أصبحتُ أعشقُ ساعاتِ الانتظار

منذ 2016-03-19

كثيرٌ من أوقاتنا تُهدر فيما لاينفع وكثيرٌ من الأحيان نغفلُ عن إحياء العبادات بين أهلينا، كم فرَّطْنَا من ساعات؟ قال معاذ بن جبل: ما عمل امرؤ بعمل أنجى له من عذاب الله عز وجل من ذكر الله.

قال لي صديقي أمس: ضحِكتْ زوجتي منِّي، فقد كنتُ أقرأُ في الصباحِ سورةَ آل عمران، وخرجتُ لعملي، وإذا بي قبل النومِ أقرأُ سورةَ هود.

فقالت: ما بِكَ؟ أصبحتَ تتنقَّلُ بينَ السُّوَرِ على غيرِ عادتِك في ختم القرآنِ! هل لأنَّك تُحبُ سورةَ هود أم أنك تقرأُ وردَك برِموشِ عينيك؟
قلتُ لها: سأحكي لكِ لاحقًا، لكنها نامت.

في الصباح كنَّا على موعدٍ عائلي، ولمَّا كانت زوجتي تتأخرُ في (الجهوزية)  فقد لبستُ ثيابَ الخروجِ، وأمرتُ الكبارَ بمساعدةِ الصغارِ وإنزالِ الشنطِ للسيارة، وسحبتُ كرسيًا وجلستُ بجوارِ بابِ الخروجِ، ومعي مصحفي، فكانتْ تتوقعُ مني أنْ أرفعَ صوتي وأَصيحُ بصوتي الجَهْوَريّ لها هيَّا! تأخرتِ! لكنَّها كانتْ تسمعُ قراءةَ القرآنِ، وعندَ آياتِ الرحمةِ كنتُ أرفعُ صوتي فهمَّت زوجتي وقالت: سبحان الله ربنا يهدي! أين موشَّحات الحِفاظ على الموعدِ وضرورةَ السرعةِ في (الجهوزية)؟ ضحكتُ وقلت لها: يكفي23 عامًا من النصائح.

وكان لي موعد عند أحد الزبائن، لكنَّه أبقاني في حجرةِ الجلوسِ نصفَ ساعةٍ معتذرًا بأدب؛ فتناولتُ مصحفي وأنهيتُ وردي.

خرجتُ في مشوارٍ إلى وَسَطِ البلدِ بزحامِها وضَوضائها وزَخَمِها، أخذتُ ابنيَ معي ليقودَ السيارةَ، وتناولتُ مصحفي ولم أحسْ بالزحامِ ولا الضوضاءِ ولا أيِّ شيءٍ بل السكونِ والراحةِ والسلامِ يملأُ حياتي،

لكنَّ الدموعَ نَزَلَتْ من عيني، ليست دموعَ الفرحِ ولا دموعَ تأثُّري بالآياتِ الجليلةِ، إنما هي دموعُ الندمِ.

يا الله! كم فرَّطْنَا من ساعاتٍ، هل يُعقلُ أنني أختم القرآنَ في حوالي خمسةِ أيامٍ من ساعاتِ الانتظار؟

هذه الأوقاتُ التي كانتْ كلُّها توتُّرَ وتبرُّمَ وضيقَ وانزعاج، فكم قصَّرتُ في حق نفسي؟! هل يُعقل أنني أصبحتُ أحبُّ ساعاتِ الانتظار؟!

في انتظارِ الطعامِ، ذلك الموعدُ المقدسُ الذي أُحافظ عليه مع أولادي حين يتأخرُ الطعامُ كنت أنزعج، لكني أمسكتُ مصحفي وعلا صوتي عند الآية {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: من الآية 82].

قالت لي زوجتي: إنَّ قراءَتَك هذه تركَتْ انطباعًا طيبًا لدى الأولادِ كلِّهم كبارًا وصغارًا، فهم بالرغمِ منْ أنَّهم يحفظونَ القرآنَ منذ الصغرِ إلا أنَّ صوتَك الطيبَ بحشْرَجَتِهِ الخفيفة وإحساسك بالمعاني جعلهم يشتاقون لذلك، ويقولون: إنهم يتذكَّرون الآياتِ التي قرأتَها ويقلِّدونك. أين أنت يا رجل؟

يا الله! نزلتْ عليَّ الملاحظة كالصاعقة، فكم قصَّرتُ في حقِّهم، فالرسول - صلى الله عليه وسلم -  يقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيتِه»، فغيابُ القدوةِ في القرآنِ بالبيتِ، وغيابُ القدوةِ في الأذكارِ والصيامِ والأورادِ يجعل تعليماتِك لهم بأداءِ أعمالِهم التعبُّدية باهتةً ودونَ روحٍ،  وتصبحُ التعليماتِ أمرًا من ضمن آلافِ الأوامرِ التي يسمعونها صباحَ مساء.

يا الله! كم ضيعت عليهم ساعات الطُمأنينة والهدوء والسلام التي كان يحققها القرآن؟ ضيعتُ عليهم الرحمةَ والنورَ ومباركةَ الملائكة، ضيعتُ عليهم الشفاءَ وينابيعَ الخيرِ والعطاءِ التي يمنحنا إيَّاها القرآن، أأنا السبب؟ الله المستعان..

لكن عذرًا فأنا من سيزرعُ فيهم عشقَ ساعاتِ الانتظارِ، اللهم أكرمنا بكرم القرآن، وشرِّفنا بشرف القرآن، واجعلنا من أهله.

أخي الكريم: فلنتعاونْ في نشرِ هذه الرسالة النافعة ولْنحتسبْ الأجرَ من الله، فكثيرٌ من أوقاتنا تُهدر فيما لاينفع وكثيرٌ من الأحيان نغفلُ عن إحياء العبادات بين أهلينا؛ فلنبدأ بأنفسنا ولنكنْ عوناً لمن هم حولنا، وفقنا الله واياكم.

بقلم: علي اليسَّار

  • 12
  • 0
  • 4,150

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً