هل التفكير في الماضي يؤثر في التوبة؟
فتاة كانت على علاقة بشابٍّ، ثم تركته خوفًا من الله، وتابت، لكنها كلما تذكرت هذا الأمر، أو رأت ذلك الشاب يضيق صدرها، وتشعر بأنها عادت للمعصية، وتسأل: ما النصيحة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
قبل سنتين كنتُ في غفلة، وأحببتُ شابًّا وتركت علاقتي معه؛ خوفًا من الله، وكلما أتوب، أتذكر الذنوب، وأختنق من شدة الألم، والآن كلما أراه أو أتذكر الماضي، أشعر بالقهر، ويضيق صدري، حتى لا أستطيع التنفس، وأشعر أنني رجعت للمعصية، سؤالي هو: كيف أتخلص من هذا التفكير؟ وهل هذا التفكير محرم؟ ساعدوني؛ فقد تعبْتُ كثيرًا، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكِ الهداية والتوفيق، والسداد التيسير.
ثانيًا: نحمَدُ لكِ شعوركِ بالذنب، وخوفكِ من عاقبته، وهذا الشعور في نفسه توبةٌ، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «الندم توبة»؛ [رواه ابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
وكما يقول ابن القيم: "فأما الندم، فإنه لا تتحقق التوبة إلا به؛ إذ مَن لم يندم على القبيح، فذلك دليل على رضاه به وإصراره عليه"؛ [مدارج السالكين].
لكن ينبغي أن يكون هذا الذنب دافعًا للاستقامة بفعل المأمورات، وترك المنهيَّات، أما إذا منعكِ الخوف من هذا الذنب من فِعْلِ الطاعات، وجرَّكِ لليأس، فهذا من فعل الشيطان، وتسويل النفس، والتوبة النصوح هي التي تفتح أبواب الطاعات.
فالنصيحة لكِ أيتها الأخت الفاضلة أن تُحسني التوبة بِتَرْكِ الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة له، والإكثار من فعل الصالحات والاستغفار، والله يبدل السيئات حسناتٍ بالتوبة الصادقة.
فلا بد من الإعراض الكليِّ عن هذه الوساوس، واشغلي نفسكِ عنها بالتعلم والدعوة إلى الله تعالى، واعلمي أنه لا يحصل بفعل المعصية وتكرارها الحرمان من التوبة، إذا تاب العاصي نادمًا على المعصية؛ فقد قال الله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 104]، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25]، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه تبارك وتعالى قال: «أذنب عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال اللهُ تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِّ، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، قد غفرتُ لعبدي، فليفعل ما شاء» [متفقٌ عليه].
وعن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يُذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم» [رواه مسلم].
وعن أبي أيوب خالد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لولا أنكم تذنبون، لخلق الله خلقًا يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم» (رواه مسلم).
فلا تحزني ولا تيئَسي من ذنبكِ، فربما هذا الذنب كان سببًا في انكسار قلبك، وقربه من الله، فكلما تذكرتِ الذنب، فأحْدِثي لله طاعة؛ قال الحسن البصري: "إذا أذنب العبد، ثم تاب، لم يَزْدَدْ من الله إلا قُربًا".
وقد قيل للحسن البصري أيضًا: "ألَا يستحيي أحدنا من ربِّه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود، فقال: ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تَمَلُّوا من الاستغفار".
وقال بعضهم لشيخه: "إني أذنبتُ، قال: تُبْ، قال: ثم أعود، قال: تُبْ، قال: ثم أعود، قال: تُبْ، قال: إلى متى؟ قال: إلى أن تُحْزِنَ الشيطان"؛ [مجموع الفتاوى لابن تيمية: (7 /492)]، وقال النووي: "وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررتْ مائة مرة، بل ألفًا وأكثر، وتاب في كل مرة، قُبِلَتْ توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة، صحَّت توبته، وقوله في الحديث: «اعمل ما شئت» معناه: ما دمت تُذنب، فتتوب، غفرتُ لك".
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصبحه وسلم.
- التصنيف:
- المصدر: