أبناؤنا (حديث وتوريت ) - حلاوة ومهابة.. صدق ويُسر
النفوس تنجذب للصدق والجدية والعمق وتتأثر به، والنفوس أيضا تنجذب لليسر والسهولة والبسمة.. وبالصدق واليسر معا ينتقل الكثير من القيم والعقائد والأخلاق والتوجهات.. بهما تنقل إرثك الذي تريد أن تلقى الله وقد زرعته في غيرك يخلفك في الأرض ويخلفك من بعدك في المنهج، وفي عبادة الله..
سلسلة : أبناؤنا.. حديث وتوريث (7 من 11)
يقول البعض: ليس كل الأبناء على نهج الآباء.
نعم، ولكن قد يرجع السبب في بعض الأحيان إلى افتقاد قدرٍ من الصدْق من طرف الآباء في ممارسة الدين نفسه، ووجوب مراجعة هذا الحال.
إن صدقك في طلب أن يكون أبناؤك على نهجك أمر حاسم، والله تعالى يعْلمه من قلبك، وله دلالات عملية.
وأقل هذا أن تكون صادقا في أخذك لهذا الدين، وألا تكون ذا وجهين، وألا تلبس رداء الإلتزام خارج بيتك وتخلعه بداخله..
إن النفوس جُبلت على الانجذاب نحو الشخصية الصادقة فيما تعتقد، والعميقة في أخذها لعقيدتها بجدية، والتي ترى فيها ممارسة الدين بصدق.. والنفوس تتشرب من هذه النفوس الصادقة بسهولة ويسر ومحبة وبلا جهد..
أما الالتواء والوجهان، وتغير الوجوه بتغير البيئات.. فهذه بيئة لا قرار لها، والنبت فيها معوجّ بطبيعة الحال.
وكما يجب أن تأخذ الدين بجدية وصدق وممارسة كاملة، فيجب ألا تكون ممارسة قاسية أو منفرة أو متشنجة، فمن فهم الصدق أنه تشنج وقسوة فهذا فهْم لا علاقة له بدين الله تعالى، فالقسوة والتشنج منفر عن دين الله ومبغض للنفوس فيه، وهو يوصل رسالة إلى الأبناء أنك لن تلتزم إلا إذا كنت ذا طبيعة عسكرية أو شبيها بمريض نفسي..!!
إن الالتزام لا يعني إخراج شخص معقّد ولا أن يتلبس الدين بشخص معقّد..
فالصدق قرين اليسر، رسول الله هو إمام الصّدّيقين وهو {الذي جاء بالصدق وصدّق به} وهو الذي قال الله له {ونيسرك لليسرى}، وقال له {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى}.
إن عمق الصدق لم يُخرج أبا بكر وعمر عن طبيعتهما البشرية ونوازعهما الفطرية..
والمؤمن رُزق حلاوة ومهابة، وهذه من علامات الصدق، فالصادق له حلاوة ومهابة وفراسة، ولهذا وُصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن من رآه بداهةً هابه، ومن خالطه معاشرةً أحبه.
إن الصدق يتحقق ويبدو في ممارسة جادة في الهيبة لأمر الله واحترام فرائضه والجزع من المعصية والتوجع من الذنب والاستعلاء بالدين وعدم الانهزام أمام ضغوط اجتماعية أو عادة أو تقليد أو فارق اجتماعي.. الصدق يبدو في القرار السهل والحاسم والعاجل والقوي بلا تردد بإمضاء الأمر الشرعي دون تردد أمام أي اعتبار آخر لعرف فاسد أو موضة هابطة أو توجيه منحرف أو بهرجة خادعة.
والحلاوة واليسر هو سمة جميع المعاملات، وهو مرافق لإمضاء هذا الصدق وممارسته، فالصدق يمر في يسر ومحبة.. فلا مخالفة لأمر الله، لكن لا تشنج ولا زيادة ولا تعقيد ولا (كلاكيع) نفسية تُنسب زورا لدين رب العالمين!
روى ابن كثير في الشمائل أن رسول الله كان يسمر مع نسائه يتحدث معهن، مع عظم مسؤولياته؛ وحْي وتعبُّد ونبوّة ودولة وأمة..
مما يُروى عن عمر بن الخطاب أنه قال (للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي، فإذا التُمس ما عنده وُجد رجلا) ومثل الصبي هنا يقصد به في اليسر والسهولة والدعابة..
وأما عند الجد فقد كان رسول الله في حاجة أهله، فإذا سمع المؤذن خرج كأنه لا يعرفهم.
النفوس تنجذب للصدق والجدية والعمق وتتأثر به، والنفوس أيضا تنجذب لليسر والسهولة والبسمة.. وبالصدق واليسر معا ينتقل الكثير من القيم والعقائد والأخلاق والتوجهات.. بهما تنقل إرثك الذي تريد أن تلقى الله وقد زرعته في غيرك يخلفك في الأرض ويخلفك من بعدك في المنهج، وفي عبادة الله..
#ابناؤنا_حديث_وتوريث
- التصنيف: