المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي - ذم العجب

منذ 2022-02-13

العجب يدعو إلى الكبر لأنه أحد أسبابه فيتولد من العجب الكبر, ومن الكبر الآفات الكثيرة التي لا تخفى. هذا مع العباد, وأما مع الله تعالى فالعجب يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها

بيان ذم العجب وآفاته:

اعلم أن العجب مذموم في كتاب الله تعالى, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى: { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً } [التوبة:25] ذكر ذلك في معرض الإنكار, وقال عز وجل: { وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } [الحشر:2] فرد على الكفار في إعجابهم بحصونهم وشوكتهم, وقال تعالى:   {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً } [الكهف:104] وهذا أيضاً يرجع إلى العجب بالعمل, وقد يًعجب الإنسان بالعمل وهو مخطئ فيه, كما يعجب بعملٍ هو مُصيب فيه.  

وقال ابن مسعود: الهلاك في اثنتين: القنوط, والعجب. وقال مطرف: لأن أبيت نائماً, وأصبح نادماً, أحبّ إليّ من أبيت قائماً, وأصبح معجباً

آفة العجب:

آفات العجب كثيرة فإن العجب يدعو إلى الكبر لأنه أحد أسبابه فيتولد من العجب الكبر, ومن الكبر الآفات الكثيرة التي لا تخفى. هذا مع العباد, وأما مع الله تعالى فالعجب يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها, وما يتذكره فيستصغره, ولا يستعظمه, فلا يجتهد في تداركه, وتلافيه, وأما العبادات والأعمال فإنه يستعظمها, ويتبجح بها, ويمنّ على الله بفعلها, وينسى نعمة الله عليه بالتوفيق والتمكين منها, ثم إذا عجب بها عمي عن آفاتها. والمعجب يغتر بنفسه وبرأيه ويأمن مكر الله وعذابه. ويخرجه العجب أن يثني على نفسه يزكيها. وإن أعجب برأيه وعمله وعقله منع ذلك من الاستفادة ومن الاستشارة, ومن السؤال, فيستبد بنفسه ويستنكف من سؤال من هو أعلم منه, وربما يعجب بالرأي الخطأ, ومن آفاته: أن يفتر عن السعي لظنه أنه قد استغنى.

بيان علاج  العجب على الجملة:

اعلم أن علاج كل علة هو مقابلة سببها بضده, وعلة العجب الجهل المحض, فعلاجه المعرفة المضادة لذلك الجهل. فنقول: الورع, والتقوى, والعبادة, والعمل, الذي به يعجب...نعمة من الله عليه, من غير حق سبق له, ومن غير وسيلة يدلي بها, فينبغي أن يكون إعجابه بجود الله وكرمه وفضله, إذ أفاض عليه ما لا يستحق, وآثره به على غيره من غير سابقة ووسيلة.

بيان أقسام ما به العجب وتفصيل علاجه:

اعلم أن...ما به العجب ثمانية أقسام:

الأول: أن يعجب ببدنه في جماله, وهيئته, وصحته, وقوته, فيلتفت إلى جمال نفسه, وينسي أنه نعمة من الله تعالى, وهو بعرضة الزوال في كل حال. وعلاجه التفكر في أقذار باطنه, وفي أول أمره وفي آخره, وفي الوجوه الجميلة والأبدان الناعمة كيف تمزقت في التراب, وأنتنت في القبور, حتى استقذرتها الطباع.

الثاني: العجب بالعقل والكياسة والتفطن لدقائق الأمور, وثمرته الاستبداد بالرأي وترك المشورة, واستجهال الناس المخالفين له, ولرأيه, وعلاجه أن يشكر الله تعالى على ما رزق من العقل, ويتفكر أنه بأدنى مرض يصيب دماغه كيف يوسوس, ويجن بحيث يضحك منه! فلا يأمن أن يسلبه عقله إن أُعجب به ولم يقم بشكره وليستقصر عقله وعلمه, وليعلم أنه ما أوتي من العلم إلا قليلاً وإن اتسع علمه, وأن ما جهله مما عرفه الناس أكثر مما عرفه, وأن يتهم عقله وينظر إلى الحمقى كيف يعجبون بعقولهم ويضحك الناس منهم, فيحذر أن يكون منهم وهو لا يدري, فإن القاصر العقل لا يعلم قصور عقله, فينبغي أن يعرف مقدار عقله من غيره لا من نفسه.  

الثالث: البطش والقوة. كما حكى عن قوم عاد حين قالوا فيما أخبر الله عنهم {من أشد منّا قوةً} [فصلت:15] وعلاجه...أن يعلم أن حمّى يوم تضعف قوته ! وأنه إذا أعجب بها ربما سلبها الله تعالى بأدنى آفة يسلطها عليه.

الرابع: العجب بالنسب الشريف, كعجب الهاشمية, وعلاجه أن يعلم أنه مهما خالف آباءه في أفعالهم وأخلاقهم, وظن أنه ملحق بهم فقد جهل. وإن اقتدى بآبائه فما كان من أخلاقهم العجب, ولقد شرفوا بالطاعة والعلم والخصال الحميدة لا بالنسب فليتشرف بما شرفوا به.

الخامس: العجب بنسب السلاطين الظلمة وأعوانهم دون نسب الدين, والعلم. وهذا غاية الجهل, وعلاجه أن يتفكر في مخازيهم, وما جرى لهم من الظلم على عباد الله, والفساد في دين الله,  وأنهم الممقوتون عند الله....فحق أولاد الظلمة إن عصمهم الله من ظلمهم أن يشكروا الله على سلامة دينهم, ويستغفروا لآبائهم إن كانوا مسلمين.

السادس: العجب بكثرة العدد من الأولاد والخدم والغلمان والعشيرة والأقارب, كما قال الكفار: { نحن أكثر أموالاً وأولاداً } [سبأ:35] وعلاجه أن يتفكر في ضعفه, وضعفهم, وأن كلهم عبيد عجزة, لا يملكون لأنفسهم ضراً, ولا نفعاً.

السابع: العجب بالمال, كما قال تعالى إخباراً عن صاحب الجنتين إذ قال:  {أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفراً}  [الكهف:34] وعلاجه أن يتفكر في آفات المال, وكثرة حقوقه, وعظيم غوائله, وإلى أن المال غاد ورائح, ولا أصل له.

الثامن: العجب بالرأي الخطأ, قال تعالى: {أفمن زُين له سوء عمله فرآه حسناً}  [فاطر:8] وعلاجه أشد من علاج غيره, لأن صاحب الرأي الخطأ جاهل بخطئه, ولو عرفه لتركه, وإنما علاجه بالجملة أن يكون متهماً لرأيه أبداً, لا يغتر به.

           كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 4
  • 0
  • 1,947
المقال السابق
ذم الكبر
المقال التالي
ذم الغرور

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً