المستبد في كل عصر ومصر[1]

منذ 2016-09-23

من أعان ظالما فهو ظالم وإن ادعى الحياد فلا حياد له، وإن ادعى الجهل فلا جهل له وقد تبين الرشد من الغي.

كيد الباطل
ضاقت بالنور، وآثرت الظلمة، وهمت لإطفاء نور الحق؛ ما كان يضير قريش من دعوة الخير! إلا أن المستبد لا حياة له في النور، ولا يمكن له بالحق.
 كادت لقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فنجاه الله من مكرهم وهاجر إلى المدينة، فلم تهدأ النفوس الحاقدة واشتطات قريش غيظا أن فاتهم النبي صلى الله عليه وسلم فأوغلوا بالقتل والاعتقال والتعذيب لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وصادروا أموالهم وحزروا سفرهم وخططوا لاستئصال خضراء المسلمين في المدينة فعمدوا إلى:

1- دعم جبهة النفاق بالمدينة
فكتبوا إلى عبد الله بن أبي بن سلول، وكان إذ ذاك مشركا بصفته رئيس الأنصار قبل الهجرة، فمعلوم أنهم كانوا مجتمعين عليه، وكادوا يجعلونه ملكا على أنفسهم لولا أن هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وآمنوا به. كتبوا إليه وإلى أصحابه المشركين يقولون لهم في كلمات باتة: "إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم"[1]. 
وبمجرد بلوغ هذا الكتاب قام عبد الله بن أبي ليمتثل أوامر إخوانه المشركين من أهل مكة وقد كان يحقد على النبي صلّى الله عليه وسلم، لما يراه أنه استلبه ملكه قام بتكوين جبهة مناوئة للمسلمين بالمدينة يقول عبد الرحمن بن كعب: فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان اجتمعوا لقتال رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما بلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلم لقيهم، فقال: «لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر ما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم»، فلما سمعوا ذلك من النبي صلّى الله عليه وسلم تفرقوا[2]. 
امتنع عبد الله بن أبي بن سلول عن إرادة القتال عند ذاك؛ لما رأى خورا أو رشدا في أصحابه، ولكن يبدو أنه كان متواطئا مع قريش، فكان لا يجد فرصة إلا وينتهزها لإيقاع الشر بين المسلمين والمشركين، وكان يضم معه اليهود؛ ليعينوه على ذلك، ولكن تلك هي حكمة النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت تطفئ نار شرهم حينا بعد حين[3]. 
وما أكثر الجبهات والأحزاب في عالم يدعي الحرية ويتشدق بالديمقراطية التي باركت قتل الأبرياء من أبنا الوطن الواحد لاستئصال مخالفيهم في الرأي أو التوجه السياسي.

2- تهديد الأنصار والصد عن المسجد الحرام:
ثم إن سعد بن معاذ انطلق إلى مكة معتمرا، فنزل على أمية بن خلف بمكة، فقال لأمية:
انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت، فخرج به قريبا من لقف النهار، فلقيهما أبو جهل فقال: يا أبا صفوان، من هذا معك؟ فقال: هذا سعد، فقال له أبو جهل: ألا أراك تطوف بمكة آمنا وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم، وتعينونهم، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما، فقال له سعد ورفع صوته عليه: أما والله لئن منعتني هذا لأمنعك ما هو أشد عليك منه، طريقك على أهل المدينة[4]. 
واليوم كل من ناصر مظلوما أو خطأ ظالما يوصف بالعمالة والخيانة ولا يستحق مصريتنا كما قال ممن ينتسبون لأهل العلم بل يطاردونهم ويضيقون سبل العيش عليهم في غربتهم

تهديد المهاجرين:
ثم إن قريشا أرسلت إلى المسلمين تقول لهم: لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب، سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم[5]. 
ولم يكن هذا كله وعيدا مجردا، فقد تأكد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكائد قريش وإرادتها على الشر ما كان لأجله لا يبيت إلا ساهرا، أو في حرس من الصحابة، فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله تعالى قالت: سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة، فقال: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة، قالت فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح، فقال: «من هذا؟» قال: سعد بن أبي وقاص، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما جاء بك؟» فقال: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت أحرسه، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نام[6].  ولم تكن هذه الحراسة مختصة ببعض الليالي بل كان ذلك أمرا مستمرا، فقد روى عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس ليلا، حتى نزل {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] ، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة، فقال: «يا أيها الناس انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل» [7]. 
ولم يكن الخطر مقتصرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل على المسلمين كافة، فقد روى أبي بن كعب، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة، وكانوا لا يبيتون إلا بالسلاح ولا يصبحون إلا فيه[8]. (الرحيق المختوم)
هذا ديدن المستبد في كل عصر ومصر، الظلمة حياته، والتخويف ردائه، والكيد غذاءه، النور يوهنه، والحق قاتله، فهو صراع وجود صراع حق وباطل، والحق قوي بذاته فهو اسم من أسماء الله الحسنى، فمن اصطف في صفه قوي به، ومن أصابه الخوف واستكان للباطل قوي الباطل به، فكان ممن أعان ظالما فهو ظالم وإن ادعى الحياد فلا حياد له، وإن ادعى الجهل فلا جهل له وقد تبين الرشد من الغي.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) (أبو داود باب خبر النضير)
(2) (نفس المصدر)
(3) (صحيح البخاري [2]  [655، 656، 916، 924]).
(4) صحيح(البخاري [2] [563]).
(5) (رحمة للعالمين [1] [116])
(6) (مسلم [2] [280]،  واللفظ له، وصحيح البخاري [1] [404])،
(7) (جامع الترمذي [2] [130]).
 

 

المصدر: فريق عمل طريق الاسلام

محسن العزازي

كاتب إسلامي

  • 7
  • 0
  • 4,206

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً