بسم الله الرحمن الرحيم تقرير مُشرف في شعبان لأهل الإيمان الخطبة الأولى الحمد لله الذي رفع ...

بسم الله الرحمن الرحيم
تقرير مُشرف في شعبان لأهل الإيمان
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي رفع السماء بلا عمد، الحمد لله الذي خلق الخلق وأحصاهم عدد، الحمد لله الذي رزق الخلق ولم ينس منهم أحد، أحمده سبحانه وأشكره حمداً وشكراً كثيراً بلا عدد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلّى الله وسلّم عليك يا رسول الله:
يا خير من دفنت في القاع أعظمه *** فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه *** فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الحبيب الذي ترجى شفاعته *** عند الصراط إذا ما زلت القدم
أما بعد، فيا أيها المسلمون عباد الله:
ها هي أعمارنا وآجالنا تطوى يومًا بعد يوم وها هو شهر شعبان قد حل ضيفًا علينا وهو شهر غفل الناس عن فضائله ومنحه وجوائزه الربانية، فقد شرع فيه جميع أعمال البر من الصدقة وقراءة القرآن والذكر والصيام وصلة الأرحام.
تقرير مُشرف سنوي في شعبان لأهل الإيمان؛ وذلك لما ثبت عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَب وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِيْنِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ». (سنن النسائي وصححه الألباني.
فكان النبي -صلي الله عليه وسلم- يكـثر من الصيام فيه لتكون أعماله حين ترفع محلاً للعفو والمغفرة، فالصـوم لا مثل له، وهو جُـنَّة ووقاية من عذاب الله، وقد أجزل الله ثواب الصائمين، وجعل لهم فرحة عند لقائه -عز وجل
عباد الله:
شعبان شهر كريم مبارك أظلَّنا عن قريب، فأهاج مشاعر الهداية والإيمان، وهتف بنا إلى الطاعة والعبادة والإحسان. فهو مقدمةٌ لشهر رمضان المبارك، وتمرينٌ للأمة الإسلامية على الصيام والقيام وصالح الأعمال؛ حتى يذوقوا لذَّة القرب من الله تعالى، ويستطعموا حلاوة الإيمان، فإذا أقبل عليهم شهر رمضان أقبلوا عليه بهمَّة عالية، ونفس مشتاقة، وانكبُّوا على الطاعة، وانعكفوا على العبادة.
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تعالى قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صيام منه في شعبان) متفق عليه وفي رواية في صحيح مسلم ((وكان صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلاً))
فأيام العمر تتصرم، وساعات الحياة تنقضي.. فقدم لنفسك صالحًا قبل حلول ساعة الأجل، وهذا الغنيمة بين يديك، ولئن كان النهار طويلاً والحر شاقًّا، فأنت ترجو الراحة الأبدية في جنات الخلود.
فإن شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك عن هذا العام، فبم سيُختم عامك؟ ثم ما الحال الذي تحب أن يراك الله عليه وقت رفع الأعمال؟ وبماذا تحب أن يرفع عملك إلى الله؟
هي لحظة حاسمة في تاريخ المرء، يتحدد على أساسها رفع أعمال العام كله إلى المولى -تبارك وتعالى- القائل: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر: 10)
معاشر المسلمين الموحدين:
شعبان فرصة لمحو الأحقاد من القلوب، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد وحسود، وليكن شعارنا جميعًا قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر: 10]. قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور، وسخاوة النفوس، والنصيحة للأمة. وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو.
وهي فرصة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه، هي فرصة لكل من سولت له نفسه التجرؤ على الله بارتكاب معاصيه، هي فرصة لكل مسلم قد وقع في خطأ "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون". هي فرصة إذن لإدراك ما فات، وبدء صفحة جديدة مع الله تكون ممحوة من الذنوب وناصعة البياض بالطاعة.
عباد الله:
إذا كان شعبان شهرًا للصوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو شهر لنوافل الطاعات كلها، ينطلق فيه المسلم كما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل ( من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".البخاري
ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان؛ فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة، فهو ميدان للمسابقة في الخيرات والمبادرة للطاعات قبل مجيء شهر الفرقان، فأروا الله فيه من أنفسكم خيرًا.
يقول سبحانه وتعالى ) : وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران
قلت ما سمعتم واستغفروا الله العظيم ....
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيراً

أيها المسلمون الموحدون:
شعبان هو شهر السقي والتعهد والتفقد لما قام به المسلم في سابق أيامه؛ حتى يجني الحصاد بعده، قال أبو بكر البلخي: (شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع). وقال أيضًا: (مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر)
ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان، فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟!
ولذلك كان تسابق السلف الصالح على هذا الأمر واضحًا، قال سلمة بن كهيل: كان يُقال: شهر شعبان شهر القُرَّاء. وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء. وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرَّغ لقراءة القرآن.
فأدرك زرعك -أخي الحبيب- في شهر شعبان، وتعهده بالسقي وتفقده ألاَّ يصاب بالجفاف.
إحرص أخي المسلم أن ترفع صحائف أعمالك إلى الله في هذا الشهر وهي مليئة بالاستغفار
,مليئة بالتوبة مليئة بالصدقات مليئة بحب الآخرين مليئة بصفاء القلب مليئة بصلة الأرحام مليئة بإغاثة الملهوف...
احرص على أن يرفع لك تقرير مشرف إلى ربك جل وعلا في هذ الشهر الكريم، شهر رفع الأعمال ورفع التقارير إلى الله سبحانه وتعالى .
أسأل الله بمنه وكرمه أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته, اللهم أصلحنا وأصلح شباب المسلمين, اللهم آت نفوسنا تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها, اللهم أصلح من في صلاحه صلاحاً للإسلام والمسلمين ,وأهلك من في هلاكه صلاحاً للإسلام والمسلمين, اللهم كن للمستضعفين في كل مكان , اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين واقض الدَّين عن المدينين واشف مرضانا ومرض المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين......
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه......
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم وانتصرت غزة الخطبة الأولى: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ...

بسم الله الرحمن الرحيم
وانتصرت غزة
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ناصر المستضعفين، وقاهر الجبابرة والمتكبرين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون، ولو كره المنافقون، ولو كره المجرمون صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢]. أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة في الدين ضلالة أجارن لله وإياكم من البدع والضلالات آمين اللهم آمين.
أيها الأحباب الكرام في الله وانتصرت غزة، ما حصل لهم لم تتحمله الجبال الرواسي، ابتلاء مبين، ومحنة عظيمة، ما الذي جعلهم يصمدون أمام هذا العدو الغاشم الظالم، السبب ان عندهم يقين بأن الجنة ليست رخيصة، عندهم يقين بأن الجنة لا يدخلها إلا المؤمنون الصادقون الصابرون المُحتسبون المُجاهدون، قال تعالى: ﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُوا۟ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا یَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَاۤءُ وَٱلضَّرَّاۤءُ وَزُلۡزِلُوا۟ حَتَّىٰ یَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَاۤ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِیبࣱ﴾ [البقرة ٢١٤].
معاشر المؤمنين، هناك من كان يُشكِّك في النصر، فنقول له: االله يقول: ﴿ذَ ٰ⁠لِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوۡلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَأَنَّ ٱلۡكَـٰفِرِینَ لَا مَوۡلَىٰ لَهُمۡ﴾ [محمد ١١]
الله ولي المؤمنين وناصرهم، أما الكفار لا ولي لهم ولا نصير، ويقول الله تعالى: ﴿إِنَّ وَلِـِّۧیَ ٱللَّهُ ٱلَّذِی نَزَّلَ ٱلۡكِتَـٰبَۖ وَهُوَ یَتَوَلَّى ٱلصَّـٰلِحِینَ﴾ [الأعراف ١٩٦] هذا هو كلام الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم الحميد.
يقولون أي نصر هذا الذي تتحدَّثون عنه وقد قُتل عشرات الآلاف وجرح مئات الآلاف، ونحن نقول لهم، الله يقول: ﴿كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تَك۟رهوا شَیۡـࣰٔا وَهُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تُحِبُّوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ شَرࣱّ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة ٢١٦]
إن نصر هذا الدين لا بدَّ له من تضحية، وهذه التضحية الثقيلة كان ثمنها الجنة بإذن الله، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هناك أهداف أراد اليهود أن يحقِّقوها من هذه الحرب، أخبروني بالله عليكم هل حقَّقوا هدفًا واحدًا؟ ما الذي حقَّقوه؟ ما هو الشيء الذي يجعلهم يتحدَّثون ويفتخرون به أمام العالم؟ ما هو؟ قتل الأبرياء؟!قتل الأطفال؟! هل انتهت المقاومة؟ المقاومة هي المقاومة، ولا زالت حية تقاوم من أجل الدين والمقدسات، والأرض والعرض، المقاومة بإذن الله منصورة اليوم أو غد، السؤال هل أنهوا المقاومة؟ هل أخرجوا اهل غزة من أرضهم؟ هل رفع اهل غزة الراية البيضاء كما كان يريد اليهود؟ ما هو الشيء الذي حقَّقوه؟ الشيء الوحيد الذي حققوه، ويفتخرون به هو قتل الأطفال والنساء، هذا هو ديدنهم وهذا هو هدفهم وهذا هو منهجهم، قد قتلوا الأنبياء عليهما الصلاة والسلام، قتلوا الأنبياء ونقضوا العهود وسفكوا الدماء ودمروا البيوت، هذا هو إنجازهم الوحيد، وهل هذا هو إنجاز؟ لا والله، بل هو بصمة عار في جبينهم إلى يوم القيامة، لكنهم سيخرجون من غزة بإذن الله ذليلين، منكسرين، منهزمين، عرفنا هذا من خلال تصريحاتهم، فهم غاضبون، يقولون: لماذا نترك غزة ولم نحقق شيئا من أهدافنا؟.
عباد الله، النصر قادم، والمقاومة باقية، وإخوانكم ثابتون صامدون محتسبون، رغم القتل ورغم الدمار ورغم الإبادة، إلا أنكم رأيتم قبل أن يعلنوا الاتفاق كيف خرجوا إلى شوارع غزة وهم فرحون وهم مستبشرون أليس هذا هو نصر بحجم ذاته؟ أليس هذا هو العز الذي يفتخر به كل مسلم؟ يحتفلون رغم الألم والدمار والخراب وفقد الأحبة، منهم من فقد أسرته كاملة، إلا أنه خرج إلى الشارع فرحا بوقف الحرب، فرحا بهذا النصر العظيم، أهم شيء أن الإسلام ينتصر، والحق يعلو، فالثبات على الحق والدين رغم الإبادة هو الفوز الكبير، ألم يقل الله وهو يتحدث عن أولئك الذين أُحرقوا في قصة الأخدود في سورة البروج، قال تعالى:﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمۡ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ ذَ ٰ⁠لِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِیرُ﴾ [البروج ١١] فوز كبير رغم أنهم أُبيدوا جميعا ولم يبق منهم أحد، ومع هذا سماه الله فوزا كبيرا؛ لأن الثبات على الدين والثبات على الحق والثبات على المبدأ هو نصر، هذا هو الثبات إخوة الإيمان.
معاشر المؤمنين، ينبغي أن نتعلم بأن هذا النصر جاء من عند الله عز وجل، وأن هذا النصر جاء بعد إعداد العدة، ﴿وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ﴾ [الأنفال ٦٠]، وعن أبي علي ثمامة بن شفي أنه سمع عقبة بن عامر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: ("وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي"). رواه مسلم.
معاشر الموحدين، أعظم العدة هي الإعداد العقدي هو الإعداد الإيماني،﴿وَمَا لَنَاۤ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَاۤ ءَاذَیۡتُمُونَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ﴾ [إبراهيم ١٢] ﴿قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾ [التوبة ٥١] أعظم العدة هو الإعداد الإيماني، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَـٰبࣰا مؤجلاً وَمَن یُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡیَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن یُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡـَٔاخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِی ٱلشَّـٰكِرِینَ﴾ [آل عمران ١٤٥] الإعداد الإيماني بأن الآخرة هي دار القرار، إن شعارهم هو شعار خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه عندما قال لأحد الملوك "أسلم تسلم وإلا لآتينك برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة".
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروا فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أيها المؤمنون، انتصرت غزة بالصبر والصمود ﴿وَكَأَیِّن مِّن نَّبِیࣲّ قَـٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّیُّونَ كَثِیرࣱ فَمَا وَهَنُوا۟ لِمَاۤ أَصَابَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا۟ وَمَا ٱسۡتَكَانُوا۟ۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ [آل عمران ١٤٦].
انتصرت غزة بالإرادة لا بالإبادة، انتصرت غزة بحب الله وحب رسوله عليه الصلاة والسلام وحب كتابه فالمساجد مليئة بحفاظ كتاب الله،، رغم تدميرها، إلا أنك تجد فيها من يقرأ القرآن، والبعض يسرُد القرآن من طلوع الفجر إلى آخر النهار، من أوله إلى آخره عن ظهر قلب، رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا، فاستحقوا النصر؛ لأنهم مع الله، ومن كان مع الله لن يُضيعَه الله جل جلاله، فمن وجدَ الله ماذا فقد؟ ومن فقدَ الله ماذا وجد؟ من وجدَ الله وجدَ كل شيء، ومن فقدَ الله فقدَ كل شيء، قاعدةٌ لا تتغير ولا تتبدَّل أبداً.
فالزم يديك بحقل الله معتصماً... فإنه الرُكن إن خانتك أركان..، ﴿... وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰۤ أَمۡرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [يوسف ٢١]
انتصرت غزة بحب أولياء الله، بحب العلماء الربانيين، بحب الصادقين، بحب المؤمنين، انتصرت غزة بحب الشهادة في سبيل الله، بالشهادة في سبيل الله، بحب لقاء الله عز وجل، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فمن كان هذا هو دندنُه، وهذه هي غايتُه، فلن يُضيعَه الله، فالله ناصِرُه؛ قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ یَنصُرۡكُمۡ وَیُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ﴾ [محمد ٧]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" وأخرجه أيضا الطبراني . قال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات".
اللهم آتِ نفوسنا تَقْوَاها، اللهم آتِ نفوسنا تَقْوَاها، زكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم أصلِح قلوبنا وأعمالنا يا رب العالمين، اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعَل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، واجعَل الموتَ راحةً لنا من كل شر، اللهم أبرِم لأمة محمدٍ أمرَ رشد يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُذلُّ فيها أعداءُ دينِك، يا من أنت على كل شيءٍ قدير، اللهم انصُر الإسلام وأعزَّ المسلمين، اللهم انصُر عبادك المُستضعفين في كل مكان، اللهم انصُر عبادك المظلومين والمُضطهدين في فلسطين، اللهم عليك بالمُتآمِرين على الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى والمنافقين، اللهم أرِنَا فيهم عجَائبَ قُدرتِك يا من أنت على كل شيءٍ قدير، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد ديننا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ اللهم فاشغله بنفسه، اجعل تدبيره في تدميره، رد كيده إلى نحره يا من أنت على كل شيء قدير، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من المحرومين، غيث الإيمان في قلوبنا، وغيث الرحمة في أوطاننا، يا من أنت على كل شيء قدير، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
عباد الله، صلوا وسلموا على المبعوث رحمة العالمين حيث أمركم فقال: ((إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا)).
إن الله يأمركم بثلاث فقوموا بها، وينهاكم عن ثلاث فاجتنبوها؛ إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم عظمة الله وأثره في نفوسنا الخطبة الأولى: الحمد لله رب ...

بسم الله الرحمن الرحيم
عظمة الله وأثره في نفوسنا
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ذي الملكوت والكبرياء والعظمة والجلال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢]
أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة في الدين ضلالة أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات، آمين اللهم آمين.
أيها الأحباب الكرام في الله، في زمن طغت فيه الماديات، وكثرت فيه الملهيات، والشبه والشهوات، ما أحوجنا معاشر المسلمين أن نعيش مع عظمة الله جل جلاله، أن نعيش مع عظمة الخالق جل جلاله سبحانه من خلال كتابه جل جلاله سبحانه، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، من خلال هذا الكتاب الكريم نتعرف على أسمائه وصفاته، فكلما تعرف المسلم على أسماء الله وصفاته كلما ازداد تعظيمه لله وتذلله بين يدي الله ، كلما تعرف المسلم على عظمة الخالق وعلى أسمائه وصفاته كلما عرف قيمة هذه الدنيا، كلما عرف عظمة الله عز وجل كلما صغرت أمامه هذه الدنيا بكبريائها بزخارفها، فمن خلال كتاب الله نتعرف على أسمائه وصفاته، يقول الله تعالى: ﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ ٱلرَّحِیمُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَـٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَیۡمِنُ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا یُشۡرِكُونَ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَـٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ یُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾[الحشر:22-23-24].
عباد الله، من خلال كتاب الله عز وجل نتعرف على عظمة الخالق جل جلاله سبحانه من خلال التفكر في آياته بالتفكر في مخلوقاته؛ لأن المسلم إذا جمع بين الذكر والتفكر ازداد تعظيمه لله، فإذا ما ازداد تعظيمه لله، ازداد خوفه منه جل جلاله سبحانه، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي، فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فرآه يبكي فقال: يا رسول الله، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! فقال: يا بلال، أفلا أكون عبدا شكورا، ولقد أنزل الله علي الليلة آية: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها) رواه ابن حبان في "صحيحه". لاحظوا ذكر ثم بعد ذلك يأتي التفكر، ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، فإذا ما اجتمع الذكر مع التفكر حدث تعظيم لله عز وجل فيقول {رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَك}، فإذا ما حدث تعظيم لله جاء بعده الخوف منه، لأن المسلم لا يخاف من الله إلا إذا عرف عظمة الله عز وجل، فيقول: {سُبْحانك فقِنا عذابَ النار}.
أيها الأحباب الكرام في الله، تعظيم الله عز وجل من خلال التفكر في أحوال الأمم السابقة، وما حصل للمجرمين والمتكبرين والظالمين، قال الله: ﴿وَثَمُودَا۟ فَمَاۤ أَبۡقَىٰ وَقَوۡمَ نُوحࣲ مِّن قَبۡلُۖ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ هُمۡ أَظۡلَمَ وَأَطۡغَى وَٱلۡمُؤۡتَفِكَةَ أَهۡوَى فَغَشَّىٰهَا مَا غَشَّىٰ فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ﴾ [النجم: 51-52-53-54-55] ﴿فَأَمَّا عَادࣱ فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُوا۟ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِی خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةࣰۖ وَكَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَجۡحَدُونَ﴾ [فصلت ١٥]، تعظيمنا لله عز وجل يكون بتعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذا ما عظمنا الله عظمنا رسوله عليه الصلاة والسلام ﴿لِّتُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلًا﴾ [الفتح ٩]، يقول السعدي رحمه الله: أي: بسبب دعوة الرسول لكم، وتعليمه لكم ما ينفعكم، أرسلناه لتقوموا بالإيمان بالله ورسوله، المستلزم ذلك لطاعتهما في جميع الأمور.
﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ أي: تعزروا الرسول ﷺ وتوقروه أي: تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم، ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ أي: تسبحوا لله ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ أول النهار وآخره، فذكر الله في هذه الآية الحق المشترك بين الله وبين رسوله، وهو الإيمان بهما، والمختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير، والمختص بالله، وهو التسبيح له والتقديس بصلاة أو غيرها.
تعظيم الله يكون بتعظيم كتابه، قال تعالى: ﴿لَوۡ أَنزَلۡنَا هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلࣲ لَّرَأَیۡتَهُۥ خَـٰشِعࣰا مُّتَصَدِّعࣰا مِّنۡ خَشۡیَةِ ٱللَّهِۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَـٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر ٢١].
الله ربي لا أريد سواه
هل في الوجود حقيقة إلاه
الشمس والبدر من أنوار حكمته
والبر والبحر فيض من عطاياه
الطير سبحه والوحش مجده
والموج كبره والحوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصمِّ قدسه
والنحل يهتف حمداً في خلاياه
والناس يعصونه جهراً فيسترهم
والعبد ينسى وربي ليس ينساه..
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه، فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. إخواني الكرام أخيرًا كيف نعظم الله عز وجل في نفوسنا؟
نعظم الله عز وجل بإقامة العبودية الكاملة له جل جلاله، فالله عز وجل يستحق العبادة الكاملة جل جلاله سبحانه، إذاً تعظيم الله عز وجل يكون بكمال العبودية له والخضوع له، فهو الذي سخر كل شيء من أجلنا؛ قال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَیۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَـٰهِرَةࣰ وَبَاطِنَةࣰۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُجَـٰدِلُ فِی ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَلَا هُدࣰى وَلَا كِتَـٰبࣲ مُّنِیرࣲ﴾ [لقمان ٢٠]
نعظم الله عز وجل في نفوسنا إخوة الإيمان بالتفكُّر في آلائِه، بالتفكُّر في مخلوقاته جل جلاله سبحانه.
نعظم الله عز وجل بتدبُّر كتابه، أن نعيش مع القرآن، أن نعيش مع القرآن يا إخواني، للأسف بعضنا لا يقرأ القرآن إلا في يوم الجمعة أو في رمضان أو....، لابد أن نعيش مع القرآن، هذا هو كلام الله، هذا هو رسالة الله لنا بواسطة أنبيائه، إنه القرآن، رسالة عظيمة من الله، لو جاءتك رسالة من أمير أو رئيس أو .. ستتدبّرها وتقرأها وتحافظ عليها وتضعها في مكان محفوظ حتى لا تُتلف، حتى لا تتمزَّق، فكيف بهذا القرآن الذي هو كلام الله؟! رسالة الله لنا عبر أنبيائه، لابد أن نعيش مع القرآن، أن نتدبَّر كلام الله، فهذا هو كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف حالنا مع القرآن؟ لابد أن نتدرب من الآن، أسابيع قليلة ويأتينا شهر القرآن، أسأل الله أن يبلغنا وإياكم شهر رمضان وأن يجعلنا وإياكم ممن يصومه ويقومه إيمانا واحتسابا.
ومن تعظيم الله، تعظيم الأشهر الحُرم، نحن في شهر رجب من الأشهر الحُرم، قال أبو بكر البلخي رحمه الله: "شهر رجب هو شهر الزرعة وشهر شعبان هو شهر السقي وشهر رمضان هو شهر الحصاد"، فمن لم يزرع في رجب ولم يسق في شعبان فكيف سيحصد في رمضان؟
إذا أردنا أن نعظم الله في أنفسنا أن نتفكر ما حل بالأمم السابقة، لنعتبر، ولنعلم أن الله على كل شيء قدير، ولنحذر من ظلم الناس، وأن نتذكر ما حل بالمجرمين وبالظالمين السابقين.
نعظم الله باللجوء إليه؛ لأنك إذا عظمت الله لجأت إليه، إذا عظمت الله رفعت يديك إليه، علمت أن الحوائج لا يكشفها إلا هو سبحانه، والهموم لا يفرجها إلا هو جل جلاله سبحانه الذي بيده مقاليد كل شيء.
أخيرا إخواني..كم يا نعم بالليل والنهار يغدقها الله علينا، ولا نشكره حق شكره؛ لأننا ولفنا هذه النعم فأصبحنا لا نعظم الله حق تعظيمه، لأننا أصبحنا ننظر إلى هذه النعم وكأنها أشياء روتينية، لكن إذا أردنا أن نعرف هذه النعم وقدر هذه النعم، ننظر ما حل بإخواننا هنا وهناك، لنشكر الله ونلجأ إليه ونحمده ليلاً ونهاراً على هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى، فهذه النعم لن تدوم إلا بشكر الله، إلا بتعظيم الله، إلا باللجوء إلى الله عز وجل.
إذا كنت في نعمة فرعها
فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله
فإن الإله سريع المقام.
اللهم أصلحنا وأصلح شباب المسلمين، اللهم أصلحنا وأصلح بنات المسلمين، اللهم أصلحنا وأصلح نساء المسلمين، اللهم ردنا إليك ردا جميلا.
يا أكرم الأكرمين، يا رحيم يا رحمن، يا كريم يا منان، امنن على إخوائنا المستضعفين والمظلومين والمضطهدين في غزة بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام.
اللهم يا عزيز يا جبار يا قوي يا قهار، اللهم عليك بالمتآمرين على الإسلام والمسلمين بالليل والنهار. اللهم لا تحقق لهم في بلاد المسلمين غاية، اللهم لا ترفع لهم راية، اجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية. يا من أنت على كل شيء قدير.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن الخاسرين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
عباد الله، صلوا وسلموا على المبعوث رحمة العالمين حيث أمركم فقال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا﴾ [الأحزاب ٥٦]،، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك النبي الأمّي، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما عدد ما أحاط به علمك، وخط به قلمك، وأحصاه كتابك وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرم، عباد الله، إن الله يأمر بثلاث فقوموا بها، وينهى عن ثلاث فاجتنبوها، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَـٰنِ وَإِیتَاۤىِٕ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَیَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡیِۚ یَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل ٩٠]، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، اشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم عاقبة الظالم والمظلوم الخطبة الأولى: الحمد لله رب ...

بسم الله الرحمن الرحيم
عاقبة الظالم والمظلوم
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله كتب العزة والرفعة للمستضعفين، وكتب الذلة والصغار على المجرمين الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أيد بالعدل أولياءه المؤمنين، وخذل بالظلم أعداءه الكافرين المجرمين الظالمين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه، فصلوات ربي وسلامه عليه في الأولين، وصلوات ربي وسلامه عليه في الآخرين، وصلوات ربي وسلامه عليه في الملإ الأعلى إلى يوم الدين.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِینَ﴾ [التوبة ١١٩]، أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة أجارنِ الله وإياكم من البدع والضلالات، آمين اللهم آمين.
أما بعد، فيا أيها الأحباب الكرام في الله إن الظلم ذنب عظيم، إن الظلم ذنبٌ عظيم وكبير ما فشَا في أمةٍ من الأمم إلا آذَنَ الله برحيلها، وما انتشر في دولةٍ من الدول إلا كان هذا الظلم سببًا في هلاكها.
الظلمُ ظلمات، الظلمُ ظلمات يوم القيامة، الله عز وجل يقول: ﴿فَكَأَیِّن مِّن قَرۡیَةٍ أَهۡلَكۡنَـٰهَا وَهِیَ ظَالِمَةࣱ فَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئۡرࣲ مُّعَطَّلَةࣲ وَقَصۡرࣲ مَّشِیدٍ﴾ [الحج ٤٥]، وقال جل وعلا: ﴿فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِ حَاصِبࣰا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّیۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیَظۡلِمَهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ﴾ [العنكبوت ٤٠] والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح القدسي الذي رواه مسلم، فيما يرويه عن ربه جل جلاله يقول عز وجل: ( يا عِبادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظالَمُوا).
عباد الله، للظلم أثر كبير على الظالم، وعاقبته وخيمة، يكفي الظالم أنه مطرود من رحمة الله، أنه ملعون، وإذا طردك الله عز وجل من رحمته، إلى من تلجأ؟ إلى من تشكوا؟ إلى من تتذلل إذا طردك الله عز وجل من رحمته؟ من الذي سيرحمك؟ من الذي سيعفو عنك؟ من الذي يكشف البلوى؟ ألم يقل الله ﴿أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [هود ١٨]؟، ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري (إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظّالِمِ، حتّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ. قالَ: ثُمَّ قَرَأَ ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: ١٠٢]).
الظالم لا يُفلح أبدا، يظن أنه سيفلح إذا ظلم إنسانا أو أخاه المسلم، يظن أنه قد أفلح وقد نجح وقد فاز ويظن أن هذا من كمال المروءة، ومن كمال رجاحة العقل، لا والله لا يفلح أبدا، الذي يظلم الناس، الذي يظلم إخوانه المسلمين لا يفلح أبدا، ألم يقل الله في أكثر من موقع في كتابه العزيز ﴿إِنَّهُۥ لَا یُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾ [الأنعام ٢١]؟ لا يوفق، مخذول، ألم يقل الله عن النمرود: ﴿..فَبُهِتَ ٱلَّذِی كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [البقرة ٢٥٨]؟ واللهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ، الظالم لا نصير له ولا شفيع ولا معين له أبدا، يقول الله تعالى: ﴿مَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ حَمِیمࣲ وَلَا شَفِیعࣲ یُطَاعُ﴾ [غافر ١٨]، ويقول عز وجل: ﴿وَهُمۡ یَصۡطَرِخُونَ فِیهَا رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَـٰلِحًا غَیۡرَ ٱلَّذِی كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا یَتَذَكَّرُ فِیهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاۤءَكُمُ ٱلنَّذِیرُۖ فَذُوقُوا۟ فَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِن نَّصِیرٍ﴾ [فاطر ٣٧].
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أَما وَاللَهُ إِنَّ الظُلمَ شُؤمٌ وَلا زالَ المُسيءُ هُوَ الظَلومُ
إِلى الديّانِ يَومُ الدينِ نَمضي وَعِندَ اللَهِ تَجتَمِعُ الخُصومُ
وقال: لا تَظلِمَنَّ إِذا ما كُنتَ مُقتَدِراً فَالظُلمُ مَرتَعُهُ يُفضي إِلى النَدَمِ
تَنامُ عَينُكَ وَالمَظلومُ مُنتَبِهٌ يَدعو عَلَيكَ وَعَينُ اللَهِ لَم تَنَمِ.
﴿وَیَوۡمَ یَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ یَدَیۡهِ یَقُولُ یَـٰلَیۡتَنِی ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِیلࣰا﴾ [الفرقان ٢٧]، وأعظم من هذا كله إخوة الإيمان، أنه في سكرات الموت يعاني ويتألم من السكرات، كربات وأي كربات، حالته لا يعلمها إلا الله، وهو في سكرات الموت يظن أنه يفلح، لا والله ،عذاب في الدنيا والآخرة، ألم يقل الله ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِیَ إِلَیَّ وَلَمۡ یُوحَ إِلَیۡهِ شَیۡءࣱ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُۗ وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِی غَمَرَ ٰ⁠تِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ بَاسِطُوۤا۟ أَیۡدِیهِمۡ أَخۡرِجُوۤا۟ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡیَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ﴾ [الأنعام ٩٣]؟.
ينبغي أن نتنبه إخوة الإيمان، وأن نحذر من الظلم، وأعظم الظلم هو الشرك بالله، ومن أعظم الظلم أن يظلم الإنسان نفسه، أن يظلم الإنسان زوجته، أن يظلم الإنسان أولاده، أن يظلم الإنسان جيرانه، أن يظلم الإنسان أقاربه، أن يظلم الإنسان خدمه، الظلم عاقبته وخيمة، قد يُبتلى الإنسان بشقى في قلبه، قد يُبتلى بمرض، لا يدري من أين يأتي، قد يكون من دعوة مظلوم، الإنسان ننظر إليه كأنه إنسان عادي، لكنه لو أقسم على الله لأبره، لو رفع يديه إلى السماء لاستجاب الله دعوته، فنسأل الله عز وجل إخوة الإيمان أن يجنبنا الظلم إنه ولي ذاتك والقادر عليه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وبعد إخوة الإيمان، تحدثنا عن أثر الظلم على الظالم، فدعونا نتحدث عن أثر الظلم على المظلوم، هل يؤثر عليه؟ قد يحزن، قد يتألم، لكن الله معه، لكن الله ناصره، لكن الله مؤيده، فالله ولي المظلوم، كما في الحديث وهو في صحيح الجامع عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اتَّقوا دعوةَ المظلومِ فإنَّها تصعدُ إلى السَّماءِ كأنَّها شرارةٌ)، فالله وليه، والله عز وجل قد وعد المظلوم بالنصر المبين، بالنصر العظيم؛ كما قال عليه الصلاة والسلام، يقول الله عز وجل: (اتَّقُوا دَعْوَةَ المَظْلومِ؛ فإنَّها تُحْمَلُ على الغَمامِ)، ويقولُ اللهُ كذلك في الحديث القدسي: (وعزَّتي وجَلالِي لأنْصُرَنَّكِ ولَوْ بعدَ حِينٍ) رواه الطبراني، والألباني في صحيح الترغيب.
عباد الله، المظلوم دعوته مستجابة، ولهذا حذر النبي عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل عندما قال له: (...واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجابٌ) البخاري.
ولهذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "إن الله لينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويهزم الدولة الظالمة وان كانت مسلمة".
ما حل بالمسلمين اليوم تظنون انه من فراغ؟ كثير من الدول في شتات وتفرق وفقر وجوع وهزائم وذل، كم من مظلومين في تلك الدول التي حلت بها النكبات إلا من رحم الله؟ كم من ظلم؟ ونريد ان ينصرنا الله؟!..
أُسود على بعضنا، نفترس بعضنا بعضا إلا ما رحم ربي، لكنا أمام أعدائنا كالنعامة، أمام أعدائنا نتذلل لهم، يسيل لعابنا، نخضع لهم، لا نستعرض عضلاتنا الا لبعضنا للأسف الشديد، ونريد نصراً؟،ونريد عزة؟ ونريد كرامة؟ لا والله، الله يقول: ﴿...وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ﴾ [القصص ٨٣]، لكن اين المتقون؟ اين المتقون؟ قليل، وإذا وُجد المتقون، أين المُصلحون؟ لابد ان نعود الى الله عز وجل، ونقوي صلتنا بالله، إذا أردنا إن تكون لنا الكرامة، كما كانت من قبل.
أحبابي الكرام، العاقبة للمظلوم والفرج، ألم يقل الله: ﴿وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَىِٕمَّةࣰ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَ ٰ⁠رِثِینَ﴾ [القصص ٥]؟.
أيها المظلوم لا تيأس، لا تحزن، لا تظن أن الله غافل عما يعمل الظالمون، قال تعالى: ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلًا عَمَّا یَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ إِنَّمَا یُؤَخِّرُهُمۡ لِیَوۡمࣲ تَشۡخَصُ فِیهِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ﴾ [إبراهيم ٤٢].
فالله الله يا إخواني..فلنحذر من الظلم، ولنحذر من الطرق التي توصلنا الى ظلم بعضنا البعض، لان عاقبته وخيمة، وسنندم في الدنيا قبل الآخرة، فلنراجع أنفسنا، ولنقف مع أنفسنا وقفات علّ الله أن يرحمنا، وأن يكشف كرباتنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم أصلحنا وأصلح شباب المسلمين، اللهم أصلحنا وأصلح بنات المسلمين، اللهم أصلحنا وأصلح نساء المسلمين، اللهم ردنا إليك ردا جميلا.
يا أكرم الأكرمين، يا رحيم يا رحمن، يا كريم يا منان، امنن على إخوائنا المستضعفين والمظلومين والمضطهدين في غزة بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام.
اللهم يا عزيز يا جبار يا قوي يا قهار، اللهم عليك بالمتآمرين على الإسلام والمسلمين بالليل والنهار. اللهم لا تحقق لهم في بلاد المسلمين غاية، اللهم لا ترفع لهم راية، اجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية. يا من أنت على كل شيء قدير.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن الخاسرين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
عباد الله، صلوا وسلموا على المبعوث رحمة العالمين حيث أمركم فقال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا﴾ [الأحزاب ٥٦]،، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك النبي الأمّي، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما عدد ما أحاط به علمك، وخط به قلمك، وأحصاه كتابك وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرم، عباد الله، إن الله يأمر بثلاث فقوموا بها، وينهى عن ثلاث فاجتنبوها، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَـٰنِ وَإِیتَاۤىِٕ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَیَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡیِۚ یَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل ٩٠]، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، اشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم ماذا يحصل عندما تغيب النهاية؟ الخطبة الأولى: الحمد لله الذي ...

بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا يحصل عندما تغيب النهاية؟
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي ذلل بالموت رقاب الجبابرة، وأنهى بالموت آمال القياصرة، وكسر بالموت ظهور الأكاسرة، حتى أرداهم في الحافرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له، ينادي في عرصات يوم القيامة لمن الملك اليوم؟ فلم يُجبه أحد، فيُجيب على نفسه فيقول: لله الواحد القهار، كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، القائل عليه الصلاة والسلام: لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات، آمين اللهم آمين أيها الأحباب الكرام في الله، عندما تغيب النهاية تضيع القيم، عندما تغيب النهاية تستباح الحرمات، عندما تغيب النهاية تقل العلاقات الاجتماعية بين المسلمين، عندما تغيب النهاية يكثر الهرج والمرج، عندما تغيب النهاية تنتهك أعراض المسلمين وتداس القيم، عندما تغيب النهاية ينغمِسُ الإنسان في هذه الحياة فيطمئنُّ إليها ويركَنُ إليها فيعمل من أجلها ويحقِد من أجلها ويحسَد من أجلها ويرتشِي من أجلها ويظلم من أجلها ويبطِش من أجلها ويأكل حقوقَ الناس من أجلها يعمل ما بوسعِه في هذه الحياة من أجلها، السبب عندما تغيب النهاية من عقل المسلم يظنُّ أنه سيعيشُ في هذه الحياة، وما علِم الإنسان على أنه في دار ممر وليس دار مقرَّ وما سُمِّيَت الدنيا إلا من دناءتها وحقارتها عند الله، فعن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعديِّ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: ((لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ)). رواه الترمذي، وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. فقضيةُ الموت قضيةٌ عُظمى والكلُّ سيرحَل من هذه الحياة، الكلُّ سيموت لا أحد يبقى، الكبيرُ والصغيرُ، الرئيسُ والمرؤوسُ، الحاكمُ والمحكُومُ، الكلُّ سيخرج من هذه الحياة، فالسعيدُ من خرج منها بأعمالٍ صالحة، والشقيُّ من خرج منها بسيئات وذنوبٍ عظيمةٍ وكبيرةٍ، وخاصةً إذا كانت تختصُ بحقوق المسلمين من مظالم وغيرها، ولهذا آيةٌ عظيمة تجعل الكلُّ يقف إذا أراد أن يظلم أو أن يبطش فليتذكَّر هذه الآية، إذا أراد أن يقتل فليتذكَّر هذه الآية، قال الله عز وجل:﴿أَیۡنَمَا تَكُونُوا۟ یُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِی بُرُوجࣲ مُّشَیَّدَةࣲۗ ...﴾ [النساء ٧٨] ولو كنتم في قصورٍ عالية في قصورٍ شاهقة سيأتي الموت سيأتي الموت، عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عُبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقَدِمَ بمال من البحرين، فسمعَتِ الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافَوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف، فتعرَّضوا له، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: ((أظنُّكم سمعتم أن أبا عبيدة قَدِمَ بشيء من البحرين؟))، فقالوا: أجل يا رسول الله، فقال: ((أَبشِروا وأمِّلوا ما يسُرُّكم، فو الله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكنى أخشى أن تُبسَط الدنيا عليكم كما بُسطتْ على من كان قبلكم، فتَنافَسوها كما تَنافسوها، فتُهلِكَكم كما أهلَكتْهم)) متفق عليه.
عندما تغيبُ النهاية ويغيبُ الموت من أذهاننا جميعا قد نزيغ ونبتعد عن الحق وعن الطريق المُستقيم، لابد يا إخواني أن نعلم أننا سنموت جميعا وأننا سنقفُ بين يدي الله، يقول الله عز وجل: ﴿كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤىِٕقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا مَتَـٰعُ ٱلۡغُرُورِ﴾ [آل عمران ١٨٥]، فالسعيدُ من قدَّم أعمالاً صالحة لآخرته لأنها الحياة الأبدية ﴿وَمَا هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَاۤ إِلَّا لَهۡوࣱ وَلَعِبࣱۚ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ لَهِیَ ٱلۡحَیَوَانُۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ﴾ [العنكبوت ٦٤]، انظروا إلى حال من عمل من اجل الدنيا، قال تعالى: ﴿مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا وَزِینَتَهَا نُوَفِّ إِلَیۡهِمۡ أَعۡمَـٰلَهُمۡ فِیهَا وَهُمۡ فِیهَا لَا یُبۡخَسُونَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَیۡسَ لَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا۟ فِیهَا وَبَـٰطِلࣱ مَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [هود: 15-16]، يقول السعدي رحمه الله: "كل إرادته مقصورة على الحياة الدنيا، وعلى زينتها من النساء والبنين، والقناطير المقنطرة، من الذهب، والفضة، والخيل المسومة، والأنعام والحرث. قد صرف رغبته وسعيه وعمله في هذه الأشياء، ولم يجعل لدار القرار من إرادته شيئا، فهذا لا يكون إلا كافرا، لأنه لو كان مؤمنا، لكان ما معه من الإيمان يمنعه أن تكون جميع إرادته للدار الدنيا، بل نفس إيمانه وما تيسر له من الأعمال أثر من آثار إرادته الدار الآخرة، ولكن هذا الشقي، الذي كأنه خلق للدنيا وحدها، ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ أي: نعطيهم ما قسم لهم في أم الكتاب من ثواب الدنيا، ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ أي: لا ينقصون شيئا مما قدر لهم، ولكن هذا منتهى نعيمهم"، ويقول سبحانه وهو يحذِّر المطمئنين إلى هذه الدنيا، والمنغمسين فيها، قال عز وجل: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ لَا یَرۡجُونَ لِقَاۤءَنَا وَرَضُوا۟ بِٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَٱطۡمَأَنُّوا۟ بِهَا وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِنَا غَـٰفِلُونَ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ﴾ [يونس: 7-8].
يُروى أن ملكًا من الملوك بنى قصرًا عظيمًا ثم نادى الناس بأن يأتوا إلى هذا القصر، ثم قال لحاشيته وزبانيته وجنوده: من أتى من هؤلاء الناس ورأى عيبًا في هذا القصر أعطوه درهمين، هو يظن أن عنده قصرًا عظيمًا، فقال لحاشيته: من أخرج عيبًا من هذا القصر أكرموه وأعطوه درهمين، فجاء الناس إلى القصر، وشاهدوه، لكنهم لم يجدوا عيبًا فيه، بعد ذلك جاء أحد فقراء المسلمين وتأمل فيه، فبينما هو في طريقه إلى الخروج سأله أحد الحراس قائلا له: يا هذا؟ هل رأيت عيبًا في القصر؟ قال: نعم، وجدت عيبين اثنين، قال ما هذا العيب؟! كل من دخله لم يجد عيبا واحدا، وأنت تقول إن هناك عيبن؟! قال: نعم، قال: العيب الأول: أن هذا القصر لابد أن يأتيه يوم يعتريه الهدم، سيهدم سيأتي يوم وينتهي هذا القصر، العيب الثاني: لابد أن يأتي يوم وينتهي صاحب هذا القصر، يموت ويرحل من هذه الحياة، وإذا بالحاجب يأخذ من وجد العيوب إلى الملك، فيبكي ذلك الملك ويقول: دلوني على مُلكٍ وعلى قصرٍ لا يعتريه الهدم ولا يموت صاحبه، قالوا له: لن تجد ذلك إلا في جنةٍ عرضها السماوات والأرض نسأل الله أن يجعلنا من أهلها.
عباد الله، الكل سيموت والله لو جمعنا الدنيا كلها بحذافيرها، لا ينفع الإنسان إلا ما قدم من عملٍ صالح، ولهذا لابد أن نقدم لآخرتنا، الموت لا يفرق بين صغير ولا كبير، وقد أصاب هذا أفضل الخلق محمدا صلى الله عليه وسلم فكان ساعة احتضاره يقول: لا إله إلا الله إن للموت لسكرات. كما في حديث البخاري.
إخواني الكرام، تعالوا معي لنستمع سوية إلى هذا المشهد الخالد، وإلى هذا الحوار الذي يحمل في طياته عبر وعظات عظيمة، هارون الرشيد.. خرج يومًا في رحلة صيد فمر برجل يقال له بهلول.. فقال هارون: عظني يا بهلول.. قال: أمير المؤمنين!! أين آباؤك وأجدادك؟ قال هارون: ماتوا.. قال: فأين قصورهم..؟ قال: تلك قصورهم.. قال: وأين قبورهم؟ قال: هذه قبورهم.. فقال بهلول: تلك قصورهم.. وهذه قبورهم.. فما نفعتهم قصورهم في قبورهم؟ قال: صدقت.. زدني.. يا بهلول.. قال: أما قصورك في الدنيا فواسعة، فليت قبرك بعد الموت يتسع..فبكى هارون وقال: زدني.. فقال يا أمير المؤمنين: هب أنك ملكت كنوز كسرى وعمرت السنين فكان ماذا؟ أليس القبر غاية كل حي وتسأل بعده عن كل هذا؟ قال: بلى، ثم رجع هارون.. و انطرح على فراشه مريضًا.. فلما حضرته الوفاة.. وعاين السكرات.. صاح بقواده وحجابه: اجمعوا جيوشي.. فجاءوا بهم.. بسيوفهم.. ودروعهم.. لا يكاد يحصى عددهم إلا الله.. كلهم تحت قيادته وأمره.. فلما رآهم.. بكى.. ثم قال: يا من لا يزول ملكه.. ارحم من قد زال ملكه.. قال: أحضروا لي أكفانًا.. فأحضروا له.. فقال: احفروا لي قبرا.. فحفروا له.. فنظر إلى القبر وقال: ما أغنى عني ماليه... هلك عني سلطانيه.. ثم لم يزل يبكي حتى مات.
والله إنه مشهد رائع... وحوار كله عبر وعظات وتذكرة لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكورًا... أنا أروي لكم هذا المشهد في هذه الجمعة لأننا أصبحنا نرى دنيا يأكل بعضها بعضًا، لأننا نرى الكثير من المسلمين في دنيا اليوم قد اشتغلوا بأمر الدنيا وتركوا أمر الآخرة... اشتغلوا بخدمة المخلوقين وتركوا خدمة الخالق... اشتغلوا بتزين ظواهرهم وتركوا تزين بواطنهم اشتغلوا بعيوب الناس وتركوا عيوب أنفسهم... اشتغلوا بعمارة القصور وتركوا عمارة القبور...أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وسائر المسلمين...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه....اما بعد، عباد الله، نختم هذه الخطبة ونقول: هناك في سكرات الموت من يكون سعيداً وهناك والعياذ بالله من يكون شقياً، من استغل حياته في طاعة الله وفي مرضات الله فسيموت وهو مرتاح البال، فسيجد السعادة والراحة والبشارة من الملائكة بروح وريحان ورب راض غير غضبان، ومن استغل حياته في أكل أموال المسلمين بغير حق، والبعد عن الله عز وجل، وإيذاء المسلمين، وفي استباحة حرماتهم، لا تظن أن الفرحة ستدوم، سيلقى جزاءه وهو في سكرات الموت قبل أن يرحل إلى القبر، قبل أن يرحل إلى جهنم والعياذ بالله، ولهذا قال الله عن المؤمنين، انظروا إلى فريق الجنة، نسأل الله أن يجعلنا منهم، قال سبحانه وهو يبشرهم: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ قَالُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَـٰمُوا۟ تَتَنَزَّلُ عَلَیۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ أَلَّا تَخَافُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَبۡشِرُوا۟ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِی كُنتُمۡ تُوعَدُونَ نَحۡنُ أَوۡلِیَاۤؤُكُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۖ وَلَكُمۡ فِیهَا مَا تَشۡتَهِیۤ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِیهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ [فصلت: 30- ٣1]، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا، نحن المتولون لحفظكم ورعايتكم، وإذا حفظكم الله عز وجل في الدنيا فسيحفظكم في الآخرة ﴿نُزُلࣰا مِّنۡ غَفُورࣲ رَّحِیمࣲ﴾ [فصلت ٣٢]، كرامة وضيافة ومنزلة عظيمة من غفور رحيم، أما الصنف الآخر والعياذ بالله قال الله عنهم:
﴿ وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِی غَمَرَ ٰ⁠تِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ بَاسِطُوۤا۟ أَیۡدِیهِمۡ أخرجوا۟ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡیَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِهِۦ تستكبرون وَلقد جِئۡتُمُونَا فُرَ ٰ⁠دَىٰ كَمَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةࣲ وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَـٰكُمۡ وَرَاۤءَ ظُهُورِكُمۡۖ .. ﴾ [الأنعام: 92-93] ولقد جئتمونا فرادا، أين الحاشية؟ أين الحرس؟ أين القصور؟ أين أتباع الظالمين؟ لماذا لم ينقذوهم في هذا اليوم العصيب؟ يا إخواني: لا بد أن نتذكر أن الدنيا فانية، وأن موطننا الأصلي هناك بإذن الله في جنة عرضها السماوات والأرض، فنسأل الله عز وجل أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، اللهم أصلحنا وأصلح شباب المسلمين، اللهم أصلحنا وأصلح نساء المسلمين، اللهم أصلحنا وأصلح بنات المسلمين، اللهم رُدَّنا إليك ردًّا جميلًا، اللهم رُدَّنا إليك ردًّا جميلًا، اللهم أبرِم لأمةِ محمدٍ أمرَ رشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُذلُّ فيه أعداءُ دينِك، ويُؤمرُ فيه بالمعروفَ ويُنهى فيه عن المُنكَر، اللهم يا ربَّنا من كان من الحاضِرين والسامِعين والسامِعات مهمُومًا، اللهم فرِّج همَّه، اللهم من كان من الحاضِرين والسامِعين والسامِعات مكروبًا اللهم اكشِف كُربَتَه، اللهم من كان من الحاضِرين والسامِعين والسامِعات عليه دَيْنٌ، اللهم فاقضِ دَيْنَه، اللهم من كان من الحاضِرين والسامِعين والسامِعات مريضا، أو عنده مريض من أقرِبائِه، اللهم فاشفه واشفِ مريضَه، اللهم من كان من الحاضِرين والسامِعين والسامِعات قد ماتَ أحدُ أقرِبائِه، اللهم ارحم ميِّتَه رحمةَ الأبرار، اللهم أسكِنه جنَّات بين من تحت الأنهار يا عزيز يا غفَّار، يا رحيم يا رحمن يا كريم يا مَنَّان، اللهم فرِّج عن إخوان المُستضعَفين في غزة، وفي كل مكان، اللهم ألِّف بين قلوب إخوان المسلمين في ليبيا وتونس واليمن ومصر والسودان، وغيرها من الدول يا رب العالمين اللهم احقِن دماءهم يا رب العالمين، اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين في كل مكان، اللهم يا عزيز يا جبَّار يا قوي يا قهار، عليك بالطُّغاة الظالمين، اللهم عليك بالمُتآمِرين على الإسلام والمسلمين بالليل والنهار، اللهم لا تحقِق لهم في بلاد المسلمين غاية، اللهم لا ترفع لهم راية، اجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآية، يا من أنت على كل شيء قدير، عباد الله، صلوا وسلِّموا على المبعوث رحمة العالمين حيث أمركم فقال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا﴾ [الأحزاب ٥٦].
عباد الله، إن الله يأمر بثلاثٍ فقوموا بها، وينهى عن ثلاثٍ فاجتنِبوها، إن الله يأمر بالعادل والإحسان وإيتاء ذي القُربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، أُذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمُ يذكركم، واشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم لماذا صلاح القلب؟ الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ...

بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا صلاح القلب؟
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله نحمده تعالى ونستعين به ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المُهتَد، ومن يُضلِل فلن تجدَ له وليًّ مُرشِدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه من خلقِه وخليلُه صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبِه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢]، أما بعد فإن أصدقَ الحديث كلامُ الله وخيرَ الهدِي هدِي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدَثاتُها، وكل مُحدَثةٍ بِدعةٍ، وكل بِدعةٍ في الدين ضلالة أجارَني الله وإياكم من البِدَع والضلالات، آمين اللهم آمين.
أما بعد، فيا أيها الأحباب الكرام في الله، سؤالٌ أطرَحُه على حضاراتِكم لنُجيبَ عليه في هذه الدقائق المعدودة لماذا صلاحُ القلب؟ لماذا القلب؟ لماذا الاهتِمام بالقلب؟ لماذا العناية بالقلب؟ ما أحوَجَنا معاشرَ المسلمين أن نقِف مع هذا السؤال، وينبغي أن نسأل أنفسنا هذا السؤال في كل وقت وفي كل حين،، لماذا العناية بالقلب؟ الاهتِمام بالقلب له أهميةٌ عظيمة كيف لا نهتم به،. والأنبياء والصالحون اهتمُوا بالقلب اهتِمامًا كبيرًا، هذا رسولُنا صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يا مُقلِّبَ القلوب ثبِّت قلبي على دينِك وكان يقول: اللهم اجعل في قلبي نورًا في سمعي نورًا في بصري نورًا، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: اللهم آتِ نفسِ تقواها زكِّها أنتَ خيرُ من زكَّاها، وعلَّم أصحابَه عليه الصلاة والسلام.
أحدُ السلَف يقول: وَاللَّهِ مَا سَبَقَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِكَثْرَةِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، "أبو بكر الذي قال عنه عُمرُ: لو أن إيمانَ أبي بكرٍ في كفَّة وإيمانَ الأمة في كفَّة لرجَحَ إيمانُ أبي بكر" أبوبكر رضي الله عنه أول المُبشَّرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه ومع هذا يقول أحدُ السلف: "والله ما سبَقَكم أبو بكرٍ بكثرة صلاةٍ ولا صيامٍ ولكن بشيءٍ وقرَ في القلب" وقرَ في القلب حبُّ الله، تعظيم الله ،تعظيم هذا الدين، الخوفُ من الله، الوجَل، الخشية، المُراقبة، الإنابة، التوكل، كلُّ هذا محلُّه القلب، فالقلب إذا لم يصلُح، فهو سبب كل مصيبة في هذه الأرض ،عندما نرى السرِقات تنتشر، والشحناء بين المُسلمين والبغضاء وقطعُ الأرحام وإيذاء المُسلمين وغير ذلك من الأعمال سببُها فسادُ القلب وفسادُ النيَّة.
لماذا القلب إخوة الإيمان؟ لماذا ينبغي أن نُصلِح هذا القلب؟ لأن القلب هو موضعُ النيَّة، فالنيَّة هي أساسُ قبول الأعمال، فلا يُقبَل أيُّ عملٍ إلا بالنيَّة، من شروط الوضوء النيَّة، من شروط الصلاة النيَّة، أي شيء تعمله لا بد من نية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح من حديث عمر قال: (إنما الأعمال بالنيَّات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسولِه فهجرتُه إلى الله ورسولِه ومن كانت هجرتُه لدنيا يُصيبُها أو امرأةٍ ينكِحُها فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه) متفق عليه، فالقلب هو موضعُ النيَّة، والنيَّة هي أساسَ الأعمال، يقول أحد السلف: "ربَّ عملٍ صغير تُعظِّمُه النيَّة وربَّ عملٍ كبير تُصغِرُه النيَّة"، كما قال الله عن الكفار ﴿وَقَدِمۡنَاۤ إِلَىٰ مَا عَمِلُوا۟ مِنۡ عَمَلࣲ فَجَعَلۡنَـٰهُ هَبَاۤءࣰ مَّنثُورًا﴾ [الفرقان ٢٣].
لماذا القلب؟ لأن القلب موضعُ نظر الله جل جلاله الله ينظر إلى قلبك يا ابن آدم، ينبغي أن تتعهد هذا القلب حتى إذا نظر الله إلى قلبك، وجد فيه الحب والخوف منه وتعظيمه، وجد المحبة وجد الصدق وجد الإيمان، كما في الحديث الصحيح قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ) رواه مسلم.
فلماذا القلب؟ لأن القلب موضع نظر الله عز وجل، جل جلاله، ولهذا قال سبحانه، وهو يُبيِّن على أن من اهتم بقلبه وأصلح قلبه هو من المسارعين، وهو من المُقرَّبين إلى الله عز وجل، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ هُم مِّنۡ خَشۡیَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ﴾ [المؤمنون ٥٧]، من أين تأتي الخشية والخوف من القلب إذا لم يصلح القلب؟ {إن الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون:57-60].
معاشر المسلمين لماذا القلب؟ لأن القلب إذا صلُح صلُحَت الأعمال وصلُحَت الجوارِح، وإذا فسدَ القلب فسدَت الأعمال، وفسدَت الجوارِح نعم إخوة الإيمان، في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا وإن في الجسد مُضغَة إذا صلُحت صلُحَ الجسد كله وإذا فسدَت فسدَ الجسد كله ألا وهي القلب). متفق عليه فصلاح القلب طريقٌ إلى صلاح الأعمال، وسبب إلى صلاح الأعمال، ولهذا الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما من أحدٍ يتوضَّأُ فيحسنُ الوضوءَ ويُصلِّي ركعتَينِ يُقبِلُ بقلبِه ووجهِه عليهما إلا وجبتْ له الجنَّةُ). رواه مسلم
لماذا الاهتمام بالقلب؟ ولماذا هذا القلب؟ لماذا صلاح القلب؟ لأن صاحب القلب معرض للفتن والمحن ، فيحتاج إلى صقل، يحتاج إلى إصلاح دائماً، إذا كان صاحب القلب فاسِدا لا يتحمَّل الفتن يزيغ، يضل يبتعد، يدور مع الفتن حيث دارَت، لا يثبُت أبداً، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: (تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا ، فأيُّ قلبٍ أُشربَها نكتَتْ فيه نكتةٌ سوداءُ فيصيرُ أسودَ مربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا، لا يعرفُ معروفًا ولا ينكرُ إلا ما أُشرِبَ من هَواه).
فالقلب يحتاج دائمًا إلى عناية لأنه عُرضة للفتن.
لماذا القلب؟ لأن القلب إذا أصلحناه وكان سليمًا نفعَنا يوم القيامة يوم الحسرة والندامة ، لا ينفعُ الإنسان لا المال ولا الجاه ولا السلطان ولا العشيرة ولا القبيلة في ذلك اليوم إلا من كان قلبُه سليمًا، إلا من كان قلبُه صحيحا، سليم من الشرك، من الغل من الحق من الحسد من البغضاء، ولهذا كان من دعاء أبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم أنه قال كما قال تعالى: ﴿وَلَا تُخۡزِنِی یَوۡمَ یُبۡعَثُونَ﴾ [الشعراء ٨٧]، ما أحوجنا إلى هذا الدعاء؟ أعظم خزي هو الخزي يوم القيامة، وأعظم حسرة هي حسرة يوم القيامة، يوم لا ينفعُ الندم، ويوم لا تنفع الحسرة؛ قال الله عز وجل حاكيًا عن أبينا إبراهيم الخليل قال: ﴿وَلَا تُخۡزِنِی یَوۡمَ یُبۡعَثُونَ﴾ ﴿یَوۡمَ لَا یَنفَعُ مَالࣱ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبࣲ سَلِیمࣲ﴾ [الشعراء:88-89] إلا من أتى الله بقلب سليم، فالأموال والأولاد لا تُقرِّبنا من الله عز وجل أبداً، لا تُقرِّبنا إذا لم يُوجِد هناك إيمان وقلب سليم صحيح، قال تعالى:﴿وَمَاۤ أَمۡوَ ٰ⁠لُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُم بِٱلَّتِی تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰۤ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ جَزَاۤءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُوا۟ وَهُمۡ فِی ٱلۡغُرُفَـٰتِ ءَامِنُونَ﴾ [سبأ ٣٧].
إخوة الإيمان؟ لماذا الاهتمام بالقلب؟ لأن القلب هو موضع التذكر موضع الخشية، إذا لم يُوجِد قلب صحيح، ففمهما خطب الخطباء، ومهما وعظ الوعاظ، لا يتأثر أبداً، لكن إذا صلح القلب تجد المسلم يتأثر من كلام الله، يتأثر من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿سَیَذَّكَّرُ مَن یَخۡشَىٰ﴾ [الأعلى ١٠]، وقال: ﴿إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِیدࣱ﴾ [ق ٣٧]، إذا أردت أخي المسلم أن تكون من المفلحين وأن يتقبل الله صلاتك،. لابد أن تخشع، والخشوع من القلب، والمصلي الذي يخشع في صلاته يكون من المفلحين؛ قال الله تعالى: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی صَلَاتِهِمۡ خَـٰشِعُونَ﴾ [المؤمنون:1- ٢].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
إخوة الإيمان، لا شك أن كل واحد منا يتمنى أن يكون قلبه صحيحاً، أن يكون قلبه سليماً، ينبغي أخي المسلم أن تتعاهد، وأن نتعاهد جميعاً هذا القلب بكثرة الاستغفار والتوبة الصادقة ، أعظم وسيلة وأفضل وسيلة لإصلاح القلوب كثرة الاستغفار يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنه لا يغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة). رواه مسلم
فلنكثر من ذكر الله لتطمئن قلوبنا، وحتى يا إخواني لا نكون من الذين قال الله عنهم: ( فَوَیۡلࣱ لِّلۡقَـٰسِیَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ﴾ [الزمر ٢٢]، رباه نشكو إليك قسوة قلوبنا، رباه نشكو إليك قسوة قلوبنا، فلنكثر من ذكر الله عز وجل لتطمئن القلوب، كذلك إخوة الإيمان حتى تصلح حال القلوب، ينبغي أن نكثر من الدعاء، أن نكثر من الدعاء بأن يصلح الله عز وجل قلوبنا، كان النبي دائماً يقول:( يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك).
اللهم آتِ نفوسنا تقوَها اللهم آتِ نفوسنا تقوَها، زكِّها أنت خيرُ من زكَّها، أنت ولي ومولاها، اللهم أصلِح قلوبنا وأعمالنا يا رب العالمين، اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمة أمرنا وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا واجعَل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير واجعَل الموتَ راحةً لنا من كل شر، اللهم أبرِم لأمة محمدٍ أمرَ رشد يُعزُّ في أهلُ طاعتِك ويُهدَى في أهلُ معصيتِك ويُذلُّ فيها أعداءُ دينِك يا من أنت على كل شيءٍ قدير، اللهم انصُر الإسلام وأعزَّ المسلمين، اللهم انصُر عبادك المُستضعفين في كل مكان اللهم انصُر عبادك المظلومين والمُضطهدين في فلسطين، اللهم عليك بالمُتآمِرين على الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى والمنافقين، اللهم أرِنَا فيهم عجَابَ قُدرتِك يا من أنت على كل شيءٍ قدير، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد ديننا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ اللهم فاشغله بنفسه اجعل تدبيره في تدميره رد كيده إلى نحره يا من أنت على كل شيء قدير، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من المحرومين غيث الإيمان في قلوبنا وغيث الرحمة في أوطاننا يا من أنت على كل شيء قدير، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفلنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
عباد الله، صلوا وسلموا على المبعوث رحمة العالمين حيث أمركم فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
إن الله يأمركم بثلاث فقوموا بها وينهاكم عن ثلاث فاجتنبوها، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة..
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم مصير الظلمة من خلال سورة الهمزة الخطبة الأولى: الحمد لله رب ...

بسم الله الرحمن الرحيم
مصير الظلمة من خلال سورة الهمزة
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ولو كره المشركون ولو كره المنافقون، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تَقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
أما بعد فيا أيها الأحباب الكرام في الله، دقائق معدودة نعيش وإياكم مع سورة نزلت بسبب أن بعض صناديق قريش استهزئوا برسول الله وبأصحابه، يسبونهم ويلمزونهم ويؤذونهم بالقول والفعل، فنزلت هذه الآية لتبين عاقبة من يؤذي الناس ،عاقبة من يؤذيهم بالقول والفعل ومن يعتدي عليهم، فكيف بمن يجعلهم في غيابات الجب، فكيف بمن يقتلهم، فكيف بمن يسحلهم؟!.
عباد الله، دعونا نعيش مع القرآن، الله عز وجل يقول: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ}[الهمزة:1-9]، وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ، ويل كلمة زجر وردع، ويل وادي في جهنم لو سيرت به جبال الدنيا لذابت من شدة حره، الويل لمن استهزأ، الويل لمن ظلم، الويل لمن تكبر، وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ، قيل: إن الهمزة واللمزة بمعنى واحد، وقيل: إن الهمزة هو إيذاء الناس بالفعل وبالإشارة، واللمزة إيذاء الناس بالقول، بالغيبة والنميمة والسخرية، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم(..بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم..)، الذي استحق هذا الويل وهذا العذاب هو الذي تسبب في إيذاء المسلمين.
عباد الله، هذه آيات نزلت في قريش، ولذلك لم يُذكر لنا أسماء كفار قريش؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فمن سار في فلكهم، ومن سار في نهجهم، فسينال العقاب كما نالوه.
الذي سخر واعتدى على الناس وضرب وقتل وسفك الدماء، لماذا فعل هذا كله؟ لماذا؟ لأن همه الدنيا فقط، ثم قال الله: {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} وفي قراءة {الذي جمّع مالاً وعدده}، بتشديد ميم جمع، تجده مشغولا بالمال في الصباح والمساء، ينظر إلى ماله وإلى قوته وإلى سلطته وإلى ملكوته، المهم أن يبقى المال كله، المهم أن يعيش في هذا الملك، ولو أُبيد الناس جميعًا، المهم أن يعيش، قدوته في ذلك فرعون الذي قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[الزخرف: 51]، أين ذهب؟ أين ذهب الذي كان يقول أنا ربكم الأعلى؟ أين ذهب؟ ألم يتعظوا المجرمون في كل وقت وفي كل زمان؟ ألم يتعظوا ما حصل لإخوانهم ولأتباعهم ولأمثالهم من قبل؟ لكنها الغفلة لكنها إرادة الله، أراد أن يخزيهم؛ لأن الإنسان كلما طغى وتمادى ، كلما أراد الله أن يفضحه في الدنيا قبل الآخرة، هذا هو حال المجرمين، هذا هو حال الظالمين، فضحهم الله في الدنيا قبل الآخرة لينالوا جزاءهم هنا في الدنيا، يقول الله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ}[المطففين:29]، كان المجرمون في الدنيا يضحكون من المؤمنين، فالجزاء من جنس العمل، يوم القيامة المؤمنون يضحكون من المجرمين، قال تعالى: {فاليوم الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كانوا يفعلون}[المطففين: 34-35-36]، كيف حال الطغاة والمجرمين اليوم، كيف حال طاغية الشام وهو يشاهد المظلومين يفرحون بتدميره وبهلاكه كيف يكون حاله، يتمنى أن تبتلعه الأرض، ما أكرم الله! وما أعظم الله جل جلاله سبحانه! {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص: 5]،. الله أكبر..، لقد شاهدتم جميعا تلك السجون المظلمة، تلك الحفر العميقة، والتعذيب والأموات، لماذا هذا كله؟ يحسب أن ماله أخلده، ظن أن ماله سيخلده في الدنيا، ظن أنه سيفلت من عقاب الله، قارون هل خلده ماله؟ مفاتيح الخزائن لا يحملها إلا عشرة من الرجال الأوائل، لا يحملها إلا عصبة، ويقول إنما أوتيته على علم، ليس من فضل الله، هذا بتعبي وكدي، هل وجد السعادة؟ هل عاش إلى يوم القيامة؟ ماذا كانت النتيجة؟ قال الله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ}[القصص:81]، إذن هذا ذهب وانتهى، هل نفعه ماله؟ هل نفعه أتباعه؟ يحسب أن ماله أخلده، "هارون الرشيد، ومن هو هارون الرشيد، أمير المؤمنين، العابد الزاهد، كان يحج عاماً ويجهز جيشاً في سبيل الله عاماً، عندما حضرته الوفاة قال لأتباعه: خذوني إلى قبري، أريد أن أرى قبري قبل أن أدخله، أريد أن أنظر إلى قبري قبل أن أدخله رحمه الله وهو أمير المؤمنين، فينظر إلى قبره ويقول: ما أغنى عني ماليا هلك عني سلطانية، ما أغنى عني مالية هلك عني سلطانية، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه،، وهو عابد تقي يخاف الله يقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه، ارحم من زال ملكه".
لمن الملك اليوم، الله ينادي لمن الملك اليوم، فلم يجبه أحد، فيجيب على نفسه، لله الواحد القهار، قال تعالى: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار ِالْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[غافر: 16-17]
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
عباد الله، حق لكل مسلم موحد أن يفرح بما حصل، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: 58]، وقال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام: 45]، أي اصطلموا بالعذاب، وتقطعت بهم الأسباب. { وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } على ما قضاه وقدره، من هلاك المكذبين، فإن بذلك، تتبين آياته، وإكرامه لأوليائه، وإهانته لأعدائه، وصدق ما جاءت به المرسلون.
عباد الله، أمرنا الله أن نحمده وأن نشكره إذا قطع دابر الظالمين ودابر المجرمين، يجب علينا أن نحمد الله، فالنصر من عند الله وحده، فالنصر هو من عند الله وحده جل جلاله، هذا هو الفرح الممدوح، أما الفرح المذموم، فهو فرح المجرمين، شاهدوا حال المجرمين، {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون}[الأنعام: 44]، فلما نسوا ما ذكروا به، ظنوا أن أموالهم ستخلدهم، وأنهم لن يموتوا وأن أتباعهم سيدافعون عنهم {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ...} ألم يأخذ الله ظالم أهلنا في سوريا بغتة؟ من كان يتوقع أن ينهزم بهذه السهولة، لكنها إرادة الله، ولهذا قال الله{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ***كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ..}[الهمزة: 3-4] لينبذن يا إخواني، هي جواب لقسم محذوف، أي كلا والله لينبذن في الحطمة، لماذا سميت جهنم بالحطمة؟ لأنها تحطم كل شيء، الله أكبر..، جهنم تحطم كل شيء، هذا الذي آثر الدنيا، هذا الذي جمع المال وظن أن ماله سيخلده فظلم وبطش، فسيلقى جزاءه هناك في الآخرة، {كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ}[الهمزة4-5-6]، وفي الحديث الذي صح إسناده،. قال عليه الصلاة والسلام: (أُوقِد على النَّارِ ألفَ سنةٍ حتَّى احمرَّت ، ثمَّ أُوقِد عليها ألفَ سنةٍ حتَّى ابيضَّت ، ثمَّ أُوقِد عليها ألفَ سنةٍ حتَّى اسودَّت ، فهي سوداءُ كاللَّيلِ المُظلِمِ) رواه الترمذي وابن ماجة، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ *** نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ*** الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}[الهمزة: 5-6-7]
هذا القلب الفاسد،، هذا القلب عندما فسد فعل كل ظلم، وكل جرم في هذه الحياة، فكان جزاؤه أن تصل النار إلى الفؤاد، لأن النار إذا وصلت إلى الفؤاد، الأصل أن الإنسان يموت مباشرة، لكن الله أراد أن يعذب المجرم وأن يعذب الظالم بسبب جرمه وظلمه في الدنيا، فيأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت، كما قال تعالى: {مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}[ابراهيم: 16-17]، ثم يقول الله: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ ممددة}[الهمزة: 8-9]، يعني مغلقة مطبقة، يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها، {فِي عَمَدٍ ممددة}، العمد قيل: السلاسل، وقيل إنها محاطة بأعمدة من كل جانب، الله أعلم. هذا الظالم وهذا المجرم وهذا الكافر الذي سخر من الصالحين، الذي استهزأ بالصالحين في بداية السورة، الذي سخر منهم، الذي ظلمهم،. الذي قتلهم، لا مفر يوم القيامة، أتباعه ينادون وهم في جهنم يا فلان نحن اتبعناك في الدنيا نحن وقفنا معك أنقذنا، {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ***وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة: 166-167]،
الله يا إخواني، ما أعظم هذه السورة القصيرة، هي قصيرة، لكن معانيها عظيمة وكثيرة فلنعتبر. فافرحوا يا مؤمنون، افرحوا بهلاك المجرمين، فالنصر قادم، والمستقبل لهذا الدين بإذن الله عز وجل، {ويومئذ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الروم:4-5]، أسأل الله بمني وكرمه أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين ... وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم الإيمان وأثره في إصلاح النفوس الخطبة الأولى: الحمد لله رب ...

بسم الله الرحمن الرحيم
الإيمان وأثره في إصلاح النفوس
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله معزُّ من أطاعَه واتقاه، ومُذلُّ من خالَفَ أمرَه وعصَاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له لا معبودَ بحقٍّ سِواه، ومن تَوَكَّلَ عليه كفاه، من اعتمَدَ على مالِه قل، ومن اعتمَدَ على سُلطانِه زَل، ومن اعتمَدَ على عقلِه اختل، ومن اعتمَدَ على علمِه ضل، ومن اعتمَدَ على الله فلا قل ولا زلَّ ولا اختل ولا ضل، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه من خلقِه وخليلُه، بلغَ الدُّجَى بكمالِه وأنارَ الكونَ بجمالِه حسُنَت جميعُ خِصالِه صلُّوا عليه وآله، اللهم صلِّ وسلِّم على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تُقاتِل ولا تموتُن إلا وأنتم مسلمون).
أما بعد، فإن أصدقَ الحديث كلام الله وخيرَ الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمور مُحدثاتُها وكل مُحدثةٍ بِدعة وكل بِدعةٍ في الدين ضلالة أجارَني الله وإياكم من البِدع والضلالات آمين اللهم آمين،
أيها الأحباب الكرام في الله:
إن بناءَ المدارس والسُّدود والمستشفيات والمشاريع الكبيرة أسهل بكثير من بناء الإنسان، أسهل بكثير من بناء الإنسان السويِّ المُستقيم المُتحكِّم على شهوته، فبناءُ الإنسان صعبٌ جدًّا إخوة الإيمان، فالإيمانُ بالله عز وجل هو الذي يصنعُ المُعجِزات، الإيمانُ بالله عز وجل له أثرٌ عظيمٍ في تغيير النفوس.
عباد الله، دعونا نعيشُ وإياكم دقائق معدودة مع نَماذِجَ، الإيمانُ غيَّرَ من أخلاقِهم، الإيمانُ غيَّرَ من سُلوكِهم غيَّرَ من عقائِدِهم، والله لا يُسعِدُ النفس ولا يُزكِّيها ولا يُذهِبُ همَّها وغمَّها وألمَها إلا الإيمان بالله رب العالمين، الإيمانُ بالله عز وجل هو الذي يُغيِّرُ النفوس، هو الذي يصنعُ المُعجِزات، نحن نعيشُ أزمات وراء أزماتٍ، وأزمات سببُها الأكبر ضعفُ الإيمان، تفرُّق وتشرذم وتشتت، السبب الأكبر هو ضعفُ الإيمان، هو البُعد عن الله عز وجل.
معاشر المسلمين الموحدين، دعونا نعيش مع نماذج كيف غيَّرَهم هذا الإيمان، مع سحرة فرعون، هل أتاكم حديثُ سحرة فرعون الذين قالَ لهم فرعون كما قال الله عز وجل وهو يتحدَّث عن سحرة فرعون وهم يتحاورون مع فرعون: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ *** قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}[الشعراء: 41-42].
عندما عرفوا أن ما جاء به موسى هو الحق سجَدوا لله عز وجل وقالوا آمَنَّا بربِ هارون وموسى، قبل الإيمان {أئن لنا لأجرًا إن كنا نحن الغالِبين}، بعد الإيمان هدَّدهم فرعون، قال تعالى: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ}[طه:71] ماذا كان الجواب؟ {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[طه:72]، أنت يا فرعون مهما تكبرت، ومهما تعالِيت، ومهما بلَغَت من القوة مبلغًا عظيمًا، فأنت ستنتهي وستزول، وهكذا كلُّ متكبرٍ على وجه الأرض سيزول، وسيقِفُ بين يدَي الله وحيدا فريدا، لا مالَ ينفعُه، لا حرس، لا حشَم، لا قبيلة، ولا شيء ينفعُه.
{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}[الأنعام: 94].
الخنساء تُنعِي أخاها صخراً قبل الإسلام، انظُروا إلى حالِها قبل الإسلام، تقول:
يُذَكِّرُني طُلوعُ الشَمسِ صخرا وأذكره لِكُلِّ غُروبِ شمس ولولا كَثرَةُ الباكينَ حولي على إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي.
هذا قبل الإسلام، فتصيح وتُولول وتشقُّ جيبَها، وتضرِب وجهَها باكيةً على أخيها صخر، انظُروا إلى حالها بعد الإسلام، بعد أن هداها الله عز وجل، وبعد أن دخلَت في دين الله عز وجل، تُقدِّم أربع من فلذات أكبادها في معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، هناك في المعركة، وتقول لهم: "إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، ثم تلت قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: 200]، وقالت "فإن رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة، وقال لها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب "ألم يطل بكاؤك على أخويك؟" فردت عليه "بكيتهما في الجاهلية حبا لهما وحسرة على فراقهما، وبعد ما أسلمت أشفقت عليهما من النار لأنهما ماتا في جاهلية، ولما بلغها استشهاد أبنائها الأربعة في معركة القادسية قالت "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته".
انظُروا إلى الإيمان كيف يُغيِّر النفوس، ولذلك اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان، بالعقيدة،، ربَّى النبي أصحابَه في العهد المكي على توحيد الله، على الثقة بالله، على الإيمان بالله عز وجل.
بلال رضي الله عنه عندما دخل الإيمان إلى قلبه، أصبح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول له النبي: ( يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دف نعليك بين يديّ في الجنة قال: ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كُتب لي أن أصلي). متفق عليه
بلال عندما وضِعَ في الأرض بعد أن آمنَ بالله عز وجل فيأتيه أميَّة فيضربُه ويضعُ صخرة في وقت الحر في أيام الصيف هناك في صحراء مكة صخرةً على صدره ويقول له اكفُر بمحمد، فيتفل على وجهه ويقول: أحدٌ، والله لو كان هناك كلمةٌ غيرُها أغيظُك بها لقُلتُها أحدٌ أحد، بعد أن عذِّب سألُه بعض الصحابة، يا بلال: ما هذا الصبر؟ ما هذا التحمُّل؟ قال: مزجُت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب، فطَغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب، لأنه يعلم أن ما عند الله خيرٌ وأبقَى.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه والذكر الحكيم أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفِروا فيا فوزَ المُستغفِرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وبعد:
أيها الأحبة في الله، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عاش في الجاهلية جلداً صلباً صلداً وكان غليظاً فظاً، وكان أبوه الخطاب على نفس خلقه فظاً غليظاً، وكان خاله أغلظ من أبيه وهو أبو جهل عمرو بن هشام فرعون هذه الأمة، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه جلداً في الجاهلية، وكان سفيراً لقريش في الأحداث أو الاختلاف بين القبائل أو الحروب، ولكنه كان مغموراً أيضاً في قريش، انظُروا عندما دخل الإيمان إلى قلبه وآمنَ بالله ربَّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، يصعدُ على المنبر فتُقرقِرُ بطنَه، تُقرقِرُ بطنَه وهو أميرُ المؤمنين، فيقولُ: قرقِري أو لا تُقرقِري والله لن تشبَعي حتى يشبَع أبناء المسلمين، الله أكبر..، حتى يشبَع أبناء المسلمين، بل يقولُ ذات يوم: والله لو أنَّ بغلةً سقطت في العراق لسألني الله لم لم تُصلح لها الطريق يا عُمر، سقطت، أما اليوم أمةُ تباد هناك على أرض فلسطين، وهناك أمةُ تباد على أرض السودان، وفي كل مكان، ولا أحد يُحرِّك ساكِنًا إنه ضعف الإيمان، إنه الخور، إنه الجُبن، إنه الخوف من الأعداء أكثر من خوفهم من الله سبحانه وتعالى، لكن الرعيل الاول علِموا علمًا يقينيًّا أنهم سيقِفون بين يدي الله وأن الله سيسألهم عن كل صغيرة وكبيرة، عمر يبكي ويقول: والله لو أنَّ بغلةً سقطت في العراق لسألني الله لم لم تُصلِح لها الطريق يا عُمر؟!.
عباد الله، انظُروا إلى الإيمان كيف يصنع النفوس، كيف يُغيِّر النفوس، ولذلك إخواني الكرام، إذا أردنا أن نُغيِّر ما بأنفسنا، ينبغي أولًا قبل كل شيء، أن نستعين بالله عز وجل، أن ندعوا الله عز وجلل، ونقول: اللهم حبِّب إلينا الإيمان زيِّنه في قلوبنا كرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اجعلنا من الراشدين، ندعوا الله دائمًا بأن يُحسِّن إلينا الأخلاق، بأن يحبِّب إلينا الإيمان، الدنيا فانية كلُّنا سنموت، كلُّنا سنرحَل،. كل يوم نجد أربع جنازات خمس جنازات في بلدٍ صغير، فكيف حال الدول الأخرى، ماذا قدَّمنا لآخرتنا يا أخواني؟ ماذا قدَّمنا إذا وقفنا بين أيدي الله عز وجل؟
فلابد أن نُصلِح أنفسنا، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم}[الرعد:11].
عباد الله، نبدأ بأسرنا إخوة الإيمان، نبذُل المُستطاع، أُمَّة تُبَاد ونحن في ذل، ونحن في انحطاط، إلا من رحمَ الله، في ضعفٍ شديد، ونحن في بُعد عن الله، وإلا يا أخواني، الله وعد المؤمنين بوعود كثيرة، منها: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: 47]، إ{ِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج: 38]، الله لا يُخلف وعده، ومن أصدق من الله قيلًا، ومن أصدق من الله حديثًا، فإذا حقَّقنا الإيمان، دافعَ الله عنَّا، إذا حققنا الإيمان نصرنا الله، أيَّدنا جلَّ جلاله، وإذا أردنا أن نُغيِّر ما بأنفسنا ينبغي أن نجلس مع أهل الإيمان، مع أهل الطاعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخالل).؛أبو داود والترمذي وأحمد
نحن في زمن الفتن، ما أحوجنا أن نجلس مع الصالحين الذين يذكرون بالله عز وجل، الرسول يقول: (بادروا بالأعمالِ فتَنًا كقطعِ اللَّيلِ المظلمِ ، يصبحُ الرَّجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا ، ويمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا يبيعُ أحدُهم دينَهُ بعرضٍ منَ الدُّنيا). رواه مسلم وغيره، فنسأل الله بمنه وكرمه أن يحبب إلينا الإيمان وأن يزينه في قلوبنا، وأن يكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم شمس الحق سوف تشرق بإذن الله الخطبة ...

بسم الله الرحمن الرحيم
شمس الحق سوف تشرق بإذن الله
الخطبة الأولى:
الحمد لله ناصر المظلومين ومنجي المستضعفين، الحمد لله قاصم الجبابرة والمتكبرين ومهلك الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، وصفِّيُهُ من خلقه وحبيبه، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، أرسله الله رحمة للعالمين.
أما بعد، أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أيها الأحبة الكرام، إن شمس الحق سوف تشرق من جديد، وثوب العار سوف يتمزق، وأعداء الله مهما مكروا فإنَّ الله سيستدرجهم من حيث لا يعلمون {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183].
معاشر الموحدين، إني سائلكم سؤالا، هل يبزغ الفجر قبل الليل؟ وهل تشرق الشمس قبل الظلام؟ إن من سنن الله الكونية، أن لا يظهر الحق إلا بعد أن تستبين ظلمة الكفر، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء} [يوسف: 110]، فلا يأتي النصر من عند الله، إلا إذا اشتد البأس، وعظم اليأس. إننا لو تأملنا القرآن الكريم، لوجدنا في آياته ما يبشر أهل الإيمان أكثر مما نظن، حتى لكأن كل سورة في القرآن تبشر بنصر الله لهذه الأمة، ألم يقل الله عز وجل: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة: 212]. ألم يقل جل وعلا: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]؟ ألم يقل تبارك وتعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]؟ ألم يقل تقدس في عليائه: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 103]؟ ألم يقل الحق سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55]؟،. وأما الأحاديث فكثيرة، منها ما قاله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ زَوَى لي الأرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ أُمَّتي سَيَبْلُغُ مُلْكُها ما زُوِيَ لي مِنْها). "أخرجه مسلم".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ليبلغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهارُ، ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله اللهُ هذا الدينَ؛ بعزِّ عزيزٍ أو بذلِّ ذليلٍ عزًّا يعزُّ اللهُ به الإسلامَ وأهلَه، وذلًّا يذلُّ اللهُ به الكفرَ). "أخرجه أحمد، صحيح"
كل يوم يزداد ظلم اليهود المعتدين، وإجرام المجرمين، سواء كان في فلسطين أو بعض بلدان المسلمين، فكلما ازداد ظلمهم وقتلهم وإجرامهم وفسادهم، كلما ازداد عذابهم؛ قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88]، وقال جل وعلا: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: 19]
لقد حذر الباري جل في علاه من هذا الداء المستفحِل، فقال في الحديث القدسي: (يا عبادي إنِّي حرمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) رواه مسلم.
أيها المسلمون:
لقد ساق لنا القرآن نماذجَ وأمثلةً لمن استكبروا في الأرض، وطغوا وبغوا، وعاثوا فيها الفساد، و.. كيف كانت عاقبتهم ونهايتهم؟
استمع إلى قول الحقِّ - تعالى شأنُه وتقدست أسماؤه -: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } [الفجر: 6 - 14]، لنتذكر جيداً ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].
{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ } [الكهف: 29]، وقال: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } [الإنسان: 31]، وقال: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } [هود: 18]، وقال: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 59] وقال: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ } [هود: 102]، وقال: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } [الشعراء: 227].
أيها الأحبة الكرام:
♦ إنَّ عصابة الظلم والطغيان في كل مكانٍ وزمان، تُحسن تقديم المبررات والأعذار، حتى يوم القيامة يظنون أنه سينجيهم تذرُّعهم بــ: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67]. وأين كانت عقولكم إذن؟.. أما كنتم تقرؤون قوله تعالى: { بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } [القيامة: 14، 15]؟
لكن الباري يبين لنا خزي أولئك القوم بقوله: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [العنكبوت: 25].
فيا ويح أهلِ الظلمِ و الفحشِ والعدا ♦♦♦ إذا أقبلت يومَ الحسابِ جهنمُ
عن جابرٍ – رضي الله عنه – قال: لما رجعت مهاجرةُ الحبشةِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم في أرض الحبشة؟ فقال فتيةٌ منهم: بلى يا رسول الله، بينما نحن يوماً جلوسٌ إذ مرت عجوزٌ من عجائزهم تحمل على رأسها قُلةً من ماء، فمرت بفتًى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها، فخرت المرأة على ركبتيها وانكسرت قُلَّتُها، فلما قامت التفتت إليه وقالت له: سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، سوف تعلم ما أمري وأمرُك عنده غداً، قال صلى الله عليه وسلم: صدقت، كيف يقدِّسُ اللهُ قوماً لا يؤخذ من شديدهم لضعفيهم؟
أَمَا وَاللهِ إِنَّ الظُّلْمَ شُؤْمٌ وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إِلَى الدَّيَّانِ يَوْمَ الدِّينِ نَمْضِي وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ
سَتَعْلَمُ فِي الْحِسَابِ إِذَا الْتَقَيْنَا غَدًا عِنْدَ الْمَلِيكِ مَنْ الظَّلُومُ
تَنَامُ وَلَمْ تَنَمْ عَنْكَ الْمَنَايَا تَنَبَّهْ لِلْمَنِيَّةِ يَا نَؤُومُ
لَهَوْتَ عَن الْفَنَاءِ وَأَنْتَ تَفْنَى وَمَا حَيٌّ عَلَى الدُّنْيَا يَدُومُ
تَرُومُ الْخُلْدَ فِي دَارِ الْمَنَايَا وَكَمْ قَدْ رَامَ غَيْرُكَ مَا تَرُومُ
سَلِ الأَيَّامَ عَنْ أُمَمٍ تَقَضَّتْ سَتُخْبِرُكَ الْمَعَالِمُ وَالرُّسُومُ
قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد، فيا أيها المؤمنون:
إنّ الإجرام والإفساد والظلم كلما زاد واستشرى، فإنه مؤذِنٌ بزواله: { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ﴾ [الحاقة: 11].. ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا } [الكهف: 59]..{ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } [الأعراف: 103].
رحم الله ابن تيمية، فقد صاغ قاعدةً نورانية في حفظ الحضارة الإنسانية: "إن الله لينصر الدولةَ العادلةَ ولو كانت كافرة، ويهدم الدولةَ الظالمةَ ولو كانت مسلمة، وتلك سنة من سنن الله، ثم تلا: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [النمل: 52]، فالظلم مؤذن بالزوال، والعدل طريق الخلود والبقاء، فاليهود قد وصلوا غاية في الظلم والإجرام، والإفساد، فزوالهم بات قريباً بإذن الله.
وليتذكرَ اليهود وأعوانهم قول ملك الملوك: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } [إبراهيم: 42 - 46]
اللهم أصلح من في صلاحه صلاحٌ للإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين، ونسألك أن تبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، ونسألك أن تجعلنا من الذين يقولون بالحق وبه يعدلون، ونسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وتتوب علينا، اللهم هب لنا توفيقاً إلى الرشد، وقلوباً تتقلب مع الحق، وألسنة تتحلى بالصدق، ونطقاً يؤيد بالحجة، وعزائم تقهر الهوى، اللهم أسعدنا بالهداية، وتولنا فيمن توليت، ولا تضلنا بعد الهدى يا ذا العلا، وصلِّ على محمدٍ وآله ومن تلا..
قناتي على التليجرام https://t.me/dr_alhuri83
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم ما أهم أسباب ذل المسلمين اليوم، وما العلاج؟ الخطبة الأولى: الحمد لله معز ...

بسم الله الرحمن الرحيم
ما أهم أسباب ذل المسلمين اليوم، وما العلاج؟
الخطبة الأولى:
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف أمره وعصاه، مجيب دعوة الداعي إذا دعاه وهادي من توجه إليه واستهداه، محقق رجاء من صدق في معاملته ورجاه، من أقبل إليه صادقا تلقاه ومن ترك لأجله أعطاه فوق ما تمناه، ومن لاذ بحماه وقاه وحماه، ومن توكل عليه كفاه سبحانه من إله عظيم تفرد بكماله وبقائه، وعم بإحسانه وآلائه، أحمده سبحانه حمدا يملأ أرضه وسماه، وأشكره على سوابغ نعماه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه شهادة أدخرها ليوم لا ينفع فيه والد ولده ولا ولد أباه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي اصطفاه وأسرى به إلى سماه وأراه من عظيم الملكوت ما أراه وقربه وأدناه من القرب والإكرام ما لم ينله سواه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن نصره وآواه واقتفى أثره واتبع هداه.
أما بعد، فيا أيها الأحباب الكرام في الله، في غزوة القادسية أرسل رستم قائد الروم إلى سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين أن ابعث إلينا رجلاً نكلمه ويكلمنا، فأرسل سعد ربعي بن عامر إليهم، فدخل ربعي عليهم وقد زين رستم مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي المبثوثة وأظهر اليواقيت والوسائد المنسوجة بالذهب والزينة العظيمة وغير ذلك من الأمتعة الثمينة.. وعليه تاج من الذهب ويجلس على سرير من الذهب، فدخل عليه ربعي بثياب صفيقة ومعه سلاحه وسيفه الذي وضعه في خرقة وترس وفرس قصيرة.. ولم يزل راكبًا الفرس حتى داس بها على البساط.. ثم نزل وربط حبل فرسه بوسادتين شقهما، فلما اقترب من رستم قال له الجنود: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم ولكني أتيتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل ربعي وهو يمشي ويمزق الوسائد والنمارق التي في طريقه فلم يدع لهم وسادة ولا نمرقًا إلا أفسدها وهتكها، فلما أقبل عند رستم قال له: ما جاء بكم؟ فقال ربعي كلمات سطرها التاريخ، كلمات حُقَّ لها أن تكتب بمداد من ذهب، قال: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام...).
هذه هي عزة المؤمن الواثق بربه، فما أسباب الذلة والمهانة لدى المسلمين اليوم؟!
فمن هذه الأسباب، حب الدنيا وكراهية الموت، قال صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها. قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)).رواه أحمد وأبو داود
فقدت العزة اليوم بسبب كثرة الذنوب والمعاصي، قال تعالى: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [ يونس:26-27]
أذلنا الله عز وجل بسبب تخاذلنا عن نصرة المظلوم، قال- عليه الصلاة والسلام-: (( ما من امرئٍ يخذل امرءًا مسلمـًا عند موطن تُنتهَك فيه حُرمتُه ، ويُنتَقَص فيه من عِرضه ، إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نُصرته ، وما من امرئٍ ينصر امرءًا مسلمـًا في موطن ينتقص فيه من عرضه ، ويُنتهك فيه من حرمته إلاَّ نصره الله في موطن يحب فيه نصرته))(رواه أحمد وحسنه الألباني) .
أذل الله المسلمين بسبب مخالفتهم لأمر الله وأمر رسوله، قال تعالى: {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين}
[ المجادلة: 20] .
أصيب المسلمون بالذل، والعار؛ بسبب تذللهم وخضوعهم، وركوعهم لغير الله، قال تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [ القلم: 42-43]
انتكاسة المسلمين اليوم بسبب تركهم الجهاد في سبيل الله، وعدم الدفاع عن دين الله، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ الإِخْبَارُ لِجَعْفَرٍ وَهَذَا لَفْظُهُ. صححه الألباني
تآمر الأعداء علينا، وتكالبوا؛ بسبب فرقتنا، وتمزقنا، وعداوتنا لبعضنا البعض، قال تعالى: { وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46].
يقول ابن باز رحمه الله تعالى: "لا أعلم سببًا لهذه الذلة وهذا التَّفرق إلا عدم استقامتهم على دين الله، وعدم تحقيقهم لشريعة الله، وعدم اعتصامهم بحبل الله جميعًا، فإنَّ الله جلَّ وعلا وعد عباده المؤمنين المُستقيمين بالنصر والتأييد، قال جلَّ وعلا: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ۝ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:40- 41]، وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ...} الآية [النور:55]، فالله وعدهم بالنصر والاستخلاف إذا آمنوا وعملوا الصَّالحات، إذا نصروا دين الله، إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، السر في تأخُّر المسلمين وذلّهم، هو عدم اعتصامهم بحبل الله، وعدم التعاون على البر والتقوى، وعدم قيامهم بالواجب من الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، ونصر دين الله."
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أيها الأحبة الكرام في الله:
إن المسلم إذا اعتز بدينه وشعر بهذه العزة وشعر بهذه القوة ـ والله ـ لو تمكن منه أعداء الإسلام كلهم فلن يستطيعوا أن يحصلوا منه على شيء؛ لأن هذه العزة موجودة في قلبه، ومهما فُعل به فالوصول إلى قلبه أمر مستحيل، وإن تمكنوا من جسده، ولو قطعوه إربًا إربًا، أما دينه وعقيدته وعزته فهي في قلبه، لا يخاف أحدًا إلا الله عز وجل.
ما السبيل لرجوع العزة والكرامة للأمة من جديد أو من أين تُستمد عزتها وكرامتها ؟
الاعتقاد الجازم والإيمان اليقينيُّ بأنَّ الله تعالى هو العزيز الذي لا يَغْلِبه شيء، وأنَّه هو مصدر العِزَّة وواهبها، قال تعالى:
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]، فلا نصر إلَّا به، ولا استئناس إلَّا معه، ولا نجاح إلَّا بتوفيقه.
وكما أنَّ الطَّاعة تكسو الإنسان ثوب العِزَّة، وتَخْلَع عليه ثياب الكرامة، فإنَّ المعصية تكسوه ثياب الذُّلِّ، وتَخْلَع عليه المهَانة والانكسار، "والمعاصي تَسْلُب صاحبها أسماء المدح والشَّرَف والعِزَّة، وتكسوه أسماء الذُّل والذَّمِّ والصَّغار، وشتَّان ما بين الأمرين: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]" (موسوعة فقه القلوب: للتويجري)
ننال العزة بصدق الانتماء لهذا الدِّين، والشُّعور بالفَخْر للانتساب له، والاعْتِزَاز به، حتى ولو كان ذلك في زمن الاستضعاف، واستقواء أعداء المسلمين، يقول تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، ويقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله الله هذا الدِّين، بعِزِّ عزيزٍ، أو بذُلِّ ذليلٍ، عزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر)). رواه أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي
نستحق العزة باليقين بأنَّ دين الله قد كُتِب له العُلُوُّ والتَّمكين في الأرض، وأنَّ دولة الكافرين وعزَّتهم سائرة إلى زوال؛ لأنَّها بُنيت على باطل وسراب، فبهذا الاعتقاد يتولَّد عند المؤمن شعور بالعِزَّة، وإحساس بالشَّرَف والعُلُوِّ.
أصحاب العزة هم الذين ابتعدوا كل البعد عن الفرقة والتنازع والتشتت حتي في بيوتهم وبين بعضهم، أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين.
أيها الاحبة الكرام :
خلاصة القول:
لن تستعيد الأمة حقوقها ولن تنتصر على أعدائها إلا حين تبتغي العزة، والعزة لن تكون عند الكافرين، العزة تطلب من رب العزة وحده لا شريك له، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر:10],,. {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8].
ونصر الله قادم قادم لا محالة بإذن الله، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءامَنُواْ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الاْشْهَادُ} [غافر:51].،
وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [ النور:55]
عباد الله، صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.......
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم حسرات ...

بسم الله الرحمن الرحيم

حسرات المجرمين والظالمين يوم القيامة

الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا معبود بحقٍّ سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الدجى بكماله وأنار الكون بجماله حسنت جميع خصاله صلوا عليه وآله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك النبي الأمين وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" [آل عمران: 102].
أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور مُحدثاتها وكل مُحدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات آمين اللهم آمين.
أيها الأحباب الكرام في الله، دعونا في هذه اللحظات الإيمانية نعيش وإياكم مع كتاب الله عز وجل وهو يستعرض لنا حال المُجرمين والظالمين والمُتكبرين هناك في عرصات القيامة، إذا وقفوا بين يدي الله عز وجل، أولئك المُجرمون الظالمون المُتكبرون الذين ظلموا وتكبروا وتغطرسوا في هذه الدنيا الفانية، في هذه الدنيا الحقيرة، ونسوا أنهم سيلاقون جزاءهم، ونسوا أن هناك آخرة، وأن هناك حسرة، وأن هناك ندم، فالله عز وجل أنذرهم، وأخبرهم بأن هناك يوماً عظيماً يتحسَّر فيه المُتحسِّرون، يومًا يندم فيه المُفرِّطون، يومًا ما يندم فيه المُجرمون، يومًا يندم فيه المُتكبرون؛ قال الله عز وجل وهو يأمر نبيه عليه الصلاة والسلام على إنذار المُجرمين والعُصَاة والمُتكبرين، قال سبحانه: "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" [مريم: 39]
أنذرهم يا رسول الله، خوفهم بيوم الحسرة، لعلهم يعودون، لعلهم يرجعون.
ما أعظمه من يوم، إنه يوم الحسرة للمجرمين والظالمين، فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجاء بالموت، وفي رواية : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار – يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون من هذا ؟ فيشرئبون فينظرون ، فيقولون : نعم ، هذا الموت ، قال : ويقال : يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ قال : فيشرئبون وينظرون فيقولون : نعم ، هذا الموت . قال : فيؤمر به فيذبح ، قال : ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" [مريم: 39] وأشار بيده إلى الدنيا . متفق عليه
هذا هو يوم الحسرة على المجرمين، خلود فلا موت، المُجرِمون الذين أعلَنوا الحرب على الله عز وجل، الذين آذَوا أولياء الله عز وجل وتعدَّوا وظلَموا وتكبَّروا ونسوا أنهم سيلاقون جزائهم في الدنيا والآخرة، ونسوا أن الدنيا فانية وأنها لن تدوم لأحد.
عباد الله، استمعوا إلى كلام الله وهو يصور لنا حال المُجرِبين المُتكبرين يوم القيامة، أولئك الذين سخروا قوتهم وما يملكون لظلم العباد لسفك الدماء لانتهاك الأعراض، كيف يكون حالهم هناك بين يدي الله؟! قال الله تعالى:
"وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" [السجدة: 12-13-14].
ناكسو رءوسهم ؛ أي من الندم والخزي والحزن والذل والغم، الرفعة هناك للمؤمنين، الرفعة هناك للصابرين، الرفعة هناك للمجاهدين للمؤمنين للصادقين، للتائبين، للمصلين، للراكعين ،للساجدين.
ما أعظم هذه الآيات!! فيها تسلية وراحة للمؤمنين، يا إخواني: الله لا يظلم أحدا، الله لا يغفل، الله لا يهمل، بل يمهل جل جلاله سبحانه "فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِيْنَكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".
عباد الله، أتباع المجرمين وأتباع الظالمين الذين كانوا ينفذون الأوامر في الدنيا لقتل المؤمنين، والصالحين، لإيذاء المؤمنين، للقتل والتدمير، يوم القيامة كل واحد منهم يتبرأ من الآخر، قال الله عز وجل: ". وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ"
[البقرة: 165-166-167].
وحينئذ يتمنى التابعون أن يرجعوا إلى الدنيا ليتبرؤوا من متبوعيهم، ويتركوا الشرك بالله، ويقبلوا على إخلاص العمل لله، وهيهات, فات الأمر، وليس الوقت وقت إمهال وإنظار، ومع هذا، فهم كذبة، فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنما هو قول يقولونه، وأماني يتمنونها، حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم.
ما أعظم كلام الله!! هذا هو حال المجرمين والظالمين، وحال أتباعهم يوم الحسرة والندامة، يوم القيامة يوم الحسرة والندامة؛ يوم القيامة يتحاجون فيما بينهم، المستكبرون والضعفاء، كل واحد يلوم الآخر "وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" [غافر: 47-48]، نحن اتبعناكم، فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله؟ فيكون الرد من المتكبرين والمجرمين، "إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ"، الكل في جهنم، لا أحد ينفع أحد، قال تعالى: "وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[ابراهيم: 21-22].
يقف الشيطان خطيبا، يقف الشيطان أمام اتباعه، الشيطان المجرم الأكبر يقف أمام أتباعه يتبرأ منهم، ويقول لهم: لا تلوموني، أنا لا أستطيع أن أعمل لكم شيئا، لوموا أنفسكم، أنا الآن لا أستطيع إنقاذكم، ولا تستطيعون إنقاذي، فيقولون له: ما المخرج لنا ولك؟ فيقول: تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله فلست شريكا لله ولا تجب طاعتي، فيأتيه الجواب من الله" إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" نهاية الظالمين أليمة، وخزي عظيم.
ما أعظم كلام الله!! يا إخواني، هذا تنبيه لنا، تنبيه للمؤمنين، تنبيه حتى للمجرمين ليرجعوا إلى الله، تنبيه لأتباع الشيطان ليحذروا من وساوس الشياطين.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيه بعده.
إخوة الإيمان، المجرمون والظالمون واتباعهم، يوم القيامة يندمون، ويتحسرون لانهم وقفوا مع زعماء الإجرام، والظلم، يندمون، لأنهم آثروا الصحبة الفاسدة والمجرمة على الصحبة الصالحة والطيبة والمؤمنة، لكن لا ينفع الندم ولا تنفع الحسرة؛ قال الله تعالى: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا" [الفرقان: 27-28-29].
ولذلك إخواني بعد هذا الندم والحسرة إذا بالصحف تتطاير، وإذا بالظالمين وأتباعهم ينظرون إلى صحائفهم يوم القيامة فيظنون انهم فائزون، يظنون انهم من أهل الجنة، يظنون أنهم من أهل الفردوس الأعلى، ونسوا أنهم تكبروا وقتلوا وشردوا وظلموا وبطشوا، فينظرون إلى سجلاتهم، وصحائفهم فيرون المعاصي، والظلم، والاستكبار، يرون امامهم قتل الأطفال، قتل النساء، تدمير البيوت، انتهاك الاعراض، يرون كل شيء أمامهم، فيتحسرون ويندمون، لكن.. لا تنفع الحسرة ولا ينفع الندم، ولذلك قال الله تعالى: "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"[الكهف: 49]، فأبشروا يا أهل الصبر والإيمان، يا أهل غزة الصمود، فالله عز وجل لا يغفل عن ما يعمله اليهود وأعوانهم، فالله على كل شيء شهيد، وإمهالهم لحكمة أرادها الله، وكلما ازداد ظلمهم، ازدادت حسرتهم يوم القيامة، فنهايتهم قريبة بإذن الله تعالى، وإذا لم يجدوا نهايتهم في الدنيا، فالموعد يوم القيامة، يوم الخزي والحسرة والندامة، نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى...الدعاء.
صلوا وسلموا...
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم الثقة بالله في مواجهة التحديات ...

بسم الله الرحمن الرحيم
الثقة بالله في مواجهة التحديات
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرَة بتقوى الله عز وجل، واعلموا أن الثقة بالله والاعتماد عليه من أعظم الأعمال وأرفع الدرجات، فهي ليست مجرد كلمات تقال، وإنما عقيدة في القلب تنبثق عنها قوة الصبر والثبات في مواجهة التحديات والابتلاءات.
نعيش في دنيا مليئة بالتقلبات والصعاب، فتأتي علينا أوقات نحس فيها بالضيق، وتمر بنا ظروف نرى فيها الأمور وقد ضاقت، ولكن المؤمن الواثق بربه يعلم أن وراء كل ضيق فرجًا، وبعد كل عسر يسرا، لأن الله تعالى يقول: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" [الطلاق:٣]، ويقول "إن مع العسر يسرا" [الشرح: ٦].
وفي هذه الخطبة، نتحدث عن الثقة بالله في مواجهة التحديات، وكيف نثبت أمام الصعاب ونعتمد على الله سبحانه وتعالى، فنجد فيه القوة والأمل، وننطلق نحو الحياة بنفسٍ مطمئنة، قلوبنا موقنة أن الله معنا أينما كنا.
عباد الله، ثقة المؤمن في الله قوة لا تُهزم، لما خوّف قوم هود هودًا بآلهتهم التي لا تضر ولا تنفع تبرأ منهم ومن شركهم، وقابل تهديدهم بتحديهم، ولم يكن له سلاح ولا قوة إلا التوكل على الله تعالى، قال لهم: (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) [هود:55-56].
توكل وثبات أمام الصعاب، مكث نوح في قومه قرونًا تباعًا يدعوهم، فقابلوه بالسخرية، وناصبوه العداوة، وكادوا به كيدًا عظيمًا، ومكروا مكرًا كبارًا، فما قابل كيدهم ومكرهم وجمعهم بغير التوكل على الله تعالى، وهم أمة وهو واحد، فقال لهم: (يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ) [يونس:71]، يا لها من ثقة بالله عظيمة، واعتماد عليه وحده لا شريك له، لم يهب جمعهم، ولم يخش كيدهم، ولم يترك دعوتهم.
ابراهيم الخليل -عليه السلام- أرادوا به كيدا، فاستخدم سلاح التوكل، فأبطل الله كيدهم؛ قال -عليه السلام- داعيًا ربه -عز وجل-: (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ) [الممتحنة:4]. ولما ألقوه في النار ظهرت حقيقة توكله بقوله: حسبي الله، فكانت النتيجة آية باهرة، ومعجزة ظاهرة: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ) [الأنبياء:69-70]، فمن ذا الذي يخاف كيد الكافرين وقوتهم، وكيد المنافقين ومكرهم بعد هذه الآيات البينات في توكل الخليل ونجاته، خوفوه من آلهتهم أن تمسَّه لذكره إياها بسوء في نفسه بمكروه، فقال لهم: "وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام: ٨١-٨٢].
شعيب – عليه السلام – واجه قومه بثقته بربه أمام تلك التحديات، فقال -عليه السلام-: (وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا) [الأعراف:89]، وقال أيضًا: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88].
عباد الله، هل هناك أعظم من الطاغية فرعون الذي بلغ به الحد أنه ادعى الربوبية، وقتل الأبناء، وعذب الأولياء الصالحين، فحتى يُنجون من هذه المحنة العظيمة دلهم موسى- عليه السلام – لأعظم سلاح يتسلحون به لمواجهة التحديات، إنه سلاح التوكل على الله، قال الله تعالى: "وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القَوْمِ الكَافِرِينَ" [يونس:84-86]، فكانت عاقبة توكلهم على الله تعالى أن نجاهم وأهلك أعداءهم.
وحين يقرأ المؤمن سير الأنبياء في القرآن الكريم يجد أن التوكل على الله تعالى هو حصنهم في مقابلة الشدائد، وهو أمضى سلاح واجهوا به المكذبين من أقوامهم؛ ولذا أعلنوا جميعًا توكلهم على الله تعالى، وقالوا مستنكرين على المشركين: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم:12].
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد، فيا عباد الله، ولما ألمت بيعقوب -عليه السلام- الملمات، واجتمعت عليه الكربات، وتكالبت الهموم، وتوالت الغموم؛ قال بحزم وعزم، ويقين وتصديق: (إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ) [يوسف:67]. فأزال الله تعالى همه، وكشف كربه، ورد عليه بصره، وأرجع له ولده، ورفع مقامه، وأعلى ذكره، فها نحن بعد قرون من زمنه نتلو قصته، ونذكر صبره وتوكله.
وأما نبينا وقدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد أمره الله تعالى بالتوكل في كثير من الآيات: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) [الفرقان:58]، ما أعظمه من أمر رباني بالتوكل، قد علّل بأن المتوكَّل عليه حي لا يموت، فكم من بشر توكلوا على بشر مثلهم فماتوا!! توكل ملأ فرعون وجنده على فرعون وقوته فغرق أمامهم، وتوكل موسى والمؤمنون معه على الحي الذي لا يموت فنجاهم، وتوكل ملأ من الناس في عصرنا على زعماء كانوا يملكون من السلطة والبطش والقوة ما ظن معه الأتباع أنهم يخلدون، فأزيحوا من عروشهم أذلة صاغرين فمنهم من قتل أمام ملئه، ومنهم من حبس، ومنهم من هرب، وإن شاء الله تبارك وتعالى نهاية اليهود والمنافقين المتآمرين على فلسطين قريبة بإذن الله؛ لأن إخواننا استخدموا سلاح التوكل على الله والثقة به، فلن يضيعهم، والنصر حليفهم بإذن الله تعالى.
وموافقةً لآية التوكل على الحي الذي لا يموت كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول في دعائه: "اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ". رواه الشيخان عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
الدعاء...
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً