كيف دخلت الحضارة الغربية بأفكارها بلدان المسلمين:المقال الثاني
وتكلم هؤلاء عن الإسلام بما لم يحيطوا بعلمه منهم الماكر المخادع ومنهم من كان عن حسن قصد كي يدفع عن الإسلام
القارئ يدرك السبب من وراء هذا الاهتمام من قبل الغرب بجوانب الفن المزعوم والإنفاق السخي على نبش الآثار لأنهم عرفوا أن هذه الأمور هي مقصد الكثير من الناس للتسلية وأنها ذات أثر جذاب على كل الناس مهما كان التفاوت بينهم في المعرفة والأعمار أيضا ومن الغريب أن تسمع كثيرا من وسائل الإعلام عند المسلمين يأتي مصدر البرامج فيها إما تمثيلية غربية أو ترجمة لكاتب غربي أو خدمة لكتاب غربي كذلك حتى ليخيل للسامع العادي أن الحضارة الإسلامية لا شأن لها إلا بالمساجد وإقامة الصلاة فيها فقط وأنها لا بديل فيها عن تلك البرامج الغربية وهذا الظلم للحضارة الإسلامية سببه جهل أبناء الإسلام وكيد أعدائه فأصبح الإسلام بين أمرين أحلاهما مر بين جهل أبنائه وكيد أعدائه.
الدعوة إلى خلط الفكر الإسلامي بالفكر الغربي بدعوى تقارب الحضارتين والسير معا لخدمة الإنسانية
قال الله تعالى { وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص:24] وإذا كان الخلطاء يبغي بعضهم على بعض وينتج عن ذلك شر وظلم في الأمور الدنيوية فما بالك إذا كان في الأمور الدينية حين يراد خلط الحق بالباطل فما الذي سيحصل من ذلك؟
إنه يحصل نتاج مشوه ومشئوم لا خير فيه، وظلم صارخ لا عدل فيه وتقارب الحضارتين هو وجه آخر لدعوى الأديان فكيف يتجاهل هؤلاء الدعاة الغربيون ومن سار على طريقتهم من أتباعهم في العالم الإسلامي من دعاة التغريب كيف يتجاهل هؤلاء الفرق الهائل بين الدين الحق والدين الوضعي وهو فرق يمثل الفرق بين الحق والباطل والعلم والجهل فأنى يجتمعان؟
إن التقارب الذي يدعو إليه أصحاب الفكر الغربي إنما يراد به جر المسلمين إلى الغرب وذوبان الشخصية العزيزة للمسلم في خضم التيار الغربي بما يملكه الغرب من وسائل الإغراء التي لا حد لها ولعل هذه الدعوة نبعت من جراء تراخي قبضة المسلمين على دينهم والإسفين الذي دقته الحضارة الغربية الحديثة وقوة التغريب المتنامي في العالم الإسلامي على أيدي المنصّرين والمستشرقين وأتباعهم من المحسوبين على العالم العربي أو الإسلامي، ثم إحساس هؤلاء بهذه الفجوات في المسلمين ومن هنا وقر في أذهان أولئك الكتاب وجميع القائمين على حركة التغريب أنه يجب توجيه كافة الإمكانيات والجهود وتجييش الكل لخدمة تلك البذور النامية في أذهان المسلمين نحو حب الحضارة الغربية وأنها السبيل الوحيد للمسلمين إذا أرادوا التقدم والعيش الكريم بزعمهم وأقطاب الغرب والتغريب كلهم يشترطون - بالقول أحيانا وبالفعل أحيانا أخرى- لهذا التواصل والاندماج أن يتم بعيدا عن حقيقية الإسلام التي سار عليها في عهوده السابقة وأن يتم على فلسفة عصرية جديدة بزعمهم وهي خدعة ظاهرة يراد من ورائها عدم الاهتداء بتعاليم الإسلام الثابتة.
ومن المعلوم مسبقا أنه لو صار تقارب الحضارتين على هذا الأساس لكان الخاسر فيها هم المسلمون بدون شك حتى ولو كان التقارب أيضا على دعوى النعرات الجاهلية من قومية ووطنية أو تسامح ديني وما إلى ذلك فالنتيجة واحدة على حد قول الشاعر:
من لم يمت بالسيفِ مات بغيرهِ تعدَّدت الأسبابُ والموتُ واحدُ
فإن الهدف الأخير للغرب هو استعمار بلدان المسلمين وعودة جنودهم إلى ثكناتهم السابقة ومحو الشخصية الإسلامية من القلوب ولقد تفوق الغرب على غيره بحسب الترتيب وإحكام الخطط بمكر ودهاء وهو أمر واقع وظاهر وما حصل الآن من استعمار الغرب للعراق العربي المسلم مما يندى له الجبين ويثير في النفوس الأسى والحزن والإحباط الشديد.
نتيجة خطيرة:
الذي يبدو – والله أعلم – أن الحضارة الغربية ستلتف على العالم الإسلامي نهائيا ما دامت أوضاع المسلمين بهذا الحال من الفقر والتقهقر وعدم الاستفادة من العقول ومما أودعه الله في داخل الأرض من الخيرات العظيمة وما داموا بهذا التفرق الشنيع وما دام اسمها " الدول النامية" فلن يمكنها الوقوف أمام الحضارة الغربية العاتية التي استحوذت على كل ما يتطلع إليه البشر من التفوق في سائر الفنون من اقتصاد وصناعة وتجارة وطب وغير ذلك من الأمور التي سترضخ المسلمين لهم طوعا أو كرها للحصول على أجزاء منها – وليس كلها – فإن من احتاج إلى شيء خضع له والإنسان أسير من أحسن إليه وأعتقد أن ما يتبجح به بعض الناس من أن العالم الإسلامي بخير ولا ينقصهم أي شيء أعتقد أن قائله إما أن يكون جاهلا يريد تثبيط المسلمين وإلهائهم عن النظر إلى واقعهم الضحل كما أعتقد أن ثالثة الأثافي على المسلمين هي هذه الثغرة الهائلة التي فتحها نظام العراق البعثي الصليبي الذي أعطى الغرب المتربص الضوء الأخضر والفرصة السانحة لتغلغل أفكارهم وانتشار حضارتهم ونصرانيتهم بكل صلف وكبرياء وقد أصبح العراق في عهد طواغيته اليوم المثل الثاني – بعد فلسطين – على إذلال المسلمين وانكسار شوكتهم.
ومما يلاحظه القارئ الكريم أن الدعوة إلى تقارب الحضارة الإسلامية مع الحضارة الغربية أحيانا تأتي هذه الدعوة في شكل طلب صداقة – صداقة الذئب والحمل – أو علاقات حميمة بين الإسلام والمسيحية في مقابل وقفة الجميع ضد التيار الشيوعي وأنه يجب أن توجه كل الجهود ضده فهو العدو المشترك وقد انكشفت هذه الخدعة بسقوط الشيوعية وأحيانا تأتي بدافع حب تطوير الشعوب إلى التقارب ومدارسة الجوانب والأمور التي يجب أن يقفها الجميع ضد الإلحاد ما لم يكن ذلك التقارب على حساب الإسلام أو هضم حقوق المسلمين إلا أنه تبين أن العالم الغربي وضمن نفوذه السياسي والاقتصادي ليس إلا والأدلة على هذا كثيرة من أقواها وقوف الغرب إلى جانب الشيوعية عندما يحاط بها وعداؤهم السافر للإسلام والمسلمين وخصوصا في هذه الأيام من هذه السنة 1422هـ بعد فتنة التفجيرات التي وقعت في أمريكا في نيويورك وواشنطن حيث أخرجت أضغانهم على الإسلام والمسلمين فصرحوا بكل وقاحة بأن عدو حضارة الغرب هم المسلمون والإسلام المتخلف بزعمهم ولأن الكفر ملة واحدة فإنك تجد أن أعداء الإسلام دائما يقفون إلى جانب بعضهم بعضا في محاربة انتشار الإسلام وحصاره ورميهم له بأنه غير متطور ويجب تطويره كشرط أساس لمسايرته الحضارة الغربية ولا تسأل بعد ذلك عن هذا التطور الذي يدعون إليه ولا عن نتائجه الوخيمة وعن الشر الكامن في مبادئه ولا عن قيمة المجتمعات الإسلامية في ظل هذا التطور المزعوم فأين إذاً الدعوة إلى تلاحم النصرانية والمسيحية ضد الإلحاد ما داموا لا ينظرون إلى الإسلام إلا بهذه النظرة الظالمة.
ومن هنا وقع الكثير من الكتاب المسلمين – بحسن نية – في بعضهم وبمكر ودهاء في أكثرهم من دعوى مسايرة أحكام الشريعة الإسلامية للأحكام الوضعية الغربية لكي يتم بناء هذا التمثال الهزيل ثم ركبوا كل صعب وذللوا لتحقيق هذا الادعاء الباطل المستحيل فما من قضية غربية إلا ووجد لها من بعض كتاب المسلمين من يقول "أن الإسلام أيضا قد اشتمل على بيانها فلا ينبغي أن يعاب وأصبح الإسلام كأنه مذنب يحتاج إلى المحامين عنه لامتصاص أخطائه وذنوبه أمام الحضارة الغربية حسب دفاع هؤلاء ولا شك أن دعوى مثل هذا التطور هو قتل للإسلام على تؤدة وأنه لن يتم إلا إذا تخلى المسلمون عن دينهم نهائيا".
وهذا الصنف من المحامين خُدِعُوا في أنفسهم وخَدَعوا غيرهم فقد أوقفوا أنفسهم للاعتذار عن الإسلام أمام كل قضية يخالف فيها الإسلام ما نادت به الحضارة الغربية العصرية فحينما ظهرت الاشتراكية قالوا والإسلام أيضا فيه اشتراكية بل وافتروا أن مؤسس الاشتراكية الإسلامية هو الصحابي الجليل أبو ذر رضي الله عنه وحاشاه من إفكهم وحينما ظهرت الديمقراطية قالوا والإسلام أيضا ديمقراطي وحينما وجد تعدد الأحزاب قالوا والإسلام لا يمنع هذا، وحينما ظهر دعاة تحرير المرأة وأن لها حق الانتخاب والوصول إلى الحكم قالوا والإسلام أيضا قرر لها هذا وتكلم هؤلاء عن الإسلام بما لم يحيطوا بعلمه منهم الماكر المخادع ومنهم من كان عن حسن قصد كي يدفع عن الإسلام تهمة عدم التطور وصفة الرجعية التي وصفوا بها الإسلام كذبا وزورا وهو دفاع المتقهقر غير الواثق بدينه ونصاعته لا دفاع المتيقن الثابت.
- التصنيف:
- المصدر: