﷽ الكسب الحلال وأثره في حياة الفرد والمجتمع إعداد : الشيخ السيد طه أحمد الحمد لله رب ...



الكسب الحلال وأثره في حياة الفرد والمجتمع
إعداد :
الشيخ السيد طه أحمد

الحمد لله رب العالمين .. خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور.. فقال تعالى } ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ (2){ ]الملك[ .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير. شرع للإنسان ما يلبي حاجياته في المعاش ، ويحقق له رغباته النفسية والبشرية ، فأباح له الكسب والانتفاع من الحلال الطيب، فقال تعالى في خطاب موجه للبشرية:}يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168){[البقرة].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ)... أوصى بالسعي والكسب الطيب الحلال ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :}أطيب الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور { ]سلسلة الأحاديث الصحيحة[ .
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد : فيا أيها المؤمنون
فالمال في الإسلام وسيلة لتبادل المنافع بين الناس، وتقويم المجهود المبذول في العمل والجزاء عليه، حيث يتمكن به الإنسان من إشباع رغبات النفس.
وإذا كان الإنسان مولعا بحب المال، وممتحنا به في هذه الحياة الدنيا فهل يتحرى توجيهات الشرع الحكيم في كسبه وإنفاقه؟
أم يكون همه هو جمع المال وتبذيره دون مراعاة الحلال والحرام في كل ذلك؟
فقال تعالى :}الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا(46){ ]الكهف[
وقال تعالي}وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا(20){[الفجر]
وقال جل شأنه }وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8){ [العاديات].
وقد جاء الشرع الحنيف بالحث على السعي في تحصيل المال واكتسابه، على أنه وسيلة لغايات محمودة، ومقاصد مشروعة، وجعل للحصول عليه ضوابط وقواعد واضحة المعالم، لا يجوز تجاوزها، ولا التعدي لحدودها، كي تتحقق منه المصالح للفرد وللجماعة.
لذلك كان حديثنا عن موضوع }الكسب الحلال وأثره في حياة الفرد والمجتمع{وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية .....
1ـ نظرة الإسلام للعمل .
2ـ تكريم القرآن للأعمال .
3ـ ضوابط العمل .
4ـ أثر الكسب الحلال في حياة الفرد .
5ـ أثر الكسب الحلال في حياة المجتمع .
6ـ الخاتمة .
============
العنصر الأول : نظرة الإسلام للعمل :ـ
لقد عمل الشرع الحنيف على القضاء على مظاهر العوز والفقر، وذلك بالحث على السعي لطلب الرزق فدعاهم إلى الضرب في الأرض وقد ظهر ذلك من خلال هذه النقاط التالية ..
1ـ وجوب العمل والسعي:ـ
لقد دعا الإسلام إلى العمل والاحتراف والاشتغال بالعلوم النافعة؛ وإن أطيب مال وأحلَّ كسب ما كان من عمل الإنسان، ولأن قضية العمل بالنسبة للإنسان قضية مستقبل ومصير، اهتم القرآن الكريم اهتماما كبيرا بها وجاء لفظ العمل ومشتقاته في آيات كثيرة بلغت (359) آية ، وردت هذه الآيات بأساليب متنوعة ، مرة تأتي بلفظ الأمر الذي يفيد الوجوب فقال تعالى }وَقُلِ اعْمَلُوْا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْـمُؤْمِنُونَ(105){ ]التوبة،
ومرة بأسلوب الاستثناء فقال تعالي }وَٱلۡعَصۡرِ (1) إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ (2) إِلَّا ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ (3){ ]العصر[
وأخبر النبي (ﷺ) أن خير ما يأكل الإنسان من كسب يده: فقال (ﷺ)«إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه » رواه ابن ماجه .
وأن الكسب وسيلة التوفيق بين خيري الدنيا والدين، ولضرورة الكسب اختاره الله تعالى طريق الأنبياء والمرسلين والفائزين الذين شغلهم معاشهم لمعادهم، فاتخذوا من المعاش وسيلة وزاد المعاد، فقد جاء صريحا في القرآن الكريم الأمر بالبحث عن المعاش وتسخيره لنيل مرضاة الخالق سبحانه، فقال: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10){ ]الجمعة[
وقال تعالى:}هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)[ ]الملك[
وقد حث الإسلام على الهجرة، وشجعهم على الغربة، وبين لهم أن أرض الله واسعة، وأن رزق الله غير محدد بمكان ولا محصور في جهة، قال تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً (100)} [النساء]
وقال تعالى: {وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (20)} [المزمل[
وعن عبد الله بن عمرو قال: توفى رجل بالمدينة ممن ولدوا فيها، فصلى عليه رسول الله (ﷺ) وقال: "ليته مات في غير مولِدِه"، فقال رجل: ولِمَ يا رسول الله ؟ قال: "إن الرجلَ إذا مات غريباً قِيسَ له من مولده إلى منقَطَعِ أثرِه في الجنة". رواه الترمذي
ويقول الإمام الشافعي في السفر :


سافر تجـد عوضـاً عمـن تفارقـه --- وانصَبْ فإن لذيذ العيش في النصـب
إني رأيـت وقـوف المـاء يفسـده --- إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطـب
والأسدُ لولا فراق الأرض ما افترست --- والسهم لولا فراق القوس لم يصـب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمـة ً --- لملها الناس من عجـم ومـن عـرب
والتبر كالترب ملقـي فـي أماكنـه --- والعود في أرضه نوع من الحطـب
فـإن تغـرب هـذا عـز مطلـبـه --- وإن تغـرب ذلـك عـز كالـذهـب

وقد انطلق المسلمون الأوائلُ على هدى هذه الأحاديث في فجاج الأرض؛ ينشرون الدينَ، ويلتمسون الرزقَ، ويطلبون العلم، ويجاهدون في سبيل الله.
2ـ اقتران العمل بالإيمان :ـ
لقد اقترن العمل بالإيمان في القرآن الكريم في أكثر من سبعين آية من آياته ، ولم يكتف بمجرد العمل ولكنه يطلب عمل "الصالحات" وهي كلمة جامعة من جوامع القرآن تشمل كل ما تصلح به الدنيا والدين، وما يصلح به الفرد والمجتمع، وما تصلح به الحياة الروحية والمادية معاً.
والإيمان هو تقديم الأعمال بأمانة وإتقان العمل بجد واجتهاد، والصدق.
قال تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّنْ ذَكَرٍ اَوْ اُنْثٰی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیٰوةً طَیِّبَةً وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ اَجْرَهُمْ بِاَحْسَنِ مَا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ (97){ ]النحل[ .
وقال تعالى: }اِنَّ الَّذِینَ اٰمَنُوا وَ عَمِلُوا الصالحات اِنَّا لَا نُضِیعُ اَجْرَ مَنْ اَحْسَنَ عَمَلًا(30){ ]الكهف[.
إن الإيمان بالله واليوم الآخر أعظم دافع للعمل والإنتاج .
3ـ العمل نعمة تستوجب الشكر :ـ
لقد اعتنى الإسلام بالعمل المهني وجعله نعمة تستحق الشكر قال تعالى : }لِيَأۡكُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦ
وَمَا عَمِلَتۡهُ أَيۡدِيهِمۡۚ أَفَلَا يَشۡكُرُونَ (35){ ]يس [ .
فالآية تشير أن ما يتغذى عليه الإنسان هو من كسبه وكده سواء كان بزراعة الأرض وهو ما أومأت أليه الآية : " من ثمره " أو بالتجارة المشروعة كما في قوله : " وما عملته أيديهم " وهذه القدرة التي منحها الله تعالى للإنسان والعلم الذي وهبه إياه لاستخراج ما في بطن الأرض من الخيرات والثمرات وإدارة موارد الطبيعة وحسن توظيفها هو نعمة عظيمة تستحق الشكر الجزيل والاعتراف بالجميل .
4 ـ العمل من أنواع الجهاد :ـ
اعتبر الإسلام العمل نوعا من الجهاد ينال به درجة المجاهدين وشرف المرابطين
" مر على النبيِّ (ﷺ)رجلٌ فرأى أصحابُ النبيِّ (ﷺ) من جلَدِه ونشاطِه فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو كان هذا في سبيلِ اللهِ؟! فقال رسولُ اللهِ (ﷺ): إنْ كان خرج يسعى على ولدِه صغارًا فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيلِ الشيطانِ. ]الراوي : كعب بن عجرة.. رجاله صحاح[
ولما لا يعد العمل جهادا ؟
وهو الذي يوفر الطعام والشراب والكساء والسلاح والمال للمرابطين في أرض المعركة ولولا العمال الكادحين والصناع المهرة ما قامت لنا قائمة ، وبعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه " سفيان بن مالك " ساعيا بالبصرة فمكث حينا ثم استأذنه في الجهاد فقال له عمر : أولست في جهاد ؟
5ـ العمل الجاد مكفر للذنوب والآثام :ـ
العمل الجاد مكفر للذنوب ومطهر للآثام فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله (ﷺ) يقول: }من أمسى كالا من عمل يديه أمسى مغفورا له{. ]أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في الأوسط[
6ـ ما غرسه المسلم صدقة جارية :ـ
العمل مهما كان حجمه إذا نوى صاحبه إطعام الجائع وكساء العاري وشفاء المرض وإغناء الفقير كان له بذلك صدقة جارية
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): } ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ؛ إِلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ{.]رواه البخاري[
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي (ﷺ): قال:}من يغرس غرسا، كتب الله له من الأجر بقدر ما يخرج من ثمر ذلك الغراس{ ]رواه الطبراني في المعجم الكبير[
7ـ استمرار العمل والسعي :ـ
فقد حث الإسلام المسلم على أن يكون ديدنه في حياته كلها العمل والعطاء وتعمير الأرض وبناء الحياة حتى يدركه الموت أو الساعة قال (ﷺ) } إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها { رواه الإمام أحمد.
العنصر الثاني : تكريم القرآن الكريم لبعض الصناعات والمهن :ـ
ذكر القرآن الكريم بعض الصناعات والمهن وهذا مما يؤكد على قيمة العمل والعمال ، وهذه الصناعات لا يستغني عنها الناس مثل ...
صناعة الحديد : }وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ (25){ ] الحديد[
وصناعة الأكسية }وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا وَأَوۡبَارِهَا وَأَشۡعَارِهَآ أَثَٰثٗا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ (80){ ] النحل[
والصناعات الحربية : }وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ (10) أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ
صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ (11){ ] سبأ[
وصناعة الجلود : }وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ بُيُوتٗا تَسۡتَخِفُّونَهَا يَوۡمَ ظَعۡنِكُمۡ وَيَوۡمَ إِقَامَتِكُمۡ (80){ ] النحل[
وصناعة الملابس : }وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ (81){ ] النحل[
وصناعة السفن والمراكب : }فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا(27){
]المؤمنون[
والصناعات السكنية : }وَبَوَّأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورٗا وَتَنۡحِتُونَ ٱلۡجِبَالَ بُيُوتٗاۖ (74){ ] الأعراف[ .
كما كان كثير من الأنبياء لهم حرف يرتزقون منها ،أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال : «إن زكريا عليه السلام كان نجارًا» (مسلم) .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : «كان آدم عليه السلام حراثًا، ونوح نجارًا، وإدريس خياطًا، وإبراهيم ولوط زارعين، وصالح تاجرًا، وداود زرّادًا، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله عليهم وسلم رعاة» ]فتح الباري[. ويستفاد من الحديث والأثر وغيرهما أن رسل الله جميعاً كانوا يزاولون الأعمال بأيديهم، ويسعون على معاشهم وتحصيل قوتهم وقوت من يعولون .
العنصر الثالث : ضوابط العمل :ـ
1 ـ أن يكون العمل صالحا ومشروعا :ـ
أن لا يكون هذا العمل مما نصت الشريعة على حرمته وبان ضرره وعظم خبثه كزراعة المخدرات والاتجار فيها وتعاطي الربا في المعاملات المالية وغير ذلك ، والمحرمات في ديننا معروفة ومحدودة ودائرة الحلال واسعة تستوعب كل النشاط الإنساني ..
قال تعالي } يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (90){ ]المائدة[
وما دام العمل كذلك وجب البعد عنه وحرم الاشتغال به وحرم استخدام المال الذي يأتي منه قال تعالى }وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ (77){ ]القصص[
وقد أمر الله تعالى بوجوب الكسب الحلال فقال تعالى }يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(168){[البقرة]،
ومثلها ما جاء في آية المائدة: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا
تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي
أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88){ [المائدة].
فكان السلف الصالح يتورعون عن الشبهات ،ولقد حذر السلف الصالح من أكل الحرام قال ابن المبارك: "لأنْ أرُدَّ دِرْهمًا من شُبْهَةٍ؛ أحبّ إليَّ من أن أتصدَّق بمائة ألفٍ".
قال عبد الله عمر رضي الله عنه:}كنَّا نَدَعُ تسعةَ أعشار الحلال؛ مخافةَ الوقوع في الحرام{
2ـ ألا يشغله العمل عن آخرته :ــ
العمل ليس هدفا في حد ذاته ؛ وإنما هو وسيلة تغني المسلم وتكفل له حياة كريمة فينبغي أن لا تشغله عن آخرته وتعطله عن ربه وتعوقه عن خدمة دينه بل ترفعه إلى العطاء ورعاية واجباته الدعوية ؛ ولذا جاء في وصف المؤمنين الصادقين :} رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ (37){ ] النور[ .
وقال تعالى :}يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ (9){ ] المنافقون[
فالمؤمنين ليسوا عالة على غيرهم تشغلهم عبادتهم عن العمل والكسب ، وليسوا طلاب دنيا وعبيد مال تحجزهم مصالحهم وتلهيهم تجارتهم عن أداء حقوق الله تعالى ، قال تعالى }وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ (77){ ] القصص[
ودخل عبد الله بن عمر رضي الله عنه - السوق ، فأقيمت الصلاة فأغلق التجار حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال : فيهم نزلت : " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .. " ،
وقال مطرف الوراق : " كانوا يبيعون ويشترون ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة "
3 – القناعة والرضا بما قسم الله عز وجل من رزق :ــ
أن يقنع المسلم بما قسمه الله له ويرضى برزقه وهذا يمنعه من التطلع إلى ما في أيدي الناس ، وسلوك طرق محرمة لزيادة دخله كالرشوة والسرقة والتزلف لذوي الأموال
هي القناعة لا تبغي بها بدلا فيها النعيم وفيها راحة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن
وقد ذكرها الأبشيهي في كتابه المستطرف في كل فن مستظرف، وعبارته: ودخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المسجد، وقال لرجل كان واقفا على باب المسجد: أمسك عليّ بغلتي، فأخذ الرجل لجامها، ومضى وترك البغلة، فخرج علي وفي يده درهمان ليكافئ بها الرجل على إمساكه بغلته؛ فوجد البغلة واقفة بغير لجام، فركبها ومضى، ودفع لغلامه درهمين يشتري بهما لجاما، فوجد الغلام اللجام في السوق قد باعه السارق بدرهمين، فقال علي ـ رضي الله عنه: إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدر له. انتهى..
4ـ عدم استغلال العمل أو المنصب في كسب غير مشروع :ــ
يحرم علي العامل أو الموظف أن يأخذ من الجهة الني يعمل بها أكثر من الأجر المقدر له أو الحافز المقرر له . ومن يحاول أخذ شيء سوي ذلك فهو غال وخائن للأمانة قال تعالى } وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ (161){ ]آل عمران[
وروي مسلم في صحيحه بسنده عن عدي ابن عميرة الكندي قال سمعت رسول الله (ﷺ) يقول :}من استعملناه منكم علي عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة قال فقام رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه فقال يا رسول الله أفيل عني عملك قال ومالك قال سمعتك تقول كذا وكذا قال وأنا أقوله الآن من استعملناه منكم علي عمل فليجئ بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذ وما نهي عنه{ انتهي .
كما يحرم علي العامل أو الموظف أن يرتشي أو يقبل الهدية ممن يعمل لهم من الناس فأخذ الرشوة إن كانت في مقابل تسهيلات فالحرمة تكون أشد لما فيها من أكل السحت ومخالفة الأمر وإن كانت بلا مقابل فكيف يأخذ ما لا يستحق وكيف يحمل نفسه من الأوزار في الدنيا والأثقال في الآخرة مالا يحتمل .
روي الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال لعن رسول الله(ﷺ) الراشي والمرتشي {
وروي مسلم رحمه الله في صحيحه بسنده عن أبي حميد الساعدي قال استعمل رسول الله (ﷺ) رجلا من الأزد علي صدقات بني سليم يدعي ابن اللتبية فلما جاء حاسبه قال هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي فقال رسول الله (ﷺ) فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتي تأتيك هديتك إن كنت صادقا ثم خطبنا فحمد الله وأثني عليه ثم قال أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم علي العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتي تأتيه هديته إن كان صادقا والله لا يأخذ أحد منكم منها شيئا بغير حقه إلا لقي الله تعالي يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتي رؤي بياض إبطيه ثم قال اللهم هل بلغت بصر عيني وسمع أذني{ .
5ـ بذل الطاقة وإعطاء الجهد أثناء العمل :ــ
فكما أحسن الله إلي الإنسان بالصحة الجيدة والقدرة علي البذل والعطاء يجب علي الانسان
أن يعطي ولا يبخل ويعمل ولا يكسل ويظهر من نفسه القدرة ولا يعجز، قال تعالى: }وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ (77){ ] القصص[.
والقوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ):}المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجِز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَر الله وما شاء فعل؛ فإن "لو" تفتح عمل الشيطان{ ]رواه مسلم[
6ــ الإتقان في العمل :ــ
أن يصير الإتقان في العمل ثقافة عامة في المجتمع وخلقا واقعا وسلوكا حيا تجده متجليا وبارزا على كل كلمة أو قول أو فعل أو مهنة أو شريحة أو مؤسسة عامة أو خاصة ؛ هذا هو غاية الإسلام في تعاليمه وأحكامه ، إيجاد أمة محسنة وهي إذ تتخلق بهذا إنما تتصف بما وصف الله به نفسه القائل :}صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ (88) { ]النمل[.
ولو دققت النظر في هذا الحديث الذي روته أمنا عائشة رضي الله عنها : عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله (ﷺ) قال : {إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَه} [صحيح الجامع] .
لوجدت كلمة " عملا " جاءت مطلقة من غير تحديد لنوع معين من الأعمال يجب الاهتمام به والإحسان فيه دون غيره لتشمل أعمال الدنيا والآخرة ، وهذا ما أشار إليه حديث أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه : عن رسول الله (ﷺ) قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة، وليُحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته{ ] رواه مسلم [
وقوله تعالى: }إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ(90) { ] النحل[
العنصر الرابع :أثر الكسب الحلال في حياة الفرد:ـ
الكسب الحلال له فضل كبير في حياة الفرد والمجتمع حيث أن الفرد العامل القادر على الكسب يجني من وراء ذلك ثمار عظيمة منها ..
1ـ حفظ كرامة الإنسان من السؤال والطلب:ـ
فإن العمل الذي يقوم به الإنسان، أو الوظيفة والمهنة التي يلتزم بها ويكسب من ورائها يصون له كرامته، ويقي وجهه من سؤال الناس، ولقد حارب الإسلامُ هذه العادةَ السيئة وبالغ في النهي عن مسألة الناس؛ فالمسلم عزيز النفس كريم الخلق عفيف الطبع، يكره ما يسيئه ويشينه بعد أن أعزه الله بالإسلام، فبدلا من أن يقعد عن العمل ويمد يده للناس سائلا منهم المال فليعمل ليتكسب، فالعمل مهما كان قدره ومهما كان ربحه وعائده فهو يمنع صاحبه من التبذل وسقوط ماء الوجه وضياع هيبته بالسؤال وبذلك ينال العامل توقير المجتمع واحترامه ويحيى عزيزا كريما ويموت جليلا حميدا واليد العليا خير من اليد السفلى .
فروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ﷺ): }لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم{.
وروى الإمامُ أحمد عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله (ﷺ) قال:}لا يفتح عبدٌ بابَ مسألة إلا فتحَ الله عليه بابَ فقر{.
يروى عن" شقيق البلخي" وهو من أهل العبادة والزهد ، أنه ودَّع أستاذه (أو شيخه) إبراهيم بن أدهم لسفره في تجارة عزم عليها.
وهو في الطريق الصحراوي رأى طائراً أعمى كسير الجناح، فوقف يتأمل الطائر
ويفكر كيف يجد رزقه في هذا المكان المنقطع، فلم يمض وقت طويل حتى جاء طائر آخر
فأطعم الطائر كسير الجناح كما يطعم الحمام فراخه ، تعجب شقيق .. من هذا المشهد وأثر فيه ،فقال في نفسه: إذا كان الله تعالى يرزق هذا الطائر من غير حول منه ولا قوة ولم يهمله ، فلماذا أذهب إلى التجارة و لماذا العناء و السفر وأنا في هذا السن؟!
سأرجع وحتما سيرزقني الله وعاد إلى بيته ، وحين وصل زار شيخه فقال له الشيخ :
لماذا عدت يا شقيق.. الم تذهب للتجارة ؟
فقص عليه القصة بأنه رأى في طريقه طائرا أعمى وكسيح
وأخذ يفكر كيف يأكل هذا الطائر ويشرب؟
وبعد قليل جاء طائر آخر يحمل حبا وأطعم الطائر الأعمى ثم سقاه.
فقلت طالما ربنا عز وجل رزق الطائر الأعمى الكسيح ..
سأرجع إلى بيتي وسط أولادي وارجع لأهلي وبلدي وربي سيرزقني.
هنا قال له إبراهيم بن ادهم: سبحان الله يا شقيق!..
ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز الذي ينتظر عون غيره
ولا تكون أنت الطائر الآخر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمرة ذلك على من حوله ؟!
أما علمت أن النبي (ﷺ) قال:(اليد العليا خير من اليد السفلى{ ] رواه البخاري[
فقبَّل يده شقيق وقال: أنت أستاذنا يا أبا إسحاق!
وتركه وغدا يسعى كما تسعى الطير التي تغدو خماصاً وتعود بطاناً.
لذلك حذر النبي (ﷺ) من سؤال الناس؛ فعن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه : أنَّ النبي (ﷺ) قال: }لَأَنْ يأخذَ أحدُكم حَبلَه، فيأتيَ بحُزمة الحطب على ظهره، فيبيعَها، فيكُفَّ الله بها وجهَه - خيرٌ له من أن يسألَ الناس، أعطَوْه أو منعُوه{ ]رواه البخاري [
وفي هذا يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: }إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول أله حرفة فإن قالوا لا سقط من عيني)..
وكان عبد الله بن مسعود يقول : " إني لأكره الرجل فارغا لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة "
وكان إبراهيم بن أدهم إذا قيل له : كيف أنت ؟ قال : بخير ما لم يتحمل مؤنتي غيري.
ورحم الله الخليفة الراشد علي ابن أبي طالب رضي الله عنه حين قال..
لنقل الصخر من تلك الجبال أخف علي من منن الرجال
يقول الناس كسب فيه عار فقلت العار في ذل السؤال
وهناك حديثٌ معبِّر أتمَّ تعبيرٍ عن أنَّ المسلم يجب أن يعمل، ويصونَ نفسَه من مذلَّة السؤال، فإنَّه ما دام قادرًا على العمل، فلا بُدَّ أن يجد وسيلةً للعمل.
فعن أنس رضي الله عنه أنَّ رجلاً من الأنصار أتى النبي (ﷺ) يسأله فقال (ﷺ): (أَمَا في بيتك شيء؟، قال الرَّجل: بلى، حِلْسٌ[كساء يلبس، ويفرش على الأرض، ويجلس عليه.] نلبس بعضَه، ونبسط بعضه، وقَعْبٌ[الإناء.] نشربُ فيه من الماء، قال (ﷺ) ائتني بهما ، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله (ﷺ) بيده، وقال: مَن يشتري هذين؟، فقال رجل: أنا آخذهما بدِرهم، قال (ﷺ): مَن يَزيد على درهم؟ مرَّتين أو ثلاثًا، قال رجل: أنا آخذهما بدِرهمين، فأعطاهما إيَّاه وأخذ الدِّرهمين، وأعطاهما الأنصاريَّ، وقال: اشترِ بأحدهما طعامًا، فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخرِ قَدُومًا فأتِني به.
فأتاه به، فشدَّ فيه رسولُ (ﷺ) عودًا بيده، ثم قال له: اذهبْ فاحتطب وبِعْ، ولا أرينَّك خمسةَ عشرَ يومًا ، فذهَبَ الرجل يحتطبُ ويبيع، فجاء وقد أصاب عَشرةَ دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال رسول الله (ﷺ) هذا خيرٌ لك مِن أن تجيءَ المسألةُ نُكتةً في وجهك يومَ القيامة؛ إنَّ المسألة لا تصلح إلاَّ لثلاثة: لذي فَقر مُدقِع، أو لذي غُرْم مُفظِع، أو لذي دمٍ مُوجِع) ]رواه أبو داود برقم ، واللفظ له، ، وابن ماجه ، والنسائي ، وأحمد [،
فكانت معالجته معالجة عمليَّة؛ استخدم فيها (ﷺ) كل الطاقات والإمكانات المتوفِّرة لدى الشخص الفقير، وإن تضاءلت؛ حيث علَّمه رسول الله صلي الله عليه وسلم كيف يجلب الرزق الحلال من خلال عمل شريف.
2ـ البركة في المال والأولاد والأعمال:ـ
إن اللقمة الحلال تدفع عن الإنسان النقم وتصرف عنه البلاء في ماله وأولاده وأعماله، فيصرف الله عنه البلايا والشرور، وقد كان أحد الصالحين يقول: "كنت أرى شؤم معصيتي في سوء خُلُق دابتي وزوجتي".
بعد كل ذلك نوقن تماماً أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى، وقد قال (ﷺ): }نَفَثَ رُوحُ الْقُدُسِ فِي رُوعي أَنَّ نفْسًا لَنْ تَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمِ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ{ ]المعجم الكبير للطبراني[
فإن المال الحرام ماحق لبركة المال؛ كما حدث بذلك حكيم بن حزام رضي الله عنه- أن رسول الله (ﷺ) قال: }البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدق البيعان وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحا ويمحقا بركة بيعهما، اليمين الفاجرة منفقة للسلعة، ممحقة للكسب{[رواه البخاري ومسلم].
فالله تعالى ينزع البركة من المال الحرام وينزع البركة في حياة آكله وهذا ما قرره الله تعالى في كتابه و بينه لنا النبي (ﷺ) في سنته قال تعالى } يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276){ [البقرة].
إنَّ الكسبَ الحرامَ سببٌ لزوالِ النِّعمِ: فمكتسبُ المالِ الحرامِ يُعامَلُ بنقيضِ مقصودِه، فهوَ يُريدُ من الكسبِ الحرامِ زيادةَ مالِه، وكثرةَ عَرَضِه، وما عَلِمَ أنَّ الحرامَ لا يُمكنُ أن يدومَ ولا يقومُ عليه بناءٌ، قال تعالى }لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7){ [إبراهيم].
فبركة الذرية نتاج الكسب الحلال قال تعالى }وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗاۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَشۡكُرُونَ (58){ ]الأعراف[.
فالكسب الحلال ينتج للأمة علماء صالحين ،
كان "المبارك بن واضح" يعمل حارسًا في بستان، وكان يتصدق بثلث أجرته، وكان نعم العامل المؤتمن على عمله، حدث أن جاء صاحب البستان يومًا ومعه ضيف، وقال للمبارك: أريد رمانًا حلوًا، فمضى إلى بعض الشجر، وأحضر منها رمانًا، فكسره فوجده حامضًا، فغضب عليه، وقال: أطلب الحلو فتحضر لي الحامض؟
هات حلوًا، فمضى وقطع من شجرة أخرى، فلما كسرها وجده أيضًا حامضًا، فاشتد غضبه عليه، وفعل ذلك مرة ثالثة، فذاقه، فوجده أيضًا حامضًا.
فقال له بعد ذلك: أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟
فقال: لا، فقال: وكيف ذلك؟
فقال: لأني ما أكلتُ منه شيئًا حتى أعرفه، فقال: ولِمَ لَمْ تأكل؟
قال: لأنك ما أذنتَ لي بالأكل منه، فعجب من ذلك صاحب البستان، وسأل عن ذلك فوجده حقًّا، فعظُم المبارك في عينيه، وزاد قدره عنده، وكانت له بنت خُطبت كثيرًا، فقال له: يا مبارك، مَن ترى تزوَّج هذه البنت؟
فقال: أهل الجاهلية كانوا يزوجون للحسب، واليهود للمال، والنصارى للجمال، وهذه الأمة للدِّين، فأعجبه عقله، وذهب فأخبر به أمها، وقال لها: ما أرى لهذه البنت زوجًا غير مبارك، فتزوجها، فجاءت بعبد الله بن المبارك الذي ملأ الدنيا علما وكان يحج عاما ويجاهد في سبيل الله عاما .
3ـ استجابة الدعاء:ـ
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تليت هذه الآية عند رسول الله (ﷺ) { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا }.فقام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال له النبي(ﷺ): «يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يومًا وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به» .]أخرجه الطبراني[
ولقد حرص سعد على الكسب الحلال حتى يكون مستجاب الدعوة , لذا فقد قيل له : لم تستجاب دعوتك فقال ما رفعت إلي فمي لقمة إلا وأنا أعلم من أين جاءت ومن أين خرجت ولما سعى أهل الكوفة به إلى سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه أرسل جماعة للكوفة يسألون عن حاله من أهل الكوفة فصاروا كلما سألوا عنه أحدا قال خيرا وأثنى عليه , حتى سألوا رجلا يقال له أبو سعدة فذمه وقال لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية , فلما بلغ سعدا ذلك قال : اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره وأدم فقره وأعمي بصره وعرضه للفتن فعمي وافتقر وكبر سنه وصار يتعرض للإماء في سكك الكوفة فإذا قيل له كيف أنت يا أبا سعدة يقول شيخ كبير فقير مفتون أصابتني دعوة سعد . .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): " أيها الناس ، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : }يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم{ وقال : } يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء ، يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك { ]مسلم[
فالكسب الحرام سبب في منع قبول الدعاء واستجابة الرجال ورفع العمل الصالح لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا .
4ـ قبول الأعمال الصالحة :ـ
إن الكسب الحلال سبب في قبول الأعمال الصالحة ، وكذلك الكسب الحرام يمنع قبول الأعمال الصالحة ، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله (ﷺ) والذي نفس محمد بيده، }إن الرجل ليَقْذفُ اللقمة الحرام في جَوْفه ما يُتَقبَّل منه أربعين يومًا، وأيّما عبد نبت لحمه من السُّحْت والربا فالنار أولى به{ .]المعجم الأوسط للطبراني[
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " قتل نفر يوم خيبر فقالوا فلان شهيد حتى ذكروا رجلا فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله (ﷺ)}كلا إني رأيته في النار في عباءة أو في بردة غلها , ثم قال لي يا بن الخطاب قم فناد في الناس انه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون فقمت فناديت في الناس{. ]رواه ابن حبان في صحيحه[ .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ (ﷺ)، عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَباً، وَلاَ وَرِقاً، إِلاَّ الْأَمْوَالَ: الثِّيَابَ، وَالْمَتَاعَ. قَالَ: فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللهِ (ﷺ) غُلاَماً أَسْوَدَ، يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ. فَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ (ﷺ)إِلَى وَادِي الْقُرَى. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى، بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَأَصَابَهُ، فَقَتَلَهُ. فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئاً لَهُ الْجَنَّةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (ﷺ): }كَلاَّ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّذِي أَخَذَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَاراً{
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذلِكَ، جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ، أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: }شِرَاكٌ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ]{ متفق عليه[.
قال سفيان الثوري: }من أنفق الحرام في الطاعة كمن طهر الثوب بالبول، والثوب لا يطهره إلا الماء، والذنب لا يكفره إلا الحلال، كيف يقبل من آكل الحرام عمل أو يرفع له دعاء والله تعالى يقول: }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(27){ [المائدة[
وروي عن يوسف بن أسباط رحمه الله قال: }إن الشاب إذا تعبد قال الشيطان لأعوانه: انظروا من أين مطعمه؟ فإن كان مطعم سوء، قال: دعوه يتعب ويجتهد فقد كفاكم نفسه، إن جهاده مع أكل الحرام لا ينفعه{
قال الغزالي: }العبادات كلها ضائعة مع أكل الحرام، وأن أكل الحلال هو أساس العبادات كلها{.

5ـ الوقاية من النار يوم القيامة:ـ
حيث يقول صلى الله عليه وسلم: }إِنَّهُ لاَ يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلاَّ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ{، ]سنن الترمذي[، والسحت هو ما كان من الحرام.
وعن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال: " لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام ". ]رواه البيهقي في شعب الإيمان[
6ـ العصمة من العقوبات بشتى أنواعها، وصرف البلاء في الدنيا:ـ
قد بين القرآن الكريم أن آكل الحرام مثل آكل الربا يتعرض لحربٍ من الله ورسوله، }فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله وإن تُبتم فَلَكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون) 279){ ] البقرة[
وهذه الحرب شاملة قد تكون آثارها ملموسة مشاهَدة، وقد تكون معنوية كالحرب على الطمأنينة والاستقرار والأمن، فلا يهنأ آكل الحرام بعيش كريم ولا يذوق طعم السكينة والراحة.
7ـ صلاح القلوب :ـ
صلاح القلوب لا يكون إلا بصلاح المطعم و المشرب لذا فالنبي (ﷺ) يوضح لنا أن صلاح الأعضاء بصلاح القلوب و صلاح القلوب بصلاح المطعم و المشرب عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) يَقُولُ: }الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ{ ]أخرجه البخاري[ .
قال ابن حجر رحمه الله: «فيه التنبيه على تعظيم قدر القلب والحث على صلاحه والإشارة إلى أن لِطيب الكسب أثرًا فيه» [فتح الباري].
وسُئِل الإمام أحمد رحمه الله: بِمَ تلين القلوب؟ قال: بأكل الحلال»
فالقلب إذا امتلأ بالحرام، انغلق عن المعنويات، وأوصدت نوافذ الهداية فيه، فالابتعاد عن الحق وهجران الإنسان لبارئه واقترافه المعاصي والتعدي على حقوق الناس مقدمة طبيعية تقود إلى ظلمة القلب.
العنصر الخامس : أثر الكسب الحلال في حياة المجتمع:ـ
إن الأمة التي تعمل تقود ولا تقاد ، تسود ولا تساد ، تتكلم فيسمع لها ، تأمر بأمر الله فتطاع ، وتنهى بنهي الله فلا تعصى، تذل لها الأمم وتدين لها الدول، وكانت مضرب المثل بين الأمم، و يشار إليها بالبنيان، ويتحقق لها النجاح ، والهيبة والمنعة.
وهذه بعض الآثار المترتبة علي نتيجة العمل الجاد ، والكسب الحلال....
1ـ النجاح مرتبط بالعمل :ـ
لا يذهب الظن أو الوهم بأحد، فيحسب أن ارتباط السعادة والفوز بالعمل مقصور على الآخرة وحدها، فإن قوانين الله في الجزاء واحدة، ورب الدنيا والآخرة واحد، فالله تعالى يقول:}إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30){ ]الكهف[،وقال تعالى }فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)]{ الزمر[
وقال تعالى }فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8){ ]الزلزلة[
وسنة الله التي أخبرنا القرآن أنها لا تتبدل ولا تتحول لا تسمح لفارغ أو قاعد أو كسول أن يظفر بما يريد، أو يحقق ما يأمل، بل إن سنن الله في الدنيا لا تفرق في الجزاء على العمل بين مؤمن وكافر ... فمن عمل أُجر، ومن قعد حُرم، مهما كان دينه أو اعتقاده.
وبهذا يندفع المؤمن إلى العمل دائماً، حتى لا يصادم سنن الله في الكون فتصدمه؛ فيكون من الهالكين.
2ـ منعة الأمة :ــ
إن الأمة المنتجة قوية ولها منعة ويهابها أعدائها ، والأمة المستهلكة ضعيفة وتكون ألعوبة في أيد أعدائها . لقد زار سيدنا عمر ابن الخطاب بلدة فرأى أكثر الفعاليات الاقتصادية بيد غير المسلمين، فعنفهم أشد التعنيف، فقالوا: لقد سخرهم الله لنا، فقال لهم قبل ألف وأربعمائة وست وثلاثون عاما: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم؟
لقد أدرك الخليفة العملاق قبل ألف وأربعمائة وست وثلاثون عاما أن المنتج قوي والمستهلك ضعيف، فإن تقدم الأمة في الصناعات المختلفة وريادتها في الأعمال المبتكرة يحقق لها المنعة من الأعداء المتربصين بها والطامعين في ثرواتها وكنوزها .
3ـ يحقق التقدم والريادة والمنعة :
إن العمل يحقق للأمة التقدم والريادة والمنعة من أعدائها المتربصين بها ،والطامعين في ثرواتها وكنوزها ، ولذا كان من مخطط الغرب لنا أن يبقينا شعوبا جاهلة متسولة لكل تقنية تعيش وتقتات على صناعات غيرها يقول أحد القساوسة الفرنسيين : " إن العالم الإسلامي يقعد اليوم على ثروة خيالية من الذهب الأسود والموارد الأولية الضرورية للصناعة الحديثة ؛ فلنعط هذا العالم ما يشاء ولنقو في نفسه عدم الرغبة في الإنتاج الصناعي والفني فإذا عجزنا عن تحقيق هذه الخطة وتحرر العملاق من قيود جهله وعقدة الشعور بعجزه عن مجاراة الغرب في الإنتاج فقد بؤنا بالإخفاق السريع وأصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطرا داهما يتعرض به التراث الغربي لكارثة تاريخية ينتهي بها الغرب وتنتهي معه وظيفته القيادية "
لذا فإن العمل والإنتاج لسد حاجة المجتمع وتقوية بنيته ، وتحقيق تقدمه وريادته في شرعنا فرض تأثم الأمة كلها إذا لم يتحقق لها ذلك ، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: " لهذا قال غير واحد من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما كأبي حامد الغزالي ، وأبي الفرج ابن الجوزي وغيرهم : إن هذه الصناعات فرض على الكفاية فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بها "
6ـ الخاتمة :
إن الإسلام الحنيف رغَّب في الكد والعمل والتحصيل، وذم البطالة بشتى صورها، وحذر منها لما فيها من الجمود والاتكالية، فبقاء الفرد عاطلاً دون عمل معتمدًا على غيره يجعله ذليلاً مكسور الجناح، واضعًا نفسه تحت رحمة الخلق وشفقتهم، يرجو برهم وعطفهم، ويخاف شرَّهم وعقابهم، فهو إن لم يسايرهم منعوا عنه العطاء، ومخرجه من ذلك أن يكون عاقلاً منتجًا، وأن يوجد لنفسه مهنةً، يكتسب من خلالها، وأن يكون في عداد المثمرين المنتجين، حتى لا يبقى عالة على نفسه ومجتمعه.
نسأل الله العظيم أن يحفظ علينا ماء وجوهنا وأن يجعلنا من العاملين المخلصين المنتجين إنه ولي ذلك ومولاه .
...المزيد

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه ...

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين

الضروريات الخمس او الكليات الخمس مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم، أن يحفظ عليهم ...

الضروريات الخمس او الكليات الخمس
مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم، أن يحفظ عليهم أنفسهم، أن يحفظ عليهم عقولهم، أن يحفظ عليهم نسلهم، أن يحفظ عليهم أموالهم.
كل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة.
دفع المفسدة ماذا يكون؟ مصلحة. ودفع المصلحة ماذا يكون؟ مفسدة.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على هذه الضروريات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل". [الموافقات: 1/31].
وقال: "وحفظ الشريعة للمصالح الضرورية وغيرها يتم على وجهين، يكمل أحدهما الآخر، وهما: حفظها من جانب الوجود لا يحققها، يوجدها، يثبتها ويرعاها وحفظها من جانب العدم بإبعاد كل ما يزيلها أو ينقصها، أو يجعلها تختل أو تتعطل، سواءً كان شيئاً واقعاً أو متوقعاً الشرع يمنعه، أي شيء يخل بالضروريات، أو ينقصها، أو يعطلها، أو يخل بها يمنعه الشرع، سواءً كان واقعاً أو متوقعاً، فإذا كان واقعاً فالشرع يريد رفعه وإزالته، وإذا كان متوقعاً فالشرع يريد منع وقوعه وتجنبه". [الموافقات: 2/552].
تتبين أهمية هذه الضروريات الخمس في كون هذا الوجود مبني عليها، كل الكون، مصالح الدين مبنية على المحافظة على الأمور الخمسة المذكورة، فإذا اعتبر قيام هذا الوجود الدنيوي مبنياً عليها، حتى إذا انخرمت لم يعد للدنيا معنى، وكذلك الأمور الأخروية لا تقوم إلا بها، فلو عدم الدين عدم ترتب الجزاء المرتجى، يعني مصالح الآخرة كلها تروح إذا عدم الدين.
ولو عدم المكلف لعدم من يتدين، ولو عدم العقل لارتفع التدين والتكليف، ولو عدم النسل لم يكن للبشر المكلفين بقاء واستمرار، ولو عدم المال لم يبق لهم عيش ولا قوام.
وحفظ الدين أولها، أكبر الكليات الخمس وأرقاها، لأن الغاية التي خلق الخلق لها هو هذا، الدليل؟ قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، وضياعه ضياع بقية المقاصد.
لماذا يقدم حفظ الدين على كل شيء؟ لأن ضياع الدين ضياع بقية المقاصد، وخراب الدنيا بأسرها، وقد شبه الله حال الأمم التي خلت من الدين الصحيح بالأموات، وشبه الدين بالحياة للأمم، قال تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 122].
لذا فقد شرع الله من الوسائل ما يتمم به حفظ الدين، ومن ذلك: تعلمه، والعمل به، والدعوة إليه، والحكم به، والجهاد من أجله، ورد ما يخالفه، والصبر على الأذى في سبيل تحقيق ذلك.
ويكون حفظ الدين من جانبين سبق ذكرهما.
فعل كل ما من شأنه تثبيت الدين، وتقويته مثل ماذا؟ القيام بأصول العبادات: الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، أركان الإسلام الخمسة.
الدين أولى الضروريات وكيفية حفظه:
فلحفظ الدين شرع الله أركان الإيمان وأركان الإسلام، من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج، بعد النطق بالشهادتين. فإذن لو قلت: حفظ الدين بإقامته، ومنع زواله واختلاله.
كيف تكون الإقامة؟ بإقامة الشرائع، بأداء العبادات.
ثانياً: الدعوة إليه، لأنا لا يمكن أن نتصور قيام الدين وانتنشار الدين، وحفظ الدين في نفوس الخلق بدون دعوة إليه، وبيان محاسنه، وتوضيح أحكامه وآدابه، وكشف الشبهات عنه، وفي ترك الدعوة تهديد لوجود الدين، وتشويه لحقائقه، وطمس لمعالمه.
فإذن الدعوة للدين هذه مهمة جداً في حفظ الدين، لأنها تثبته، وترسي قواعده، وتبين حقائقه، وفيها حماية له ودفاع عنه، يعني فيه رد شبهات.
فالدعوة إلى الله من أعظم الوسائل وأنفعها لحفظه واستمراره، ولهذا جاء الأمر بها، ورتب على القيام بها أجر عظيم، والتفريط بها فيه وزر كبير، قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران: 104].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فالمرصدون للعلم" يعني: كلامه يشير، إلى أن الخليفة أو الإمام من واجباته إرصاد ناس للعلم والدعوة، يعني: توفير علماء في الأمة من وظيفة الإمام، يفرغهم، يبحث عنهم، يهيء لهم الجو، هذه من وظيفة الإمام أنه يوجد علماء.
يعني: إذا كان أهل الباطل، الساحر الكافر يقول للملك الكافر: ابعث إليّ غلاماً أعلمه السحر. معناها ماذا يجب على الإمام المسلم؟
أن يبحث ويصطفي من الصغر من يتعلم الدين ليحمله، يفهمه ليعلمه، ويجب على الإمام تحقيق حفظ الدين بتوفير الدعاة اللازمين لنشره، والدفاع عنه، يعلمهم، يدربهم، يفرغهم، ينفق عليهم، يعطيهم وسائل بأيديهم لهذا، هذا ضروري لإقامة الدين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالمرصدون للعلم، عليهم للأمة حفظ علم الدين وتبليغه، فإذا لم يبلغوهم علم الدين، أو ضيعوا حفظه، كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين، ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ [البقرة: 159].
قال: "فإن ضرر كتمانهم قد تعدى إلى البهائم وغيرها، فلعنهم اللاعنون حتى البهائم"، إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ [البقرة: 159].
يدخل في اللاعنين البهائم؛ لأن البهائم تتضرر من كتمان العلم؛ لأنه يقع به الفساد في الأرض، ويترتب عليه قحط المطر، وفساد الزروع والثمار: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم: 41].
فتتضرر البهائم فتلعن الكاتمين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كما أن معلم الخير يصلي عليه الله، وملائكته، ويستغفر له كل شيء، حتى الحيتان في جوف البحر، والطير في جو السماء" [ مجموع الفتاوى: 28/187].
إذن لو قال قائل: هذه أحاديث عجيبة، يعني العالم للدرجة هذه، يعني يستغفر له الحوت في البحر، والنمل في الجحر؟
نقول: نعم. لماذا؟ نقول: لأن العالم الذي يُعَلَّم، ويبين يؤدي دوراً في حفظ الدين، الذي لا تقوم الحياة إلا به، ولولا هذا لضاع الهدف من الدنيا والوجود والكون أصلاً.
وقد ذكر العلماء في كتب الأحكام السلطانية، "أن من أوجب الواجبات على الحاكم المسلم: حفظ الدين على أصوله المستقرة، كما تركها محمد صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه سلف الأمة، فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه، أوضح له الحجة وبين له الصواب، وأخذه بما يلزم من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروساً من خلل، والأمة ممنوعة من زلل" [الأحكام السلطانية: 1/26]. قلنا أولاً وثانياً في حفظ الدين ماذا؟ إقامته بالعبادات، والدعوة إليه.
ثالثاً: تحكيم الدين في الحياة.
لحفظ الدين لا بد يحكم، ليس في الرف، وفي كتب، وفي متحف، لا بد يكون فعّال، وفي حياة الناس، فليس حفظ الدين مجرد مثلاً حفظ نصوصه، أو طباعة في كتب، أو وضعه في مواقع انترنت، لا.
لا بد أن يحكم، فيسلط الدين على الحياة، فمثلاً خلاص ما هو القانون الذي يسري بين الناس؟ الشرع. وعند الاختلاف يرجعون إلى ماذا؟ المحاكم والقضاة الشرعيين.
قال تعالى: وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 49-50].
فإذن لا يكفي حتى مجرد جعل محاكم وقضاة، لابد الناس يسيرون بالشرع، يسيرون، يساسون، يفرض الشرع عليهم، ومن لوازم ذلك جعل القضاة والمحاكم الشرعية. لكن ما هي القوانين؟ يسيرون بالشرع.
الآن هذه الثلاثة تحت أي عنوان؟
أمور شُرعت لحفظ الدين:
حفظ الدين بإقامته، حفظه من الزوال التي هي مراعاة جانب العدم، ودرء المفاسد، وإبعاد كل ما يؤذي الدين، سواءً كان واقعاً أو متوقعاً.
ماذا شرعت الشريعة من أجل ذلك؟ من أجل حفظه من الزوال، حفظه من الاختلال؟
الدعوة لها علاقة بدحض الشبهات المثارة حول الدين، التي تؤدي إلى التشكيك، تؤدي لزوال الدين من بعض النفوس، أو لزوال بعض الدين؛ لأن الشبهات ممكن تكون ماحقة إلحاد كفر، ممكن تكون تزيل جزءاً من الدين من النفوس.
ماذا شرع أيضاً الشريعة من أجل حفظ الدين من جهة الاختلال؟
الجهاد في سبيل الله، لحماية جناب الدين، فيكسر الطغاة الذين يصدون عن سبيل الله، يكسر الطغاة الذين يحولون بين الناس وبين اعتناق دين الله، يكسر الطغاة الذين يكرهون المؤمنين على الكفر، فشرع الله الجهاد لحماية الدين، وحتى تزول الفتنة فتنة الشرك والكفر قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال: 39].
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، النهي عن المنكر، لأن الأمر بالمعروف من جهة الإقامة، والنهي عن المنكر من جهة الحفظ من الاختلال، وهذا فيه منع انتقاص شيء من الدين النهي عن المنكر: من رأى منكم منكراً فليغيره [رواه مسلم: 2269]. جميل. ماذا أيضاً؟
حفظ الدين من الاختلال، حد الردة، نتكلم على حفظ الدين، ما نتكلم عن حفظ المال حتى نقول حد السرقة، نتكلم على حفظ الدين.
فحد الردة من الإجراءات الشرعية العظيمة، التي جاءت لحفظ الدين من الزوال والاختلال، وهو حد الردة لضمان عدم التلاعب بالدين، قال عليه الصلاة والسلام: من بدل دينه فاقتلوه [رواه البخاري: 6922]، فقتل المرتد يثبت غيره، ويمنع شره.
وقد كان بعض أهل الكتاب قد تواصوا فيما بينهم، أن يدخلوا في الدين في أول النهار، ثم يرتدوا عنه في آخر النهار تشكيكاً وطعناً، فقال الله تعالى: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران: 72] خطة ليرجع المسلمون عن دينهم.
سد الباب بحد الردة، الدين ليس بوابة تدخل وتخرج، إذا دخلت وخرجت فٍحد الردة.
يدخل في ذلك أيضاً: الاجتهاد في رد البدع، هي لها علاقة طبعاً بالنهي عن المنكر، ولها علاقة بالجهاد، لأن الجهاد ضد أهل البدعة، النهي عن المنكر والبدعة داخلة في المنكر.
لكن هذه المسألة اعتني بها عند العلماء عناية خاصة، قضية معالجة البدع، لأن النصوص الشرعية فيها شديدة جداً لخطورة البدعة: فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار [رواه الطبراني في الكبير: 8521، وصححه الألباني في الصحيحة: 2735]، أبى الله أن يقبل من صاحب بدعة توبة حتى يدع بدعته [رواه ابن ماجه: 50، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجة50].
ولذلك عمر رضي الله عنه ما حد تجرأ في عهده أن يرفع رأسه ببدعة، لأنه لما واحد رفع رأسه ببدعة خفضه عمر بجريد النخل، ضل يضربه على رأسه، حتى قال: حسبك يا أمير المؤمنين ذهب الذي في رأسي. خلاص، هذا بالنسبة لحفظ الدين، نأتي إلى حفظ النفس.
الضرورة الثانية: حفظ النفس:
من أهم الضرورات بعد حفظ الدين، جعل له الشرع تدابير كثيرة في حفظه، وفي منع زواله: طرق المحافظة على النفس من جهة الوجود، نحن الآن نمشي في نفس المنهج: تحقيق الوجود ومنع الزوال؛ ما هي الأشياء التي أتت الشريعة بها لحفظ النفس من جهة الوجود؟
النكاح، تحريم الانتحار وقتل النفس، هذا من جهة الزوال.
نتكلم الآن من جهة الوجود: تناول المطعومات والمشروبات، ما يجوز الإضراب عن الطعام، الإضراب عن الطعام المفضي للهلاك حرام، قال تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31]، وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [النساء: 29].
الترخيص في تناول الطعام المحظور في حال الضرورة: فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 173]، بل يجب عليه أن يأكل، إذا كان بدون الأكل من الميتة يموت، فيجب عليه أن يأكل بقدر ما يبقيه حياً.
قال شيخ الإسلام: "كذلك أكل الميتة والدم ولحم الخنزير يحرم أكلها عند الغنى عنها، ويجب أكلها بالضرورة عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء.
قال مسروق: "من اضطر فلم يأكل حتى مات دخل النار -كل هذا من أجل حفظ النفس- قال: وذلك لأنه أعان على نفسه -يعني على إزهاقها- بترك ما يقدر عليه، من الأكل المباح له في هذه الحال، فصار بمنزلة من قتل نفسه".[ الفتاوى الكبرى: 1/447]. الفتاوى الكبرى لابن تيمية.
أيضاً: إلزام الآباء برعاية الأبناء والإنفاق عليهم، فالابن الرضيع، بدون أكل ولا شرب يموت، هؤلاء صغار ما يستطيعون أن يوفروا لأنفسهم طعاماً بدون إنفاق عليهم يهلكون. كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت [رواه أحمد: 6495، وحسنه الألباني في الصغير: 8610]، ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته [رواه البخاري: 7138، ومسلم: 1829].
من ضمن الإجراءات الشرعية: تشريع الرخص لحماية النفس.
مثلاً إفطار الحامل والمرضع: إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم، وعن الحبلى والمرضع [رواه أبو داود: 2410 والترمذي 715، وصححه الألباني في المشكاة: 2025]. رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث صحيح.
يعذر في ترك الجمعة والجماعة الخائف على ضياع نفسه، في حالات القصف، لا يذهب للجمعة والجماعة في حالات القصف.
إذا جئنا إلى طرق المحافظة على النفس من جهة منع الزوال ماذا نجد؟ حد القصاص.
الشريعة حرمت العدوان على النفس: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء: 93]. القصاص في النفس والأعضاء: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة: 179].
ثلاثة: تشريع دفع الصائل. ما هو الصائل؟ المعتدي، فشرع دفعه ولو بقتله، حماية للنفس، سواءً كان المعتدي إنساناً أو حيواناً، قال عليه الصلاة والسلام: من قُتل دون دمه فهو شهيد [رواه البخاري: 2480، ومسلم: 141].
وقد نقل الإمام الصنعاني: الإجماع على أن من شهر على آخر سلاحاً ليقتله فدفع عن نفسه فقتل الشاهر –الذي هو الصائل- أنه لا شيء عليه. [سبل السلام: 3/262]. سبل السلام.
كذلك نجد النهي عن كل ما فيه إضرار أو إيذاء للنفس، كما جاء في حديث:لا ضرر ولا ضرار [رواه أحمد: 2865، وصححه الالباني في الارواء: 2653].
كذلك نجد منع الانتحار، وحتى أن أهل الفضل والعلم لا يصلون على المنتحر، ردعاً لأمثاله ممن يريدون الانتحار: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يعني: قتل النفس، أن يقتل نفساً. عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [النساء: 29-30].
الضرورة الثالثة: حفظ العقل:
إذا انتقلنا إلى حفظ العقل الذي ميز الله به هذا الإنسان، وجعل العقل مناطاً للتكليف.والعقل جزء من النفس، نجد أن الشرع قد جاء بما يكفل الحفظ لهذه النعمة الإلهية العظيمة، وشرع تدابير لإبقائه، وتدابير لمنع زواله.
فما هي الأشياء التي جاء بها الشرع لحفظ العقل؟ حتى في قضية طلب العلم والتدبير والتفكر والتأمل، شرعت تنمية وتغذية وتوجيه العقل: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83]، وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:191]، أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، إذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر [رواه البخاري: 7352، ومسلم: 1716]. رواه البخاري ومسلم.
إذن هذه، قضية تنمية العقل وتغذية العقل بالتعلم، والاجتهاد، والاستنباط، والتفكر، والتدبر، والتأمل، والمدارسة، تنمية، ومن جهة حفظ العقل أيضاً، مثلاً: تحريم تعاطي المسكرات والمخدرات.
لكن هذا يأتينا في أي شق؟ المنع من الزوال والمنع من الاختلال.
فنجد أن الشرع حرم كل ما يفسد العقول ويذهبها، فتحريم الخمر معروف بالأدلة، وما هو أسوأ من الخمر، من المخدرات، وكل ما فيه إتلاف للعقل، وإتلاف لخلايا الدماغ.
أشياء تتعاطى تؤدي إلى تلف خلايا الدماغ، هذه حرام.
لو واحد قال: أنا أريد آخذ بنج من غير داعي، ما هو عملية، فما حكمه؟ حرام، ما يجوز تغييب العقل، ما يجوز استعمال ما يغيب العقل إلا لضرورة، نجد حد شارب الخمر.
حتى من نواحي، منع العقل من الاختلال، مثلاً منع التقليد الأعمى، منع انحراف العقل حتى من جهة التفكير، منع انحراف العقل، التقليد بغير بينة: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُون [البقرة: 170].
الضرورة الرابعة: حفظ النسل:
إذا جئنا إلى المحافظة على النسل، الذي هو بقاء النوع الإنساني بواسطة التناسل؛ لأن الشرع يريد استمرار المسيرة البشرية.
فنجد أنه شرع طرقاً للمحافظة على النسل، وعلى بقائه، يالله منها؟
النكاح والترغيب فيه: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج [رواه البخاري: 5066، ومسلم: 1400]، وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور: 32]، فشرع الزواج، وشرع تزويج الفقراء والأيامى.
وكذلك تربية الأولاد ورعاية الأسرة، وأمر بحسن اختيار الزوج والزوجة: تنكح المرأة لأربع [رواه البخاري: 5090، ومسلم: 1466]، إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه [رواه الترمذي: 1084، وحسنه الألباني في المشكاة: 3090].
الأمر بحسن العشرة بين الزوجين، الأمر برعاية الأهل: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم: 6].
ماذا بالنسبة لحفظ النسل من الاختلال؟ درء المفاسد عن النسل؟ تحريم الزنا ومقدمات الزنا: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى [الإسراء: 32]. هذه منع الزنا ومقدمات الزنا، وَلا تَقْرَبُوا ولم يقل: لا تزنوا، وَلا تَقْرَبُوا .
فإذن حتى مقدمات الزنا التي تقرب تؤدي للوقوع ممنوعة، كالنظر، والتقبيل، إلى آخره..يا شباب قريش احفظوا فروجكم، لا تزنوا، ألا من حفظ فرجه فله الجنة [ رواه الحاكم: 8062، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 2410]. رواه الحاكم وحسنه الألباني.
ماذا نقول عن تحريم التبرج؟
أنه إجراء شرعي لحفظ النسل، لأن التبرج يؤدي إلى الوقوع في الفاحشة: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب: 33]، صنفان من أهل النار لم أرهما، نساء كاسيات عاريات [رواه مسلم: 2128].
تشريع حد الزنا: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور: 2]. وتشريع رجم الزاني المحصن والزانية المحصنة: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة).
تحريم القذف، وتشريع حد القذف: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً [النور: 4]، اجتنبوا السبع الموبقات، -وذكر منها- قذف المحصنات الغافلات المؤمنات [رواه البخاري: 2766، ومسلم: 89].
تشريع اللعان: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ [النور: 6-7]. الآيات.
حد اللواط والسحاق أو العقوبة التعزيرية؛ لأن من أسباب قلة النسل: اكتفاء الذكور بالذكور والإناث بالإناث، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ملعون من عمل بعمل قوم لوط [ رواه أحمد: 2914، وصححه الألباني في الجامع الصغير: 10831]. رواه أحمد وهو حديث صحيح، وأمر بالعفة: وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً [النور: 33].
وشرع الاستئذان: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور: 27]. لئلا يؤدي إلى الوقوع في الفاحشة.
الضرورة الخامسة: حفظ المال:
وإذا جئنا إلى حفظ المال، الذي هو عصب الحياة: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء: 5]. فماذا نجد، ماذا نجد في موضوع حفظ المال؟ إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم وادٍ لأحب أن يكون إليه ثانٍ، ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب [رواه أحمد: 21906، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1639].
هذا كان في القرآن ثم نسخ لفظه، لكن بقي موعظة. والحديث رواه أحمد، وهو صحيح.
حفظ المال من جهة الوجود، والحث على الاكتساب: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا [الملك: 15]، فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة: 10]، ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده [رواه البخاري: 2072]. كما في البخاري.
إذا جئنا لقضية الحث على صيانة المال: الأمر بالتكسب هذه أوامر كثيرة جداً، قضية النصوص الآمرة بالتكسب وصيانة النفس عن ذل السؤال.
قضية الصيانة والمنع من الزوال والاختلال بالنسبة للمال؟ هاه؟
عدم الإسراف، هذا نريد المنع من الزوال والاختلال.
حد السرقة، الله قال: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ [النساء: 5]. فحث على صيانة المال؛ لأن إيتاء السفهاء المال يضيعها، فنهى عن تضييع المال، نهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال [رواه البخاري: 6473، ومسلم: 593].
قال سفيان الثوري: "لأن أخلف عشرة آلاف درهم أحاسب عليها، أحب إليّ من أن أحتاج إلى الناس" يعني أمد يدي.
وقال أيضاً: "من كان في يده من هذه -يعني الدنانير والدراهم- شيء فليصلحه يستثمره، يحفظه من الضياع فإنه زمان من احتاج كان أول ما يبذل دينه". [حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: 6/381].
كان زمان إذا أحد احتاج فيه أول ما يتنازل عنه لتحصيل المال الدين، وما أشبهه بزماننا، تتغير مواقف، ومناهج، ومسيرات، أشخاص وجماعات من أجل المال.
كذلك شرعت الشريعة: المحافظة على أموال الأيتام والقصر: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا [النساء: 6].
جاء الوعيد الشديد في هذا الموضوع: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء: 10].
ماذا جاء في الشرع من وسائل لحفظ المال من الزوال، أو حصول الاختلال، كما قلنا: تحريم الاعتداء على المال: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء: 29].
النهي عن الغش، والتدليس، والسرقة، والرشوة، والربا.
وشرع حد السرقة لحفظ المال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة: 38].
والنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن تحريم الشفاعة في الحدود، في قصة المخزومية، لحفظ المال، جعل الشفاعة في الحدود من الكبائر، إذا بلغ الحد الإمام ما في مجال للشفاعة، ولما جاء أسامة قال: أتشفع في حد من حدود الله؟ [رواه البخاري: 3475، ومسلم: 1688].
خلاص بلغ الحد الإمام، ويجب الآن إقامة الحد للمحافظة على الأموال، مع أن المخزومية كانت تستعير الشيء وتجحده، فجحد العارية عليه قطع هذا لحفظ المال.
إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد [رواه البخاري: 3475، ومسلم: 1688].
حد الحرابة وسيلة أيضاً أخرى شرعية: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ [المائدة: 33].
فإذا قتلوا يقتلوا، وإذا أخذوا المال يقطعوا، وإذا روعوا وأخافوا ينفوا من الأرض، وبحسب يعني قوة الجرم تكون قوة العقوبة.
يقول البابرتي الحنفي في لطيفة له: "اعلم أن قطع الطريق يسمى سرقة كبرى" [حاشية ابن عابدين: 4/116]، أما تسميتها سرقة، فلأن قاطع الطريق يأخذ المال سراً ممن إليه حفظ الطريق –من الذي عليه حفظ الطريق، من الذي عليه حفظ الطريق، من الذي عليه حفظ الطريق؟ الإمام السلطان.
فقاطع الطريق يأخذ المال سراً عن من؟ عن من وكل بحفظ الطريق، فلذلك سماها سرقة، ٍقال: ممن إليه حفظ المكان المأخوذ منه وهو المالك أو من يقوم مقامه، وأما تسميتها كبرى، فلأن ضرر قطع الطريق على أصحاب الأموال وعلى عامة المسلمين بانقطاع الطريق –يعني هذا أكبر-، وضرر السرقة الصغرى يخص الملاك بأخذ مالهم وهتك حرزهم، ولهذا غلظ الحد في حق قطاع الطريق.
قلنا النهي عن الإسراف وتضييع المال: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء: 26-27].
وهنالك إحصاءات كثيرة اليوم، لو نرى كيف يضيع المجتمع الأموال في السفاسف، في الترهات، فيما يسمى بالكماليات تضيع أموال ضخمة جداً بالمليارات سنوياً في بلد واحد، عمليات تجميل بدون حاجة إلأيها، زيادة في الإنفاق، إسراف في السياحات بدرجة رهيبة.
مواد التجميل كم أسرفوا فيها، كم يضيع من الأطعمة في الولائم؟ وكم، وكم يهدر من النعم؟
هذه كلها مخالفة لحفظ الضرورات الخمس، ولما جعل الشرع الدفاع عن المال: إن جاء رجل يريد أخذ مالي يا رسول الله؟ قال: لا تعطه مالك قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال:قاتله قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد قال: أرأيت إن قتلته؟قال: هو في النار [رواه مسلم:140].
أحكام اللقطة شرعت من أجل المحافظة على المال: من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها [رواه مسلم: 1725]. رواه مسلم، اعرف وكاءها أو قال وعاءها وعفاصها ثم عرفها سنة [رواه البخاري: 91، ومسلم: 1722]، وضالة الإبل قال: مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وترعى الشجر، فذرها حتى يلقاها ربها [رواه البخاري: 91، ومسلم: 1722]. يعني: صاحبها.
فهذه إذن نبذة عما جاء في الشريعة لحفظ الضروريات الخمس، التي لا تقوم الدنيا والآخرة، مصالح الدنيا والآخرة إلا بها، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا في دينه، وأن يجعلنا من الوقافين عند حدوده، إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد. ( من الموقع الرسمي للشيخ محمد المنجد )
...المزيد

"فأرَدْنا أن يُبْدِلَهُما ربُّهما خيرًا منه " ليس كل مانفقده يعد خسارة .. فقد يريد الله تبديل ...

"فأرَدْنا أن يُبْدِلَهُما ربُّهما خيرًا منه "

ليس كل مانفقده يعد خسارة .. فقد يريد الله تبديل النعم بخير منها .. فثق باختيار الله لك
.

اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين......... استغفرالله العظيم واتوب اليه........ سبحان ...

اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين......... استغفرالله العظيم واتوب اليه........ سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم........... سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء وكيل..... والله اكبر ولاحول ولاقوه الا بالله العلي العظيم...... لا اله الا الله ...المزيد

اللهم يا من لا تنفعه طاعة من أطاعه كما لا تضره معصية من عصاه؛ تقبل منا ما لا ينفعك وإن كان يسيرًا ...

اللهم يا من لا تنفعه طاعة من أطاعه كما لا تضره معصية من عصاه؛ تقبل منا ما لا ينفعك وإن كان يسيرًا قليلًا، واغفر لنا ما لا يضرك وإن كان عظيمًا كثيرًا؛ إنك أنت الغفور الشكور.

* إنّ الله تَعَالَى يُحِبُّ مَعالِيَ الأُمُورِ وأشْرَافَها ويكره سفسافها (طب) عن الحسين بن ...

* إنّ الله تَعَالَى يُحِبُّ مَعالِيَ الأُمُورِ وأشْرَافَها ويكره سفسافها
(طب) عن الحسين بن علي.
[حكم الألباني]
(صحيح) انظر حديث رقم: 1890 في صحيح الجامع
(إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها) وهي الأخلاق الشرعية والخصال الدينية لا الأمور الدنيوية فإن العلو فيها نزول (ويكره) في رواية البيهقي ويبغض (سفسافها) بفتح أوله أي حقيرها ورديئها فمن اتصف من عبيده بالأخلاق الزكية أحبه ومن تحلى بالأوصاف الرديئة كرهه (1) وشرف النفس صونها عن الرذائل والدنايا والمطامع القاطعة لأعناق الرجال فيربأ بنفسه أن يلقيها في ذلك وليس المراد به التيه فإنه يتولد من أمرين خبيثين إعجاب بنفسه وازدراء بغيره والأول يتولد بين خلقين كريمتين إعزاز النفس وإكرامها وتعظيم مالكها فيتولد من ذلك شرف النفس وصيانتها وقد خلق سبحانه وتعالى لكل من القسمين أهلا لما مر أن بني آدم تابعون للتربة التي خلقهم منها فالتربة الطيبة نفوسها علية كريمة مطبوعة على الجود والسعة واللين والرفق لا كزازة ولا يبوسة فيها فالتربة الخبيثة نفوسها التي خلقت منها مطبوعة على الشقوة والصعوبة والشح والحقد وما أشبهه

*<تنبيه> علم مما تقرر أن العبد إنما يكون في صفات الإنسانية التي فارق بها غيره من الحيوان والنبات والجماد بارتقائه عن صفاتها إلى معالي الأمور وأشرافها التي هي صفات الملائكة فحينئذ ترفع همته إلى العالم الرضواني وتنساق إلى الملأ الروحاني

* <تنبيه> قال بعض الحكماء: بالهمم العالية والقرائح الزكية تصفو القلوب إلى نسيم العقل الروحاني وترقى في ملكوت الضياء والقدرة الخفية عن الأبصار المحيطة بالأنظار وترتع في رياض الألباب المصفاة من الأدناس وبالأفكار تصفو كدر الأخلاق المحيطة بأقطار الهياكل الجسمانية فعند الصفو ومفارقة الكدر تعيش الأرواح التي لا يصل إليها انحلال ولا اضمحلال
.
(طب عن الحسين بن علي) أمير المؤمنين قال الهيثمي فيه خالد بن إلياس ضعفه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي وبقية رجاله ثقات وقال شيخه العراقي رواه البيهقي متصلا ومنفصلا ورجالهما ثقات اه
_________
(1) والإنسان يضارع الملك بقوة الفكر والتمييز ويضارع البهيمة بالشهوة والدناءة فمن صرف همته إلى اكتساب معالي الأخلاق أحبه الله فحقيق أن يلتحق بالملائكة لطهارة أخلاقه ومن صرفها إلى السفساف ورذائل الأخلاق التحق بالبهائم فيصير إما ضاربا ككلب أو شرها كخنزير أو حقودا كجمل أو متكبرا كنمر أو رواغا كثعلب أو جامعا لذلك كشيطان
...المزيد

ربنا لاتؤاخذنا إ ن نسينا أ و أ خطأ نا

ربنا لاتؤاخذنا إ ن نسينا أ و أ خطأ نا

‏قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: _ لفظ : الأعراب هو في الأصل : اسم لبادية العرب ، فإن كل ...

‏قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
_
لفظ : الأعراب هو في الأصل :
اسم لبادية العرب ، فإن كل أمة لها حاضرة وبادية.
_
فبادية العرب : الأعراب.
_
ويقال : إن بادية الروم : الأرمن ونحوهم.
-
وبادية الفرس : الأكراد .
_
ونحوهم وبادية الترك التتار .
_
اقتضاء الصراط المستقيم(٤١٨/١)
...المزيد

قال أبوهريرة -رضي الله عنه- :) البيتُ إذا تُلي فيه كتاب الله اتَّسع بأهله وكثُر خيره والبيت ...

قال أبوهريرة -رضي الله عنه-

البيتُ إذا تُلي فيه كتاب الله
اتَّسع بأهله وكثُر خيره
والبيت الَّذي لا يُتلى فيه كتاب الله
يضيق بأهله ويقلُّ خيره.

#خواطر_رمضانية_12 غناك قبل فقرك............ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ روى ...

#خواطر_رمضانية_12
غناك قبل فقرك............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روى الحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة والقضاعي في مسند الشهاب بسند صحيح عن إبن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه : " اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك "

"وغِنَاك قبْلَ فَقْرِك"، أي: اغْتَنِمْ قُدْرتَك على العِباداتِ الماليَّةِ والخيراتِ والـمَبَرَّاتِ الأُخرويَّةِ في مُطْلقِ الأحوالِ، مِثْلُ التَّصدُّقِ بفَضْلِ مَالِك ونَـحْوِه، قبْلَ فَقْدِك المالَ في حياتِك، أو قبْلَ الـمَماتِ، وفَقْدِك المالَ الذي تُعطِي منه في وُجوهِ الخيرِ، فتَصِيرُ فَقيرًا في الدارَينِ.

إنها الفرصة الثالثة التي وصانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغتنم فرصة غناك قبل فقرك؛ بأن تكثر من الصدقات وبذل المال في وجوه الخير، قبل تغير أحوالك الاقتصادية أو قبل تغير أحوال المجتمع الذي من حولك.
فإن أعظم الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان.
إنها فرصة أن تتعرف على الله في الرخاء ليعرفك في الشدة، كما ويحتمل أن يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم (وغناك قبل فقرك) أن يكون هذا إنذارا للغني من الفقر إذا لم ينفق من ماله في وقت الغنى؛ لا سيما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن هناك ملكين يدعوان كل صباح اللهم أعط كل منفق خلفا وأعط كل ممسك تلفا.
لقد أخبرنا الله عز وجل بأن المسلم ليتمنى إذا مات أن لو أعطي فرصة أخرى للعودة إلى الحياة لا ليتمتع فيها أو يلهو فيها وإنما ليتصدق ويكون صالحا ويبادر إلى الفرص التي فاتته طوال حياته، قال الله تعالى( وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لو لا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون).
اغتنم في الفراغ فضل ركوع *** فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيح رأيت من غير سقم *** ذهبت نفسه الصحيحة فلته
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى (بخاري)
هرجيسيا _12/رمضان/1440 هــــــــــــ
أبو الأثير الصومالي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
1 محرم 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً