نشأة النبي صلى الله عليه وسلم
كذلك، فقد أتاحت له التجارة والسفر إلى الشام فرصة التعامل مع فئات طبقية مختلفة وجنسيات مختلفة وطبائع بشرية متنوعة، مما أصقل قدرته على معرفة معادن الناس وفهمهم وتفهم أسلوبهم في التفكير والتعامل.
كان للظروف الاجتماعية التي أحاطت بالنبي في مجتمعه أثر واضح في تكوين شخصيته، فقد كان يعيش في مجتمع شديد الظلم، يعامل فيه الفقراء بازدراء شديد وبتفرقة كبيرة بين فئات المجتمع. كان الظلم واضحا، سواء كان ظلما للعبيد، أو المرأة، أو الفقراء.
هذا الظلم الشديد الذي كانت تعيشه الجزيرة العربية، جعل من النبي باحثا عن العدل للبشرية، حاملا في قلبه رغبة في مد يد العون لمجتمعه ولمن حوله، ليقيهم مغبة هذا الظلم البين. وقد تجلى ذلك كثيرا في أحاديث النبي، وحين آخي بين المهاجرين والأنصار، فكان الغني يؤاخي الفقير والسيد يؤاخي العبد، ولا يجد في ذلك عيبا يعيبه، بل كان ذلك أمرا يسعى إليه لينال رضا الله عنه.
وحين شب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمل في التجارة، وسافر إلى الشام، وكانت التجارة مهنته التي يعيش منها. كان يتاجر ويتخلق بأخلاق الشرفاء، فهو من أصل شريف. وكان يتاجر وهو يتخلق برحمة الرحماء. تلك الرحمة التي تخلّق بها لظروف يتمه. وكان يصبر في عمله صبرا عظيما تعلمه من عمله في رعي الغنم. وقد تركت التجارة أثرا واضحا في شخصيته؛ فقد تعلم من ممارسته للتجارة فن التفاوض مع غيره، مما أكسبه قدرة على التفاوض والإقناع والتأثير الإيجابي على من حوله.
كذلك، فقد أتاحت له التجارة والسفر إلى الشام فرصة التعامل مع فئات طبقية مختلفة وجنسيات مختلفة وطبائع بشرية متنوعة، مما أصقل قدرته على معرفة معادن الناس وفهمهم وتفهم أسلوبهم في التفكير والتعامل.
والتجارة لا يقف تأثيرها على هذه العوامل فحسب، بل تمتد لتعطي ممارسها قدرات هائلة على الإقناع، وتفهم احتياجات من يتعامل معهم، وفق إمكاناتهم.
وقد جعل عمل الرسول في التجارة منه اقتصاديا ماهرا، استطاع أن يبني اقتصاد دولة لا تملك غير الحروب والمنازعات بين أهلها، علاوة على وفود مهاجرين جدد إليها.
والتجارة تغرس في نفس صاحبها (إن كان من ذوي الأخلاق الرفيعة) خلق التسامح والتجاوز عن الآخرين. وهذا ما كان يوصي به النبي التجار حين يقول:
" «رحم الله عبدا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى» ." (رواه البخاري وابن ماجه).
- التصنيف: