زوجي هجرني بعد زواجه الثاني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا سيدة متزوِّجة منذ أكثر مِن عشرين عامًا، ولديَّ أطفال، عشتُ مع زوجي أجمل سنوات في حياتي، تربيتُ في كنَفِه وأنا صغيرة، وكبرْنا، وكافحْنا معًا مِن الصفر حتى وصلنا إلى القمة!
بمجرد أن وصلْنا كانتْ مكافأته لي أن تزوَّج عليَّ امرأةً أخرى بدون علمي، وكان وقتها يدَّعي أنه سيسافر لعمل، تزوَّج عليَّ فمرضتُ مرضًا شديدًا، لكني تقبلتُ الوَضْع، ولم أعترضْ على ما أحلَّه الله، بل كنتُ أشارك أهلَه في استقباله واستقبال زوجته الجديدة!!
كنتُ أظنُّ أنها ستكون أختًا لي، لكن لم يَمرَّ أسبوعٌ على الزواج الجديد حتى بدأتْ تَكيد المكايد لي ولأولادي؛ فكانتْ تكذِب عليَّ وعلى أولادي، حتى تَغيَّر زوجي عليَّ وعلى أولادي تغيُّرًا شديدًا؛ فلم يعدْ يسأل عنا، ولم يعدْ يهتم بأولاده، ولا يُنفق عليهم... إلخ.
حاولتُ التقرُّب إليها، واشتريتُ لها هديةً، ودعوتُها لنكونَ كالأخوات، لكنها رفضتْ رفضًا نهائيًّا، وأخبرتْني بأنني وأولادي بالنسبة لزوجي أصبحنا ماضيًا لا قيمةَ لنا، ثم اتهمتْني في شرفي، حتى وصل بها الحال إلى أن سبَّتني!
اتهمتني بأنني أُرسل لها رسائلَ قبيحة، وأرتْها لزوجي، والله يعلم أني لم أفعلْ، وكنتُ بريئةً، لكن زوجي أَصَرَّ على أنني مَن فعَل ذلك، واتهمني بأنني أوقع بينهما، ثم اتضح أنها هي مَن فعلتْ ذلك مِن هاتف آخر.
أصبح زوجي جالسًا عندها، لا يُنفق عليَّ أو على الأولاد، بل كان مقصِّرًا تقصيرًا شديدًا في حقنا، وفي علاقتنا الزوجية والأسرية.
لم تنجبْ زوجتُه فاتَّهَمَتْني بأنني صنعتُ لها سحرًا، وأنا أُعلن أمام الله براءتي مِن كلِّ ما نسبتْه إليَّ مِن تُهَمٍ!
أخذ كل ملابسه من البيت، ولم يعدْ يأكل أو يشرب في بيتي، ومنذ أربع سنوات وإلى الآن لم يَزُرْني أنا والأولاد، وأنا مَن أعمل وأُنفق على أولادي! والحمدُ لله الأولادُ متفوِّقون في دراستِهم، ومن الأوائل باستمرارٍ، وما زلتُ صابرةً، وأملي كبير في أن يعودَ إلى رُشْدِه وإلى بيته وأبنائه، فهم لا يستحقُّون منه كلَّ هذا.
لا أكذب عليكم فأنا أحبُّه؛ فهو أولُ إنسان عرفتُه في حياتي، وكبرتُ معه، وكلما فكرتُ في الطلاق ظهر لي وضْع أبنائي وحالهم، فعلى الرغم من كلِّ ما يفعل فهم يُحبون والدَهم؛ لأنني لم أُرَبِّهم على كرهِه، بل على العكس أطلُب منهم باستمرار الاتصال به، والسؤال عنه!
أحيانًا أشعر بأنه عاد إلى صوابه؛ فأجده يسأل عنا ويشتري الهدايا لأبنائه، ولا يَمُر أسبوعان حتى يعودَ ويغيب عنا بالأشهر، وتنقطع أخباره!
طلبتُ منه مُؤخرًا الطلاق عدة مرات، لكنه رفَض رفضًا قاطعًا!
استشار أحد الشيوخ، وأخبره زوجي بأنني أعمل له سحرًا، فأخبره الشيخُ بأني كافرة، وصلاتي غير مقبولة، فآلمني هذا الكلام كثيرًا، فيكف لأحدٍ أن يكفِّرَ إنسانًا ويُخرجه من دينه بغير بينةٍ؟! فكان الواجبُ أن يسمعَ من الطرفين، فالله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، والحمدُ لله أنا مُحافِظة وأصَلِّي الصلاة في أوقاتها، وأربِّي أبنائي التربية الصحيحة، ونقرأ المصحف الشريف، ونقوم بإجراء مسابقات في حِفظه، والحمدُ لله الأولاد أخلاقُهم عالية، وثقافتُهم الدينية جيدة، وجميعُهم يُصلون الصلاة في أوقاتها.
فماذا أفعل؟ أرجو نُصحكم.
وأعتذر عن الإطالة، وجزاكم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فأيتها الأخت الكريمة، كان الله لك ومعك جارًا وحافظاً ووكيلاً وعونًا، وجبر مُصابك، وأصْلَح زوجك، وزادك صبرًا عليه، والحمد لله الذي جعل لك خلَفًا في أبنائك بتديُّنهم، وحُسن خلقهم، وتفوُّقهم الدراسي، اللهم بارك، ثُم مَنَّ الله عليك سبحانه الجواد الكريم بسماحة نفسك، وحُسن خلقك، مما تطفح به رسالتك، فهوِّني عليك؛ فالمرءُ لا يستوعب جميع الخيرات في هذه الحياة الدنيا، فكيف وهي دار امتحان والابتلاء؟!
مشكلةُ زوجك هداه الله هي مشكلةُ بعض الأزواج الذين لا يَخْشَوْن الله واليوم الآخر، فما أن يتزوَّج ثانيةً حتى يزيغَ عن الطريق، ويعدِل عن سواء الصراط إلى نهاية الشر؛ فيميل للجديدة ويظلم زوجته القديمة وأبناءها، وقد نهى الله تعالى عن ذلك؛ فقال: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129]، والمؤمنُ إذا ابْتُلِيَ بذلك توسَّط وعاد إلى الطريق المستقيم بالتوبة النصوح، أما زوجُك فمال ميلاً كثيرًا حتى أصبح لا يُؤدِّي شيئًا مِن حقوقك الواجبة؛ مِن النفقة، والكسوة، والقسم، والعدْل بينكما، وترَك رعاية الأبناء وصَيَّرك كالمعلَّقة، فلا زوجَ لك فتستريحي وتستعدي للتزوُّج، ولا ذات زوج يقوم بحقوقك، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا به.
جزاء مَن لَم يعدلْ أو حاد عن الحقِّ مِن جِنْس عمَله، فيحشره الله على رُؤوس الأشهاد يوم القيامة وأحد شِقَّيْه مائل؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : «مَن كانتْ له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقُّه مائل»؛ رواه أبو داود.
هذا؛ وقد أحسنتِ - بارك الله فيك - أنْ رَبَّيْتِ أبناءك على البِرِّ وحُسن الخلق، حتى ينشؤوا أسوياء، سليمي القلب، ولم تفعلي كما تفعل النساءُ مِن تشويهِ صورة زوجك في نفوس أبنائه، فمع الأسف الأبناء هم مَن يجنون ثمرات التربية الخاطئة، كما ينعمون بالتربية الصحيحة.
الأخت الكريمة، الغريبُ في رسالتك أنك لم تذكري شيئًا ذا بال عن أسرتك وأسرة زوجك في تلك المشكلة التي استعلن فيها الشقاقُ منذ زمن بعيدٍ، ولاح شبَح الخطر وهجَر زوجك البيت، وتخلَّى عن جميع مسؤولياته الشرعية، فأين الأهل مِن كلِّ هذا؟ ولماذا لم يتدخَّلوا حتى الآن لرأب الصدع كما أمرنا الله تعالى في كتابه العزيز: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35]، فالصراعُ بينكما أصبح صراعًا بين خصمَيْن لا يَحْسُن تجاهُلُه، أو السكوت عنه، أو الخُضوع للأمر الواقع، بل يجب تضافُر الجهود لإنقاذ أسرتكم العظيمة مِن الانهيار قبل أن ينفضَ زوجك يديه تمامًا منها، ويدعها تنهار، فإن كان ليس في الأسرتين مَن يَصْلُح للقيام بهذا الدور النبيل، فوَسِّطي بعض العُقلاء من المعارف والوُجهاء؛ عسى الله أن يشرحَ صدر زوجك.
ولكن لا قدر الله إن لم تُجْدِ هذه التدخُّلات ومحاولات الإصلاح فالأمرُ إذًا جدٌّ، وهناك ما لا تستقيم معه هذه الحياةُ، ولا يستقر لها قرارٌ، فهنا يجب التسليمُ لمشيئة الله النافذة، فلله الحكمةُ البالغة في ذلك: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: 30]، فالآلامُ التي تعانينها بالبغي عليك أنت والأبناء ثمنٌ وضريبةٌ للابتلاء الواجب علينا، ولكن عاقبته منفعة زائدة، كان خيرًا لا شرًّا، ومن الحكمةِ في تلك الحال التسليمُ بالواقع، وعدم التعلُّق بالسراب والمحاولات الفاشلة، فأبْغَضُ الحلالِ إلى الله الطلاق.
ولو تأملتِ أيتها الفاضلة الحكمةَ البالغة من الزواج، وأن الله تعالى شاء أن يجعلَ الزوجين في الإنسان شطرين للنفس الواحدة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1]، وأنه سبحانه أراد بالزواج التقاء شطري النفس الواحدة، فيكون هذا اللقاءُ سكنًا للنفس، وهدوءًا للعصب، وطمأنينة للروح، وراحة للجسد، وسترًا وإحصانًا وصيانةً، مع ترقيها المستمرِّ في الرعاية الهادئة المطمئنة.
إذا تأملتِ بارك الله فيك كلَّ هذا ظهَرت لك بجلاء - بعد استفراغ الوُسع للإصلاح ومعاودة المحاولات - حكمةُ العليم الخبير مِن إباحة الطلاق كحلٍّ أخيرٍ في بعض الحالات، حينما يجفُّ قلب الزوج عن العطاء والحبِّ والتجمُّل ويُؤْثِر الظلم؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، وقال: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، وقال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة: 223]، وقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21].
هذه الآياتُ وغيرها كثير، والسُّنَّةُ النبويةُ المشرَّفةُ مَليئةٌ أيضًا ببيان ما ينبغي أن يكونَ عليه البيتُ المسلم.
أما الشيخ المذكور فحالُه لا يختلف كثيرًا عن حال بعض شيوخ زماننا مِن الجهلِ والظُّلْمِ والسعي في هدْمِ الأُسَرِ، واللهُ الموعد.
وفقك الله لكل خيرٍ، وقدَّر لك الخير حيث كان.
- التصنيف:
- المصدر: