هل العلم ينمي الشك؟

سؤال واستشارة:

(أعتذرعن السؤال بالعامية ) العلم بينمي داخل الانسان الشك لأنه بيكتشف أان حاجات كتير كان متسلم بها لمدة قرون وبعدين تم اكتشاف خطأها أو عدم دقتها .. رغم اقتناعي بالله والاسلام بالفطرة وبعض المنطق لكن مش قادر أوصل لحالة اليقين وبغبط الناس اللي معندهاش أي شك ونفسي أوصل للمرحلة دي .. نصيحة حضرتك ياريت.

الإجابة:
زيادة العلم تؤدي إلى المرونة الذهنية بخصوص التعديل للوصول لدرجة أفضل من إادراك الحقيقة، مثلا لا أستطيع أن أقول أن ميكانيكا نيوتن ظهر خطؤها باكتشاف النسبية وفيزياء الكم، لكن أقول أنه قد ظهر محدودية ميكانيكا نيوتن وعدم عموميتها باكتشاف النسبية وفيزياء الكم. بَيْدَ أني على يقين - ولست على شك أبدا - أن ميكانيكا نيوتن هي صحيحة في إطار استخدامها في الهندسة الإنشائية وهندسة السيارات مثلا، وعموما هي صحيحة في نطاق التطبيقات الماكروسكوبية ذات السرعات القليلة ومجالات الجاذبية الضعيفة.

لذا فمقولة أن "الزيادة في العلم تؤدي للزيادة في الشك" ليست مقولة دقيقة، والأدق هو أنه كلما ازداد الإنسان علما كلما ازداد إدراكا لجهله.

وكما قيل: كلما اتسعت جزيرة العلم، طالت شواطئ الحيرة والتساؤل؛ وذلك لأن الحيرة والتساؤل هي الحدود الفاصلة بين العلم والجهل، لذا فهي ليست بصدد ما قد عُلِم لكن بصدد ما سيُعلَم.

أما مسألة اليقين الديني، فلا شك أنني كلما ازداد علمي وخبرتي وإدراكي كلما ازددت يقينا أن الله حق وأن الإسلام حق وأن الرسول حق، لكني ربما أصبح أكثر تدقيقا وتحرِّيًّا للتفاصيل والجزئيات، وربما أصبح أكثر مراجعة لمسائل فرعية في العقيدة، لكني لا أصبح أكثر شكا في العموم، بل أكثر يقينا.

لكن إن تحدثنا عن اليقين المطلق فاعلم أنه قلبيٌ وليس عقليا! بمعنى أن العقل هو وسيلة أساسية لليقين، وهو الطريق الرئيسي لليقين، لكنه ليس كاف لليقين، بل الاتصال بالله والخشوع له خلال الصلاة - والعبادة عموما - هو وسيلة اليقين التام، لأنه اتصال مباشر بأصل الحقيقة، بالله الحق.

واعلم أيضا أن اليقين المطلق لا يمكن الوصول له في الدنيا، فكلما ازداد الإنسان علما وخشوعا كلما ازداد اليقين وقل الشك، لكن أول مراتب مطلقية اليقين (عين اليقين، وحق اليقين) هو الموت! لذا فإن الموت هو اليقين! أما أقصى ما يمكن الوصول له في الدنيا فهو "علم اليقين".

وليس المقصود هنا اليقين بقضية معينة، بل المقصود اليقين بالحقيقة بشكل عام.

اللهم أثلج قلوبنا ببرد اليقين، واشحذ عقولنا حتى تكون معولا صلبا نكسر به جبال ظلمات الجهل.