المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي - ذم الدنيا

منذ 2022-02-07

قال الحسن رحمه الله: رحم الله أقواماً كانت الدنيا عندهم وديعة, فأدوها إلى من ائتمنها عليها, ثم راحوا خفافاً. وقال أيضاً رحمه الله: من نافسك في دينك فنافسه, ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره.

الحمد الله الذي عرف أولياءه غوائل الدنيا وآفاتها, وكشف لهم عن عيوبها وعوراتها حتى نظروا في شواهدها وآياتها, ووزنوا بحسناتها سيئاتها, فعلموا أنه يزيد منكرها على معروفها, ولا يفي مرجوها بمخلوفها, ولكنها في صورة امرأة مليحة تستميل الناس بجمالها, ولها أسرار سوء, وقبائح تهلك الراغبين في وصالها, ثم هي فرارة عن طلابها, شحيحة بإقبالها, وإذا أقبلت لم يؤمن شرها ووبالها, إن أحسنت ساعة أساءت سنة, شأنها الهرب من طالبها, والطلب لهاربها, ومن خدمها فاتته, ومن أعرض عنها واتته, لا يخلو صفوها عن شوائب الكدورات, ولا ينفعك سرورها عن المنغصات, سلامتها تعقب السقم, وشبابها يسوق إلى الهرم, ونعيمها لا يثمر إلا الحسرة والندم, فهي خداعة مكارة, طيارة فرارة, لا تزال تتزين لطلابها حتى إذا صاروا من أحبابها, كشرت لهم عن أنيابها, فأذاقتهم قواتل سمامها, ورشقتهم بصوائب سهامها.

بينما أصحابها منها في سرور, وإنعام إذ ولت عنها كأنها أضغاث أحلام, ثم عكرت عليهم بدواهيها فطحنتهم طحن الحصيد, ووارتهم في أكفانهم تحت الصعيد.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «الدنيا سجن المؤمن, وجنة الكافر » 

وقال عليه الصلاة والسلام:  «الدنيا ملعونة ملعون من فيها إلا ما كان لله منها» 

وقال صلى الله عليه وسلم: «ألهاكم التكاثر, يقول ابن آدم: مالي, مالي, وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت, أو لبست فأبليت, أو تصدقت فأبقيت ؟ »

قال الحسن رحمه الله: رحم الله أقواماً كانت الدنيا عندهم وديعة, فأدوها إلى من ائتمنها عليها, ثم راحوا خفافاً. وقال أيضاً رحمه الله: من نافسك في دينك فنافسه, ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره.

قال لقمان لابنه: يا بني, إن الدنيا بحر عميق, وقد غرق فيه ناس كثير, فلتكن سفينتك فيه تقوى الله عز وجل, وحشوها الإيمان بالله تعالى, وشراعها التوكل على الله عز وجل, لعلك تنجو, وما أراك ناجياً. وقال: يا بني, بع دنياك بآخرتك, تربحهما جميعاً, ولا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعاً.

وقال مطرف بن الشخير: لا تنظر إلى خفض عيش الملوك, ولين رياشهم, ولكن انظر إلى سرعة ظغنهم, وسوء منقلبهم.

وقال الفضيل: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى, والآخرة من خزف يبقى, لكان ينبغي لنا أن نختار خزفاً يبقى على ذهب يفنى.

وقال مالك بن دينار: بقدر ما تحزن للدنيا, يخرج همّ الآخرة من قلبك, وبقدر ما تحزن للآخرة يخرج همّ الدنيا من قلبك. وهذا اقتباس من كلام رضي الله عنه حيث قال: الدنيا والآخرة ضرتان, فبقدر ما ترضى إحداهما تسخط الأخرى.

وقال سعيد بن مسعود: إذا رأيت العبد تزداد دنياه, وتنقص آخرته, وهو به راض, فذلك المغبون الذي يلعب بوجهه, وهو لا يشعر.

وقال عمرو بن العاص: إياكم وما شغل من الدنيا, فإن الدنيا كثرة الأشغال,  لا يفتح رجل على نفسه باب شغل إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب.

وقال أيضاً: ابن آدم يستقل ماله, ولا يستقل عمله, يفرح بمصيبته في دينه, ويجزع من مصيبته في دنياه.

وقال مالك بن دينار: اصطلحنا على حب الدنيا, فلا يأمر بعضنا بعضاً, ولا ينهى بعضنا بعضا, ولا يدعنا الله على هذا, فليت شعري أي عذاب الله ينزل علينا ؟

قيل لحكيم: الدنيا لمن هي ؟ قال: لمن تركها, فقيل: الآخرة لمن هي؟ قال: لمن طلبها

                كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 1
  • 0
  • 1,587
المقال السابق
ذم الحسد
المقال التالي
ذم البخل

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً