المنافقون - (10) معنى النفاق لغة واصطلاحا
رغم خوف المنافق وحذره الشديد فإنه في النهاية سينكشف وتظهر حقيقته {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} لا يحتاج الأمر إلى سورة تحصى أسماءهم وتعدد كُناهم وألقابهم كما كانوا يحذرون.
المنافقون قوم حريصون كل الحرص على التخفي، والبقاء في الظل، ولقد قيل أن أصل النفاق لغة نسبة إلى النفق، وهو السرب في الأرض لأن المنافق يستر كفره، ويغيبه فتشبه بالذي يدخل النفق يستتر فيه.
وقيل: أن الأصل اللغوي مأخوذ من نافقاء اليربوع، و اليربوع حيوان قارض يتخفى في الأرض من خلال جحر، يقال له: النافقاء، وله جحر آخر يقال له القاصعاء، فإذا طلبه عدو من القاصعاء قصع فخرج من النافقاء، كذا المنافق يخرج من الإيمان من غير الوجه الذي يدخل فيه.
وقيل: أن الكلمة نسبة إلى نافقاء اليربوع أيضاً، لكن من وجه آخر وهو إظهاره غير ما يضمر، وذلك أنه يخرق الأرض حتى إذا كاد يبلغ ظاهر الأرض ترك قشرة رقيقة حتى لا يعرف أحد مكان هذا المخرج فإذا رابه ريب دفع تلك القشرة الرقيقة برأسه فخرج فظاهر جحره تراب كالأرض وباطنه حفر، فكذلك المنافق ظاهره إيمان وباطنه كفر مخفي.
لكن رغم هذا الحرص على التخفي وإبقاء النفاق مضمرا في القلب لابد أن تأتي اللحظة التي لا يملك فيها المنافق أقواله وأفعاله، عندئذ تخرج الأضغان ويفتضح الأمر، وحينها يُعرف المنافق {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}.
إن إطلاق مرض القلب في السياق القرآني يشير في الغالب إلى ذلك الداء العضال... النفاق..
وقد روي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله قوله: مَا أَسَرَّ أَحَد سَرِيرَة إِلَّا أَبْدَاهَا اللَّه عَلَى صَفَحَات وَجْهه وَفَلَتَات لِسَانه، وقديما قال الشاعر:
ومهما تكن عند امريء من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تعلم
مهما اجتهد مضمر النفاق في إخفاء سوءة نفسه وطمس بشاعة سريرته فإن ثمة لحظات كشف تأتي عليه لا محالة حينئذ لا يملك كتمان حقيقته ولا يستطيع منع افتضاح أمره.
رغم خوفه وحذره الشديد فإنه في النهاية سينكشف وتظهر حقيقته {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ} لا يحتاج الأمر إلى سورة تحصى أسماءهم وتعدد كُناهم وألقابهم كما كانوا يحذرون.
ولا يقتضي الأمر علامة أو وسما ولا يستلزم تشخيصا وتعيينا ولو أراد الله ذلك لفعل {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} تأمل الشرط... لو نشاء...
الأمر إذن مرتبط بالمشيئة الإلهية، وإن كان قد فعل مع رسوله صلى الله عليه وسلم فعرفه بأعيانهم وأسمائهم فهو لم يحدث مع غيره بشكل مطردلم يجعل الله على رأس كل منافق وسما ولم يكتب على جبهته وصفا كالدجال مثلا؛ لكنه مع ذلك أخبر أنه سيُعرف من دون كل ما سبق سيُعرف {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ} هكذا أقسم بعدها مباشرة بعد أن علق الرؤية بالمشيئة - جزم بالمعرفة وأكد حدوثها بلام القسم والنون؛ إذن فالمعرفة ستأتي، والعلامات ستظهر، والأضغان ستخرج، وأول ذلك لحن القول {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}.
هذه أولى العلامات الكلام؛ لذا قيل في الحديث الصحيح «إن أخوف ما أخاف عليكم جدال منافق عليم اللسان» شخص لَسِنٌ يجيد تزيين باطله وتحسين حرفه بضاعته كلام ملحون، ليّ للألفاظ، تلاعب بالمعاني، تورية في الكلماتجدال ومراء؛ هكذا كانوا يفعلون مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتكلمون بألفاظ تواضعوها بينهم يعنون بها خلاف ظاهرها، وكان رسول الله يحملها على ذلك الظاهر المتبادر إلى أن أعلمه الله أن ذلك أسلوبهمالخداع في كل شيء حتى في اللفظ والكلمة، وسرائر تظهر وأضغان تفتضح، ولو بعد حين.
- التصنيف: