التوازن في حياة المسلم
التوازن سنة مِن سُنن الحياة، وعنصر مهم للغاية في كل شيء، وسر من أسرار البقاء في الفضاء والمجرات، والكواكب والنجوم، وعالم الحيوان والنبات، والبحار والأنهار، والحياة البشرية والعلاقات الإنسانية.
من بديع صُنع الله تعالى وعجيب قُدرته في هذا الكون الفسيح الذي نشاهدُه - أنه متماسك ومترابط، ومتوازن ومتآلف في كل صغيرة وكبيرة وحركةٍ وسكونٍ، بشكل دقيق، وعجيبٍ يتحير ويندهش أمامه العقل البشري؛ وذلك لحكمة ربانية أرادها الله تعالى، وسيبقى هذا التوازن المتْقن والانسجام التام سببًا لاستمرارية الحياة وبقائها على وجه المعمورة إلى أن يشاء الله تعالى.
فالتوازن سنة مِن سُنن الحياة، وعنصر مهم للغاية في كل شيء، وسر من أسرار البقاء في الفضاء والمجرات، والكواكب والنجوم، وعالم الحيوان والنبات، والبحار والأنهار، والحياة البشرية والعلاقات الإنسانية.
وقد أشار القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة إلى مبدأ التوازن في كثيرٍ من النصوص وبيان حكمته، فقال تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3]؛ أي: جعل لكل شيء وقتًا ومقدارًا، لا يتعداه ولا يقصر عنه؛ كما قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره، وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، قال البغوي: قال الحسن: قدر اللهُ لكل شيءٍ منْ خلقه قدرَه الذي ينبغي له.
ومن أمثلة التوزان في الكون من حولنا الانسجامُ الدقيق بين حركة الأرض حول الشمس؛ حيث إنها تدور حول الشمس بسرعة تصل إلى ثلاثين كيلو مترًا في الثانية في مسار ثابت ومحدد، والتناغم العجيب بين الشمس والقمر، وبين الأرض والسماء، وبين الليل والنهار، والحياة والموت، وحتى بين أصغر ذرة وأخرى من ذرات الكون؛ مما يدل دلالة واضحة على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وقدرته وحكمته وسَعة علمه؛ قال تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
والمسلم مطالب بالتوازن والاعتدال في حياته اليومية، من التوازن بين العبادات والمباحات، وبين حقوق الأهل والعمل، وبين الراحة والتعب، وبين الحياة الفردية والاجتماعية، وبين الشدة والرأفة، والمزاح والجد، ودعوة الناس بالحكمة وقوة الدليل، والتوازن في الحب والكُره، وبين النقد وروعة الأسلوب، والتوزان بين قول: نعم، ولا، وبين العمل الدنيوي والحرص على الآخرة، وبين المبادرات وردود الأفعال.
قال الشاعر:
فكنْ على حالةٍ وسْطى تكن رجلًا *** بالجد متسمًا بالبِشر مبْتسمَا
ومن فوائد التوازن أن يسعد الإنسانُ في حياته، بعيدًا عن الكآبة والضجر، والإحباط والملل، ويعيش حياة هادئة سمحة راضية متفائلة، ذات أمان داخلي وخارجي، وأن يسيطر بإذن الله تعالى على الحالة النفسية السيئة والقلق الناتج عن إخلال التوازن في عجلة الحياة.
وحتى نستمتع بالتوازن المناسب، ونتمكَّن من التعامل مع الظروف المحيطة بنا، لا بد أن نراجع حساباتنا في جوانب الحياة كافة، وعلى رأسها الجانب الديني أو الروحي، أو علاقتنا بالله تعالى والتزامنا بدينه؛ حيث إن تحسين هذا الجانب هو الأساس الذي يُبنى عليه صرح السعادة، وإن القصور أو الفتور فيه سببٌ رئيس لضنك العيش والشقاء!
كما يجب ألا نغفل بقية الجوانب للحياة من الجانب الاجتماعي والأسري وعلاقتنا بالأهل وذوي الأرحام، والجانب العقلي وعنايتنا بالثقافة والمعرفة، كذلك الجانب المالي، والتوازن بين الإيرادات والمصروفات، فنسترشد فيه بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67].
ولا ننسى الجانب الصحي أو الجسدي، والمهني أو الوظيفي، وذلك بأن نعطي كل جانب حقَّه ووقته، ونراعي التوازن، فكل ما زاد عن حدِّه انقلب إلى ضده كما تقول الحكمة.
يقول الشاعر:
ألا فاسْتَقِمْ في كل أمرِكَ واقتَصِدْ ** فذلك نَهْجٌ للصراطِ قَوِيــمُ
ولا تكُ فِيْه مُفْرِطًا أو مُفَرطًـــــــا ** كلا طرَفي كل الأمورَ ذَمِيمُ
يقول المثل الإنجليزي: الاعتدال لجام ذهبي، لكننا لو أتينا إلى الحياة العملية، لأدركنا أن البعض منا يهتم بجانب واحد في عجلة حياته، ويترك بقية الجوانب، فمثلًا يهتم بتطوير نفسه ومواهبه، وينهمك في أعماله وتجارته، ولكن كل ذلك على حساب أسرته وتربية أولاده، والجلوس معهم، وهذا خطأ واضح في التوازن.
والآخر يهتم بصحته ورشاقته، وينتقل من نادٍ إلى آخر، ولكن للأسف لا يبالي بتعلُّم دينه وواجبه نحو ربِّه ونبيه صلى الله عليه وسلم.
وصنف ثالث لا يراعي التوازن بين الحقوق والواجبات، فيطلب مثلًا أخذ حقوقه كاملةً؛ مثل: الرواتب والعلاوات والمكافآت، ولكن نراه في المقابل لا يهتم بالواجبات المنوطة به من العمل والأداء والإنجاز؛ مما ينافي التوازن كذلك.
شمعة أخيرة:
ورد في الحديث الصحيح: «إن لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ»؛ (رواه البخاري: 1968).
_____________________________________________________________
الكاتب: د. سعد الله المحمدي
- التصنيف: