حتى لا تتَّسِعَ الأمِّيَّةُ الشرعيّةُ في صفوف أجيالنا!

منذ 3 ساعات

هجمةٌ شرسة على مناهج التربية الإسلامية: دمجٌ لعلومها، وتقليصٌ لحصصها، وتحويرٌ لمفرداتها، وتسطيحٌ لمحتواها، حتى أصبح الناشئةُ يواجهون فجوةً معرفية هائلة في أصول دينهم

لقد طُفتُ – بحمد الله – بلادًا كثيرة، وجالستُ دعاةً ومربين من دولٍ لم تطأها قدمي بعد، فرأيتُ مشهدًا مقلقًا يتكرر في معظمها؛ هجمةٌ شرسة على مناهج التربية الإسلامية: دمجٌ لعلومها، وتقليصٌ لحصصها، وتحويرٌ لمفرداتها، وتسطيحٌ لمحتواها، حتى أصبح الناشئةُ يواجهون فجوةً معرفية هائلة في أصول دينهم، وفيما لا يسع المسلمَ جهلُه من أحكام شريعته وقواعد عبادته ومعاملاته، وما ينبغي أن يتحرّز منه من الشرك والبدع والمُنكرات.

ولم تقف يد العبث عند هذا الحد، بل طالت مواد السيرة والتاريخ واللغة، فغدا الطالب جاهلا بأفانين لغته "لغة القرآن"، ويدرس تاريخًا بلا روح، وبلا سيرة تصنع القدوة، وبلا خلفاء راشدين، ولا حضارة زاهرة، ولا أعلام شامخين، ولا فتوحاتٍ وإنجازاتٍ حضارية غيرت وجه التاريخ، وساهمت بقوة في صنع مجد الإنسانية.

وما نراه اليوم ليس غريبًا عن سياق التاريخ القريب؛ فالمسلمون مرّوا بموجات مشابهة من التجهيل المنهج بأحكام دينهم وحضارتهم.

ففي إفريقيا جنوب الصحراء، ومع اجتياح المحتل الأوروبي منذ مطلع القرن التاسع عشر لبلدانهم، أوكل المحتل شؤون التعليم إلى الإرساليات الكنسية، وكانت أولى خطواتها لسلخ الأبناء عن دينهم اشتراط تغيير أسمائهم. وبالطبع فقد رفض عامة المسلمون ذلك بإباء، وقبله عامة الوثنيين، فبادر المسلمون إلى إنشاء مدارس أهلية شرعية تحفظ لأبنائهم هويتهم الدينية.

ومع مرور الزمن اتَّسع الشرخ؛ فحُرم أبناء المسلمين من العلوم الطبيعية والرياضية التي احتكرها التعليم الرسمي، حتى إذا انقشع الاستعمار – منذ ستينيات القرن الماضي تقريبا – فنشأت عند المسلمين ثقافة تربوية تعليمية جديدة، مؤداها: أن الأسرة هي الحاضن الأول لتعليم الدين، وأن على الآباء إلحاق أبنائهم بحِلَقٍ ودروس إضافية في المساء وعطلات نهاية الأسبوع ونهاية العام، فاستطاعوا الجمع بين التعليم الديني والتعليم الدنيوي، وحفظوا – بعد توفيق الله – كثيرا من هوية أجيالهم من الضياع.


والتجربة ذاتها، وإن بصيغة مختلفة ووجه مختلف، عاشتها شعوب الجمهوريات الإسلامية في وسط آسيا تحت الحكم السوفيتي، حين حوربت العربية، وضُيّق على المساجد، وحُظر التعليم الشرعي، فحملت الأسر وما سمي بالحجرات ودعاتها الأنقياء العبء الأكبر في حماية جذوة الإيمان واللغة والقرآن الكريم هناك.

ومع أنّ كثيرًا من شعوب أمتنا كانت تستغني – سابقًا – بالمناهج الرسمية عن أي جهدٍ إضافي في تعليم أبنائها علوم الدين؛ لسلامة تلك المناهج وقيامها مقام الواجب، فإن الواقع اليوم قد تغيّر جذريًا، وما زال في كثير من الدول يسير بمضي السنيين نحو مستقبل أكثر تجريفا. 

وفي المقابل، فما زالت الأسر تستثمر إجازات الأسبوع ونهاية العام في تعليم أبنائها اللغات الأجنبية والمواد العلمية المعقّدة، بينما تُهمل – غالبًا – ما هو أولى وأوجب: ربطهم بكتاب الله : حفظا وتدبرا، وتعليمهم دينهم، وبناء وعيهم الشرعي، وربطهم بسيرة نبيهم ﷺ وتاريخ أمتهم.

وهنا يتأكد الواجب الملحّ على أهل الفكر والدعوة والمربين بالبدار إلى صناعة وعي جديد، وصياغة ثقافة مجتمعية راسخة مفادها: أن تعليم الأبناء مبادئ الإسلام وأحكامه الأساسية مسؤولية الأسرة قبل غيرها، إضافة إلى التوسع في رسم خطوط بينة لمناهج ومقررات تعليمية جديدة، وتعليم حديث يناسب المرحلة، وابتكار آليات وأدوات جديدة لتدريس القرآن وتعليم أحكام الدين والثقافة الإسلامية تسهل السبل - من خلال نمذجة الأدوات والوسائل- أمام الأسر للقيام بهذا الواجب المتحتم – أيًّا كان مستواها.

وبلا شك، فإن لم نفعل ذلك اليوم، فسنفيق – لا قدر الله – غدا على أجيال لا تعرف من دينها إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، وعلى نشء منقطع عن معرفة أصول الملّة وقطعيات الدين، وجاهل بتاريخ أمته وحضارته ورجاله ومفاخره.
وأما كيف سيتم تأهيل علماء المستقبل، وسد الفراغ في هذا الباب، فذاك واجب آخر في تسطير آخر بإذن الله تعالى.
والله الهادي.

  • 0
  • 0
  • 22

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً