مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - النار ذات الوقود

منذ 2020-01-16

{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) } [البروج]

{ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}  :

وما أصحاب الأخدود إلا مثال صارخ لكل من عذب مؤمناً في الدنيا على إيمانه بالله, وحاربه بسبب تقواه.

أوقد هؤلاء النار على المؤمنين ووقفوا عليهم متابعين بقلوب صماء, وما كل هذا الحقد إلا بسبب إيمانهم بالله وركون أهل الدنيا إلى دنياهم ورفضهم لأحكام الله ورسالته ورفضهم لله حكماً بينهم مهذباً لشهواتهم واضعاً للحدود الفاصلة بينهم وبين إفساد حياة الخلق.

ونسي هؤلاء أو تناسوا أن الله هو الملك الحقيقي وهو المالك المتصرف الذي يحق له وحده تسيير حياة خلقه ووضع منهاجها, وهو شاهد على كل أفعالهم مطلع عليهم,ما أخرهم إلا لمهلة عساهم يبصروا,  فإن لم يعودوا ويؤبوا أخذهم أخذ عزيز مقتدر.

قال تعالى:

  {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) } [البروج]

قال السعدي في تفسيره:

وكان أصحاب الأخدود هؤلاء قومًا كافرين، ولديهم قوم مؤمنون، فراودوهم للدخول في دينهم، فامتنع المؤمنون من ذلك، فشق الكافرون أخدودًا في الأرض، وقذفوا فيها النار، وقعدوا حولها، وفتنوا المؤمنين، وعرضوهم عليها، فمن استجاب لهم أطلقوه، ومن استمر على الإيمان قذفوه في النار، وهذا في غاية المحاربة لله ولحزبه المؤمنين، ولهذا لعنهم الله وأهلكهم وتوعدهم فقال: { {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} }.

ثم فسر الأخدود بقوله: { { النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} } وهذا من أعظم ما يكون من التجبر وقساوة القلب، لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات الله ومعاندتها، ومحاربة أهلها وتعذيبهم بهذا العذاب، الذي تنفطر منه القلوب، وحضورهم إياهم عند إلقائهم فيها، والحال أنهم ما نقموا من المؤمنين إلا خصلة يمدحون عليها، وبها سعادتهم، وهي أنهم كانوا يؤمنون بالله العزيز الحميد أي: الذي له العزة التي قهر بها كل شيء، وهو حميد في أقواله وأوصافه وأفعاله.

{ {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } } خلقًا وعبيدًا، يتصرف فيهم تصرف المالك بملكه ، { { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }} علمًا وسمعًا وبصرًا، أفلا خاف هؤلاء المتمردون على الله، أن يبطش بهم العزيز المقتدر، أو ما علموا أنهم جميعهم مماليك لله ، ليس لأحد على أحد سلطة، من دون إذن المالك؟ أو خفي عليهم أن الله محيط بأعمالهم، مجاز لهم على فعالهم ؟ كلا إن الكافر في غرور، والظالم في جهل وعمى عن سواء السبيل.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

  • 1
  • 3
  • 12,558
المقال السابق
والسماء ذات البروج
المقال التالي
الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً