مزود الأبناء
الحكمة نتيجة لصنوف عديدة من الاختبارات والامتحانات والمصاعب، يرافقها التوفيق الإلهي في استثمارها واستخلاص العبر والعظات والخبرات منها، مجبولة بحب الولد والخوف عليه، والحرص على أن يعيش حياة هانئة موفقة، بعيدة عن غضب الله وسخطه. فعلينا ألا نبخل بها عن أبنائنا، فهم ينتظرون من يدلهم على الطريق الصحيح والصراط المستقيم.
إن الغذاء قوام الأبدان، ومولد الطاقة الحركية للبشر، بل للأحياء جميعاً، فكل شخص منا بحاجة في مطلع كل شمس إلى ما يقوى به جسمه من الطعام والشراب والهواء والطاقة، ليستعين به على شؤون الحياة.
أنواع الغذاء:
وكما أن للأجسام غذاء من الطعام والشراب يعطي البدنَ القوة والحيوية، وللعقل غذاء من العلم والتفكر يعطيه المعرفةَ والحكمة، وللروح غذاء من الذكر والعبادة يعطيها الصفاءَ والزكاء والترقية، كذلك هذه الحياة بحاجة إلى غذاء نافع يُعين على سلوك مدارجها، واختيار أقصر السبل وأسلمها.
التجربة تصنع الخبرة:
وهذا الغذاء هو عصائر خبرات وخلاصة تجارب تختصر لنا الكثير من الجهد والوقت، فتُقدَّم لنا صافية خالية من الشوائب والعوالق، من خلال نصائح ووصايا من خاض مصاعب هذه الحياة، فعرف مزالقها ووعى تعقيداتها ودخل امتحاناتها، فجعلت منه خبيراً ماهراً، وحكيماً مُجرِّباً، ومُتَمرِّساً قادراً على نصح السالكين الجدد، فيجود بها -إن نالها- الكبير للصغير، والعالِم للطالب، والوالد للولد، والأم للبنت، فعلينا ألا نزهد بها إن قُدمتْ إلينا، وبذلها لمن يحتاجها إن ظفرنا بها.
بذل النصيحة لمن يحتاجها:
لقد حثّنا ديننا الحنيف على بذل ما نملك من العلم والخبرات والتجارب، ليستفيد منها الخلق ويَعمّ النفع، فقال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدال على الخير كفاعله» وقال أيضاً: «الدين النصيحة» ومن وصاياه صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام (النصح لكل مسلم)، وكثيرة هي الآيات والأحاديث والآثار الدالة على عِظم وفضل النصيحة.
بذل النصيحة للأقربين:
لقد أسلفت أن ديننا الراقي يأمرنا في بذل ما عندنا من النصح لكل إنسان عموماً، فإن كان الأحوج إلى ذلك النصح هو أخص الناس لدينا، وأقربهم إلى قلوبنا، كان النصح لهم أولى وألزم (فالأقربون أولى بالمعروف).
وهؤلاء الخصوص هم فلذات أكبادنا ومهج قلوبنا، الذين درجوا في الحياة دون علم سابق بها، ولا وعي كاف فيها، فيخوضون غِمارها بالتجارب الخاطئة والممارسات العشوائية، فإما يصيبوا - وقلّ ما يفعلوا-، أو يكون الخطأ حليفهم وهذا ما نراه دائماً.
من شروط النصح:
للنصح شروط مهمة ليكون ناجعاً، فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التجوز في الوعظ، والاختصار في النصح، فقِصَر الخطبة والموعظة من مَئنة الناصح وفقهه، فالنصيحة مُرّةٌ وثقيلة على النفس، فعلينا عدم المباشرة بعرضها، وألا تكون طويلة مملة، وعلى الناصح التنويع في أسلوبه بين الحين والآخر، وأن يكون نصحه سِراً فلا يحرج من نصحه، ويختار الوقت المناسب لها، وعرضها بطريقة جميلة ومرغوبة، ويراعى فيها الشخص المنصوح كبيراً كان أو صغيراً، ذكراً أو أنثى، وتكون بطريقة سهلة وكلمات مطروقة وعبارات مستساغة، والحلم والتصبر على ردة فعل من يُقدم له النصح، وأن يبتغي في نصحه وجه الله تعالى، وأن يكون متمثلاً ما ينصح به فلا يتقول ما لا يفعل، وأن يكون النصح صادراً عن محبة ليكون أجدر بالاهتمام والتفاعل.
الزاد النافع:
في كل صباح تقوم الأم بلفِ لُفافة من الخبز، تضع فيها شيئاً من الأطعمة يتغذى بها ابنها في مدرسته، وزوجها في عمله وتضيف حبة من الفواكه في حقيبته، وأحياناً تلقي في جيب ابنها بعض النقود يشتري بها ما يرغب به كأقرانه.
وهذا الزاد من الطعام كافٍ ليقوى به جسم الولد في يومه الدراسي، ومن خلال فكرة هذا الزاد اليومي، وفعل الأبوين الرحيمين بأبنائهم كل صباح، فكّرتُ بأن يكون الزاد أكثر فائدة وأرفع مكانة، فيسمو بعقول الأولاد وأرواحهم وأبدانهم وسلوكهم، فلا يقتصر هذا على ملئ البطون، بل أن يرافقه زاد معنوي يعينهم على التكيف مع مسير هذه الحياة الصعبة.
زاد الوصايا اليومية:
والزاد المعنوي المرافق للولد في كل يوم، نصيحة قصيرة الكلمات، واضحة المعاني، متنوعة، في كل نصيحة موضوع واحد فقط، تتضمن بمجموعها مواضيع مختلفة في الدين والدنيا والعلاقات، نابعة من قلبين محبين وهما الوالدان. اخترت خمسين نصيحة يومية، شطرتُ الخطابَ فيها بين الجنسين الذكور والإناث. وهي:
بُنيَّ الغالي: اتقِ الله فهو أقرب إليك من كل شيء.
بُنيَّتي: حافظي على حِجَابك، فهو يحجبك من النار.
ابني العزيز: راقبِ الله دائماً، واعلمْ بأنه يراك في سِرّك وفي عَلنِك.
ابنتي الجميلة: العاقلة العفيفة تختار من يكون سبباً في دخولها الجنة، لا بمن يسعدها في الدنيا وهو في الآخرة من الهالكين.
ولدي الحبيب: اخترْ الآن رفيقك في الجنة من أصدقائك في الدنيا.
جميلتي بُنيَّتي: طهارة قلبك تُكسبك أنواراً في وجهك وصفاء في روحك.
بُنيَّ الشجاع: أحسن عملك ولو كان بلا مقابل.
ابنتي: لا تنسي ذكر الله، فهو يذكر من يذكره.
ولدي: مال الآخرين حرام عليك فلا تقربه.
بُنيَّتي الكريمة: لا تعملي عملاً تعلمين أن بعده ندم وألم.
ابني البطل: قُوتك تنالها من ثقتك بربك القوي.
ابنتي العزيزة: أفضل وأغلى سلعة الأخلاق الحسنة.
بُنيَّ الشجاع: رافقْ كلَ صالح، فالصاحب ساحب.
ابنتي: اعلمي أن الجمال الحقيقي جمال الأخلاق.
بُنيَّ: لا تنظر إلى أرزاق الناس، فكل واحد له رزق يكفيه من الله.
بُنيَّتي وحلوتي: أربح تجارة تعملين بها التجارة مع الله تعالى.
ابني: افعل الخير ولا تنتظر الجزاء عليه من العبد.
ابنتي الحبيبة: جنة المرأة في الدنيا بيتها وزوجها وأولادها.
ولدي: إذا أهمك أمرٌ فعليك بالصلاة.
ابنتي: ليس كل جديد جيد، كما أنه ليس كل قديم سيء.
بُنيَّ: ضع هدفاً أمامك واسعَ إليه.
بُنيَّتي الحبيبة: الحياة جميلة بفعل كل جميل.
ولدي الحبيب: طريق الجنة طريق البطولة والشجاعة، فلا تجبن في سلوكه.
بُنيَّتي الجميلة: عَوِّدِي لسانَك على كل طيب من الطعام والشراب والكلام.
بُنيَّ: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك.
ابنتي: من حَفظتْ سِرّها عندك فلا تبوحي به لأحد.
ولدي الطيّب: لا تطلب ما لا يلزمك.
بُنيَّتي الطيبة: تعلمي الهدوء والتأني، فهي من صفات الصالحين.
ولدي العزيز: عائلتك قلعتك، فلا تفتح بابها لأي جاسوس، وحصنّها من كل عدو.
ابنتي: هذه الحياة مُتقلّبة فاشكري الله في النعم، واصبري وقت الضيق.
بُنيَّ: أنت جزء مني، فليس من المعقول أن أضر نفسي.
بُنيَّتي: لا تبخلي على أهلك وصديقاتك بالابتسامة، فهي صدقة دائمة.
صغيري الحبيب: ستشاهد أموراً تجهلها، فأخبرْني بها، لأُعلِّمك كيف تتعامل معها.
ابنتي الغالية: اهتمي بنظافتك الظاهرة فهي مهمة لمن حولك، واهتمي بطهارتك المخفية فهي مهمة لك أنت.
بُنيَّ: الكلام الطيب الليّن يدفع عنك الكثير من مساوئ الحياة.
حبيبتي بُنيَّتي: زِيدي في خبراتك ومعارفك بالقراءة والمطالعة.
ولدي: تعلمْ بسرعة فبلدك ينتظرك لتعمره وتبنيه.
ابنتي الجميلة: لا يمكنك غسل يدك بدون دلكها باليد الأخرى، كذلك لا تستطيعين النجاح بمفردك، فاحرصي أن يكون إخوتك الأقرب إلى قلبك، فهم يساعدونك في مصاعب الحياة.
ابني: حَصِّن نفسك من الشيطان وجنوده بالأذكار والقرآن الكريم.
بُنيَّتي الحبيبة: ضعي قدوة صالحة لك تمشين على خطاها، وتقتفي أثرها، فالقدوة تُسهِّل عليك الكثير من الصعاب.
بُنيَّ الغالي: لا تغتر بكثرة المديح، ولا تهمل مذمتك من عدوك، فهو يرى عيوبك ويرشدك إليها.
بُنيَّتي حبيبتي: عيوب الآخرين دروس حية لك، فلا تُهمليها واتعظي بها.
ولدي الحبيب: لا تشمت بوقوع غيرك، فلربما نجاه الله وابتلاك بما ابتلاه.
ابنتي زهرتي العطرة: بثي طِيبك العبق حيث تكوني، وطيبك هو معاملتك الحسنة.
ابني: أسعدْ من حولك بتقديم العون لكل محتاج، ونصرة كل مظلوم.
بُنيَّتي: أرشدي الضائع والضال إلى الطريق الصحيح، فصلاحهم سيكون في صحيفتك غداً.
ولدي: فكِّرْ في العُلو بأخلاقك، دون أن تنظر إلى من هو دُونك.
ابنتي: أنشئي في ذاتك امرأة مربية عظيمة، وصانعة مبدعة لجيل ينشر الخير، ويدفع الشر، ويَعمر الأرض.
ولدي الغالي، لا ترض بهدف بسيط سهل المنال، بل اجعل طموحك في أعلى المراتب وأسمى الدرجات.
حبيبتي وروضتي ابنتي: كما أن لكِ عيناً ترين بها، فإن للناس أعيناً يرون بها.
وأخيراً:
إن الحكمة نتيجة لصنوف عديدة من الاختبارات والامتحانات والمصاعب، يرافقها التوفيق الإلهي في استثمارها واستخلاص العبر والعظات والخبرات منها، مجبولة بحب الولد والخوف عليه، والحرص على أن يعيش حياة هانئة موفقة، بعيدة عن غضب الله وسخطه. فعلينا ألا نبخل بها عن أبنائنا، فهم ينتظرون من يدلهم على الطريق الصحيح والصراط المستقيم.
أرجو الله عز وجل أن يصلح جميع أولادنا، ويجعلهم من الصالحين الصادقين الناصحين، الدالين على الخير، والأمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، ويجعلهم لنا نجاة يوم القيامة، إنه سميع مجيب.
والحمد لله رب العالمين.
الكاتب: فراس السقال