مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - فيهما عينان نضاختان
فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ
{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} :
في أوصاف الجنتين اللتين أعدهما الملك سبحانه لأهل كرامته , وهم الصنف الثاني من أهل الجنة , أعد لهم من الخيرات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر, وإن كانوا دون الصنف الأول إلا أن ما أعده لهم سبحانه فيه من الكرم والجمال ما لا يوصف , وإنما جعل الصنف الأول أعلى وأتم كمالاً في النعيم ليفتح مجال المنافسة في نيل الأعلى بين عباده المتقين.
هذا ماء عذاب فياض يفيض عليهم من عينين تنضخه عليهم فياضاً عذباً.
وهذه فاكهة لا مثيل لها وعلى رأسها النخل والرمان لمكانتهما وفضلهما على سائر الأصناف.
وتلك الحور الطاهرات اللاتي لم يسبق إليهم سابق من إنس ولا جان منتظرات لعباد الرحمن محفوظات في خيامهن.
وهذا المتكأ المريح الذي يسر الناظر والجالس , أعده الملك تبارك وتعالى وجل شأنه لعباده الصالحين.
قال تعالى :
{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ(76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)} [الرحمن]
قال ابن كثير في تفسيره:
قال هناك : ( {فيهما عينان تجريان } ) ، وقال هاهنا : ( {نضاختان} ) ، وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي فياضتان . والجري أقوى من النضخ .
وقال الضحاك : ( نضاختان ) أي ممتلئتان لا تنقطعان .
وقال هناك : ( {فيهما من كل فاكهة زوجان} ) ، وقال هاهنا : ( {فيهما فاكهة ونخل ورمان} ) ، ولا شك أن الأولى أعم وأكثر في الأفراد والتنويع على فاكهة ، وهي نكرة في سياق الإثبات لا تعم ; ولهذا فسر قوله : ( ونخل ورمان ) من باب عطف الخاص على العام ، كما قرره البخاري وغيره ، وإنما أفرد النخل والرمان بالذكر لشرفهما على غيرهما .
ثم قال : ( {فيهن خيرات حسان} ) قيل : المراد خيرات كثيرة حسنة في الجنة ، قاله قتادة . وقيل : خيرات جمع خيرة ، وهي المرأة الصالحة الحسنة الخلق الحسنة الوجه ، قاله الجمهور . وروي مرفوعا عن أم سلمة . وفي الحديث الآخر الذي سنورده في سورة " الواقعة " : أن الحور العين يغنين : نحن الخيرات الحسان ، خلقنا لأزواج كرام . ولهذا قرأ بعضهم : " فيهن خيرات " ، بالتشديد ( حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
ثم قال : ( حور مقصورات في الخيام ) ، وهناك قال : ( {فيهن قاصرات الطرف} ) ، ولا شك أن التي قد قصرت طرفها بنفسها أفضل ممن قصرت ، وإن كان الجميع مخدرات .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن جابر ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن أبي عبيدة ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : إن لكل مسلم خيرة ، ولكل خيرة خيمة ، ولكل خيمة أربعة أبواب ، يدخل عليها كل يوم تحفة وكرامة وهدية لم تكن قبل ذلك ، لا مراحات ولا طماحات ، ولا بخرات ولا ذفرات ، حور عين ، كأنهن بيض مكنون .
وقوله : ( {في الخيام} ) ، قال البخاري :
حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ، عن أبيه ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة ، عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين ، يطوف عليهم المؤمنون " .
وقوله : ( {متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان} ) : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الرفرف : المحابس . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهما : هي المحابس . وقال العلاء بن بدر الرفرف على السرير كهيئة المحابس المتدلي .
وسئل الحسن البصري عن قوله : ( وعبقري حسان ) فقال : هي بسط أهل الجنة - لا أبا لكم - فاطلبوها . وعن الحسن البصري رواية : أنها المرافق . وقال زيد بن أسلم : العبقري : أحمر وأصفر وأخضر . وسئل العلاء بن زيد عن العبقري ، فقال : البسط أسفل من ذلك . وقال أبو حزرة يعقوب بن مجاهد : العبقري : من ثياب أهل الجنة ، لا يعرفه أحد . وقال أبو العالية : العبقري : الطنافس المخملة ، إلى الرقة ما هي . وقال القتيبي : كل ثوب موشى عند العرب عبقري . وقال أبو عبيدة : هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي . وقال الخليل بن أحمد : كل شيء يسر من الرجال وغير ذلك يسمى عند العرب عبقريا . ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيعمر : " فلم أر عبقريا يفري فريه " .
وعلى كل تقدير فصفة مرافق أهل الجنتين الأوليين أرفع وأعلى من هذه الصفة ; فإنه قد قال هناك : ( {متكئين على فرش بطائنها من إستبرق} ) ، فنعت بطائن فرشهم وسكت عن ظهائرها ، اكتفاء بما مدح به البطائن بطريق الأولى والأحرى . وتمام الخاتمة أنه قال بعد الصفات المتقدمة : ( {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} ) فوصف أهلها بالإحسان وهو أعلى المراتب والنهايات ، كما في حديث جبريل لما سأل عن الإسلام ، ثم الإيمان . فهذه وجوه عديدة في تفضيل الجنتين الأوليين على هاتين الأخريين ، ونسأل الله الكريم الوهاب أن يجعلنا من أهل الأوليين .
ثم قال : ( {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام} ) أي : هو أهل أن يجل فلا يعصى ، وأن يكرم فيعبد ، ويشكر فلا يكفر ، وأن يذكر فلا ينسى .
وقال ابن عباس : ( {ذي الجلال والإكرام} ) ذي العظمة والكبرياء .
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: