دعوةٌ للتأمل
ومِمّا يَدعو للتَّأَمُّلِ والعَجَب.. أنَّ المُترَفينَ حينَ يُؤمَرونَ بالإفسادِ في القُرى إيذاناً بِهَلاكِها.. لا تَجِدُ أسرَع في اتِّباعِهِم من الأراذِلِ الذّينََ نَزَلَت شَرائَع السَّماءِ لِتِرفَعَ قَدرهم وتَسمو بِهِم.. وتُرَسِّخَ أنَّ تفاوُتَ الرِّفعةِ والذِّكرِ في المَلكوتِ لا يكونُ إلا بالتَّفاوُتِ في التَّقوى.. وأنَّ ذاك هو الميزانُ الحَقّ.. وما سِواهُ يَطيشُ وينتَثِرُ في الهواءِ كما تنتثر ذرات التُّرابِ في يَومٍ عاصِف.. فانظر ماذا يَرجِعُ منها..؟
وتَدَبَّر يا عبد الله.. في حالِ ذاكَ الذي أعرضَ واستَكبَر وهو أحوج النَّاسِ للتَّذَلُّلِ والضَراعة وقَد نُزِعَت عنه أسباب الاغتِرار.. وما بَقي أمامه إلا الانكِسار والاعتِصامِ بالجَبّار.. فَيأبى إلا أن يَجتَرىء ويعتدَي .. ويَستَعلي بِهامَةِ الطّينِِ مُحاولاً أن يَلمَسَ قُبّة السَّماء.. ظَانّاً أنّ العَرشَ حَقّ.. والتَّأَلُّهَ حَقّ.. والتَّمَرُّدَ على ما جاءَت بِهِ الصُّحُف.. حَقٌّ وحَقّ..!
فَلَعمري أيُّ صَغارٍ باءَ بهِ قلبُ العَبدِ المُستَكبِر..حتى يُعرِضُ بجانبهِ قائلاً بِلسانِ الحالِ .. يا رَبُّ أنا أَكبَر..؟! وأَيُّ مَرَضٍ استشرى في روحِ عُبودِيَّتِهِ حتى تَحرُمَ عليهِ يومَ المقامِ بين يَدَي ذي الجَلالِ مَكرُمةَ الكلامِ والنَّظَر..؟!
وماذا أَعَدَّ الآبِقُ المُدبِر يومَ يَتَخَلّى عنهُ من ظَنَّه النَّصير .. ويقولُ ما أنا بِمُصرِخِكَ وما أنتَ بِمُصرِخي.. وما فَعَلتُ إلا أن أغويتَكَ وأَشَرتُ إلى الهاويةِ فأقبَلتَ إليها ضاحكا تتهلل..؟!
ألا بِرَبِّكَ أخبرني.. أيُّ طامَّةٍ أكبَر.. ومصيبةٍ أعظَم.. من ذاكَ الذي تَلَظّى قبلَ أن يَرِدَ اللَّظى.. وتَلَطَّخَ بالوَحلِ الآسِنِ وتناءى عن أرضِ الزَّعفران.. وما أعَدَّ لِيومِ التَّنادِ ما يُثقِلُ الميزان.. يومَ يَوَدُّ لو أن عندَهُ ما بينَ المشرقينِ لِيَفتدي به..
ويقولُ رَبُّ العِزَّةِ والغُنى.. أردتُ منكَ أهوِنَ من ذلك .. فَأَبيت..؟! فَيالَهناءَ من أَدرَكَ واتَّعَظ .. وأعَدَّ الجوابَ للسؤال.. ومَنَّى النَّفسَ بعد طول الصَّبرِ في جَنبِ الجَليلِ بالنَّوال..!
- التصنيف:
- المصدر: