التحذير من فتنة الاختلاط
إنَّ اختلاط الجنسين بعضهما مع بَعض منكرٌ جاءَت شريعتُنا بتحريمه، وبلاءٌ جاءت شريعتُنا بالتحذير منه، ومصابٌ أصاب الأمّةَ المحمديّة فصار بابًا واسِعًا لهدمِ القِيَم والأخلاق والفضائل.
أيّها المسلم، أيّها المؤمن، إنَّ اختِلاطَ الجنسين الرّجال والنّساء في ميادينِ الحياةِ المختلِفة، سواء كانت منها المؤسَّساتُ الماليّة أو العلميّة أو اختلاف ميادينِ العمل المختَلِفة، إنَّ اختلاط الجنسين بعضهما مع بَعض منكرٌ جاءَت شريعتُنا بتحريمه، وبلاءٌ جاءت شريعتُنا بالتحذير منه، ومصابٌ أصاب الأمّةَ المحمديّة فصار بابًا واسِعًا لهدمِ القِيَم والأخلاق والفضائل. إنَّ اختلاطَ الجنسَين - الرجال والنساء - على رأسِ الأولَويَّات التي يدعو لها دعاةُ التغريبِ مِنَ المنافقين من هذهِ الأمّة المسلمة؛ لأنَّ هذه الدّعوة إلى الاختلاط دعوةٌ لسلخِ الأمة من دينها وأخلاقِها وبُعدِها عن مبادئ دينها. إنَّ الأمّةَ يجب أن تعتقدَ أنَّ العزّةَ الحقيقيّة إنما هي باتِّباع هذا الدّين، ليس عيبًا على الأمّة أن تتمسَّكَ بدينها، ليس عيبًا عليها أن تحافِظَ على أخلاقِها، ليس عيبًا عليها أن تجعَلَ مجتَمَعَها مجتمعًا أخلاقيًّا كريمًا، ليس ذا عيبًا عليها؛ بل هذا مصدر عزِّها وكرامتها. إنَّ أولئك الذين يدعون إلى اختلاطِ الجنسَين، وتحطيم الحواجِزِ الفارقة بينهما كما يزعمون؛ إنها محادَّةٌ للهِ ورسوله، وسبَبٌ للذّلِّ في الدّنيا والآخرة، {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ} [المجادلة: 20].
أمّةَ الإسلام، دين الإسلام جاء ليقيمَ مجتمعًا طاهرًا نظيفًا، مجتمعًا طاهرًا عَفيفًا، لا يتأثَّر بالفواحِشِ، ولا يروج فيه سوقُ الخَنَا، ولا يُعَطَّل فيه الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، جاء ليقيمَ المجتمع المسلمَ على أُسُس من القِيَم والأخلاق والفضائل، دعا إلى الحياءِ، وجعل الحياءَ من أخلاق المؤمنين، الحياءُ شعبةٌ من شُعَب الإيمان، والحياءُ مطلوبٌ من الجميع وإن كان في جانِب النساء أشدّ، فهذا الإسلام ينهى المرأة عن التبرّجِ والسفور: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33]، ينهاها عن أن تخضَعَ بالقول:{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32]، يأمرها بغضِّ البصر وتحصينِ الفرج، وينهاها عن إبداء زينَتِها إلاّ ما ظهر منها، ولمن أباح الله له النّظرَ إليها كما بيَّن الله ذلك في كتابه العزيز. وهذه سنّةُ محمّد صلى الله عليه وسلم تدلّ على أمور، فمنها:
أولاً: أمرُ المؤمن بغضِّ البصر، يقول الله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، ويقول النبيّ لعليّ رضي الله عنه: «لا تُتبِعِ النظرةَ النظرةَ، فإنّ لك الأولى، وليست لك الثانية» [1]، وها هو يمنَع المؤمنَ مِن أن يدخلَ على امرأةٍ ليست من محارِمِه، فينهى عن دخولِ الرّجل على من ليسَت مَحرَمًا له، ولما قيل له في الحمو قريبِ الزّوج قال:«الحموُ الموت»[2]، وها هو ينهاهَا عن السّفَرِ بلا محرَمٍ؛[3] محافظةً على كرامَتِها وفضائلها.
أيّها المسلم، أيّها المؤمن، إنّ الدعوةَ لاختلاط الجنسَين هو بلاء ومصيبةٌ عظيمة، وهو فَتح لأبواب الشرِّ على مصرَاعَيه. وإنَّ الدعاةَ للاختلاط لو ناقشتَ بعضَهم لا يرضاه لابْنتِه، ولا لأخته، ولا لأمّه، ولكن يتفوَّه بهذه الكلماتِ البذيئةِ تقليدًا واتِّباعًا لغيره. إنّ أولئك يريدون أن يحوِّلوا المجتمعاتِ المسلمة إلى مجتمعات تابعةٍ لغيرِها لا تتقيَّد بخلقٍ ولا بفضيلة، ولكن تكون تابعةً لغيرها، ينفِّذ الأعداء فيها مُرادَهم، ويُملون عليهم ما يريدون أن يفعَلوه. إنَّ الله أعزَّ الأمةَ بالإسلام كما قال عمرُ رضي الله عنه: "نحن أمّة أعزَّنا الله بالإسلام، ومتى ابتَغَينا العزّةَ من غير الإسلام أذلَّنا الله"[4].
إنَّ الله جلّ وعلا حرَّم على المرأةِ المسلمة أن تخالطَ غيرَ محارِمِها؛ محافظةً على كرامَتِها. إنَّ الذين خلَطوا الجنسَين - المرأةَ بغيرها - يَشْكُون من ويلاتِ ذلك الاختلاطِ، وآثاره السيّئة القبيحة عليهم جميعًا. إنّ بها انتشَرَتِ المنكرات، وبها فشا الزّنا وكثُر اللّقطاء، وبها عمَّت الجرائِم وضعُف الإنتاج، وصار عليهم مِنَ البلاء ما الله به عليم. فما حرَّمَ الله ورسوله شيئًا إلاّ وضررُه واضح، ضرَرُه ظاهِر، ولا منفعةَ فيه مطلَقًا. إنَّ أولئك الزّاعِمين أنَّ الاختلاطَ لا يؤثِّر، وأنّ التربيَة تحمي الإنسانَ من الانزلاق، كلُّ هذه مكابَرات، وكلّ هذه مغالَطات. فالواجِب على المسلمين جميعًا تقوَى الله، وأن يعلَموا أنّ العزّةَ والرّفعة إنما هو باتباعِ شريعة الله، وأنَّ الذلَّ والهوان بالتّخلِّي عن مبادِئِ الإسلام وتعاليمِه.
ليس عيبًا على الأمّةِ أن تحافظَ على شرفِها وكرامَتِها، ليس عيبًا عليها تمسُّكها بدينها، ليس عيبًا عليها ثباتُها على أخلاق إسلامِها، مهما قال الأعداء ومهما تفوّهوا، فهم لن يَرضَوا عنّا إلاّ بمفارقةِ هذا الدين والعياذ بالله، {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89].
أمّةَ الإسلام، الدّعوةُ إلى الاختلاط دعوةُ إجرام، ودعوةُ نفاق، ودعوة ضَلالٍ، ودعوة بُعدٍ عن الهدى، لا تصدُرُ من قلبٍ فيه إيمان بالله واليومِ الآخر، فمَن في قلبه الإيمانُ الصّادق يعلم أن الدعوةَ إلى الاختلاط دعوةٌ ضالّة مضلَّة، ومَن سعى فيها أو حبّذها فليراجِع نفسَه، وليَتُبْ إلى الله من أخطائهِ، وليعلَم أنّه تفوَّه بأمرٍ أسخَطَ اللهَ جلّ وعلا عليه. فليتَّقِ المسلمون ربَّهم، وليحافظوا على قِيَمهم وفضائلهم.
نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يقول في الصّلاة: «خيرُ صفوف الرجال أوّلُها، وشرُّها آخرها، وخيرُ صفوفِ النّساء آخرُها، وشرُّها أوّلها» [5] حثًّا للمرأةِ على البُعد عنِ الرجال. وكان النساءُ في عهدِ النبيّ يشهدن الصلوات، تقول عائشة: يشهَد نساءٌ مع النبيّ الصلاة، يرجِعنَ في غايةٍ مِنَ التحفُّظ، لا يعرِفُهنّ أحدٌ مِن حسنِ سِترهنّ وعفافِهن، متلفِّعاتٍ بمروطهِنّ، لا يُعرَفنَ من الغَلَس[6]. إنّه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت المجتمعاتُ مجتمعاتٍ نظيفةً ومجتمعاتٍ طيّبة، ومع هذا حُذِّروا من كلِّ وسيلة توقِع في الشرّ والفساد.
فلنتَّق الله في أنفسنا، ولنحافِظ على ديننا. وعلى من ينادي بالاختلاط أو يدعو إليه أو يحبّذه أن يعلمَ أنه على طريقٍ خاطئ ومنهج سيّئ، فليتُب إلى الله، وليستغفِرِ الله ممّا زلَّ بهِ اللسان والقلَم، وليحاسِب نفسَه؛ فإنَّ الله سائلٌ كلَّ قائل عن قوله، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
إنَّ الله جلّ وعلا فاوتَ بين الرجال والنساء، ولكلٍّ خصوصيّاتُه وقُدُراته، فمتى خلطْنا الأوراقَ، ومتى حاولنا عبثًا أن نصيِّرَ الجنسين جنسًا واحدًا، ومتى تغاضَينَا عن النتائجِ السيِّئة؛ فإنَّ هذا دليل على سوءِ الفهم، وقلّةِ اليقين.
أسأل الله للجميع الثباتَ على الحقِّ والاستقامة عليه، وأن يرزقَنا جميعًا الفقهَ في دين الله والتمسّكَ بشريعته، والثباتَ على ذلك إلى أن نلقاه، إنه على كلِّ شيء قدير.
بارَكَ الله لي ولَكم في القرآنِ العَظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائِرِ المسلمين من كلّ ذَنب، فاستغفروه وتوبوا إلَيه، إنّه هو الغفور الرحيم.
إنّ التمسّكَ بشريعة الإسلام سبَبٌ لعِزِّ الأمّة ورِفعتها، وسبب لرُعب أعدائها مِنها، فتمسُّك الأمّة بهذا الدين يجعل لها المكانةَ العالية والرفعةَ والسّؤدَد، ويلقي الله الرعبَ في قلوب أعدائها إن هِي تمسَّكَت بهذا الدين حقَّ التمسّك.
إنَّ ما أصاب العالمَ الإسلاميَّ من نقصٍ كان أوّله السماح للنّساء بالاختلاطِ في ميادينِ الأعمال، فهذا سبَبٌ عظيم فتح أبوابَ الشرِّ على مصراعَيه، ولذا يقول النبيّ: «ما تركتُ [في] أمتي فتنةً هي أضرّ من فتنةِ [النساء على الرجال» [7]، ويقول: «اتَّقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإنّ هلاكَ بني إسرائيل كان في النساء» [8].
هذه القضيّةُ هي التي فتحَت أبوابَ الشرِّ على مصراعَيه، وتداعت الشرورُ والمصائب على الأمّة لما استخفّوا بمحارمِ الله وتساهلوا في ذلك، وفُقِدت الغَيرة من القلوب على محارمِ الله، فعند ذلك وقَعَ المسلمون في شرورٍ عظيمة ومصائبَ وبلايا؛ نتيجةً لهذا التّساهُل، ونتيجةً لهذا التهاوُن، وطاعةً لمن ينادي: "إنّ المرأةَ شقيقة الرجل، دعوها والرجلَ يقفان صفًّا واحدًا، دعوها تعمل ويَعمل على جانبٍ واحد"، فلا حياءَ ولا سمتَ ولا مروءة، إنّه الشرّ بعَينه حينما يختلط الجنسان في الأماكن، تذهَب الغَيرة من القلوب، وتخفّ قيمةُ المحرَّمات في قلوبِ الناس، وتلك مصيبةٌ عُظمى، نسأل الله أن يعافيَ المسلمين من هذا الداءِ العضال، وأن يمنَّ عليهم بالاستقامةِ عَلى الهدَى.
فالحقيقةُ أنَّ مصائبَ العالم الإسلاميّ سببُها بُعدُهم عن دينهم، ولهذا تسلَّط عليهم الأعداءُ من كلِّ جانب بأسباب بُعدهم عن دينهم، فإنَّ تمسُّكَ الأمة بدينها هو السّبَب في عزَّتها وقوّتها ورَهبةِ أعدائها منها، فنسأل الله أن يوفِّقَ المسلمين جميعًا للفِقه في دين الله، وأن يعيدَهم للطّريق المستقيم، وأن يرزقَنا جميعًا الثباتَ على الحقّ والاستقامة عليه، وأن يهديَ ضالَّ المسلمين ويثبِّتَ مطيعَهم ويحفَظ الجميع بالإسلام، إنّه على كلّ شيء قدير.
واعلَموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمورِ محدثاتها، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعةِ، ومَن شذّ شذّ في النّار.
وصلّوا رحمكم الله على عبدِ الله ورسولِه محمّد صلى الله عليه وسلم كما أمركم بذلك ربّكم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمّد، وارضَ اللَّهمَّ عن خلَفائِهِ الرَّاشدين الأئِمَّة المهديِّين.
[1] أخرجه أحمد (5/353)، وأبو داود في النكاح (2149)، والترمذي في الأدب (2777) من حديث بريدة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك"، وصححه الحاكم (2788)، وحسنه الألباني في "غاية المرام" (183).
[2] أخرجه البخاري في كتاب النكاح (4831)، ومسلم في كتاب السلام (4037) عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه.
[3] كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عند البخاري في كتاب الحج (1729)، ومسلم في كتاب الحج (2391).
[4] أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/10، 93)، وهناد في "الزهد" (817) بنحوه، وصححه الحاكم (207، 208)، وهو في "صحيح الترغيب" (2893).
[5] أخرجه مسلم في كتاب الصلاة (440) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[6] أخرجه البخاري في كتاب المواقيت (544)، ومسلم في كتاب المساجد (1020، 1021، 1022) بمعناه.
[7] أخرجه البخاري في النكاح (4706)، ومسلم في الذكر (4923) من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - بنحوه.
[8] أخرجه مسلم في الذكر (4925) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بلفظ: ((فإن أول فتنة بني إسرائيل)).
- التصنيف:
- المصدر: