العالم يتجه نحو تشجيع زيادة النسل!

منذ 2017-04-30

إن هذا التحول الاستراتيجي العالمي الجديد نحو تشجيع زيادة النسل، وتهيئة المناخ المجتمعي لرفع معدلات الإنجاب، يفرض على العالم العربي والإسلامي تحولاً في السياسات والاستراتيجيات، وذلك من أجل اللحاق بركب الدول المتقدمة، والسير على دربها في هذا التحول الاستراتيجي الجديد المتعلق بتشجيع زيادة النسل، ورفع معدلات الإنجاب.

العالم يتجه نحو تشجيع زيادة النسل!

 

في ظاهرة ملفتة يلمس المراقب توجه العالم صوب تشجيع زيادة النسل؛ وسن التشريعات واتخاذ الإجراءات المحفزة على زيادة النسل، ورفع معدلات الإنجاب، في إيمان بأهمية القوى البشرية في تقدم الأمم ونهضتها، ويقين بفشل تجارب تحديد النسل، ومن ورائها فشل نظرية مالتوس، وأنها كانت نذير شؤم على شعوب العالم؛ وأن العمل والإنتاج هما السبيلان للرفاهية المالية للأسر والشعوب؛ وليس تحديد النسل، وقطع السبيل خوفاً من الندرة، كما كان يروج.
وعليه فنجد أن الصين والتي يبلغ عدد سكانها مليار و 338 مليون نسمة؛ وتبلغمساحتها 9.6 مليون كم2، والتي كان يضرب بها المثل كأعنف دولة في مواجهة زيادة النسل عبر سياستها المعروفة بـ "سياسة الطفل الواحد"؛ نجدها تعدل من سياستها العنيفة تلك، بعد أن رأت أن هذه السياسة أصبحت تشكل تهديداً للاقتصاد الصيني؛ حيث أصدرت الحكومة الصينية قانوناً في ديسمبر 2015 يقضي بوقف "سياسة الطفل الواحد"، والسماح بإنجاب طفلين؛ وطبق القانون في أول يناير 2016. وفي نهاية العام ذاته 2016 زادت نسبة المواليد في الصين بــ 7.9% عن بداية العام.
وفي اليابان والتي يبلغ عدد سكانها 128 مليون نسمة؛ وتبلغ مساحتها 378 ألف كم2؛ وضعت الحكومة اليابانية في العام 2014 استراتيجية طويلة الأمد لزيادة السكان، وتشجيع الإنجاب؛ حيث تقوم الاستراتيجية اليابانية على تنفيذ بنية تمكنها من توفير الدعم المستمر لصغار السن من الشباب، فيما يتعلق بالتوظيف والزواج وتربية الأطفال؛ ومن ثم الترغيب في زيادة الإنجاب.
وفي كوريا الجنوبية والتي يبلغ عدد سكانها 53 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 100 ألف كم2؛ بدأت الحكومة الكورية منذ العام 2005 في تغيير سياساتها الإنجابية؛ وعمدت إلى سياسات سكانية من شأنها العمل على توفير بيئة أكثر ملاءمة للإنجاب، فمنحت الحكومة الأسرة الكورية التي تنجب أبناء أكثر حوافز ضريبية، وأعطتها الأولوية لشراء شقة سكنية، ووفرت لها دعماً لتعليم أطفالها.
وفي روسيا والتي يبلغ عدد سكانها 147 مليون نسمة؛ وتبلغ مساحتها 17.1 مليون كم2؛ سعت الحكومة الروسية لتشجيع المواطنين الروس على زيادة الإنجاب، والعمل على خفض معدلات الإجهاض في المجتمع الروسي، وذلك عبر سلة من التشريعات والقرارات التشجيعية. كما حددت الحكومة الروسية يوم 12 سبتمبر من كل عام "يوماً وطنياً للأزواج"، ومن تلد بعد هذا التاريخ بــ 9 أشهر يطلق على وليدها "المولود الوطني"، إضافة إلى أن هذه الأم تحظى بفرصة الفوز بالمال أو بسيارة أو بثلاجة أو غير ذلك من الجوائز التشجيعية.
وفي إيران والتي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، وتبلغ مساحته 1.6 مليون كم2؛ أصدر المرشد الإيراني علي خامنئي في مايو 2014 تعليماته لمجمع تشخيص مصلحة النظام بتعديل السياسة السكانية من أجل زيادة معدل الإنجاب؛ ووضع خطة سكانية تستهدف الوصول بعدد سكان إيران إلى 150 مليون نسمة بحلول العام 2050. وفي ضوء تلك التعليمات صادق البرلمان الإيراني على خطط وسياسات الازدياد السكاني وذلك ضمن قانون أطلق عليه اسم " ازدياد معدلات الخصوبة والوقاية من انخفاض معدل النمو السكاني". وعليه خصصت الحكومة الإيرانية ميزانية خاصة لتشجيع الإيرانيين على زيادة النسل، والدفع باتجاه تشريعات تمنح المرأة العاملة وقتاً كافياً للإنجاب، والاعتناء بالأطفال، مع بقائها عاملة أيضاً.
وفي رومانيا والتي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 238 ألف كم2؛ قامت الحكومة الرومانية باتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تسعى من ورائها إلى تشجيع وزيادة الإنجاب؛ فأصدرت مرسوماً بحظر الإجهاض، إلا في بعض الحالات القليلة، ومن تخالف ذلك تتعرض للعقوبات؛ ومنعت الحكومة استيراد أدوية منع الحمل، ومنحت الحكومة جوائز تشجيعية لكل أم بداية من مولودها الثالث، بالإضافة إلى تخفيض الضرائب عن الأسر التي لديها أكثر من ثلاثة أبناء؛ مع رفع قيمة الضرائب على المتزوجين الذين وصلوا للخامسة والعشرين من العمر دون إنجاب؛ كما وضعت حدوداً أكثر صعوبة على إجراءات الطلاق.
وفي تركيا والتي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 783.5 ألف كم2؛ حدد الرئيس التركي "أردوغان" رؤيته حول تشجيع زيادة الإنجاب بقوله: "يحدثوننا عن منع الحمل والتخطيط الأسري، لكن لا يمكن لأي أسرة مسلمة أن تفكر على هذا النحو... نحن نسير على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، هذا الواجب ملقى على كاهل الأمهات"؛ مطالباً الأسر التركية بوقف استخدام وسائل منع الحمل، بعد أن اعتبرها نوعاً من "الخيانة"؛ وداعياً الأسر التركية بالعمل على إنجاب ثلاثة أطفال كحد أدنى.
وتنفيذاً لرؤية "أردوغان" عملت الحكومة التركية على تقديم تسهيلات متعددة للشباب الأتراك من أجل الزواج، وتسهيلات أخرى للعائلات لزيادة الإنجاب، حيث حصلت أكثر من مليون عائلة على "مكافأة المولود الجديد" التي أعلنت عنها الحكومة التركية لتشجيع العائلات التركية على الإنجاب، وتمنح الحكومة بموجب هذا البرنامج؛ المولود الأول لكل عائلة 300 ليرة، والمولود الثاني 400 ليرة، بينما يحصل المولود الثالث وما بعد ذلك على مبلغ 600 ليرة. كما قررت الحكومة التركية منح الأمهات بعد انتهاء أجازة الأمومة فرصة العمل بشكل جزئي لمدة شهرين بعد المولود الأول، ولمدة أربعة أشهر بعد المولود الثاني، ولمدة 6 أشهر بعد المولود الثالث؛ وتحصل الأمهات على أجورهن كاملة، خلال هذا الفترة من الحكومة. بالإضافة إلى قرارات تتعلق بدعم حضانات الأطفال، ومراكز العناية بهم.
وفي ألمانيا والتي يبلغ عدد سكانها 81 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 357 ألف كم2؛ تشكل حوافز الإنجاب شكلاً من أشكال الدعم الاجتماعي الذي تقدمه الدولة، إذ يمكن للوالدين أخذ أجازة عن العمل بأجر يصل إلى 67% من أجرهم لرعاية أطفالهم. كما تقدم الحكومة الألمانية تخفيضات ضريبية لمساعدة الأزواج الذين يريدون إنجاب أطفال؛ وسعت الحكومة إلى إجراء توسع ضخم في أماكن مدارس الحضانة التي تسمح للنساء بتربية الأطفال مع الاستمرار في العمل. وتعليقاً على جهود الحكومة الألمانية لتشجيع زيادة الإنجاب يقول "ستيفن كرونهيرت" الباحث في "معهد برلين للسكان والتنمية": " إن هذه الإجراءات تعد خطوة في الاتجاه الصحيح؛ ومن المؤكد أنها ستكون مؤثرة على المدى المتوسط والطويل". والطريف أن المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل -زعيمة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي- أسندت مهمة وزارة شؤون الأسرة- المعنية بتشجيع زيادة النسل- في الحكومة الألمانية لوزيرة "أم لسبعة أبناء"، قبل أن تتولى لاحقاً وزارة الدفاع الألمانية؛ وهي الوزيرة "أرسولا فون دير لاين".
وفي هولندا والتي يبلغ عدد سكانها 17 مليون نسمة؛ وتبلغ مساحتها 41.5 ألف كم2؛ وضعت الحكومة الهولندية في العام 2008 خطة لتشجيع المواطنين على زيادة الإنجاب، والعمل على تذليل العقبات التي تدفع الأزواج إلى الحد من النسل؛ وعلى رأسها متاعب العمل، وانشغالات الأبوين عن رعاية الصغار. وفي ضوء ذلك التشجيع على زيادة النسل قامت الحكومة الهولندية بمنح الآباء مبالغ مالية ثابتة تصل إلى 300 يورو كل 3 أشهر للمساعدة في رعاية الأطفال.
وفي فرنسا والتي يبلغ عدد سكانها 72 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 551 ألف كم2؛ وتعد الدولة الأوروبية الأكثر خصوبة في الإنجاب؛ ورغم ذلك تقدم الحكومة الفرنسية حزمة من البرامج التشجيعية والحوافز من أجل التشجيع على الإنجاب، وزيادة النسل، ومن هذه البرامج: زيادة حصة المساعدات بازدياد عدد الأطفال في العائلة، تقديم الدعم المالي للعناية بالأطفال تحت سن الثالثة، الأمن الوظيفي لأرباب الأسر، إلحاق الأطفال في سن الثالثة بالمراكز التعليمية، ودفع رواتب للمربيات.
وفي إسبانيا والتي يبلغ عدد سكانها 47 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 505 كم2؛ قامت الحكومة الإسبانية في العام الحالي 2017 باستحداث وزارة جديدة تعني بزيادة نسب المواليد في إسبانيا، والقصد من الوزارة -التي أطلق عليها اسم وزارة (الجنس)- هو تشجيع المواطنين على زيادة نسبة الإنجاب في إسبانيا. يأتي ذلك بعد مناشدات عدة داخل المجتمع الأسباني بضرورة تشجيع زيادة النسل، وعدم الانجراف وراء دعوات تحديد النسل. وقد عهدت الحكومة إلى الوزيرة الجديدة مهمة وضع استراتيجية قومية على كافة الأصعدة، هدفها تحقيق وتحفيز زيادة الإنجاب داخل المجتمع الإسباني.
وفي الكيان الصهيوني وفي ضوء تقييم جهود تشجيع زيادة النسل في الكيان الصهيوني؛ احتفى مكتب الإحصاء المركزي في الكيان الصهيوني بإحصائية نشرها في نهاية عام 2016 كشف فيها أنه للمرة الأولى منذ قيام الكيان الصهيوني، أصبح معدل الخصوبة والإنجاب لدى المرأة اليهودية متساوياً مع معدل الخصوبة والإنجاب لدى المرأة العربية بواقع 3.13 طفل، مقارنة بعدد الإنجاب عام 2000 والذي كان 2.6 طفل للمرأة اليهودية، في مقابل 4.3 طفل للمرأة العربية.
إن هذا التحول الاستراتيجي العالمي الجديد نحو تشجيع زيادة النسل، وتهيئة المناخ المجتمعي لرفع معدلات الإنجاب، يفرض على العالم العربي والإسلامي تحولاً في السياسات والاستراتيجيات، وذلك من أجل اللحاق بركب الدول المتقدمة، والسير على دربها في هذا التحول الاستراتيجي الجديد المتعلق بتشجيع زيادة النسل، ورفع معدلات الإنجاب. وحتى يتحقق ذلك التحول فلابد من التوكل على الله أولاً، ثم الإيمان بالعمل والإنتاج، ومن ثم توفير فرص العمل الإنتاجية للشباب، ورفع الأجور بما يتناسب مع الإنتاج، وتوفير المساكن وخدمات البنية التحتية، وتيسير الزواج، وتشجيع الزواج المبكر، وصرف الإعانات الأسرية المشجعة على تكوين الأسرة وزيادة الإنجاب أسوة بالمعمول به في الدول الأوربية. مع تشجيع الأسر القائمة على زيادة معدلات الإنجاب، وتقديم المحفزات المحققة لتلك الزيادة؛ وإزالة كافة العقبات المعيقة لهذا التحول. وفتح الآفاق للعمل الخيري كي ينطلق صوب معاونة الدول العربية والإسلامية لتحقيق هدف زيادة النسل. فقد أنعم الله علينا بخيرات كثيرة من تحت الأرض ومن فوقها؛ وبتوظيفها الجيد والحلال تعظم الخيرات، وتزداد معها الزكاوات والصدقات، لتتمكن الشعوب والحكومات والمؤسسات الخيرية من القيام بواجبها العقدي نحو صيانة الأمة الإسلامية، ومن ثم تنفيذ وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله :
 «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم» وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة».

الهيثم زعفان

كاتب وباحث متخصص في القضايا الاجتماعية والاستراتيجية؛ رئيس مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية، جمهورية مصر العربية.

  • 9
  • 0
  • 9,050

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً