تأمُّلات أُم - ابني و أنا: آدم ينجو بالتوبة (3/3)

منذ 2016-04-29

لم يحاول آدم التنصل من خطئه-كما فعل إبليس- ولا برر معصيته بأنه خُدع من قِبّل الشيطان الذي لم يألُ جهدا في إغوائه وزوجه، حتى إنه أقسم كاذبا على أنه ناصح واد لهما ،وأخذ يوسوس لهما بذلك مرارا وتكرارا .لم يتعذر آدم بذلك بل سارع إلى الاعتراف بذنبه طالبا المغفرة، لِمَ لم يفعل؟

نتابع القصة 

وبضدها تتميز الأشياء:
حمّل الشيطان آدم تبعة خطئه؛ افتراء منه وظلمًا، ولو أنصف من نفسه لاعترف بذنبه وأقر بمعصيته -حتى لو عوقب ما كانت تلك العقوبة لتصل إلى اللعن -عياذا بالله- فالانصاف الانصاف، والإقرار بالحق والانكسار بين يدي الخالق وطلب العفو والسماح أجدر بنا يا بني وأجمل، فارفق بنفسك ولا تزد عليها الهلكة بمزيد افتراء مع معصية، يكفيك معصية الجوارح، واحذرأن تضم إليها معصية القلوب فتهلك كما هلك إبليس. أعيذك بالله من أن تردى.

وكذلك عصى آدم ربه

خلق الله آدم وخلق له حواء ثم أمره أن يسكن هو وزوجه الجنة ويتمتعا بكل ما فيها إلا إنه حرّم عليهما شجرة واحدة من الجنة نهاهما -سبحانه- عن الأكل منها، ونبههما أن الشيطان لهما عدو، قال تعالى: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الجنَّة فَتَشْقَى . إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى . وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} [طه الآيات:117-119] {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} [البقرة:35].

- انظر بنيّ: كما أمر الله إبليس بالسجود لآدم، أمر آدم بعدم الأكل من الشجرة، هنا حسد إبليس آدم وزاد حقده عليه وأضمر السوء لآدم وزوجه واعتزم عزمًا أكيدًا على إغوائهما ليوقعهما في المعصية كما فعل هو قبلُ؛ ليرديهما كما تَردَّى {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً​} [النساء من الآية:89]، فأخذ يوسوس له ولزوجه ولبس لذلك ثوب الناصح الوادّ الذي يريد لهما الخير والخلود في النعيم: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطان قَالَ ألا أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:19].

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشّيْطان لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20] ولم يكتف بذلك بل أبعد النجعة وأقسم كاذبًا على أنه ما قال ذلك إلا نُصْحًا منه لهما: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21 ] فصدقاه ولم يخطر ببالهما أن يقسم لهما كاذبا،فما كانت النتيجة؟

{فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121]
{فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجنَّة} [الأعراف:22].

انظر يا بنيّ: 
هنا عصى آدم كما عصى إبليس كلاهما لم يطع أمر الله له، وهنا عاتبهما ربهما كما عاتب إبليس قبلُ: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأعراف:22].

انتبه تمامًا يا بني:
لم يحاول آدم التنصل من خطئه -كما فعل إبليس- ولا برر معصيته بأنه خُدع من قِبّل الشيطان الذي لم يألُ جهدًا في إغوائه وزوجه، حتى إنه أقسم كاذبًا على أنه ناصح واد لهما، وأخذ يوسوس لهما بذلك مرارًا وتكرارًا. لم يتعذر آدم بذلك بل سارع إلى الاعتراف بذنبه طالبًا المغفرة، لِمَ لم يفعل؟

لأن الله حذّره -بدايةً- أن الشيطان عدو له ولزوجه، ولكنه نسي وصدّق أنه ناصح له، فوقع في المعصية، ولم يَرَ لنفسه عذرًا يقدمه بين يدي ربه؛ إنصافًا من نفسه وانكسارًا عند خطئه فلم يتكبر ولم يتجبر ولم يجمع لمعصية جوارحه معصية قلبية مخالفاً بفعله ما فعله إبليس {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا​} [طه:115] فسارع آدم وبادر إلى الاعتراف بذنبه مستغفرًا منكسرًا طالبًا العفو من ربه والسماح وكذا فعلت زوجته، انظر كيف: 

{قَاَلا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف من آية:23 ] وهذا اعتراف ورجوع إلى الإنابة، وتذلل وخضوع واستكانة، وافتقار إليه تعالى في الساعة الراهنة، وهذا السر ما سرى في أحد من ذريته إلا كانت عاقبته إلى خير في دنياه وأخراه.

تقبل الله استغفار آدم، وتاب عليه ولم يلعنه كما لعن إبليس؛ لأنه وإن كان شابه إبليس في أن كلاهما عصى أمر ربه إلا إنه لم يشبهه في فجوره وإلقائه تبعة معصيته على غيره، فلم يفتر ولم يتكبر ولم يتجبر، فكانت معصيته معصية جوارح ليس لها أصل كفري في قلبه، فلم يتردَ كما تردى إبليس.

مقارنة لابد منها:
إبليس هلك لأنه: عصى وتكبر، بينما نجا آدم من الهلكة لأنه: وإن عصى إلا أنه لم يتكبر بل انكسر لربه معترفاً بذنبه.

والسؤال بمن تشّبه يا بنيّ؟! بل بمن نتشبّه نحن؟؟ ولا أبرِّئُ نفسي.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدينا لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئ الأخلاق لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
انتهى.

أم هانئ

  • 1
  • 0
  • 10,523
المقال السابق
ابني و أنا: القصـــة (2/ 3)
 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً