مشكلة تأخير الملكة

منذ 2017-03-11
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شابٌّ في منتصف العشرين، الحمد لله جاهز ماديًّا ونفسيًّا للزواج، تقدمتُ لخطبة فتاة، ووافقتْ ووافَق أهلها على الخطبة، لكن وضعوا شرطًا وهو الانتظار لمدة عامين إلى أن تتَّم دراستها!

نظرًا للمُمَيِّزات التي وجدتُها في هذه الفتاة وأهلها وافقتُ مُضطرًّا على الشرط؛ لأني وجدتُ أنها لا تُعَوَّض - من وجهة نظري!

المشكلة أنني أريد الزواج، ولا أستطيع أن أبقي عَواطفي ومَشاعري طيَّ الكتمان لمدة عامين، وبالطبع لا أستطيع أن أعبرَ عما بداخلي إلا بعد أن تصبح زوجتي.

خطيبتي تتعامل معي بحرص شديدٍ؛ لأنها خائفة مِن أن نعصي الله، وأنا مُستعدٌّ للعقد عليها لتصيرَ زوجتي؛ لأني أثق فيها ومتأكِّد منها، لكن أهلها يَشترطون أن الملْكة تكون قبل الزواج بشهر واحدٍ، ويُصِرُّون على هذا الشرط!

لا أعلم لماذا هذا الإصرار؟! مع أن الأصل في الشرع أن يكون العقدُ بمجرد الرؤية الشرعية، والتأكد من الطرفين، لكن للأسف هذه عاداتٌ وتقاليد لا أستطيع تغييرها.

أنا فعلاً مَفْتُون بكثيرٍ مِن الإغراءات والفتيات التي أتعامل معهنَّ، ودائمًا ما تحدثني نفسي والشيطان بأن أقيمَ عَلاقات تَسْلية مع الفتيات لأعوِّض ما بي مِن حرمان عاطفي.

أنا متديِّن واخترتُ طريق الحلال، لكن نفسي ضعيفة.

ولا أعلم ماذا أفعل لأقنع أهل خطيبتي بالعقد؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فالذي يظْهَر مِن كلامك - أيها الابن الكريم - أنك قد أحسنتَ الاختيار فعلاً لشريكة حياتك، وأنها تستحقُّ أن تصبرَ كل هذه المدة الطويلة؛ وإن اعتبرتَها أنت مجافية للشرع فقد يراها غيرُك مما سكت الشرع عنه، وترك تقدير الأمر فيها وتقدير المصالح والمفاسد للولي ولمستجدَّات الزمان، فالشارعُ الحكيم شرع الخطبة لمن أراد الزواج؛ فقال تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235]، وروى البخاري عن عُرْوَةَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك، فقال: «أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال».

وبَيَّن صلى الله عليه وسلم شُروطَ الخطبة وأحكامها، ورغَّب مَن أراد الخطبة بالنظَر إلى المخطوبة، كما في الحديث الصحيح: «إذا خطَب أحدُكم المرأة، فإنِ استطاع أن ينظرَ إلى ما يَدْعوه إلى نكاحِها فلْيَفْعَل»؛ رواه أبو داود.

إلا أنه لا توجد في الشريعة الإسلامية إجراءاتٌ محددةٌ يجب اتباعها في الخطبة، ولا أعلم دليلاً صحيحًا ولا ضعيفًا يُلزم الولي بإتمام العقد بعد الخطبة مباشرة، أو يحد في ذلك حدًّا معينًا، فكلُّ ذلك هو مِن باب العادات التي هي مباحة في الأصل، ولا يحرم منها إلا ما دلَّ الشرع على تحريمه.

فهوِّنْ عليك، وتحلَّ بالصبر، واستعِنْ بالله في تلْيين قلب والد خطيبتك، واستمرَّ في محاولات إقناعه بالموافقة على عقد الزواج.

أما مشكلةُ مَن تتعامل معهنَّ من النساء، فعليك بالدواء الناجع، وهو غضُّ البصر، فالنظرُ أصلُ عامَّة الحوادث التي تُصيب الإنسان، فإنَّ النظرة تولِّد خطرةً، ثم تولِّد الخطرة فكرةً، ثم تولِّد الفكرة شهوةً، ثم تولِّد الشهوة إرادةً، ثم تقوى فتصير عزيمةً جازمةً، فيقع الفعل ولا بدَّ، ما لم يمنعْ منه مانعٌ.

وفي هذا قيل: الصبرُ على غضِّ البصرِ أيسرُ مِن الصبر على ألم ما بعده.

وقال الشاعر:

كُلُّ الحَوَادِثِ مَبْدَاهَا مِنَ النَّظَــــرِ        وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّــرَرِ

كَمْ نَظْرَةٍ بَلَغَتْ مِنْ قَلْبِ صَاحِبِـهَا        كَمَبْلَغِ السَّهْمِ بَيْنَ القَوْسِ وَالْوَتَــــرِ!

وَالعَبْدُ مَا دَامَ ذَا طَرْفٍ يُقَلِّبُـــــــهُ        فِي أَعْيُنِ الغِيدِ مَوْقُوفٌ عَلَى الخَطَرِ

يَسُرُّ مُقْلَتَهُ مَا ضَرَّ مُهْجَتَــــــــــهُ        لاَ مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّــــــــرَرِ

 

ومِن آفات النظر: أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات، فيرى العبد ما ليس قادرًا عليه، ولا صابرًا عنه، وهذا من أعظم العذاب؛ أن ترى ما لا صبر لك عن بعضه، ولا قدرة لك على بعضه؛

قاله ابن القيم في الداء والدواء، ط المجمع (1/ 350)، إلى أن قال:

وأما الخطَرات: فشأنُها أصعبُ؛ فإنها مبدأُ الخير والشر، ومنها تتولَّد الإراداتُ والهِمَمُ والعزائمُ، فمَن راعى خطراته ملَك زمام نفسه وقهر هواه، ومَن غلبتْهُ خطراته فهواه ونفسُه له أغلب، ومَن استهان بالخطرات قادتْهُ قهرًا إلى الهلكات، ولا تزال الخطراتُ تتردد على القلب حتى تصيرَ مُنًى باطلة؛ {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].

وأَخَسُّ الناس همَّةً، وأوضعُهم نفسًا، مَن رَضِيَ من الحقائق بالأماني الكاذبة، واستجلبَها لنفسه، وتَحَلَّى بها، وهي - لَعَمْرُ الله - رُؤُوس أموال المُفْلِسين، ومَتاجرُ البَطَّالين، وهي قوتُ النفس الفارغة، التي قد قنعتْ مِن الوصل بزورة الخيال، ومن الحقائق بكواذب الآمال، كما قال الشاعر:

أَمَانِيُّ مِنْ سُعْدَى رُوَاءٌ عَلَى الظَّـمَا        سَقَتْنَا بِهَا سُعْدَى عَلَى ظَمَأٍ بَرْدَا

مُنًى إِنْ تَكُنْ حَقًّا تَكُنْ أَحَسَن المُنَى        وَإِلاَّ فَقَدْ عِشْنَا بِهَا زَمَنًا رَغْــــدَا

وهي أضرُّ شيءٍ على الإنسان، وتتولَّد مِن العجز والكسل، وتُوَلِّد التفريطَ والحسرةَ والنَّدَم، والمتمنِّي لما فاتتْه مباشرةُ الحقيقة بجسمه حوَّل صورتَها في قلبه، وعانَقَهَا وضمَّها إليه، فقَنَع بوصال صورةٍ وَهْمِيَّةٍ خياليةٍ صوَّرها فِكْرُه، وذلك لا يجدي عليه شيئًا، وإنما مَثَلُهُ مثَلُ الجائع والظمآن، يُصوِّر في وهْمِه صورة الطعام والشراب، وهو لا يأكل ولا يَشْرَب.

والسكونُ إلى ذلك واستجلابُه يَدُلُّ على خَساسة النفس وَوَضاعتها، وإنما شرفُ النفس وزكاؤُها وطهارتُها وعُلوُّها بأن ينفيَ عنها كل خطرةٍ لا حقيقةَ لها، ولا يرضى أن يخطرَها بباله، ويأنف لنفسه منها".

ومما يعينك على الصبر أن تملأ وقتك بما يعود عليك نفعُه في دينك ودنياك مِن العلوم النافعة والأعمال الخيرة، واستَعِنْ على ذلك بالله تعالى، ثم بِمُصاحَبة الأخيار، فالمَغْبُون مَن ضيَّع وقتَه فيما لا يعود عليه بالنفع، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مَغْبُونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصِّحَّة والفراغ»؛ رواه البخاري.

وقال أيضًا: «إن الله تعالى كريمٌ يُحِبُّ مَعالي الأخلاق، ويكره سَفْسافَها»؛ رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، والحاكم، وصححه الألباني.

وفقك الله وجمع بينك وبين خطيبتك في خيرٍ.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 0
  • 30,900

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً