نعمة الهداية

منذ 2019-04-11

وإن كانت الأخرى صبرت وحمدت ربّك أيضا ورجوت فرجك من الله واستعنت بالعفة والفناعة والزهد والورع

مقتطف من كتابي " المهتدون في القرآن الكريم"
 

نعمة الهداية 
قال تعالى { {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } } [ الأعراف: 43 ]
اعلم أن نعمة الهداية هي أعظم نعمةٍ وُجدت على وجه الأرض أنعمها الله على عباده على الاطلاق , ولذلك لعظيم رحمة لله جعلها الله في قلب سورة الفاتحة التي نكررها سبعة عشر في اليوم والليلة في الفرائض فقط.
وذلك منها نعمة الهداية إلى الإسلام, ونعمة الهداية إلى السنة , ونعمة الكف عن المعاصي, ونعمة الثبات على الطريق المستقيم, ولذلك لابد من كثرة الشكر على ذلك كله وغيره من النعم العظيمة التترى التي أسبغها الله علينا ظاهراً وباطناً والتي لا نستطيع إحصاءها أبداً كما قال تعالى { { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } } [ إبراهيم:34 ] وقال تعالى { {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} } [ اللقمان : 20 ]
وكلما أكثر العبد من الشكر عليها كلما أكثر الله لها كما قال تعالى{ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } }[ إبراهيم: 7 ]

ففي سنن أبي داود رحمه الله عن على رضي الله عنه قال قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قُلِ اللَّهمَّ اهْدِني وسدِّدْني ، واذكُرْ بالهدايةِ هدايةَ الطَّريقِ ، واذكُرْ بالسَّدادِ تسديدَك السَّهمَ . قال : ونهاني ؛ أن أضَعَ الخاتمَ في هذه ، أو في هذه ، للسَّبَّابةِ والوسطَى ، ونهاني عن القسِيَّةِ والميْثَرةِ . قال أبو بُردةَ : فقلنا لعليٍّ : ما القسيَّةُ ؟ قال : ثيابٌ تأتينا من الشَّامِ ، أو من مصرَ ، مُضلِعةٌ فيها أمثالُ الأترُجِّ ، قال : والميْثَرةُ شيءٌ كانت تصنعُه النِّساءُ لبعولتِهنَّ. أخرحه الألباني في صحيح أبي داود برقم 4225 
وعن سفيان بن عبدالله الثقفي «قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلًا لا أسْأَلُ عنْه أحَدًا بَعْدَكَ، وفي حَديثِ أبِي أُسامَةَ غَيْرَكَ، قالَ: قُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ، ثم اسْتَقِمْ» . رواه مسلم برقم 38 
إذاً الطريق طويل وليس معناه أن تسلك طريقا في فترة معينة تقضيها فيه ثم ترجع إلى المعاصي والمحرمات, فعليك إذاً التزود من التقوى والعلم مع العمل والإيمان والصبر مما يكفيك للسلوك في هذا الدرب الطويل ولتكون ثابتاً عليه لا تعوج عنه يمنة ولا يسرة كما قال تعالى { {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} } [ الحجر: 99 ] 
واعلم أيضا أن الطريق محفوفٌ بالمكاره وأنت مبتلى في هذه الدنيا بالخير والشر كما قال تعالى { {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} }[ الأنبياء: 35 ] وقال تعالى { { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } } [ الأعراف: 168ٍ]
فإن كان رزقك الله في حياتك الخير - وأولها نعمة الهداية إلى الدين - فاحمد ربًّك واستعن باستدامة نعمك بالعبادات وبالخيرات ونفع الناس لتُرضى ربَّك, فإن كان حالك كذلك فنعمت المزرعة للآخرة , ونعمت المطية تسوقك إلى جنات عرضها السموات والأرضين.
وإن كانت الأخرى صبرت وحمدت ربّك أيضا ورجوت فرجك من الله واستعنت بالعفة والفناعة والزهد والورع ولذلك جاء في الأحاديث " «عَجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلَّا المؤمنُ» [أخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم : 147 وقال : إسناده صحيح على شرط مسلم ] .
فكما رزقنا الله هذ الدين الكامل وقد أتم علينا نعمه فلابد إذا أن نستمسك هذ الإسلام الذي رضي لنا أي نستمسكه كما أُنزل بالاستسلام الكامل مع التخلي والكفر والتبرء عن كل ما يخالفه مع الالتزام بشرائع الله بالكامل كما يحبه الله ويرضاه.
ولذلك قال تعالى { { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} } [ الفاتحة: 7]
فهذا توصيفٌ دقيقٌ كما ترى للطريق الذي نطلبه في صلواتنا سبعة عشرة مرة في اليوم والليلة من ربِّنا إذ هو الطريق الذي سلكه النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وما أحسن الرفقة مع أولئك الأخيار!! وما أنعم بالسلوك معهم في هذا الطريق الذي أنعم الله عليهم؟!! وما أجمل أن نتقبل هذه النعنة والهدية لغالية الثمينة من ربنا وننعم بها !! فأين المعتبرون بها والمقدرون لها حق التقدير؟!! 
وأيضاً من هذا التدقيق في توصيف هذا الطريق أن حذَّرنا الله من أن نكون من المغضوب عليهم وهم اليهود الذين لم يعملوا بعلمهم كما حذَّرنا من الضالين الذين عبدوا ربَّهم على جهالة. 
وقال تعالى { {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } } [ المائدة: 3 ]
فقد أكمل الله لنا سبحانه ديننا فلا مجال إذاً للبحث من نقصٍ لتكميله - وحاشا لله - كما هو حال المبتدعين, كما لا مجال للبحث من نعمٍ نقصت منا وقد أتم الله علينا نعمه كالحداثييين والديمقراطين والعلمانيين وأصحاب المذاهب الفكرية الهدامة في هذا العصر الحديث. 
ويقال: وبضده تتميز الأشياء , ويسيء الإسلام من نشأ في الإسلام ولم يعرف المسائل الجاهلية فينقض الإسلام عروة عروة, لذلك تعلم أن نعمة الهداية إنما تتبين للناس بالنظر والاعتبار لأحوال من ضل من الأمم الماضية والحاضرة , للاعتبار كيف الضلالة عند من ضلوا, وكيف الاستقامة عند من استقاموا, وكيف النعمة عند من تنعموا بالنعم التامة وذلك من تمسَّكوا بمنهج الله كما يحبه الله ويرضاه ابتداءاً من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين المهديين.
وقد قال سبحانه { {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} } [ المائدة: 15- 16 ] 
ففي هذه الآية أن الله سبحانه يهدي بالنور والكتاب المبين من اتبع رضوانه سبل السلام التي هي سبل الله النيِّرة الخيِّرة كما قال سبحانه { {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } } [ العنكبوت:69 ] 
إلا أن الله سبحانه وصف في هذه الآية بالسبل بالسلام, ففي هذا تشويق ما بعده تشويق للبيب الفطن لكون كل الناس حًبب إليهم السلامة والنجاة من الأخطار والهلاك.
فإذا كان الله امتن على عباده المؤمنين بالإضافة إلى سلوكهم سبل السلام أن يخرجهم من الظلمات إلى النور فما أعظمها من نعمة فهنيئاً لهم.
وأي نورٍ هو؟! ألا إنه الاهتدء بنور الوحي المنزَّل بعلم الله وبعدالة رب العالمين وبقدرة خالق السموات والأرضين والهادي إلى صراط الله المستقيم { {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} } [ الشورى: 53 ] وإليه والمآب والإياب.
أما مفهوم مخالفة الآية فكالتالي: من يتبع سخط الله لا يهديه الله بالنور وبالكتاب المبين, ولا يهديه إلا إلى سبل الهلاك والدمار والخسارة في الدنيا والآخرة, كما سيُخرجون أنفسهم بإيبائهم الحق من النور المفطور بهم إلى الظلمات وبئست الظلمات, وحتماً إنهم سيضلون عن الصراط المستقيم كما سيسلكون إلى طرقٍ ملتوية شائكة حتى يهلكوا عند آخرهم وإلى جهنم وبئس المصير.
ولا جرم أن هداية النبي صلى الله عليه وسلم كانت بنور الوحي الذي فضله على الناس كما عصمه الله سبحانه من سفاسف الأخلاق التي كانت جارية في عصره بكرامته على الله ولشرف رسالته ونبوته قال تعالى { { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } } [ الشورى: 52 ] 
قال شيخ بن باز : فبيَّن سبحانه أن ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة هو الروح وهو النور فالقرآن والسنة هما الروح الذي تحصل به الحياة, وهما النور الذي تحصل به البصيرة , فكلما قوي علمك بالكتاب والسنة حصل لك الروح الطيبة والنور , وكلما قلَّ علمك ضعفت الحياة وضعف النور, فالحياة السعيدة لمن أخذ بالوحي واستقام عليه حيث يحصل به النور والبصيرة . انتهى.
وُتسمى الهداية النور والبرهان والإستقامة والسداد كما جاء في تفسير الطبري 
" وأما معنى قوله( أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ) فإن معنى ذلك: أنهم على نور من ربهم وبرهان واستقامة وسداد، بتسديد الله إياهم، وتوفيقه لهم. كما:-
293- حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق،عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس،"أولئك على هدى من ربهم": أي على نور من ربهم، واستقامة على ما جاءهم (1) .
بل القرآن والسنة هو الحق الذي أحق أن يتبع والباطل ظلام دامس فكيف يُتبع الظلام ودياجيره فإن ذلك حتماً سيجر إلى الهلاك وما لا يحمد عقباه .
فما أكثر الذين اتبعوا الباطل في هذا الزمان وهم مع ذلك حاملوالواء الهدى ونور البشرية وعلوم الحق ونجاتهم فاستبدلوا بذلك بالذي هو أدنى بالذي هو خير كما قال تعالى{ { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} } [ يونس: 35 ]
وقد تعالت أصوات المنادين بتطبيق الشرائع الإسلامية من قبل المسلمين كما وجد فيه الكفار مصلحتهم كالبنوك الإسلامية وبعض شرائع الإسلام الأخرى المهمَّة في حياتهم قال تعالى { {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} } [ المائدة: 50 ] وقال تعالى { {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [ الملك: 14 ] 
إذن فاعلم بذلك أن القرآن ربيع قلوب المؤمنين كما هو نورٌ لكل البشرية , فالغيث مثلاً ربيع الأرض تحيى به المخلوقات وفي نفس الوقت لا يستغنون من الشمس فهي نور للبشرية ينبعثون بها في معاشهم كلها ومع الطاقتين - بحمد الله ومنته - تكتمل حياة الخلق كلهم .
وجاء في كتاب الهَدي" وقال: " من رجل يخرج بنا على القوم من كثب " فخرج به بعض الأنصار حتى سلك في حائط لبعض المنافقين , وكان أعمى, فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين ويقول : لا أحل لك أن تدخل في حائطي إن كنت رسول الله, فابتذره القوم ليقتلوه فقال: " لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصيرة ". أنظر زاد المعاد ج 3 ص 194 ط دار الريان للتراث.
فهذا يدل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على عذره للناس بالجهل ولرحمته للخلق خصوصاً لأولئك الذين فقدوا بعض حواسهم وقد كان هذا المنافق أعمى القلب والبصيرة فرحمه لكونه مبعوث رحمة للعالمين لا كملوك الجبارين الذين يقتلون الناس لأدنى كلمة تقال لهم ضدهم.
وقال أحد السلف لصالح: " من قام من قراءة القرآن فإما بالزيادة وإما بالنقصان. انتهى.
وفي صحيح البخاري في الدعاء المأثور: " «أنت نور السموات والأرض» " قال ابن حجر رحمه الله في الفتح:" أي: منورهما، وبك يهتدي من فيهما.
وآخؤ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 
عبد الفتاح آدم المقدشي

 

  • 9
  • 0
  • 23,993

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً