صيود الأوراد (14): فتشقى!

منذ 2016-04-03

حين تقرأ شطر الآية الأولى وفيها تحذير الله تعالى لأبوينا من العدو، حتى لا يخرجهما من الجنة التي لا يجوع ساكنها ولا يعرى ولا يظمأ ولا يضحى، ولا يبْأس ولا يمرض ولا يحزن ولا يخاف... وفي أثنائها قال: {فتشقى}، مما يبين أن جزءًا من الشقاء هو ذلك الجوع والعُري والظمأ والخوف والمرض.. المنتفي من الجنة..

ما فتح  أحد قلبه للقرآن بالتدبر وعقله بالتفكر إلا ووجد فيها تشخيص داءٍ من أدواء هذه البشرية، وأيضًا معها وصفة الدواء الناجع.. وهنا تجد بين يديك داءً ودواءً؛ فتدبر مستعينا بالله متوكلا عليه مطمئنا إليه..

قال الله تعالى: { {فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى، فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى، فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} }[طه: 117-121]

حين تقرأ شطر الآية الأولى وفيها تحذير الله تعالى لأبوينا من العدو، حتى لا يخرجهما من الجنة التي لا يجوع ساكنها ولا يعرى ولا يظمأ ولا يضحى، ولا يبْأس ولا يمرض ولا يحزن ولا يخاف... وفي أثنائها قال: {فتشقى}، مما يبين أن جزءًا من الشقاء هو ذلك الجوع والعُري والظمأ والخوف والمرض.. المنتفي من الجنة..

وحين أتأمل مصائب العالَم ومذابحَه أهله، وآلة الحرب التي يقتل بها بعضهم بعضا، والكم الهائل المروِّع من الشقاء الذي يصبه عدوُّ البشرية عليها.. أُدْرِك ذلك المعنى الذي حذر الله تعالى منه أبوينا، ونحن نحياهُ اليوم كما لم يمر على بشر قبلُ!! اللهم إنا نعوذ بك من الشقاء.. شقاء الدنيا والآخرة.

طبعا سبب الشقاء أن الإنسان ابتعد عن منهج الله تعالى، فنسي أن له كنفُ عبودية لا يتعداه، فلما ابتعد عنه تألَّه، وظن أنه يملك الموت والحياة.. فشقي وأشقى { {قالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} }[طه:123-124].

وهذا هو السبب الواضح الذي لأجله ربطت الآية في بداية السورة نفسها بين إنزال القرآن وانتفاء الشقاء: { {طه،  مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} }[طه:1-2]. وكل هذه الآيات الثلاث في الشقاء مذكورة في سورة واحدة!!

فما لم تتلو البشرية هذا القرآن، تلاوة قول وفعل واعتقاد، فلن تجنْنِيَ إلا الشقاء، مهما تطورت في المادة والتكنولوجيا

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.

  • 2
  • 0
  • 1,949

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً