قطعتُ علاقتي بشاب، وأخشى أن يُصيبَني بأذًى!

منذ 2013-04-29
السؤال: أنا فتاة مُلتزمة، متعَلِّمة، من عائلة محترمة ومعروفة بالدِّين والالتزام، تعرَّفْتُ على مجموعةٍ من الفتيات مِن خلال الدِّراسة، وكانتْ أخلاقهنَّ سيئةً، فتأثرتُ بأخلاقهنَّ قليلًا!
أُعْجِب بي شابٌّ مِن زُملاء الدِّراسة، وعرَفت الفتياتُ وعرف كثيرٌ من أصدقائنا في الدراسة بما حدث، ولكني خفتُ مِن اتساع الأمر ومعرفة أهلي بعلاقتي بالشابِّ، فقطعتُ علاقتي به، وتُبتُ إلى الله، واستقمتُ، ورأيتُ رؤى تدلُّ على قبول التوبة.
حاوَل أن يُكلمَني، ولكني أهملتُه تمامًا؛ فأخْبرتْني فتاةٌ بأنَّه ينوي لي على شرٍّ، وقد قربت امتحاناتي، ولا أستطيع التَّركيز في الدِّراسة نهائيًّا، وأخشى أن أفشلَ فيها، وأن يُصيبني منه أذًى، أنا في حيرة ماذا أفعل؟
الإجابة: الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فالحمدُ للهِ الغفورِ الرحيم، الذي مَنَّ عليكِ بالتوبة، وسرعة الأوبة، والحمدُ لله الذي عَصَمَكِ من التمادي في هذا الطريق المظلم، ولْتعلمي رعاكِ الله أنَّ مِن تمام توبتِكِ أن تقطعي علاقتك بتلك الفتيات السيئات؛ فالمرءُ على دين خَليلِه، والصَّاحب ساحِبٌ، والطبائع سرَّاقة، كما أنه لا يحسُن بك بعد تلك الرُّؤى التي هي عاجلُ بُشرى المؤمن؛ كما أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن تتشككي في توبتك.
واللهُ تعالى يفرح بتوبة عبده إذا جاءه تائبًا نادمًا على تفريطه في جنب الله، عازمًا على عدم العودة إلى المعصية أبدًا، فإن الله لا يتعاظَمُه ذنبٌ أن يغفره؛ قال الله تعالى في الحديث القدسي: "يا ابنَ آدمَ، لو بلَغَت ذنوبُك عَنانَ السماءِ، ثم استغفرتني، غفرتُ لك، ولا أبالي".

ولا تلتفتي لتهديدات ذلك الشابِّ، وتوكَّلي على الله؛ فهو حسبُكِ ونعم الوكيلُ، واستعيني بالله، ولا تُصغي للتهديدات أبدًا، واعلمي أيتُها الصغيرةُ أن رُكنَ اللهِ شديدٌ متينٌ، وأنكِ إن أويتِ إليه، ولجأتِ إلى جانبه، فإنه يحفظُك ويستُرُك، ويُدافِعُ عنك؛ قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 38]، وقال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ . وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} [الزمر: 36، 37]، واستعيني بالصبر، والدعاء في ثلث الليل الآخر، وقتَ النزول الإلهي، قال صلى الله عليه وسلم: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟" [رواه مسلم].
فاسأليه - سبحانه وتعالى - أن يكفيَك ويحميَكِ منه، وأكثري من قول: "حسبي الله ونعم الوكيل"، وقول: "لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنتُ من الظالمين"، وقول: "وأفوِّض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد"؛ قال الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ . إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 173 - 175]، وتأمَّلي رعاكِ اللهُ كيف أنجى الله مؤمنَ آل فرعون لمَّا لجأ إليه، واعتَصَم به، وألقى أُمُوره كلَّها لديه، وتوكَّلَ عليه في مصالِحِه، ودفع الضرر الذي يصيبه من فرعون قومه؛ ليقينِه أنَّ الله يعلم حالَه، وضعفَه، فيمنعه منهم، ويكفيه شرَّهم، فهم لا يتصرفون إلا بإرادته ومشيئته؛ {فسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى الَهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوَقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر: 44، 45]، فَوَقَى اللهُ القويُّ الرحيمُ ذلك الرجلَ المؤمنَ الموفَّقَ شُرُورَ ما مكر فرعونُ وآلُهُ وجنوده له؛ من إرادةِ إهلاكِه وإتلافِه؛ لأنه بادَأَهُم بما يكرهون، وأظهَر لهم الموافقةَ التامَّة لموسى عليه السلام ودعاهُم إلى ما دعاهُم إليه موسى، وهذا أمرٌ لا يحتَمِلونه، وهم الذين لهم القدرةُ إذ ذاك، وقد أغضبهم، واشتد حَنَقُهُم عليه، فأرادوا به كيدًا، فحفظه الله من كيدهم ومكرهم، وانقلب كيدُهم ومكرُهم على أنفسِهم، {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [غافر: 45]؛ أغرقهم الله تعالى في صبيحةٍ واحدةٍ عن آخِرِهم.
وحافظي على أذكار الصباحِ والمساءِ، وقراءة سورة: قل هو الله أحد، والمعوذتين؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "قل هو الله أحدٌ والمعوذتين حين تمسي، وحين تصبح - ثلاثَ مراتٍ - تكفيكَ من كل شيءٍ" [رواه أبو داود].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ" [رواه الترمذي].

وختامًا؛ أسأل اللهَ ربَّ السمواتِ السبعِ وربِّ العرشِ العظيمِ أن يكون لكِ جارًا من هذا الشابِّ وغيره، أن يَفرُطَ عليكِ أو أن يَطغَى، عزَّ يا ربِّ جارُكَ، وجلَّ ثناؤك، ولا إله إلَّا أنت.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 0
  • 0
  • 14,744

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً