🌃رسائل الفجر١٤٤٦/٥/٩🌃 العقلُ وزيرٌ ناصحٌ، والهوى وكيلٌ فاضحٌ، فمن رقد عقله استيقظ هواه فغلبه، ...

🌃رسائل الفجر١٤٤٦/٥/٩🌃
العقلُ وزيرٌ ناصحٌ، والهوى وكيلٌ فاضحٌ، فمن رقد عقله استيقظ هواه فغلبه، والهوى إذا غلب صار إلاها معبودا يقود صاحبه للمهالك
🔻 🔻 🔻
وصف بعضهم الهوى(الهوى مطيّة الفتنة، والدنيا دار المِحنة، فانزل عن الهوى تسلَمْ، وأعرِضْ عن الدنيا تغنَمْ،ولا يغرنَّك هواك بطيب الملاهي،ولا تفتننَّكَ دنياك بحُسن العَواري؛فمدة اللهو تنقطع،وعارية الدهر تُرتجَع، ويبقى عليك ما ترتكبه من المحارم،وتكتسبه من المآثم)
🔻 🔻 🔻
وخيرُ الناس: مَن أخرج الشهوةَ من قلبه،وعصى هواه في طاعة ربِّه، والهوى ملِكٌ غَشُومٌ،ومُتَسلِّطٌ ظَلُومٌ، وأفضلُ الجهاد:جهادُ الهوى،وإنَّما سُمِّي الهوى هوىً؛ لأنَّه يَهوي بصاحبه.
https://t.me/azzadden
...المزيد

وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا • النهي عن الحزن وأما "الحزن" فلم يأمر الله به ولا رسوله، بل ...

وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا

• النهي عن الحزن

وأما "الحزن" فلم يأمر الله به ولا رسوله، بل قد نهى عنه في مواضع وإن تعلق بأمر الدين، كقوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، وقوله: {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}، وأمثال ذلك كثير.

• حكمة النهي عنه

وذلك لأنه لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة فلا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه لا يأمر الله به.

• حزن مباح

لا يأثم صاحبه إذا لم يقترن بحزنه محرّم، كما يحزن على المصائب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يؤاخذ على دمع العين ولا على حزن القلب، ولكن يؤاخذ على هذا أو يرحم، وأشار بيده إلى لسانه).

• حزن محمود

وقد يقترن بالحزن ما يُثاب صاحبه ويُحمد عليه، فيكون محمودا من تلك الجهة لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عموما، فهذا يُثاب على ما في قلبه من حب الخير، وبغض الشر، وتوابع ذلك ولكن الحزن على ذلك، إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد، وجلب منفعة ودفع مضرة؛ نُهي عنه.

• حزن مذموم

وأما إن أفضى إلى ضعف القلب واشتغاله به عن فعل ما أمر الله ورسوله به؛ كان مذموما عليه من تلك الجهة، وإن كان محمودا من جهة أخرى.

[مجموع الفتاوى] لابن تيمية -رحمه الله-


▫المصدر: إنفوغرافيك النبأ - وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

حكم بين العدل والظلم • الحمد لله العدل الديان، منزل الكتاب والميزان، ومبتلي عباده بالإعطاء ...

حكم بين العدل والظلم

• الحمد لله العدل الديان، منزل الكتاب والميزان، ومبتلي عباده بالإعطاء والحرمان، والصلاة والسلام على نبيه العدنان، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد.

كان العدل وما يزال مطلب الحاضرين والغابرين، وفي هذا المقال بين أيدينا أصول وحِكم بين العدل والظلم، ذكرى للغافلين وبشرى للمؤمنين وسلوى للمظلومين، علّ الله أن يجعلها سببا في أمان قلب جازع وبال مضطرب ونفس يائسة لتعود إلى ربها حق العودة وتؤمن به ربا حكما عدلا كما تؤمن به ربا غفورا رحيما.

◾ الابتلاء سنة عادلة

اقتضت سنة الله ابتلاء المؤمنين بالكافرين والعكس، وابتلاء الناس بعضهم ببعض وكل ذلك من حكمة الله ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وليرفع الله الصابرين درجات قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان]؛ قال الإمام الطبري: "وامتحنا أيها الناس بعضكم ببعض، جعلنا هذا نبيا وخصصناه بالرسالة، وهذا ملِكا وخصصناه بالدنيا، وهذا فقيرًا وحرمناه الدنيا لنختبر الفقير بصبره على ما حرم مما أعطيه الغنيّ، والملك بصبره على ما أعطيه الرسول من الكرامة، وكيف رضي كل إنسان منهم بما أُعطى وقُسم له، وطاعته ربه مع ما حُرم مما أُعطى غيره، يقول: فمن أجل ذلك لم أُعطِ محمدا الدنيا، وجعلته يطلب المعاش في الأسواق، ولأبتليكم أيها الناس وأختبر طاعتكم ربكم وإجابتكم رسوله إلى ما دعاكم إليه، بغير عرض من الدنيا ترجونه من محمد أن يعطيكم على اتباعكم إياه، لأني لو أعطيته الدنيا لسارع كثير منكم إلى اتباعه طمعا في دنياه أن يَنال منها". [التفسير]

فالله بصير بكل ما يحل بعباده من جراح ومحن، وهو سبحانه قادر على تغيير حالهم، ولكنه سبحانه خلقنا ليختبرنا، قال تعالى: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ}، وهو أيضا بصير بأفعال الكافرين بحق عباده المؤمنين، وهو سبحانه يملي لهم ويستدرجهم ليعذبهم عذابا مهينا قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}، وما كان الله تاركا عباده دون أن ينتصر لهم، بل يهيئ الأسباب لجنده المؤمنين، وليس لنا في ذلك أن نطَّلع على الغيب، فقال تعالى تلو الآية السابقة: {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.

وفي هذا قد بيَّن الإمام ابن القيم أصولا وحقائق إيمانية ثابتة، ذكر فيها وجوها من حكم الابتلاء التي لا تخرج في كل أحوالها وصورها عن عدل الله تعالى المطلق ومنها: "أن ما يصيب المؤمنين -من الشرور والمحن والأذى- دون ما يصيب الكفار، والواقع شاهد بذلك، وكذلك ما يصيب الأبرار في هذه الدنيا: دون ما يصيب الفجار والفساق والظلمة بكثير، وأن ما يصيب الكافر والفاجر والمنافق -من العز والنصر والجاه- دون ما يحصل للمؤمنين بكثير، بل باطن ذلك ذل وكسر وهوان، وإن كان في الظاهر بخلافه، قال الحسن رحمه الله: "إنهم وإن هملجت بهم البغال، وطقطقت بهم النعال؛ إن ذل المعصية لفي قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه"، وأن ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته، أو نقصت ثوابه، وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعدُّ به لتمام الأجر، وعلو المنزلة، وأن ما يصيب المؤمن في هذه الدار -من إدالة عدوه عليه، وغلبته له، وأذاه له في بعض الأحيان-: أمر لازم، لا بد منه، وهو كالحر الشديد والبرد الشديد، والأمراض والهموم والغموم، فهذا أمر لازم للطبيعة والنشأة الإنسانية في هذا الدار، حتى للأطفال والبهائم لما اقتضته حكمة أحكم الحاكمين، فلو تجرد الخير في هذا العالم عن الشر، والنفع عن الضر، واللذة عن الألم: لكان ذلك عالما غير هذا، ونشأة أخرى غير هذه النشأة، وكانت تفوت الحكمة التي مزج لأجلها بين الخير والشر، والألم واللذة، والنافع والضار، وأن ابتلاء المؤمنين بغلبة عدوهم لهم وقهرهم وكسرهم لهم أحيانا، فيه حكم عظيمة لا يعلمها على التفصيل إلا الله عز وجل فمنها: استخراج عبوديتهم وذلهم لله وانكسارهم له، وافتقارهم إليه وسؤاله نصرهم على أعدائهم، ولو كانوا دائما منصورين قاهرين غالبين، لبطروا وأشِروا، ولو كانوا دائما مقهورين مغلوبين منصورا عليهم عدوهم، لما قامت للدين قائمة ولا كانت للحق دولة". [إغاثة اللهفان باختصار]


▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ


حكم بين العدل والظلم

◾ كل العدل في الشرع

ومما زاد رقعة الظلم في زماننا تغييب حكم الشريعة من حياة الناس وإبدالها بأحكام البشر وتشريعاتهم الناقصة الخاطئة، فهي وضعت بناء على وجهات نظر قاصرة لا تخلو من حظوظ النفس وأهوائها ونزواتها وشهواتها، وهي كثيرة التقلبات عديدة الثغرات مستمرة التناقضات، حتى إن العامة تستهزأ بها فتقول: القانون للضعفاء والفقراء والثغرات للأقوياء والأغنياء، فتلك حقيقة العدل عند المخلوق وطبيعة الإنسان الذي وصفه الله بقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، وهو الأمر الذي أدركته الملائكة بعلمها المحدود بادئ ذي بدء، عندما أطلعهم الله سبحانه أنه {جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، فعجبوا وسألوه سبحانه: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}، إلا أن الله أجابهم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.

◾ عدل الدنيا قاصر

وإن مما لا يطيقه البشر إنصاف الجميع في الدنيا، ولذلك يوضع الميزان يوم القيامة ليحكم الله بين الخلائق البشر وغيرهم، كما عند مسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتّى يقاد للشّاة الجلحاء من الشّاة القرناء)؛ لذا فعدل الدنيا مهما بلغ يبقى قاصرا، فمن ينصف المقتول ظلما وقد فارق دنياه، ومن يرد حق الذين هدمت بيوتهم وشردوا وقتل أبناؤهم؟، من يرد حق الأيتام والأرامل؟، وحق كل المستضعفين من المسلمين الذين تسلط عليهم الكفار في ديار الكفر؟ لا شك أن هؤلاء وغيرهم حقهم محفوظ عند الله تعالى يوم الحساب، سترد إليهم حقوقهم كاملة غير منقوصة.

◾ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}

وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن الله تعالى عدل لا يظلم أحدا بل هو سبحانه حرم الظلم على نفسه كما جاء في الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..)، وقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وما يحصل في هذه الدنيا من مصائب ومحن ونوازل فهي من جنس الابتلاءات التي تعم الكافر والمؤمن، فترفع درجة المؤمن وتمحق الكافر، ويكون تمام العدل في أحكام الآخرة عندما يساق المؤمنون إلى الجنة ويساق الكافرون إلى النار.

فلا ينبغي للعبد أن يشك في عدل الله تعالى في شيء، ولا يعترض عليه في أحكامه وأوامره وقضائه، فهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ} فلا يخرج المؤمن عن طاعة ربه، بل يقابل قضاءه بأتم التسليم ولو غابت الحكمة عنه، وذلك من حسن الظن بالله وأنه ما منع إلا ليعطي وما أخَّر إلا ليجزل، وهو أعلم بعباده وبما يصلح لهم وهو كله راجع لعلمه سبحانه وحكمته قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، فلا يعترض العبد على القدر إن جانب هواه وخالف مبتغاه، فقد قال تعالى منكرا ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بل يكون من المهتدين الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ولا ينتظر أن تصيبه الحسنة حتى يحسن وأن لا يكون ممن إذا أصابتهم السيئة أساؤوا، بل إن العبد هو من يبادر ويقبل ولا يشترط على ربه، ومن ذلك كراهة النذور فكما في الصحيحين وغيرهما قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر وقال: (إنّه لا يردّ شيئا، وإنّما يستخرج به من البخيل).

وليتأمل العبد مشهدا من مشاهد العدل المطلق يوم القيامة فيما رواه مسلم عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة، فيصبغ في النّار صبغة، ثمّ يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قطّ؟ هل مرّ بك نعيم قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ. ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدّنيا من أهل الجنّة، فيصبغ صبغة في الجنّة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قطّ؟ هل مرّ بك شدّة قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ، ما مرّ بي بؤس قطّ، ولا رأيت شدّة قطّ).

▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ



حكم بين العدل والظلم

◾ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}

وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن الله تعالى عدل لا يظلم أحدا بل هو سبحانه حرم الظلم على نفسه كما جاء في الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..)، وقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وما يحصل في هذه الدنيا من مصائب ومحن ونوازل فهي من جنس الابتلاءات التي تعم الكافر والمؤمن، فترفع درجة المؤمن وتمحق الكافر، ويكون تمام العدل في أحكام الآخرة عندما يساق المؤمنون إلى الجنة ويساق الكافرون إلى النار.

فلا ينبغي للعبد أن يشك في عدل الله تعالى في شيء، ولا يعترض عليه في أحكامه وأوامره وقضائه، فهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ} فلا يخرج المؤمن عن طاعة ربه، بل يقابل قضاءه بأتم التسليم ولو غابت الحكمة عنه، وذلك من حسن الظن بالله وأنه ما منع إلا ليعطي وما أخَّر إلا ليجزل، وهو أعلم بعباده وبما يصلح لهم وهو كله راجع لعلمه سبحانه وحكمته قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، فلا يعترض العبد على القدر إن جانب هواه وخالف مبتغاه، فقد قال تعالى منكرا ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بل يكون من المهتدين الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ولا ينتظر أن تصيبه الحسنة حتى يحسن وأن لا يكون ممن إذا أصابتهم السيئة أساؤوا، بل إن العبد هو من يبادر ويقبل ولا يشترط على ربه، ومن ذلك كراهة النذور فكما في الصحيحين وغيرهما قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر وقال: (إنّه لا يردّ شيئا، وإنّما يستخرج به من البخيل).

وليتأمل العبد مشهدا من مشاهد العدل المطلق يوم القيامة فيما رواه مسلم عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة، فيصبغ في النّار صبغة، ثمّ يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قطّ؟ هل مرّ بك نعيم قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ. ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدّنيا من أهل الجنّة، فيصبغ صبغة في الجنّة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قطّ؟ هل مرّ بك شدّة قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ، ما مرّ بي بؤس قطّ، ولا رأيت شدّة قطّ).

وأنه في ذلك اليوم سيقتص الله للمظلومين من الظالمين أجمعين، وحاشاه أن يترك ظالما بغير حساب ففي الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ اللّه ليملي للظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلته)، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، وذلك وعد الله لا يخلفه يوم يقوم الناس لرب العالمين فيحكم بينهم ويقول: {الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، وسيجد المؤمنون والكافرون ما وعدهم ربهم حقا قال تعالى: {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.

وفي ذلك اليوم أيضا يشهد الكون كله لله بالعدل -وكفى بالله شهيدا- وينطقون حامدين لربهم على فضله قال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال ابن كثير: "ونطق الكون أجمعه -ناطقه وبهيمه- لله رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله؛ ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد". فلا يجزعنَّ المؤمن ولا يسخط وليرَ اللهُ منه الرضا والتسليم، فلا يظن بربه إلا حسنا، ولا يقول إلا طيبا، ولا يفعل إلا خيرا، والحمد لله رب العالمين.


▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم حسرات ...

بسم الله الرحمن الرحيم

حسرات المجرمين والظالمين يوم القيامة

الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا معبود بحقٍّ سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الدجى بكماله وأنار الكون بجماله حسنت جميع خصاله صلوا عليه وآله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك النبي الأمين وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" [آل عمران: 102].
أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور مُحدثاتها وكل مُحدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات آمين اللهم آمين.
أيها الأحباب الكرام في الله، دعونا في هذه اللحظات الإيمانية نعيش وإياكم مع كتاب الله عز وجل وهو يستعرض لنا حال المُجرمين والظالمين والمُتكبرين هناك في عرصات القيامة، إذا وقفوا بين يدي الله عز وجل، أولئك المُجرمون الظالمون المُتكبرون الذين ظلموا وتكبروا وتغطرسوا في هذه الدنيا الفانية، في هذه الدنيا الحقيرة، ونسوا أنهم سيلاقون جزاءهم، ونسوا أن هناك آخرة، وأن هناك حسرة، وأن هناك ندم، فالله عز وجل أنذرهم، وأخبرهم بأن هناك يوماً عظيماً يتحسَّر فيه المُتحسِّرون، يومًا يندم فيه المُفرِّطون، يومًا ما يندم فيه المُجرمون، يومًا يندم فيه المُتكبرون؛ قال الله عز وجل وهو يأمر نبيه عليه الصلاة والسلام على إنذار المُجرمين والعُصَاة والمُتكبرين، قال سبحانه: "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" [مريم: 39]
أنذرهم يا رسول الله، خوفهم بيوم الحسرة، لعلهم يعودون، لعلهم يرجعون.
ما أعظمه من يوم، إنه يوم الحسرة للمجرمين والظالمين، فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجاء بالموت، وفي رواية : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار – يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون من هذا ؟ فيشرئبون فينظرون ، فيقولون : نعم ، هذا الموت ، قال : ويقال : يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ قال : فيشرئبون وينظرون فيقولون : نعم ، هذا الموت . قال : فيؤمر به فيذبح ، قال : ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" [مريم: 39] وأشار بيده إلى الدنيا . متفق عليه
هذا هو يوم الحسرة على المجرمين، خلود فلا موت، المُجرِمون الذين أعلَنوا الحرب على الله عز وجل، الذين آذَوا أولياء الله عز وجل وتعدَّوا وظلَموا وتكبَّروا ونسوا أنهم سيلاقون جزائهم في الدنيا والآخرة، ونسوا أن الدنيا فانية وأنها لن تدوم لأحد.
عباد الله، استمعوا إلى كلام الله وهو يصور لنا حال المُجرِبين المُتكبرين يوم القيامة، أولئك الذين سخروا قوتهم وما يملكون لظلم العباد لسفك الدماء لانتهاك الأعراض، كيف يكون حالهم هناك بين يدي الله؟! قال الله تعالى:
"وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" [السجدة: 12-13-14].
ناكسو رءوسهم ؛ أي من الندم والخزي والحزن والذل والغم، الرفعة هناك للمؤمنين، الرفعة هناك للصابرين، الرفعة هناك للمجاهدين للمؤمنين للصادقين، للتائبين، للمصلين، للراكعين ،للساجدين.
ما أعظم هذه الآيات!! فيها تسلية وراحة للمؤمنين، يا إخواني: الله لا يظلم أحدا، الله لا يغفل، الله لا يهمل، بل يمهل جل جلاله سبحانه "فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِيْنَكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".
عباد الله، أتباع المجرمين وأتباع الظالمين الذين كانوا ينفذون الأوامر في الدنيا لقتل المؤمنين، والصالحين، لإيذاء المؤمنين، للقتل والتدمير، يوم القيامة كل واحد منهم يتبرأ من الآخر، قال الله عز وجل: ". وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ"
[البقرة: 165-166-167].
وحينئذ يتمنى التابعون أن يرجعوا إلى الدنيا ليتبرؤوا من متبوعيهم، ويتركوا الشرك بالله، ويقبلوا على إخلاص العمل لله، وهيهات, فات الأمر، وليس الوقت وقت إمهال وإنظار، ومع هذا، فهم كذبة، فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنما هو قول يقولونه، وأماني يتمنونها، حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم.
ما أعظم كلام الله!! هذا هو حال المجرمين والظالمين، وحال أتباعهم يوم الحسرة والندامة، يوم القيامة يوم الحسرة والندامة؛ يوم القيامة يتحاجون فيما بينهم، المستكبرون والضعفاء، كل واحد يلوم الآخر "وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" [غافر: 47-48]، نحن اتبعناكم، فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله؟ فيكون الرد من المتكبرين والمجرمين، "إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ"، الكل في جهنم، لا أحد ينفع أحد، قال تعالى: "وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[ابراهيم: 21-22].
يقف الشيطان خطيبا، يقف الشيطان أمام اتباعه، الشيطان المجرم الأكبر يقف أمام أتباعه يتبرأ منهم، ويقول لهم: لا تلوموني، أنا لا أستطيع أن أعمل لكم شيئا، لوموا أنفسكم، أنا الآن لا أستطيع إنقاذكم، ولا تستطيعون إنقاذي، فيقولون له: ما المخرج لنا ولك؟ فيقول: تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله فلست شريكا لله ولا تجب طاعتي، فيأتيه الجواب من الله" إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" نهاية الظالمين أليمة، وخزي عظيم.
ما أعظم كلام الله!! يا إخواني، هذا تنبيه لنا، تنبيه للمؤمنين، تنبيه حتى للمجرمين ليرجعوا إلى الله، تنبيه لأتباع الشيطان ليحذروا من وساوس الشياطين.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيه بعده.
إخوة الإيمان، المجرمون والظالمون واتباعهم، يوم القيامة يندمون، ويتحسرون لانهم وقفوا مع زعماء الإجرام، والظلم، يندمون، لأنهم آثروا الصحبة الفاسدة والمجرمة على الصحبة الصالحة والطيبة والمؤمنة، لكن لا ينفع الندم ولا تنفع الحسرة؛ قال الله تعالى: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا" [الفرقان: 27-28-29].
ولذلك إخواني بعد هذا الندم والحسرة إذا بالصحف تتطاير، وإذا بالظالمين وأتباعهم ينظرون إلى صحائفهم يوم القيامة فيظنون انهم فائزون، يظنون انهم من أهل الجنة، يظنون أنهم من أهل الفردوس الأعلى، ونسوا أنهم تكبروا وقتلوا وشردوا وظلموا وبطشوا، فينظرون إلى سجلاتهم، وصحائفهم فيرون المعاصي، والظلم، والاستكبار، يرون امامهم قتل الأطفال، قتل النساء، تدمير البيوت، انتهاك الاعراض، يرون كل شيء أمامهم، فيتحسرون ويندمون، لكن.. لا تنفع الحسرة ولا ينفع الندم، ولذلك قال الله تعالى: "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"[الكهف: 49]، فأبشروا يا أهل الصبر والإيمان، يا أهل غزة الصمود، فالله عز وجل لا يغفل عن ما يعمله اليهود وأعوانهم، فالله على كل شيء شهيد، وإمهالهم لحكمة أرادها الله، وكلما ازداد ظلمهم، ازدادت حسرتهم يوم القيامة، فنهايتهم قريبة بإذن الله تعالى، وإذا لم يجدوا نهايتهم في الدنيا، فالموعد يوم القيامة، يوم الخزي والحسرة والندامة، نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى...الدعاء.
صلوا وسلموا...
...المزيد

حكم بين العدل والظلم • الحمد لله العدل الديان، منزل الكتاب والميزان، ومبتلي عباده بالإعطاء ...

حكم بين العدل والظلم

• الحمد لله العدل الديان، منزل الكتاب والميزان، ومبتلي عباده بالإعطاء والحرمان، والصلاة والسلام على نبيه العدنان، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد.

كان العدل وما يزال مطلب الحاضرين والغابرين، وفي هذا المقال بين أيدينا أصول وحِكم بين العدل والظلم، ذكرى للغافلين وبشرى للمؤمنين وسلوى للمظلومين، علّ الله أن يجعلها سببا في أمان قلب جازع وبال مضطرب ونفس يائسة لتعود إلى ربها حق العودة وتؤمن به ربا حكما عدلا كما تؤمن به ربا غفورا رحيما.

◾ الابتلاء سنة عادلة

اقتضت سنة الله ابتلاء المؤمنين بالكافرين والعكس، وابتلاء الناس بعضهم ببعض وكل ذلك من حكمة الله ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وليرفع الله الصابرين درجات قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان]؛ قال الإمام الطبري: "وامتحنا أيها الناس بعضكم ببعض، جعلنا هذا نبيا وخصصناه بالرسالة، وهذا ملِكا وخصصناه بالدنيا، وهذا فقيرًا وحرمناه الدنيا لنختبر الفقير بصبره على ما حرم مما أعطيه الغنيّ، والملك بصبره على ما أعطيه الرسول من الكرامة، وكيف رضي كل إنسان منهم بما أُعطى وقُسم له، وطاعته ربه مع ما حُرم مما أُعطى غيره، يقول: فمن أجل ذلك لم أُعطِ محمدا الدنيا، وجعلته يطلب المعاش في الأسواق، ولأبتليكم أيها الناس وأختبر طاعتكم ربكم وإجابتكم رسوله إلى ما دعاكم إليه، بغير عرض من الدنيا ترجونه من محمد أن يعطيكم على اتباعكم إياه، لأني لو أعطيته الدنيا لسارع كثير منكم إلى اتباعه طمعا في دنياه أن يَنال منها". [التفسير]

فالله بصير بكل ما يحل بعباده من جراح ومحن، وهو سبحانه قادر على تغيير حالهم، ولكنه سبحانه خلقنا ليختبرنا، قال تعالى: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ}، وهو أيضا بصير بأفعال الكافرين بحق عباده المؤمنين، وهو سبحانه يملي لهم ويستدرجهم ليعذبهم عذابا مهينا قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}، وما كان الله تاركا عباده دون أن ينتصر لهم، بل يهيئ الأسباب لجنده المؤمنين، وليس لنا في ذلك أن نطَّلع على الغيب، فقال تعالى تلو الآية السابقة: {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.

وفي هذا قد بيَّن الإمام ابن القيم أصولا وحقائق إيمانية ثابتة، ذكر فيها وجوها من حكم الابتلاء التي لا تخرج في كل أحوالها وصورها عن عدل الله تعالى المطلق ومنها: "أن ما يصيب المؤمنين -من الشرور والمحن والأذى- دون ما يصيب الكفار، والواقع شاهد بذلك، وكذلك ما يصيب الأبرار في هذه الدنيا: دون ما يصيب الفجار والفساق والظلمة بكثير، وأن ما يصيب الكافر والفاجر والمنافق -من العز والنصر والجاه- دون ما يحصل للمؤمنين بكثير، بل باطن ذلك ذل وكسر وهوان، وإن كان في الظاهر بخلافه، قال الحسن رحمه الله: "إنهم وإن هملجت بهم البغال، وطقطقت بهم النعال؛ إن ذل المعصية لفي قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه"، وأن ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته، أو نقصت ثوابه، وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعدُّ به لتمام الأجر، وعلو المنزلة، وأن ما يصيب المؤمن في هذه الدار -من إدالة عدوه عليه، وغلبته له، وأذاه له في بعض الأحيان-: أمر لازم، لا بد منه، وهو كالحر الشديد والبرد الشديد، والأمراض والهموم والغموم، فهذا أمر لازم للطبيعة والنشأة الإنسانية في هذا الدار، حتى للأطفال والبهائم لما اقتضته حكمة أحكم الحاكمين، فلو تجرد الخير في هذا العالم عن الشر، والنفع عن الضر، واللذة عن الألم: لكان ذلك عالما غير هذا، ونشأة أخرى غير هذه النشأة، وكانت تفوت الحكمة التي مزج لأجلها بين الخير والشر، والألم واللذة، والنافع والضار، وأن ابتلاء المؤمنين بغلبة عدوهم لهم وقهرهم وكسرهم لهم أحيانا، فيه حكم عظيمة لا يعلمها على التفصيل إلا الله عز وجل فمنها: استخراج عبوديتهم وذلهم لله وانكسارهم له، وافتقارهم إليه وسؤاله نصرهم على أعدائهم، ولو كانوا دائما منصورين قاهرين غالبين، لبطروا وأشِروا، ولو كانوا دائما مقهورين مغلوبين منصورا عليهم عدوهم، لما قامت للدين قائمة ولا كانت للحق دولة". [إغاثة اللهفان باختصار]


▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ


حكم بين العدل والظلم

◾ كل العدل في الشرع

ومما زاد رقعة الظلم في زماننا تغييب حكم الشريعة من حياة الناس وإبدالها بأحكام البشر وتشريعاتهم الناقصة الخاطئة، فهي وضعت بناء على وجهات نظر قاصرة لا تخلو من حظوظ النفس وأهوائها ونزواتها وشهواتها، وهي كثيرة التقلبات عديدة الثغرات مستمرة التناقضات، حتى إن العامة تستهزأ بها فتقول: القانون للضعفاء والفقراء والثغرات للأقوياء والأغنياء، فتلك حقيقة العدل عند المخلوق وطبيعة الإنسان الذي وصفه الله بقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، وهو الأمر الذي أدركته الملائكة بعلمها المحدود بادئ ذي بدء، عندما أطلعهم الله سبحانه أنه {جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، فعجبوا وسألوه سبحانه: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}، إلا أن الله أجابهم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.

◾ عدل الدنيا قاصر

وإن مما لا يطيقه البشر إنصاف الجميع في الدنيا، ولذلك يوضع الميزان يوم القيامة ليحكم الله بين الخلائق البشر وغيرهم، كما عند مسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتّى يقاد للشّاة الجلحاء من الشّاة القرناء)؛ لذا فعدل الدنيا مهما بلغ يبقى قاصرا، فمن ينصف المقتول ظلما وقد فارق دنياه، ومن يرد حق الذين هدمت بيوتهم وشردوا وقتل أبناؤهم؟، من يرد حق الأيتام والأرامل؟، وحق كل المستضعفين من المسلمين الذين تسلط عليهم الكفار في ديار الكفر؟ لا شك أن هؤلاء وغيرهم حقهم محفوظ عند الله تعالى يوم الحساب، سترد إليهم حقوقهم كاملة غير منقوصة.

◾ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}

وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن الله تعالى عدل لا يظلم أحدا بل هو سبحانه حرم الظلم على نفسه كما جاء في الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..)، وقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وما يحصل في هذه الدنيا من مصائب ومحن ونوازل فهي من جنس الابتلاءات التي تعم الكافر والمؤمن، فترفع درجة المؤمن وتمحق الكافر، ويكون تمام العدل في أحكام الآخرة عندما يساق المؤمنون إلى الجنة ويساق الكافرون إلى النار.

فلا ينبغي للعبد أن يشك في عدل الله تعالى في شيء، ولا يعترض عليه في أحكامه وأوامره وقضائه، فهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ} فلا يخرج المؤمن عن طاعة ربه، بل يقابل قضاءه بأتم التسليم ولو غابت الحكمة عنه، وذلك من حسن الظن بالله وأنه ما منع إلا ليعطي وما أخَّر إلا ليجزل، وهو أعلم بعباده وبما يصلح لهم وهو كله راجع لعلمه سبحانه وحكمته قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، فلا يعترض العبد على القدر إن جانب هواه وخالف مبتغاه، فقد قال تعالى منكرا ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بل يكون من المهتدين الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ولا ينتظر أن تصيبه الحسنة حتى يحسن وأن لا يكون ممن إذا أصابتهم السيئة أساؤوا، بل إن العبد هو من يبادر ويقبل ولا يشترط على ربه، ومن ذلك كراهة النذور فكما في الصحيحين وغيرهما قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر وقال: (إنّه لا يردّ شيئا، وإنّما يستخرج به من البخيل).

وليتأمل العبد مشهدا من مشاهد العدل المطلق يوم القيامة فيما رواه مسلم عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة، فيصبغ في النّار صبغة، ثمّ يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قطّ؟ هل مرّ بك نعيم قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ. ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدّنيا من أهل الجنّة، فيصبغ صبغة في الجنّة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قطّ؟ هل مرّ بك شدّة قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ، ما مرّ بي بؤس قطّ، ولا رأيت شدّة قطّ).

▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ



حكم بين العدل والظلم

◾ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}

وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن الله تعالى عدل لا يظلم أحدا بل هو سبحانه حرم الظلم على نفسه كما جاء في الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..)، وقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وما يحصل في هذه الدنيا من مصائب ومحن ونوازل فهي من جنس الابتلاءات التي تعم الكافر والمؤمن، فترفع درجة المؤمن وتمحق الكافر، ويكون تمام العدل في أحكام الآخرة عندما يساق المؤمنون إلى الجنة ويساق الكافرون إلى النار.

فلا ينبغي للعبد أن يشك في عدل الله تعالى في شيء، ولا يعترض عليه في أحكامه وأوامره وقضائه، فهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ} فلا يخرج المؤمن عن طاعة ربه، بل يقابل قضاءه بأتم التسليم ولو غابت الحكمة عنه، وذلك من حسن الظن بالله وأنه ما منع إلا ليعطي وما أخَّر إلا ليجزل، وهو أعلم بعباده وبما يصلح لهم وهو كله راجع لعلمه سبحانه وحكمته قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، فلا يعترض العبد على القدر إن جانب هواه وخالف مبتغاه، فقد قال تعالى منكرا ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بل يكون من المهتدين الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ولا ينتظر أن تصيبه الحسنة حتى يحسن وأن لا يكون ممن إذا أصابتهم السيئة أساؤوا، بل إن العبد هو من يبادر ويقبل ولا يشترط على ربه، ومن ذلك كراهة النذور فكما في الصحيحين وغيرهما قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر وقال: (إنّه لا يردّ شيئا، وإنّما يستخرج به من البخيل).

وليتأمل العبد مشهدا من مشاهد العدل المطلق يوم القيامة فيما رواه مسلم عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة، فيصبغ في النّار صبغة، ثمّ يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قطّ؟ هل مرّ بك نعيم قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ. ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدّنيا من أهل الجنّة، فيصبغ صبغة في الجنّة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قطّ؟ هل مرّ بك شدّة قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ، ما مرّ بي بؤس قطّ، ولا رأيت شدّة قطّ).

وأنه في ذلك اليوم سيقتص الله للمظلومين من الظالمين أجمعين، وحاشاه أن يترك ظالما بغير حساب ففي الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ اللّه ليملي للظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلته)، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، وذلك وعد الله لا يخلفه يوم يقوم الناس لرب العالمين فيحكم بينهم ويقول: {الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، وسيجد المؤمنون والكافرون ما وعدهم ربهم حقا قال تعالى: {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.

وفي ذلك اليوم أيضا يشهد الكون كله لله بالعدل -وكفى بالله شهيدا- وينطقون حامدين لربهم على فضله قال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال ابن كثير: "ونطق الكون أجمعه -ناطقه وبهيمه- لله رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله؛ ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد". فلا يجزعنَّ المؤمن ولا يسخط وليرَ اللهُ منه الرضا والتسليم، فلا يظن بربه إلا حسنا، ولا يقول إلا طيبا، ولا يفعل إلا خيرا، والحمد لله رب العالمين.


▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

الجهاد رحمة • يستغرب الناس من شدة المجاهدين على الكافرين، والتنكيل بهم، ويظنون ذلك تشويها لما ...

الجهاد رحمة

• يستغرب الناس من شدة المجاهدين على الكافرين، والتنكيل بهم، ويظنون ذلك تشويها لما اعتقدوا أنه الإسلام، وهم بذلك كمن ينظر لوجه واحد من العملة النقدية فقط، وسبب ذلك الاستغراب هو بعد الناس عن فهم الإسلام الحق أولا، والصورة التي يحاول الطغاة رسمها عن الإسلام، حتى لا يمسهم لهيب الحق المُبطل لسحرهم وكذبهم ثانيا، وكان للإرجاء دور مهم في تصوير الإسلام بهذا الشكل، والذي بسببه استطالت الأمم عليه، فصوّرته نفوسهم الضعيفة الرقيقة وردة بلا أشواك، مخالفين بذلك النصوص الصريحة التي تبين أن الإسلام شديد على الكفار بشتى مللهم ورحيم بالمؤمنين، وكما أنه هداية للعالمين، وهم من حيث لا يعلمون يتهمون الله عز وجل بصفات ذموها لكن الله امتدحها، فهو شديد العقاب كما أنه غفور رحيم، تعالى عما يصفون علوا كبيرا.

{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر: 3].

وبعد أن شرع الله الجهاد وفرضه على عباده المؤمنين، أمرهم بقتال المشركين كافة حتى يكون الدين كله لله، فإن أبوا الإسلام بعد دعوتهم دفعوا الجزية وإن امتنعوا نالهم القتل والسبي والتشريد.

وإنه لأمر عجيب أن يغيب هذا المعنى الواضح لأحكام الجهاد عن المسلمين، وهو من المعاني البينة المحكمة، والأغرب من ذلك أن تغيب حكمة الجهاد العظيمة، فالجهاد الذي يكسر شوكة الكفار، ويُقتلُ به المقاتلة منهم (أي من يحملون السلاح ويقوون على القتال)، سيكون سببا لنجاة العدد الأكبر من نسائهم وذراريهم من النار، وتلكم هي الرحمة والرأفة بالعالمين، فتعذيب الكفار بالجهاد مطلب دلت عليه الآيات الواضحة البينة، منها قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 14].

ومما لا شك فيه أن العذاب الدنيوي الذي يقع على من كفر بالله قتلا وسببا بسبب الجهاد أقل بكثير من عذاب النار الذي سينجو منه أغلبهم، إن هم آمنوا بعد زوال ظل الكفر من فوق رؤوسهم، ولو أنهم آمنوا واتقوا وتركوا شهواتهم الدنيوية لكان خيرا لهم، فما الله يريد ظلمهم، لكنهم هم من أبى إلا القتل في الدنيا والنار في الآخرة.

يعترض على هذا الفهم العميق والمبسط لرسالة التوحيد والإسلام من لم يُعَظِّم الله في نفسه، ولم يُسَرِّح طرفه في الملكوت، فظن نفسه حرا فيما يعتقد وفيما يختار، شابه في ذلك قول قوم شعيب.

{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87].

ومن ضئضئ هؤلاء خرجت أفكار حرية الاعتقاد وجواز الردة، تحت شعارات حقوق الإنسان وما شابهها من أفكار أشربت قلوب المنافقين بها، لذا كان القرآن في دعوته لرسالة الإسلام يدعو الناس للتفكر والتدبر في عظمة الخالق بالنظر إلى بديع صنعه وعجيب خلقه.

وقد انحرف كثير من المسلمين عن هذا النهج الواضح السهل، وطرحوا الإسلام بقالب أكاديمي جامد لا روح فيه، فغلبهم دعاة حرية الاعتقاد والكفر بالمنطق والجدل، ولو أنهم دعوا إلى الإسلام غضا طريا كما أُنزل على نبي الهدى والرحمة واستنّوا به وبهديه في دعوته، وكيف تلقى الصحابة الأطهار تلك الدعوة بإيمان وفهم يعظّم الخالق، فيتواضع المخلوق أمام خالقه، لا ينازعه حقوقه وعبادته، لَمَا وجدنا لدعاة حرية الكفر صوتا يعلو وفكرا ينتشر.

وأما من أبى بعد ذلك وجعل نفسه ندا لله، فكما أغرق الله أسلافه من قبل، فستصيبه قارعة بأمر الله أو ستتبادره بإذن الله سيوف من آمن بالخالق عز وجل من بعد، حتى يكون الدين كله لله، فإن تمّ أخرجت الأرض بركتها إذ حُكمت بشريعة خالقها، لتعود على هيئتها يوم خلق الله آدم عليه السلام متوازنة ومتناغمة، جاء في الحديث: (ينزل عيسى ابن مريم إماما هاديا ومِقساطا عادلا، فإذا نزل كَسَر الصليب، وقَتَل الخنزير، ووَضَع الجزية، وتكون الملة واحدة، ويوضع الأمر في الأرض، حتى أن الأسد ليكون مع البقر تحسبه ثورها، ويكون الذئب مع الغنم تحسبه كلبها، وترفع حُمَة كل ذات حُمَة حتى يضع الرجل يده على رأس الحَنَش فلا يضره، وحتى تُفِرَّ الجارية الأسد، كما يُفَرُّ ولد الكلب الصغر، ويُقوَّم الفرس العربي بعشرين درهما، ويُقوَّم الثور بكذا وكذا، وتعود الأرض كهيئتها على عهد آدم، ويكون القطف يعني العِنقاد يأكل منه النفر ذو العدد، وتكون الرمانة يأكل منها النفر ذو العدد) [أخرجه الصنعاني].

فلا نجاة للبشرية جمعاء ولا فلاح إلا بالعودة إلى الكتاب الهادي والسيف الناصر، حتى يكون الناس عبيدا لله عز وجل لا سواه، فالفطرة التي جُبل عليها الخلق لا بد أن تعود لنحيا، فبدونها الشقاء والعناء وبها السعادة في الدارين بإذن الله.


• صحيفة النبأ – العدد 16
السنة السابعة - الثلاثاء 22 ربيع الآخر 1437 هـ

مقال:
الجهاد رحمة
...المزيد

هم العدو فاحذرهم • ولا يخرج حال أولئك الخونة عن اثنين، إما توافق كامل مع أجهزة المخابرات ...

هم العدو فاحذرهم

• ولا يخرج حال أولئك الخونة عن اثنين، إما توافق كامل مع أجهزة المخابرات لبلدانهم التي يعيشون بها نصرانية كانت أو علمانية أو منتسبة للإسلام، حيث إنهم يرون في الإخبار عمن تجاوز الحدود التي وضعها الطواغيت، واجبا متحتما عليهم، يحفظون به حظائرهم التي يقتاتون منها ويطيعون فيها راعيهم، أو أنه التقاء مصالح نابع عن حقد دفين لديهم، والمبدأ عندهم أن لا تنفض الناس من حولهم وتلتحق بالمجاهدين، فتخبو سوقهم وتكسد بضاعتهم التي لم يريدوا بها وجه الله أصلا، فإذا ظهرت الاستقامة على الفتى ونأيه عن كل تلك المناهج الضالة، صرخوا بهم إنهم أناس يترفعون، لتكمل "أجهزة الترويع" عملها معهم!

يضاف إليهم الجماعات المنحرفة التي حملت السلاح، وتعلقت بنفس التيار، وأملوا المساكين بالشريعة ومنوهم بالخلافة وخدروهم بالنضال والمقاومة، فاستزلوا بذلك كثيرا من الشباب، ثم وبغمضة عين سلموا أسلحتهم وصافحوا قاتلهم ورضوا بقليل من الفتات وكثير من الذل، ويخيل لهم أنهم الذين ختموا الجهاد ونجحوا بامتحاناته وتخرجوا في خنادقه، ووصلوا الغاية وبلغوا المرام، وتراهم الآن يزاولون مهنهم "المدنية" بلقب مجاهد!، ويعطلون أي عمل جهادي باسم التجربة والخبرة!.

والحقيقة أن أولئك وغيرهم رأوا في القعود حكمة، وأن الجهاد ليس له مستقبل!، فوضعوا له شروطا مستحيلة من الإعداد والتنفيذ، ودخلوا عوالم أخرى من الخيالات، ببرامج هي أطول من تدرج الإخوان المرتدين، ونظريات إلى تغلغل في أنظمة الحكم وقوات الجيش، ثم انقلابات عسكرية، ومنهم من اكتفى بمخططات لإصلاحات لا تسمن بل وبعيدة المدى، ولا يخفى على أحد كم حوت هذه الطرق من انحرافات منهجية، زد عليها أنه لا أرضية واقعية عند أصحابها للبدء بتطبيقها.

بل الأمر أنهم غاصوا عميقا في الحسابات المادية، ولجؤوا إليها واستعاذوا بها فزادتهم رهقا، وسبب ذلك كله انعدام الإيمان بالله، وعدم الوثوق بموعوده لعباده، سواء في الآخرة أو في الدنيا من الغلبة والتمكين، ذلك بأنهم وقعوا في فخاخ "القوى العالمية" وما معها من الأرقام والأوهام، فظنوا ألن يقدر عليها أحد، فأخلدوا حتى تورمت جنوبهم من طول القعود، وصاروا حجر عثرة في طريق أي مجاهد، لأن نجاح أي عمل يكشف باطلهم ويؤكد أن تنظيراتهم سراب في سراب، فأطلقوا عدوانهم على المجاهدين في البداية، ثم ابتلاهم الله بأن صاروا أنصارا لطوائف ردتها وطوامها كعين الشمس، وما كل ذلك إلا بغيا وحسدا من عند أنفسهم، وكبرا عن التنازل والاعتراف بالحق، فغدوا على علمهم أجهل الجهال كما قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، وهذا جواب لمن يتساءل حين يرى تخبطهم الشرعي، كيف تخفى المسائل التي يعلمها الغلمان عن تلك اللحى؟!؛ إنما هو نور الله يقذفه حيث شاء وينزعه ممن شاء.

فيا طالب الحق ومريد الجهاد، الساعي خلف الهداية، لا تبالِ بتنظيرات المرجفين، وتقريرات المنحرفين، ولتنفض عنك ذنب ومذلة القعود، وتخفف من كل تلك الشروط والقيود المبتدعة التي وضعوها لتعقيد الجهاد، فالأمر في أصله أيسر بكثير، أخرج البخاري في صحيحه عن البراء: "أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجل مقنّع بالحديد، فقال : يا رسول اللّه، أقاتل وأسلم؟ قال: (أسلم ثمّ قاتل)، فأسلم ثمّ قاتل، فقتل، فقال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: (عمل قليلا وأجر كثيرا)، فمن أراد القعود وجد في المنظرين ملاذا من تأنيب النفس، وأما من صدق وعزم فلا موطأ له معهم، ومن أدمن الفلسفة والتنظير بدون امتثال خرج من الجهاد، ودوننا علماء السلف وأئمة الجهاد السابقين، كلهم وضعوا أسس الجهاد بدمائهم ومهّدوا سبيله بأشلائهم، فدونك يا طالب الحق العلماء المجاهدين العالمين العاملين الذين قضوا نحبهم في ساحاته وارحم نفسك ولا تطع من أعمى الله بصيرته {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.


▫ المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

قادة الحشد والصحوات يتساقطون في خريف الحكومة الرافضية • مضى أكثر من عام ونصف على إنشاء الحشد ...

قادة الحشد والصحوات يتساقطون في خريف الحكومة الرافضية

• مضى أكثر من عام ونصف على إنشاء الحشد الرافضي، ليكون غطاء لعشرات الميليشيات الرافضية التي تنشط في العراق منذ الغزو الأمريكي، تكبدت فيها هذه الميلشيات عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين في معاركها ضد الدولة الإسلامية، كما فقدت المئات من القياديين، والمعممين، العراقيين والإيرانيين، الذين ولغت أياديهم في دماء أهل السنة في العراق والشام، هذا عدا عن الخسائر المادية الكبيرة في السلاح والعتاد والآليات وغيرها.

هذا الأسبوع مرّ ثقيلاً على هذه الميليشيات، ليس فقط بسبب الضائقة المالية التي يعاني منها جنودها، بسبب إفلاس الحكومة العراقية، والتي امتنعت للشهر الثالث عن توزيع رواتب مقاتلي "الحشد الشعبي"، ما نتج عنه تهديد بعض فصائل هذا الحشد بالانسحاب من جبهات قتالهم ضد الدولة الإسلامية إذا تأخرت رواتبهم أكثر، وإنما أيضا بسبب فقدان هذه الميليشيات لعدد من قادتها في عدة قواطع يقتلون على يد جنود الخلافة الذين يهاجمون مواقعهم باستمرار، وينصبون لهم الكمائن والعبوات في كل مكان، ويقصفونهم دون توقف، ولا يتركون لهم فسحة للراحة أو لالتقاط الأنفاس.

أحد أهم قادة الميليشيات الذين قطف جنود الخلافة رؤوسهم هو المعمم (سيد صادق الحسيني) الذي كان يشغل عدة مناصب منها "نائب رئيس مجلس محافظة ديالى"، و"مسؤول اللجنة الأمنية" في ديالى، بالإضافة على كونه قياديا في ميليشيا "اللواء التاسع عشر" المنتمي إلى الحشد الرافضي، والذي قتله مجاهدو الدولة الإسلامية في ولاية ديالى بعبوة ناسفة مع مجموعة من مرافقيه، بالإضافة إلى خبير تفكيك عبوات، قرب مطيبيجة في منطقة العظيم شمال الولاية.

قيادي آخر في الحشد الرافضي قتله الله على أيدي جنود الخلافة شمال بغداد، أثناء هجومهم على ثكنات الرافضة قرب سدة الثرثار، هو (علي شناوي الساعدي) القيادي في ميليشيا "لواء المنتظر" الذي يتبع للمرتد الرافضي (عمار الحكيم)، ويعتبر الساعدي من أهم قادة الحشد الرافضي كونه من المقاتلين في صفوف الحرس الثوري الإيراني منذ الحرب العراقية الإيرانية، ويعتبر زميلاً لكبار قادة الحرس الثوري.

وفي ولاية الفلوجة، وبعد الهجوم الذي نفذه جنود الخلافة على ثكنات الرافضة قرب المعهد الفني في الصقلاوية، والذي أسفر عن مقتل العشرات من الرافضة وتدمير ثكناتهم، نعت ميليشيا "فرقة الإمام علي" القيادي في صفوفها المعمم (هاني الشمري) والذي كان يشغل منصب "قائد محور الصقلاوية" في الحشد الرافضي، وتتبع "فرقة الإمام علي" إلى "العتبة العلوية" التي تشرف على المقام الشركي لعلي بن أبي طالب في النجف، ويقودها الرافضي (أبو مسلم البطل).

صحوات الردة من جانبها فقدت بعضاً من قياداتها في ولاية الأنبار على وجه الخصوص، فبالإضافة لمجموعة من قادة الصحوات الذين قتلوا في العملية الانغماسية التي نفذها جنود الخلافة في المجمع السكني في البغدادي، نعت الصحوات العشائرية المدعو (عيسى حميد شرقي العلواني) قائد الحشد العشائري في الرمادي، والذي ذكرت بعض المصادر أنه قتل بعبوة ناسفة زرعها جنود الخلافة في أحد أحياء مدينة الرمادي.


• صحيفة النبأ – العدد 16
السنة السابعة - الثلاثاء 22 ربيع الآخر 1437 هـ

مقال:
قادة الحشد والصحوات يتساقطون
في خريف الحكومة الرافضية
...المزيد

هم العدو فاحذرهم • ليس على المسلمين شيء أشد ضررا من دعاة جهنم، الذين تفننوا في صد الناس بالدين ...

هم العدو فاحذرهم

• ليس على المسلمين شيء أشد ضررا من دعاة جهنم، الذين تفننوا في صد الناس بالدين عن الدين!، ودعوتهم الناس إلى الكفر من على المنابر!، أولئك الذين قال عنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث حذيفة بن اليمان: (يَكُونُ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: (هُمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا).

ومن أغرب تناقضاتهم اليوم، مناداتهم بالناس للقعود سعيا للجهاد!، إذ يحاول منظرو تيار القعود إثبات أنه "قعود في سبيل الله!"، فجعلوا الجهاد سرابا، وسدوا أبوابه وعطلوا ركابه، وبسبب فتاواهم وضلالهم قعد الكثيرون عن الجهاد، بعد أن لعبوا بالعواطف بكلام ظاهره شرعي وباطنه بدعي، هذا مع تسلط الكفار على بلاد المسلمين، وقد بغوا وهدموا مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، في ظل تفريق عجيب من السائرين عكس سبيل الجهاد بين قضايا الأمة ومسائل الدين، فيتخيّرون ما يشاؤون وما يتماشى مع أهوائهم ومصالحهم، ويتجاهلون الطارئ وما تحتاجه الأمة.

ومثلهم وأنكى منهم، المنتكسون الهاربون من ميادين الجهاد المستلمون لزمام التنظير، وهم مقتنعون في أعماقهم أنهم قد جاوزوا القنطرة وأخذوا صكا بالعصمة من الضلال مدى الحياة!، وأشد وطأة منهم أولئك الذين لم يعرفوا من الجهاد غباره ولا من البارود ريحه، وتراهم في كل مرة يناوئون المجاهدين ويخالفونهم.

لقد كان ضررهم -جميعا على اختلافهم- أعظم من ضرر المحاربين أنفسهم على الجهاد والمجاهدين، بل حتى ما لبث كثير منهم أن أصبح رأسا في الحرب على الجهاد، وسببا في انتكاس الكثيرين وتقاعس القاعدين، وتمكن الطواغيت من كثير من الشباب الذي أبدى منهجه متحمسا للجهاد، فغدا مصيرهم الأسر والتنكيل.

في حين يبقى المنظرون في صولة وجولة افتراضية بقول دون عمل، بينما يختفي من ينبس ببنت شفة من شباب المسلمين بكلمة الحق، فلا هم خلُّوهم وشأنهم لينفروا إلى الجهاد، ولا هم تركوهم مستورين بعيدا عن أعين الطواغيت وجواسيسهم، بل قدموهم على طبق من ذهب لعدوهم يفتنهم في دينهم.

خدمة لو دفعت الطواغيت دماء عروقهم لم يحصِّلوها، ولو تبدت لهم في صقع غائر لضربوا لأجلها أكباد الإبل، لكنهم وجدوها مجانا بخيانة دنيئة تنبي أن الأمور حصلت بالتراضي بين الطرفين، ولسان حال الطواغيت لدعاة السوء غضوا عنا ودعوا عداوتنا ونغض عنكم ونمد لكم الطِوَل، فتركوهم يلعبون بالناس وسمحوا لهم الإنكار على الطواغيت الذين لا يتفقون معهم سياسيا، وللقصص والحكايا، وبمجتمع صغير حولهم تسير به أعمالهم!

ولا يخرج حال أولئك الخونة عن اثنين، إما توافق كامل مع أجهزة المخابرات لبلدانهم التي يعيشون بها نصرانية كانت أو علمانية أو منتسبة للإسلام، حيث إنهم يرون في الإخبار عمن تجاوز الحدود التي وضعها الطواغيت، واجبا متحتما عليهم، يحفظون به حظائرهم التي يقتاتون منها ويطيعون فيها راعيهم، أو أنه التقاء مصالح نابع عن حقد دفين لديهم، والمبدأ عندهم أن لا تنفض الناس من حولهم وتلتحق بالمجاهدين، فتخبو سوقهم وتكسد بضاعتهم التي لم يريدوا بها وجه الله أصلا، فإذا ظهرت الاستقامة على الفتى ونأيه عن كل تلك المناهج الضالة، صرخوا بهم إنهم أناس يترفعون، لتكمل "أجهزة الترويع" عملها معهم!

يضاف إليهم الجماعات المنحرفة التي حملت السلاح، وتعلقت بنفس التيار، وأملوا المساكين بالشريعة ومنوهم بالخلافة وخدروهم بالنضال والمقاومة، فاستزلوا بذلك كثيرا من الشباب، ثم وبغمضة عين سلموا أسلحتهم وصافحوا قاتلهم ورضوا بقليل من الفتات وكثير من الذل، ويخيل لهم أنهم الذين ختموا الجهاد ونجحوا بامتحاناته وتخرجوا في خنادقه، ووصلوا الغاية وبلغوا المرام، وتراهم الآن يزاولون مهنهم "المدنية" بلقب مجاهد!، ويعطلون أي عمل جهادي باسم التجربة والخبرة!.

والحقيقة أن أولئك وغيرهم رأوا في القعود حكمة، وأن الجهاد ليس له مستقبل!، فوضعوا له شروطا مستحيلة من الإعداد والتنفيذ، ودخلوا عوالم أخرى من الخيالات، ببرامج هي أطول من تدرج الإخوان المرتدين، ونظريات إلى تغلغل في أنظمة الحكم وقوات الجيش، ثم انقلابات عسكرية، ومنهم من اكتفى بمخططات لإصلاحات لا تسمن بل وبعيدة المدى، ولا يخفى على أحد كم حوت هذه الطرق من انحرافات منهجية، زد عليها أنه لا أرضية واقعية عند أصحابها للبدء بتطبيقها.


▫ المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

طواغيت.. ومرتدون.. ولو تعلقوا بأستار الكعبة - تعساء آل سلول لا أمن لهم: • فيا أهل التوحيد ...

طواغيت.. ومرتدون.. ولو تعلقوا بأستار الكعبة

- تعساء آل سلول لا أمن لهم:

• فيا أهل التوحيد وجند الله في الأرض، ها هم قد تعسوا فجاؤوكم ب تاعس، فلا تنتظروا ملاقاتهم في سوح النزال، أجهزوا عليهم حيثما ثقفتموهم، فكل جندي منهم متعوس مهدور الدم وإن كان في غرفة نومه، اجلبوا عليهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، وكذلك كل لحية مزيفة تدعى زورا وبهتانا شيخا، ولا تجعلوهم يهنؤون بدرس ولا محاضرة، فأين الغيارى الثائرون لدماء المقرن والعوفي والدندني وإخوانهم؟ وها قد ظهر لكم قاتِلوهم اسما ورسما فأين الذئاب المنفردة؟ ويا لثارات الزهراني والطويلعي والحميدي!!!

فأين من يشفي صدور المؤمنين من مشايخ آل سلول الذين كبّروا وهلّلوا لإعدام إخواننا؟ أَوَيُقتَل أهل الحق صبرا بضربة سيف الباطل؟ أوَيُعْدِمُ الأنجاسُ أهلَ الهدى ثم يعتلي أهل الضلال الملتحون المرتدون منبر القعود "تويتر" ليباركوا الإعدام ويدعوا لآل سلول ثم لا تذيقونهم حرارة سكاكينكم؟ فلا تكونن أسلحتكم من الظالمين وأعوانهم ببعيد.

إنهم ورثة بلعام بن باعوراء المسبحين بحمد الطواغيت، ولولا فتاواهم لما ثبت لطاغية عرش، ولما افتتن امرؤ في دينه إلا ما شاء الله، هم الذين يكتمون ما أنزل الله ويروجون لما قاله السلطان ووافق هواه.

عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلاطين افتتن) [رواه الترمذي].

وفي رواية، عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من بدا فقد جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلاطين افتتن، وما ازداد عبد من السلطان دنوا إلا ازداد من الله بعدا) [رواه أبو داود].

هذا فيمن أتى أبواب السلاطين الظالمين؟ فكيف بمن أتى أبواب السلاطين المرتدين؟ بل كيف بمن كان بابَهم إلى كل كفر، ومفتاحَهم إلى كل شر؟!

فهؤلاء الطغمة قد دخلوا قصور الطواغيت وتمرغوا على بلاطهم، فافتُتِنوا وفَتَنوا وضلوا وأضلوا وباتوا سلما على أعداء الله حربا على أوليائه.

قال سفيان الثوري: (إن دعوك لتقرأ عليهم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فلا تأتهم) [رواه البيهقي]، وهؤلاء الخائنون لله ولكتابه قد دعاهم الحكام الكفرة لا ليقرؤوا عليهم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وإنما ليقروهم على ردتهم وعداوتهم للإسلام وأهله، فكان لهم ما أرادوا واشتروا ذممهم بثمن قليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

وما الفرق اليوم بين عبد العزيز آل الشيخ وصالح الفوزان وعائض القرني ومحمد العريفي وعبد الرحمن السديس وغيرهم من بلاعمة الطواغيت، وبين الجعد بن درهم والحلاج والجهم بن صفوان؟ تغيرت الوجوه والأسماء ومناطات التكفير وبقي الكفر واحدا.

ولله در ابن القيم إذ يقول في نونيته فرحا بمقتل الجعد:

ولأجل ذا ضحى بجعد خالد الـ
قسري يوم ذبائح القربان
إذ قال إبراهيم ليس خليله
كلا ولا موسى الكليم الداني
شكر الضحية كل صاحب سنة
لله درك من أخي قربان

نعم مرتدون ولا كرامة، ومن أظهر لنا الكفر أظهرنا له التكفير وإن كان شيخا قد طالت لحيته، وذاع على قنوات الطاغوت صيته، فليسوا أمام تعبّد الحلاج وتنفّله لله بشيء، فقد روي عنه أنه كان يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة سوى الفرائض، ومع ذلك فقد قال ابن كثير: "وقد اتفق علماء بغداد على كفر الحلاج وزندقته، وأجمعوا على قتله وصلبه، وكان علماء بغداد إذ ذاك هم الدنيا" [البداية والنهاية].

نعم، من أقر أمريكا على حربها للدولة الإسلامية مرتد، ومن دخل في حزبها مرتد، ومن دعا ل تاعس بالنصر مرتد ومن فرح لانحياز جند الخلافة من أرض يحكم فيها بشرع الله فدخلها الكفار مرتد، {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}.

فاللهم منزل الكتاب سريع الحساب هازم الأحزاب، اللهم اهزم الأحزاب وزلزلهم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


• صحيفة النبأ – العدد 16
السنة السابعة - الثلاثاء 22 ربيع الآخر 1437 هـ

مقال:
طواغيت.. ومرتدون.. ولو تعلقوا بأستار الكعبة
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
25 جمادى الأولى 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً