مشروعية قول "هداكم الله" أثناء الحديث
كُنتُ مُعتادًا أثناء مُخاطَبة الأشخاص أن أقولَ: (هداك الله، هداكم الله)، حتى ضاق صدرُ أحد إخواني منها، وقال لي: هل كان مِن هدْيِ النبي -صلى الله عليه وسلم- أو الصحابة أن يقولَ لمن يُخاطبه: هداك الله؟
فأجبتُه بقولي: وهل نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنْ مثل ذلك؟ ثم أخبرتُه بأنَّ ذلك كان مِن دعاء النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وكان يقول: «
».فهل في كلامي خطأ؟ وهل يوجد إشكال في استدلالي؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا يخفى عليك أيها الأخ الكريم أنَّ صلاح ذات البَيْن غرَضٌ كبيرٌ، ومقصدٌ عظيمٌ، مِن مَقاصد الشريعة الإسلامية، يستوجب بذْلَ جهدٍ لتحصيله، ومِن لُطف الله سبحانه بعباده أنْ أمَرَهُم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجِبة للسعادة في الدنيا والآخرة؛ فقال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53]، فأمر سبحانه بكلِّ قولٍ يُقَرِّب إليه؛ مِن قراءةٍ وذِكْرٍ وعلمٍ وأمرٍ بمعروفٍ ونهيٍ عن مُنكَرٍ، وأمَر أن يكونَ كلامنا مع إخواننا حسنًا لطيفًا، بل مع الخلْقِ على اختلافِ مراتبهم ومَنازلِهم، وأنه إذا دار الأمرُ بين أمرَيْنِ حسنَيْنِ، فعليه أن يُؤْثِرَ أحسنهما، إن لم يمكن الجمعُ بينهما، فتدبَّرْ هذا الكلام جيدًا -يرحمك الله-.
فإن كان بعضُ إخوانك -كما ذكرتَ- يتأذى مِن دعائك -وهو بلا شك أمرٌ حسنٌ- فالأحسنُ منه في تلك الحال ترْكُ الدعاء؛ استمالةً لقلبه، وهذا الترْكُ في تلك الحال هو القولُ الحسَن الداعي لكلِّ خُلُقٍ جميلٍ وعملٍ صالحٍ، فمَن ملك لسانه ملك جميع أمرِه.
ومِن أجمل ما قرأتُ في هذا الباب قول الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني في سُبُل السلام شرح بلوغ المَرام (2/ 684) في كتاب الجامع، وهو جامع لأبواب ستة: الأدب، البر والصِّلة، الزُّهد والورَع، الترهيب من مساوئ الأخلاق والترغيب في مكارم الأخلاق، الذِّكْر، والدعاء، فقال في معرض كلامه عن حرمة الكذب والنميمة والغيبة: "انظرْ في حكمة الله ومحبَّتِه لاجتماع القلوب كيف حرَّم النميمة، وهي صِدْقٌ لما فيها مِن إفساد القلوب، وتوليد العداوة والوَحْشة، وأباح الكذِب وإن كان حرامًا إذا كان لجَمْعِ القلوب، وجَلْبِ المودَّة، وإذهابِ العداوة".
أما استدلالُك بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: « »، فكان -صلى الله عليه وسلم- يدعو به في الوتر، كما في حديث الحسن بن علي.
فدَعْ ذلك الدعاء ما دام الرجلُ قد ضاق صدره به، واستبدل به ما هو خير له ولك؛ أن تدعوَ له بظهر غيبٍ كما في الحديث: «
» (صحيح الجامع).- التصنيف:
- المصدر: