المنافقون - (11) ولتعرفنهم في لحن القول
ما قيمة زعم انتفاء النفاق مع حرص أولئك النافين أن يتحاكموا إلى الطاغوت مثلا أو يرفضوا شرع الله معرضين عنه رغم ادعائهم السابق أنهم مؤمنون لعل هذه هي أبرز العلامات الفاضحة التي نتحدث عنها علامة تلخصها كلمة واحدة... الصدود.
لكن لحن القول ليس العلامة الوحيدة التي يفتضح بها أمر المنافق وتخرج من خلالها أضغان قلبه هناك علامات أخرى، ومحكات واضحة عند الاصطدام بها يتحقق موعود الله في شأنهم.
المعرفة... الرؤية...الظهور...
المدهش أن المنافقين في كل عصر لا يدركون سهولة افتضاح أمرهم مهما تستروا وتخفوا وتزينوا وزعموا أنهم أكمل المؤمنين إيمانا.
حتما ستأتي المحكات وستظهر العلامات، فببساطة الأمر ليس بمجرد الزعم أو الادعاء لقد جعل الله لذلك بينات وأمارات يُعرف من خلالها صدق الزعم من عدمه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا}.
تأمل هذا المشهد جيدا يزعمون الإيمان ثم يتحاكمون إلى ضده ما قيمة الإصرار على تلك الدعوى بعد ذلك؟
ما قيمة زعم انتفاء النفاق مع حرص أولئك النافين أن يتحاكموا إلى الطاغوت مثلا أو يرفضوا شرع الله معرضين عنه رغم ادعائهم السابق أنهم مؤمنون لعل هذه هي أبرز العلامات الفاضحة التي نتحدث عنهاعلامة تلخصها كلمة واحدة... الصدود.
إن المنافق في حقيقة الأمر لا يطيق أي أمر يمت للشريعة بصلة وبالتالي يكون رد فعله المباشر والسريع هو الصد عن هذا الأمر بشكل مطلق، وهذا تحديدا لا يكاد يطيق المنافق كتمه أو مداراته؛ لذلك فقد بين الله أن هذا الأمر يُرى بتصريح وجزم قاطع ذكر السياق القرآني لفظ الرؤية {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}.
هكذا بينت الآية القرآنية الجامعة تلك الخصلة المتجذرة والعميقة ورد الفعل المباشر الذي ستراه في مقابلة أي دعوة لمنافق إلى التحاكم لما أنزل الله... الرفض... التشكيك... المراء... التهوين... التحريف و ليّ عنق الحقائق، كل ذلك لأجل الغاية الجامعة لديهم وهي الصدود، ولهم في ذلك عدة مسالك منها الجدلي الذي يزعمون عقلانيته ومنطقيته ويتفنون في عرض الأسئلة التعجيزية أو التي يظنونها كذلك ويحاولون من خلالها إعضال الداعي للشرع.
ومن هذه المسالك ما هو مكذوب محرف يدعون وجاهته ومناسبته وهو أبعد ما يكون عن الحق والصدق، ومنها ما لا يحاول التجمل بشيء مما سبق ويصرح بوضوح أنه صدود فقط صدود وحسب، صدود عن الشرع الذي يمثل لديهم الرجعية والتأخر وغياب المصالح الواقعية بزعمهم، والحقيقة أبسط من كل تلك الدعاوى والمزاعم، والمشكلة أصلا ليست مع التشريع وتفاصيله.
الحقيقة والمشكلة التي لا يحبون إظهارها والتي بينتها الآية وأظهرت أصلها هي مع المشرع نفسه {إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ} المنافق ببساطة لا يقبل بمرجعية الشرع لأنه أصلا لم يقبل بأحقية المشرع... لم يسلم لعلمه... لم يستسلم لحكمته... لم يذعن لقدرته... بشكل أوضح لم يؤمن إلا بلسانه ولم يقرب الإيمان قلبه، من هنا كانت بداية الرفض، ومن هنا كانت العلامة الفاضحة...الصدود.
العجيب أنك تراهم مع هذا الصدود الفاضح يأتون عند الحاجة وبعد الكرب الذي أصابهم بما قدمت أيديهم محملين بمزاعمهم وادعاءاتهم من جديد مكللين إياها بالحلف الكاذب أنهم ما كانوا يريدون إلا خيرًا بصدهم عما أنزل الله {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}.
في هؤلاء الكذابين يقول الحق جل شأنه: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}.
- التصنيف: