مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون

منذ 2018-12-25

أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} :

يقال تقريعاً لكل مكذب معاند لله في الدنيا يوم يعاين النار في الآخرة , أهذا السحر الذي كنتم ترمون به رسلكم , أم أنها باتت حقيقة معاينة , هذا أنتم وهذه جهنم وقد صرتم أهلها , سواء استطعتم الصبر على عذابها الذي لا يطاق أم لم تستطيعوا فإنما هو جزاء أعمالكم وما قدمته أيديكم.

قال تعالى :

{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . [الذاريات 17-18]

قال السعدي في تفسيره:

{ { أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ } } يحتمل أن الإشارة إلى النار والعذاب، كما يدل عليه سياق الآية أي: لما رأوا النار والعذاب قيل لهم من باب التقريع: أهذا سحر لا حقيقة له، فقد رأيتموه، أم أنتم في الدنيا لا تبصرون  أي: لا بصيرة لكم ولا علم عندكم، بل كنتم جاهلين بهذا الأمر، لم تقم عليكم الحجة؟ والجواب انتفاء الأمرين:

أما كونه سحرا، فقد ظهر لهم أنه أحق الحق، وأصدق الصدق، المخالف  للسحر من جميع الوجوه، وأما كونهم لا يبصرون، فإن الأمر بخلاف ذلك، بل حجة الله قد قامت عليهم، ودعتهم الرسل إلى الإيمان بذلك، وأقامت من الأدلة والبراهين على ذلك، ما يجعله من أعظم الأمور المبرهنة الواضحة الجلية.

ويحتمل أن الإشارة بقوله: { { أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} }  إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الحق المبين، والصراط المستقيم أي: هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم سحر أم عدم بصيرة بكم، حتى اشتبه عليكم الأمر، وحقيقة الأمر أنه أوضح من كل شيء وأحق الحق، وأن حجة الله قامت عليهم 

{ { اصْلَوْهَا } } أي: ادخلوا النار على وجه تحيط بكم، وتستوعب جميع أبدانكم  وتطلع على أفئدتكم.

{ {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ } } أي: لا يفيدكم الصبر على النار شيئا، ولا يتأسى بعضكم ببعض، ولا يخفف عنكم العذاب، وليست  من الأمور التي إذا صبر العبد عليها هانت مشقتها وزالت شدتها.

وإنما فعل بهم ذلك، بسبب أعمالهم الخبيثة وكسبهم، ولهذا قال { {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } }

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 3
  • 2
  • 5,254
المقال السابق
يوم تمور السماء موراً
المقال التالي
إن المتقين في جنات ونعيم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً