التوبة والزواج بعد الوقوع في الزنا

منذ 2017-01-13
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لي صديقةٌ تقدَّم لخطبتها أحدُ أقاربها، على دينٍ وخُلُق، لكن المشكلة أنها مارست الجنس عدة مرات، ولم تكن تعلَم شيئًا عن العُذْرِيَّة.

هي الآن تابتْ توبةً نَصوحًا، وحجَّتْ بيتَ الله، وهي في حَيرةٍ مِن أمرِها، هل تُخْبِر المتقدِّم لها أو لا؟ وهل إذا لم تُصارحه يُعَدُّ هذا غشًّا؟ وماذا تفعل إذا سألها زوجُها ليلة الدُّخْلة؟ وبِمَ تُخْبره؟

أفيدوني أفادكم الله، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فإنا للهِ وإنا إليه راجعون، والحمدُ لله الذي وفَّقَ تلك المرأة للتوبة، والعودة إلى الله، فالتوبةُ النَّصوحُ تمحو أثَر الذنب، والمرادُ بالتوبة النصوح هي التي يعقِدُها العبدُ لله، ويريد بها وجهه، والقُربَ منه، ويستمرّ عليها في جميع أحواله؛ أي: أن تتوبَ مِنَ الذنب، ثم لا تعود إليه أبدًا، وهي - أيضًا - توبةٌ عامَّةٌ شاملةٌ للذنوب كلِّها.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8].

والتائبُ مِن الذنب كمَن لا ذنبَ له، وقد نَصَّت الآياتُ القرآنيةُ على قَبول توبة الزُّناة، وتبديل سيئاتهم حسنات، كما بينت خطورة عقابهم إن لم يتوبوا؛ قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 68 - 70].

ولْتُراجع على شبكتنا الاستشارات: "كيف أشعر بالتوبة؟"، "كيفية التوبة"، "شؤم الزنا".

وعلى كل حالٍ - وكيفما قلنا - فعلى تلك المرأةِ أن تسترَ على نفسها، ولتستترْ بستر الله، وتخلصْ لله في التوبة، وتكثرْ مِن الأعمال الصالحة، ولا تخبرْ أحدًا بما فعلتْ؛ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيها الناس، قد آن لكم أن تنتهوا عن حُدود الله، مَن أصاب مِن هذه القاذورات شيئًا فليستترْ بستر الله؛ فإنه مَن يُبْدِ لنا صفحته نُقِمْ عليه كتاب الله»؛ رواه مالك في الموَطَّأ.

وروى أحمدُ وغيرُه عن عبدالله بن مسعودٍ قال: جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني أخذتُ امرأةً في البستان، ففعلتُ بها كل شيءٍ، غير أني لم أجامعْها، قبَّلتها، ولزمتها، ولم أفعلْ غير ذلك، فافعلْ بي ما شئتَ، قال: فلم يقلْ له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، فذهب الرجلُ، فقال عمر: لقد ستر الله عليه، لو ستر على نفسه، فأتبعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره، ثم قال: « رُدُّوه عليَّ»، فردوه، فقرأ عليه: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ» [هود: 114]، قال: فقال معاذ بن جبلٍ: أَلَهُ وحده يا نبي الله؟ أم للناس كافةً؟ قال: «بل للناس كافةً».

وأقول لتلك المرأة: لا يلزمك أن تخبري مَن يتقدَّم للزواج منك بما وقعتِ فيه من المحرَّمات، ولا بزوال بكارتك إن كانتْ قد زالت.

فتوكَّلي على الله، واقبلي الخاطبَ، واكتمي الخبرَ، واستري على نفسك، وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بجواز كتمان هذا الأمر، والستر على النفس، وإن سألك الزوجُ فلا تخبريه بشيءٍ من ذلك مهما حدَث، ومهما بدَا لك تقبُّله للأمر، ومهما أخبرك بأنه لا يهتم لذلك، أو يقدر ظروفك، ويتعاطف معك، تذكَّري ذلك جيدًا، بل استري على نفسك، وأخبريه أنه قد تذهب البكارةُ بالوثبة أو الحيضة - كما رَوَتْ عائشة - رضي الله عنها - وأظهري مِن نفسك الثقة، وحسن الظَّن، ولا تُبَيِّني له الخوف والقلق، وسيزول الأمرُ، وينتهي نقاشه بعد أن يستشعرَ ويرى منك حُسن الخُلُق، ونقاء السريرة، وقد لا يعلم شيئًا ولا يُجادل.

كما لا يلزمكِ أن تخبري خطيبكِ بماضيكِ؛ لأنه مِن المستحيل أن يقبلَ رجلٌ بما وقعتِ فيه إلا ما ندر، والله قد ستر عليكِ، وأنتِ مأمورةٌ بالستر على نفسك، كما سبَق بيانه.

ولتتوكَّلي على الله، ولتفوضي أمركِ إليه، واتركي الأمرَ كله لله وحده، وعلى قدر صدقِك ستأتيكِ المعونةُ منه، ولْتُكْثِري مِن الدُّعاء والبكاء بين يديه سبحانه الحنَّان المنَّان أن يستركِ، فإذا وُفِّقْتِ لهذا فلتبشري بفرجٍ مِن الله - جل وعلا - الستير الذي يحب الستر.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 8
  • 1
  • 45,126

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً