حكم الضرب بالدف في الزوارة
ما حُكْمُ الضَّرب بالدُّفِّ في الزوارة حيثُ إنَّ الزواج كان عائليًّا ولم يكنْ إلا أهلُه وأهلها فقطْ في ليلةِ الزَّواج؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقدِ اتَّفق الفُقهاءُ على مشروعية الضَّرب بالدُّفِّ الخالي من الجلاجل، والاستماعِ إليه في الجملة في العيدين والعرس، واخْتَلَفُوا في إلْحاقِ غَيْرِهما.
قال ابن رُشدٍ: "اتَّفق أهل العلم على إجازة الدُّفِّ؛ وهو الغربال في العُرس".
وأمَّا في غير العرس، فالمشهورُ عند المالكيَّة، ووجه ضعيف عند الشافعيَّة: عدمُ جواز ضربه.
والأصحُّ عند الشّافعيَّة وهو الرَّاجح عند الحنفية الحنابلة: جوازُه في كلِّ فرحٍ للمسلمين؛ كولادة وختان وقُدوم غائبٍ وشفاء مريضٍ, قال في "المبدع شرح المقنع": "ويُستَحَبُّ إعلانُ النكاح والضرب ... وفي رواية المرُّوذي: ما ترى للنَّاس اليوم تَحرُّك الدُّفِّ في إملاك أو بناء بلا غناء فلم يكره ذلك، وختان وقدوم غائب مثله، نص عليه".
وقال ابن الهمام الحنفي في "فيض القدير": "والنوع الثاني مباح وهو الدف في النكاح ، وفي معناه ما كان من حادث سرور .
ويكره غيره لما عن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا سمع صوت الدف بعث ينظر ، فإن كان في وليمة سكت ، وإن كان في غيره عمد بالدرة"، وقال في "حاشية رد المحتار": "جواز ضرب الدف فيه –يعني العرس- خاص بالنساء لما في البحر عن المعراج بعد ذكره أنه مباح في النكاح وما في معناه من حادث سرور. قال: وهو مكروه للرجال على كل حال للتشبه بالنساء".
وهو قولٌ غيْرُ مشهور عند المالكيَّة، قال الحطَّاب المالكي: "كالعيد وقدوم الغائب وكلِّ سرورٍ حادث".
والراجح هو قول الجمهور بجواز الضَّرب بالدُّفِّ في كل مناسبة مُباحة؛ لِما رويَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لمَّا رجع من بعض مغازيه قالتْ له جارية سوداء: يا رسولَ الله، إني كُنْتُ نذرتُ إِنْ ردَّك اللهُ سالِمًا أن أضْرِبَ بَيْنَ يديْكَ بالدُّفِّ وأتغنَّى، فقال لها رسولُ الله صلَّى الله عليْهِ وسلَّم: "إنْ كُنْتِ نذَرْتِ فاضْرِبي وإلاَّ فلا"، فجعلتْ تضربُ، فدَخَلَ أبو بكرٍ وهِيَ تضرِبُ، ثُمَّ دخل عليٌّ وهى تضرِبُ، ثُمَّ دخل عثمانُ وهى تضرب، ثُمَّ دخل عمر فألقَتِ الدُّفَّ تَحت اسْتِها ثُمَّ قعدتْ عليه.
قال العلامة ابْنُ عُثيمين في "الشَّرح الممتع" تعليقًا على قول صاحب "الروض": (وكذا ختان، وقدوم غائب، وولادة، وإملاك): وهل نطرد هذا في كلِّ مناسبة فرح؟ الظاهر أنَّنا لا نُطرده إلا في فرحٍ يَكون عامًّا؛ كالأعياد، وقدوم الغائب الذي له شأن في البلد، وما أشبهَ ذلك، وإلا فيقْتَصَرُ على ما ورد، وكذلك الولادة، إذا ولد للإنسان ولدٌ أو بنتٌ يضربون بالدُّفِّ، وكذلك الإملاك وهو عقد المِلكة، وقد يكون داخلاً في قول المؤلف (النكاح)؛ لأنَّ النِّكاح كما يكون بالدُّخول يكون بالعقد، وكون صاحب "الروض" يرى هذا من باب الاستحْباب فيه نظرٌ، والصوابُ أنَّه لا يَتجاوَزُ الإباحة؛ لأنَّ النِّكاح له شأنٌ خاصٌّ، وقد أمر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بإعلانه، وأمَّا هذه الأمورُ فغايةُ ما هُنالك أن نقولَ: للنَّفس أن تطربَ بعضَ الطرب بِهذه الأشياء. اهـ.
وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى: "سؤال حيَّرني"، "حكم الاستماع إلى الأغاني؟"، "حكم الزفَّة في الشرع"،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: