصر أولياءه بحسب ولايتهم بنوع رعب يلقيه فيه قلوب أعدائهم، كما قال الله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال:12]، ولكن ما سبب هذا الرعب؟ الحقيقة أنه كما أن إفراد الله بالتعلق والتوكل عليه وتفويض الأمور إليه سبب لقوة القلب، فإن الشرك الذي مادته وينبوعه التعلق بغير الله هو سبب الرعب الذي يقع في قلوب الكفار، كما قال الله: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} [آل عمران:151]،
ولذلك قال أبو العباس ابن تيمية عن مركزية قوة القلب: "الشجاعة ليست هي قوة البدن، وقد يكون الرجل قوي البدن ضعيف القلب، وإنما هي قوة القلب وثباته" [الفتاوى:28/158].
ولذلك كثيرًا ما يتساؤل المتابعون: ما سبب شيوع الضعف المعنوي في مقاتلي الكفار؟ والحقيقة أن من أعظم ذلك هو هذا الكفر الذي في قلوبهم، فصار تعلقهم بغير الله سبحانه، وكل من تعلّق بغير الله لحقه من الخور والوهن بقدر ذلك، وقد نبّه القرآن على كثرة فرار الكفار في قتالهم في مواضع متعددة، منها قول الله: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [آل عمران:111]، وقال سبحانه: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [الفتح:22]، وقال سبحانه: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [الحشر:12]، ومن أسباب هذا أن القلب إذا خلا من التعلق بالله تعلق بالدنيا، كما قال الله: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96].
فكلما شمخ المؤمن في أفلاك التعلق بالله زادت طمأنينته وسكينته وقوة قلبه، وكلما شَرَكَ الكفار وشاطرهم شيئًا من التعلق بغير الله اعتراه من الرعب على قدر ما شاركهم، وهذا فرع عن قاعدة "تبعيض الجزاء بقدر العمل"، وهي قاعدة نافعة عظيمة في تدبر الأعمال والجزاءات في القرآن، في باب الثواب وباب العقاب كليهما، وجوهر هذا الأصل هو "التحذير من مشابهة الفعل بالفعل، لا إلحاق الفاعل بالفاعل"، وسبق نشر شيء عنها، وسأنشر لاحقًا المزيد بإذن الله من تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيها.
ومن أعظم المثبّتات أن يوقن المؤمن أن هذه التحالفات الفاسدة، وهذه الخيانات التي يتذلل فيها الضعفاء للمستمكنين، سيأتي يوم قريب يتنصل فيها بعضهم من بعض، كما قال الله: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ . وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:166:167].
ومن معاني القرآن في مثل هذه الساعات أن يستحضر المؤمن أن الله جل وعلا حين ذكر في كتابه آية (حياة الشهداء): {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} [البقرة:154]، أعقبها فورًا بذكر صنوف الابتلاء {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة:155]، فيرتفع ثواب الشهادة بقدر مصابرة المجاهد على لأواء طريقها، إنه أوان البأس الذي رفع الله شأن الصبر فيه حين قال: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177]، وحين البأس هو أوان شدة القتال في سبيل الله كما قال أهل التفسير، وقارن مدح الله المؤمنين بالصبر أوان البأس بذمه فرار المنافقين منه في قوله: {وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب:18].
ومن أعظم المثبتات القرآنية حال ملاحم أهل الإسلام أن يستحضر المؤمن أن إخوانه الذين سبقوه على هذا طريق سنام الإسلام ورأوا –بإذن الله- من كرامة الله لهم ما صاروا به يستبشرون بمن مازال على الطريق، كما قال الله: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:170]، ومن أعظم المثبّتات القرآنية أن يوقن المؤمن أن ما يعتري قلبه بين فينة وأخرى من التخويف والترهيب من تحزب أمم الكفر إنما هو من الشيطان الذي يخوّف المسلمين بأوليائه الكفار كما قال الله: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175]، أي "يخوفكم أولياءَه الكفار" كما قال أهل التفسير، ومن أعظم المثبّتات القرآنية أن يتدبر المؤمن في كتاب الله "أغراض الإملاء للكفار" كقول الله سبحانه: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران:178]، وقوله سبحانه: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:183]، وقوله سبحانه: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ . نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:55:56].
وهذه مجرد أمثال ونماذج، وليس المقصود طبعًا الاستقصاء والتتبع، وهي حقائق قرآنية إذا تدبرها المؤمن وعَقَلها وعاش معناها كانت له من أعظم العون في مواجهة مثل هذه الدواهي العظام التي تطوّق أهل الإسلام، فكم في تدبر القرآن من ظهير وسند.
تدشين المراجعات:
من أجل أنوار القرآن في مثل هذه الحنادس الدعوة إلى مراجعة العلاقة بالله، وأن الانكسار في الجهاد فرع عن شرخ في التزكية، كما بين كتاب الله هذا في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} [آل عمران:155]، وقال سبحانه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]، فيا لله العجب ما أشد شؤم المعصية، حتى ضعفت طاقة المجاهد ومال للفرار ووقع عليه الأذى بسبب ذنب! فإذا كان هذا على المجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بنا نحن اليوم؟!
ومن كمال الدلالة القرآنية أن يبيّن القرآن المعنى وضده، وهو أحد الأوجه في تفسير وصف الله لكتابه بأنه "مثاني"، ومن أفراد هذا المعنى هاهنا: أن الله كما بيّن أن المعاصي سبب للهزيمة فقد بيّن أن الطاعات سبب للثبات كما قال الله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء:66]، وأنتم يا أهل السنة في الشام وسط بين طرفين من المنتسبين للإسلام، حيث ذكر الله في كتابه ثلاثة أطراف في قوله: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} [البقرة:190]، فقد حُرِم فئام من المسلمين من شرف الجهاد معكم، وشارككم طائفة من الغلاة قتال الكفار لكنهم "اعتدوا" وبقيتم أنتم بإذن الله ممن جمع أطراف الشرف في هذه الآية: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا}، وتقوى الله كما تكون في قتال المعتدين فإنها تكون في ترك العدوان في القتال، فسنام الإسلام ليس للمخذّلين عن الجهاد ولا للمعتدين في الجهاد.
والمراد أن شرف الجهاد الشرعي وسط بين من دعى لترك قتال الكفار والمسلمين سويًا وهم المخذّلون، وبين من دعى لقتال الكفار والمسلمين سويًا كالغلاة، وهذا الوسط يتبين بمعرفة مثارات الذنوب في القوة الشهوية والغضبية المركوزة في النفس البشرية وسيأتي تفصيله في فرصة قادمة بإذن الله.
ومن أعظم أنوار القرآن في مثل هذه المدلهمة تدبر ربط القرآن النصر بقدر الاجتماع، وهذا موضع تُسكب عنده عبرات المحبين للجهاد الشامي، فقد تقرّحت الآماق من مشهد الافتراق، والله يقول: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] فعلى قدر التنازع والافتراق يكون ذهاب الريح، وعلى قدر اجتماع الكلمة يكون النصر، بل انظر كيف أن "التنازع في الأمر" في موقف واحد حال الملحمة فتح على المسلمين من الانكسار بقدره، فكيف بالافتراق والتنازع والتشرذم على طوائف وأحزاب؟! يقول الله: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:152].
وتدبر هذا الذي وقع على سادات الأولياء الذين جمعوا شرف الصحبة وشرف الجهاد في موضع واحد كله بشؤم التنازع العارض من أعظم ما يقتلع من القلب جذور الحزبية القتالية، وهذه الجراحات التي تقع بين فصائل القتال المتحزبة هي من جنس العذاب الذي يسلطه الله سبحانه كما قال جل وعلا: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام:65]، فكل من سعى في رأب الصدع ولم شمل أهل السنة فقد سعى في رفع العذاب عنهم، والله سبحانه يكون في عون العبد إذا كان العبد في عون واحد من إخوانه وفي لفظ كان الله في حاجته، ويفرج عنه كربة من كُرَب يوم القيامة إذا فرج عن أخيه كربة من كُرَب الدنيا، وكلاهما في الصحيحين، فكيف بالله عليك من سعى في رفع العذاب عن طوائف الأمة، فكيف سيكون ثوابه؟! ولذلك عظم الله في كتابه شأن الإصلاح بين الناس في مواضع متعددة.
ومن أعجب دروس القرآن في مثل هذه اللحظات، بل هي من معجزاته ودلائل نبوة من أتى به، أن أصحاب التفكير الذاتي والمصالح الشخصية الذين لا يهمهم إلا أنفسهم أو وطنهم الجغرافي المسيّس، ولا يهمهم أهل الإسلام؛ هذه الشريحة هم مادة الوقوع في "ظن الجاهلية"، الذين لا يثقون بوعد الله، كما قال الله: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران:154]، وما أحسن عبارة ابن كثير عن أصحاب هذا التفكير إذ قال في تفسيره: "اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة، وأن الإسلام قد باد وأهله، هذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من الأمور الفظيعة، تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة" وهذا الظن الذي سماه القرآن "ظن الجاهلية" ما أكثر ما رأيناه في أصحاب الدعوات "الوطنية الجاهلية" وهكذا فجاهلية الراية تورث جاهلية المشاعر.
والحقيقة أن الظنون المرتابة كثيرًا ما تنبجس لحظة احتشاد الأحلاف وإحاطة كمّاشتها بأهل الإسلام كما وصف الله يوم الأحزاب بقوله: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:10]، وهي من أحلك لحظات الاختبار لأهل الإيمان كما في الآية التي عقيبها: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الاحزاب:11]، وهي أيضًا أكثر لحظات الإخفاق للقلوب التي ضعف فيها اليقين كما في الآية الثانية بعدها: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:12].
ثم لما حكى الله المقولة النفاقية التي نجمت في هذه المحنة: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} جاء بعدها ببضع آيات حكاية المقالة الصحابية الإيمانية التي تتلهف النفوس الشريفة أن لو كانت شاركت بمثل هذا الموقف، تذكر هذه المقولة النفاقية السابقة يوم اجتماع الأحزاب: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}، ثم اقرأ قول الله بعدها ببضع آيات: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:22]، لا إله إلا الله، هذا والله الشرف، هذه والله المعالي، هذه والله القلوب، يارب نسألك من فضلك أن تعمر قلوبنا بكمال التوكل عليك واليقين بك وبوعدك.
ومن المؤكد أن القارئ لم يفته ملاحظة الاشتراك بين وصف القرآن لحال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، ووصف القرآن لسادات الأولياء من الصحابة يوم الأحزاب، فقد قال سبحانه عن احتشاد الأعداء يوم بدر: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]، فوصفه بأن الخطب زاده إيمانًا، وبنفس هذا الوصف قال سبحانه عن احتشاد الأعداء يوم الأحزاب: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} فوصفهم أيضًا بأن الحدث ما زادهم إلا إيمانًا.
وربما لم يفت القارئ أيضًا ملاحظة أن "ظن الجاهلية" ذكر الله ظهوره في الوقعات الثلاث:
فقال عن غزوة أحد: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران:154]، وقال عن غزوة الخندق: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:10]، وقال عن منصرف رسول الله إلى عام الحديبية: {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح:12]،
فهذه من الأمراض المتكررة الظهور في اللحظات الحالكة، ومن أشد الأمراض التي تفتك بالكوادر المنتسبة للجهاد أن يكون ولاؤها ونفرتها على قدر حظ نفسها، كما قال الله عن جنس ذلك: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة:58]، ولكن النفوس إذا مرضت أظهرت موالاتها في قالب جمع الكلمة، وأظهرت معاداتها في قالب الصدع بالحق، وللنفوس من الخبايا والأغوار ما لا يقدره إلا الله.
ومن أعظم المراجعات التي تستدعيها الأحداث إعادة بعث الهمة باستكمال تحكيم الشريعة في كل شؤون الحياة، وكثير ممن غزت قلبه النظرات المادية في الاجتماع البشري يظن أن "الشريعة" غرضها البعد الأخلاقي الفردي فقط، وهو فكر يروج بين من يمكن تسميتهم "متصوفة الحداثة"، وهم خليط من العلمانيين الذين يسمون أنفسهم المتصالحين مع الدين والمتقاربين معهم من روحانيي الفلسفة المعاصرة، فيحصرون الإسلام بالتفسير الأخلاقي، بالتعريف الضيق للأخلاق، وهي فكرة قديمة قد تعود لتصبح موجةً اليوم للتجمّل أمام مدارس النقد الأخلاقي الغربي للحداثة، ولا يدرك هؤلاء -أو يدركون لكن لا يعيشون المعنى يقينًا- أن إقامة الشرع زيادة على كونها لتحقيق العبودية لله فإن لها "آثاراً منفصلة" في الدنيا بهطول الخيرات ودفع الجوائح، كما قال الله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:96]، وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [المائدة:66].
وقد قال أبو العباس ابن تيمية: "فقد علم بالاضطرار من النقل المتواتر، والتجارب المعروفة، أن الأعمال الصالحة توجب أمورًا منفصلة من الخيرات في الدنيا، وأن الأعمال الفاسدة توجب نقيض ذلك، وأن الله تعالى عذب أهل الشرك والفواحش والظلم، كقوم عاد وثمود ولوط وأهل مدين وفرعون، بالعذاب المنفصل والمشاهد، الخارج عن نفوسهم، وأكرم أهل العدل والصلاح بالكرامات الموجودة المشاهدة، وهذا أمر تقر به جميع الأمم، فكيف يقال إن العبادات والطاعات ليس مقصودها إلا ما يوجد في النفس من صلاح الخُلُق؟" [الصفدية:2/238].
والبوح الأخير في هذه المقالة هو تأمل درس الحضارة الغربية مجددًا، فتواطؤ الأحزاب على الشام وإلقائهم النيران على أهله مجرد تأكيد جديد ليوقظ الذي مازال يخفق قلبه بالهيام بالإنسان الغربي وتعشّقِ القيم في الحضارة الغربية، وليقرأ قول الله: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ} [آل عمران:119].
اللهم استعملنا في تقوية قلوب إخواننا المسلمين، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه،،
إبراهيم السكران
بكالوريوس شريعة- ماجستير سياسة شرعية-جامعة الإمام- ماجستير قانون تجاري دولي-جامعة إسكس-بريطانيا.
- التصنيف:
- المصدر: