أمنيات العين الفارغة!
إن قيمة المال في الإسلام قيمة لا تقوى على جذب المؤمن إليها، فالمال مال الله، وهو قد استخلفه فيه، وهو أداة لنشر الخير ورفع آلام المتألمين ومعاناة المتضررين،
المال نعمة من نعم الله سبحانه، يرزق به عباده، ويختبرهم به، فقد يغنيهم من المال لينظر هل يؤدون حقه، وقد يقدر عليهم رزقهم منه لينظر هل يصبرون على قلته. ذلك المال الذي صار المسبب الرئيس لصراعات الناس، والمحور الأهم في مسابقاتهم، ومعاملاتهم، ومنازعاتهم.
لكنه سبحانه في كل ذلك يريد من عباده أن يتعلقوا به وحده في الرزق والنعم والعطاء والفضل، ويريد منهم أن يقنعوا بعطائه، ويرضوا بقدره وقضائه.
فالمال مال الله وأن الله مستخلفنا فيه: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33] وأنه سبحانه جعل للفقير والعائل والمحتاج ومن هو في مصيبة يفرجها المال نصيبا فيه، وجعل نصيب الزكاة حقًا لأصحابها.
حب هذا المال غالبٌ على الناس، فلا يكتفون منه، ولا يقنعون بقليل منه أو كثير، يقول صلى الله عليه وسلم: «لو أنَّ لابنِ آدمَ واديًا من ذهبٍ أحبَّ أن يكونَ له واديان، ولن يملأَ فاه إلَّا التُّرابُ، ويتوبُ اللهُ على من تاب» (البخاري:6439).
الناظر لحال المال يجد أن له خاصية عجيبة، فهو لا يستمتع به صاحبه إلا في لحظتين فقط، لحظة الحصول عليه وكسبه، ولحظة إنفاقه. وغير ذلك خوف على ضياعه وحرص على إبقائه، وجهد في زيادته، وبخل به، ثم في النهاية يورثه!
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه، قال: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر» (البخاري:6442).
فمالك أيها الإنسان ما قدمت من صدقة ونفقة خير وعطاء على نفسك ووالديك وأبنائك والمحتاجين واليتامى وغيرهم، ومال وارثك ما تكنزه وتدخره ثم تتركه وترحل!
لقد حَثَّ الإسلام على السعي لكسب المال من وجه مباح والحصول عليه خاليًا من الظلم والتعدي وأكل الأموال بالباطل والأكل عن طريق الربا أو المال المشبوه أو غيره، فقال سبحانه: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة:188] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يحتطب أحدكم حُزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه» (البخاري:2374).
كما حث الإسلام على إنفاق المال في جميع صور التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي والبحث عن مواطن الثواب به وجعل فيه نفقات واجبة على من تلزم صاحب المال نفقته كالزوجة والوالدين والابناء وغيرهم.
وأنكر الإسلام على الوصوليين ومحبي المال وكانزيه البخلاء عن إنفاقه وعباد الدرهم والدينار؛ حتى يقول صلى الله عليه وسلم: «تَعِسَ عبدُ الدينارِ، وعبدُ الدرهمِ» (البخاري:2887).
إن قيمة المال في الإسلام قيمة لا تقوى على جذب المؤمن إليها، فالمال مال الله، وهو قد استخلفه فيه، وهو أداة لنشر الخير ورفع آلام المتألمين ومعاناة المتضررين، وإصلاح النفوس وتشجيع الناس على تقويم سلوكهم وإصلاح مسارات حياتهم، وهذا بعض ما يدل عليه ذلك الموقف السابق من حديث أنس.
لقد وصف كثيرون ممن لقوا النبي صلى الله عليه وسلم أنه يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر، والحق أن عطاءه للناس إنما كان مرتبطًا بأهداف رسالية طموحه ليس من بينها الغنى وليس يخيفها الفقر أو الحاجة، لقد كان يتحرك معتمدًا اعتمادًا أساسيًا على توفيق ربه له وكان يعتقد اعتقادًا جازمًا أن ربه سيخلف عليه فيما هو أفضل وأبقى مما ينفق، بل إن آيات القرآن الكريم قد بينت ذلك فقال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39].
العجيب هنا أن هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يعطي هذا العطاء ربما بات جوعانًا لا يجد طعامًا وربما مرت شهور ولا يوقد في بيته نار على طعام يقتاته هو ولا أهل بيته!
وقد حث الإسلام على إنفاق المال بصورة تجعل المؤمن كريمًا في كل حاله، وحث على الاتصاف بصفة الكرم في جميع صوره وأشكاله، فأمر بإكرام الضيف، وإكرام الجار، وإكرام الأهل والأقارب، وجعل إكرام الضيف حقًّا واجبًا على المسلم، ودليلًا على الإيمان الصادق والطاعة لله.
كما عظم النبي صلى الله عليه وسلم ثواب الجود والكرم والإنفاق وبين القرآن الكريم ذلك، فيقول سبحانه: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم} [البقرة:261]، وقال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة:272].
كما صور صلى الله عليه وسلم الكرم والجود كبركة خاصة للمال تزيده وتنميه وتدفع عنه الشرور، فيقول: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا» (البخاري:1442)، ويقول: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها» (البخاري:1409).
على الجانب الآخر فقد ذم الإسلام البخل والتقتير والمنع، وحذر منه فقال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180].
وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من البخل في دعائه، فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أُرَدَّ إلى أَرْذَلِ العمر» (البخاري:6370)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «ثلاث مهلكات: هوًى مُتَّبَع، وشُحّ مطاع، وإعجاب المـرء بنفسه» (السلسلة الصحيحة:1802).
- التصنيف:
- المصدر: