مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - عند سدرة المنتهى
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى
{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} :
رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أمين الوحي جبريل على صورته الحقيقية مرة أخرى يوم نزل إليه وصعد به إلى السماوات العلا وتبدى له بصورته الحقيقية عند آخر ما يمكن أن يصعد إليه جبريل عليه السلام وهو سدرة المنتهى التي تغشاها من البهاء والجمال والجلال استقبالاً للحبيب صلى الله عليه وسلم ما لم يستطع محمد صلى الله عليه وسلم على وصفه وما اكتفى القرآن بوصفه إجمالاً مراعاة لقدرات العقول البشرية القاصرة عن فهم هذا الجمال العلوي , ورغم كل هذا الجمال الذي لا يحتمله عقل بشر ما زاغ بصر محمد صلى الله عليه وسلم وما تجاوز حده أدباً مع الله الذي أراه من الآيات الكبرى كالجنة والنار ورؤية حجاب النور وغيرها من آيات لم يصل إليها بشر سوى محمد صلى الله عليه وسلم
قال تعالى :
{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } . [النجم 13-18 ]
قال السعدي في تفسيره:
{ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} } أي: رأى محمد جبريل مرة أخرى، نازلا إليه.
{ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى } وهي شجرة عظيمة جدا، فوق السماء السابعة، سميت سدرة المنتهى، لأنه ينتهي إليها ما يعرج من الأرض، وينزل إليها ما ينزل من الله، من الوحي وغيره، أو لانتهاء علم الخلق إليها أي: لكونها فوق السماوات والأرض، فهي المنتهى في علوها أو لغير ذلك، والله أعلم.
فرأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل في ذلك المكان، الذي هو محل الأرواح العلوية الزاكية الجميلة، التي لا يقربها شيطان ولا غيره من الأرواح الخبيثة.
عند تلك الشجرة { {جَنَّةُ الْمَأْوَى } } أي: الجنة الجامعة لكل نعيم، بحيث كانت محلا تنتهي إليه الأماني، وترغب فيه الإرادات، وتأوي إليها الرغبات، وهذا دليل على أن الجنة في أعلى الأماكن، وفوق السماء السابعة.
{ {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} } أي: يغشاها من أمر الله، شيء عظيم لا يعلم وصفه إلا الله عز وجل.
{ {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} } أي: ما زاغ يمنة ولا يسرة عن مقصوده { {وَمَا طَغَى} } أي: وما تجاوز البصر، وهذا كمال الأدب منه صلوات الله وسلامه عليه، أن قام مقاما أقامه الله فيه، ولم يقصر عنه ولا تجاوزه ولا حاد عنه،
وهذا أكمل ما يكون من الأدب العظيم، الذي فاق فيه الأولين والآخرين، فإن الإخلال يكون بأحد هذه الأمور: إما أن لا يقوم العبد بما أمر به، أو يقوم به على وجه التفريط، أو على وجه الإفراط، أو على وجه الحيدة يمينا وشمالا، وهذه الأمور كلها منتفية عنه صلى الله عليه وسلم.
{ {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } } من الجنة والنار، وغير ذلك من الأمور التي رآها صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: