هل هذا غش؟

منذ 2013-03-26
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبٌ جامعيٌّ، قُمتُ أنا وزميلي بإنجاز بحثٍ للحصول على شهادة الإجازة - ليسانس - وخلال العمل في البحث، واجهتُ مشكلةً مع برنامجٍ معلوماتي؛ كان عليَّ تقديمُهُ خلال تقديم العمل أمام لجنة مِن الأساتذة، هذا البرنامج قمتُ بإعدادِه على الكمبيوتر، لكني واجهتُ صُعُوباتٍ بالغةً معه؛ حيث كان يُعطيني نتائج صحيحة، وأخرى خاطئة، قمتُ بأخْذ النتائج الصحيحة، واستعملتُها في بحثي، وقمتُ بإخبار الأستاذ المُشرِف عليَّ بالمشكلة - والذي هو عضوٌ في اللجنة التي ستمنحنا النقطة - فأمرني بأخْذ النتائج الصحيحة وترْكِ الخاطئة.
المشكلة في الموضوع هي أنني أخاف أن أكون قد غَشَشْتُ، فأحصُلُ على شهادة، ويكون المالُ الذي سآخذه بعد العمل حرامًا؛ علمًا بأني قمتُ قبل تقديم البحث بإخبار أستاذَيْنِ مِن اللجنة التي ستقيِّم عملي، وتمنحنا النقطة على البحث، والتي تتكوَّن من ثلاثة أساتذة، وكنتُ أخاف مِن الوقوع في الغشِّ، فهل هكذا أكون قد أدَّيتُ ما عليَّ؟
أخاف أن أكونَ قد غَشَشْتُ؛ فأنا أتعذَّب كثيرًا، وأنا مُصابٌ بالوسواس القهريِّ، وتأتيني وساوسُ بأنني سأحصُلُ على المال الحرام بهذه الشهادة، وأعيش في الحرام دائمًا، أرجوكم ساعدوني.
الإجابة: الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيكَ شفاءً لا يغادر سقمًا، وقبل الدخول في الجواب على استشارتك؛ أحب أن أبيِّنَ لك أن من ابتُلي بالوسواس لا يُلتَفَت إلى شكوكه؛ حتى نصَّ كثيرٌ مِنَ الأئمة المتبَعين وأتباعِهم على ذلك، فلا تَلتَفِت لمسألة الغشِّ في الشهادة، وما توسوسه من حرمة المال الذي ستحصِّله، وغير ذلك مما يُلقِيه الشيطان في نفسكَ؛ ليحزنكَ.
ولتعلم رعاكَ الله أن الوسواس القهري نوعان: نوع طبي؛ تراجع فيه بعض الأطباء المتخصِّصين في الطب النفسي، ولكن عليك بحسن الاختيار.
ونوع من عمل الشيطان؛ يريد به أن يُفسِد دين المسلم وعبادته وإيمانه، ولا شكَّ أن علاج هذا النوع هو دفع تلك الوساوس؛ لأن التمسُّك بها اتباع للشيطان؛ فيجب إبعادها عن النفس، وإهمالها وعدم الالتفات إليها، أو الاستسلام لها.
قال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة: "والوسواس يعرض لكلِّ مَن توجَّه إلى الله، فينبغي للعبد أن يَثبُت، ويَصبِر، ويُلَازِم ما هو فيه مِنَ الذكر والصلاة، ولا يضجر؛ لأنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان؛ {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]، وكلما أراد العبد توجهًا إلى الله بقلبه، جاء الوسواس من أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق؛ كلما أراد العبد أن يسير إلى الله، أراد قطع الطريق عليه" اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي: "للوسواس دواءٌ نافع؛ هو الإعراض عنه جملة، وإن كان في النفس من التردُّد ما كان، فإنه متى لم يُلتَفت لذلك، لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرَّب ذلك الموفَّقون، وأما من أصغى إليها فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرِجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثير ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها، وإلى شيطانها" اهـ.
وقال العز بن عبد السلام: "دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطانيٌّ، وأن إبليس هو الذي أورده عليه، وأن يقاتله، فإن له ثواب المجاهد؛ لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك، فرَّ منه" اهـ.

ومما يعين المرء على دفع الوسواس والتغلُّب عليه:
1- الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء بصدقٍ وإخلاصٍ كي يُذهِب عنكَ هذا المرض.
2- الإكثار من قراءة القرآن، والمحافظة على ذكر الله تعالى في كل حال، لا سيما أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، ودخول المنزل والخروج، ودخول الحمَّام والخروج منه، والتسمية عند الطعام والحمد بعده، وغير ذلك؛ فقد روى أبو يعلى عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان وضع خَطْمَه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خَنَس، وإن نسي التقم قلبَه؛ فذلك الوسواس الخنَّاس".
وننصحك بشراء كتاب "الأذكار"؛ للإمام النووي، ومُعاودة القراءة فيه دائمًا.
3- الاستعاذة بالله مِن الشيطان الرجيم، والإعراض عن وسوسته، وقطع الاسترسال مع خطواته الخبيثة في الوسوسة؛ فذاك أعظم علاج، وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي أحدَكم الشيطانُ، فيقول: مَن خَلَق كذا وكذا؟ حتى يقول له: مَن خلق ربَّك؟ فإذا بلغ ذلك، فليستعِذْ بالله، ولينتهِ"، وعن عثمان بن أبي العاص قال: "يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي؛ يَلبِسها عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أحسستَه، فتعوَّذ بالله منه، واتفُل عن يسارِك ثلاثًا، قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني" [رواه مسلم].
4- الانشغال بالعلوم النافعة، وحضور مجالس العلم، ومجالسة الصالحينَ، والحذَر من مجالسة أصحاب السوء، أو الانفراد والانعزال عن الناس.
5- هذا وأنصحك بعرْضِ نفسك على طبيب نفسيٍّ مُتقِن.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 4
  • 0
  • 33,820

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً