لنحيا الشريعة دون اختصار أو انتظار (المقال الثالث)

منذ 2018-04-13

الفهم الخاطئ والخلط الشائع، المننتشر بين أكثر الناس..بل أكثر الإسلاميين.. في ادراكهم لمفهوم إقامة الشريعة..حيث اختصروها واختزلوها في إقامة الحدود..! برغم أن إقامة تلك الحدود وتنفيذ مايتعلق بها من عقوبات.. لا يمثل إلا شعبة واحدة من من مجموع شعب الايمان المكونة للشريعة

لنحيا الشريعة دون اختصار أو انتظار (المقال الثالث)

عندما نتأمل في تصنيف أهل العلم لشُعَب الإيمان بتوزيعها على أقسام ثلاثة، يتعلق أحدها بالعقيدة والثاني بالعبادة والمعاملات، والثالث بالأخلاق والسلوكيات؛ سنجد أن الجانب المتعلق بالحدود والعقوبات منها، والداخل ضمن المعاملات؛ لايمثل - على جلال قدره وخطورة تركه - إلا نزرًا يسيرًا جدًا من مجموع الشعب البالغة بضعا وستين أو بضعا وسبعين، كما صح بذلك الحديث.

فعلى ماذا يدل هذا..؟ يدل على انتشار ثلاثة مفاهيم خاطئة تتعلق بإقامة الشريعة.


أولها:

الفهم الخاطئ والخلط الشائع، المننتشر بين أكثر الناس..بل أكثر الإسلاميين.. في ادراكهم لمفهوم إقامة الشريعة..حيث اختصروها واختزلوها في إقامة الحدود..! برغم أن إقامة تلك الحدود وتنفيذ مايتعلق بها من عقوبات.. لا يمثل إلا شعبة واحدة من من مجموع شعب الايمان المكونة للشريعة، كما في التقسيم الذي رجحة الحافظ ابن حجر.

وثانيها: 

أنه انبنى على ذلك الخلط تصورٌ أكثر خطئا، وهو أن الشريعة لا تقام إلا إذا أقامها الحُكام، فتفتقر بذلك انتظار قيام دولة الإسلام، ولهذا نجد في كلام الكثيرين من الإسلاميين عبارة تقليدية تقول: (نريد إقامة دولة الإسلام حتى نقيم الشريعة).. وتلك عبارة مُرسَلة..تحمل معان مجملة، قد تصح في حال فهمهم أن الدولة الإسلامية ترعى أمان المسلمين في التقرب لرب العالمين.. ولكنها عبارة خاطئة قطعا، حبن يفهم منها اشتراط وجود الدولة لإقامة الشريعة..

وثالثها:

أن من أخطأوا في فهم مفهوم الشريعة على هذا النحو.. توهموا أيضا أن إقامتها ليست مهمة عموم المسلمين المحكومين؛ بل إنها تنتظر وتفتقر في مزاولتها إلى الحكام والمسؤولين..! مع أن الغالب الأعم من محتوى هذه الشريعة بشُعبها تخاطب الرعية قبل الرُعاة، ولا يُشترط في حكم الحاكم فبها إلا في بِضع شُعب، أما البقية فيُخاطب آحاد الرعية ومجموعهم بإقامتها في نفسوسهم وعلى من ولاهم الله أمرهم، سواء كان ذلك في شُعب الايمان المتعلقة بالعقيدة أو العبادة أو الأخلاق.

فجميع شعب الإيمان المكونة لشريعة الرحمن.. أمر الله ورسوله بالمبادرة إليها والمسارعة لنوال أجورها..كما قال تعالى:
{سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم} [الحديد :21].

وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آمرًا بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة التي تمثلها تلك الشعب:  «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟» (أخرجه الترمذي وحسنه).

وقال أيضا: 
«بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً. أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً. يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» . (أخرجه مسلم برقم 118).

فالحمد لله..ثم الحمد لله.. ثم الحمد لله.. الذي لم يجعل هذه المبادرة وتلك المسارعة في إقامة الشريعة وشعب الإيمان.. رهنًا بقرار نظام أو إرادة ظالم.. أو تشريع برلمان.. 

  • 2
  • 0
  • 9,699

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً