بسم الله الرحمن الرحيم حسرات ...

بسم الله الرحمن الرحيم

حسرات المجرمين والظالمين يوم القيامة

الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا معبود بحقٍّ سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الدجى بكماله وأنار الكون بجماله حسنت جميع خصاله صلوا عليه وآله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك النبي الأمين وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" [آل عمران: 102].
أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور مُحدثاتها وكل مُحدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات آمين اللهم آمين.
أيها الأحباب الكرام في الله، دعونا في هذه اللحظات الإيمانية نعيش وإياكم مع كتاب الله عز وجل وهو يستعرض لنا حال المُجرمين والظالمين والمُتكبرين هناك في عرصات القيامة، إذا وقفوا بين يدي الله عز وجل، أولئك المُجرمون الظالمون المُتكبرون الذين ظلموا وتكبروا وتغطرسوا في هذه الدنيا الفانية، في هذه الدنيا الحقيرة، ونسوا أنهم سيلاقون جزاءهم، ونسوا أن هناك آخرة، وأن هناك حسرة، وأن هناك ندم، فالله عز وجل أنذرهم، وأخبرهم بأن هناك يوماً عظيماً يتحسَّر فيه المُتحسِّرون، يومًا يندم فيه المُفرِّطون، يومًا ما يندم فيه المُجرمون، يومًا يندم فيه المُتكبرون؛ قال الله عز وجل وهو يأمر نبيه عليه الصلاة والسلام على إنذار المُجرمين والعُصَاة والمُتكبرين، قال سبحانه: "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" [مريم: 39]
أنذرهم يا رسول الله، خوفهم بيوم الحسرة، لعلهم يعودون، لعلهم يرجعون.
ما أعظمه من يوم، إنه يوم الحسرة للمجرمين والظالمين، فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجاء بالموت، وفي رواية : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار – يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون من هذا ؟ فيشرئبون فينظرون ، فيقولون : نعم ، هذا الموت ، قال : ويقال : يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ قال : فيشرئبون وينظرون فيقولون : نعم ، هذا الموت . قال : فيؤمر به فيذبح ، قال : ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" [مريم: 39] وأشار بيده إلى الدنيا . متفق عليه
هذا هو يوم الحسرة على المجرمين، خلود فلا موت، المُجرِمون الذين أعلَنوا الحرب على الله عز وجل، الذين آذَوا أولياء الله عز وجل وتعدَّوا وظلَموا وتكبَّروا ونسوا أنهم سيلاقون جزائهم في الدنيا والآخرة، ونسوا أن الدنيا فانية وأنها لن تدوم لأحد.
عباد الله، استمعوا إلى كلام الله وهو يصور لنا حال المُجرِبين المُتكبرين يوم القيامة، أولئك الذين سخروا قوتهم وما يملكون لظلم العباد لسفك الدماء لانتهاك الأعراض، كيف يكون حالهم هناك بين يدي الله؟! قال الله تعالى:
"وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" [السجدة: 12-13-14].
ناكسو رءوسهم ؛ أي من الندم والخزي والحزن والذل والغم، الرفعة هناك للمؤمنين، الرفعة هناك للصابرين، الرفعة هناك للمجاهدين للمؤمنين للصادقين، للتائبين، للمصلين، للراكعين ،للساجدين.
ما أعظم هذه الآيات!! فيها تسلية وراحة للمؤمنين، يا إخواني: الله لا يظلم أحدا، الله لا يغفل، الله لا يهمل، بل يمهل جل جلاله سبحانه "فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِيْنَكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".
عباد الله، أتباع المجرمين وأتباع الظالمين الذين كانوا ينفذون الأوامر في الدنيا لقتل المؤمنين، والصالحين، لإيذاء المؤمنين، للقتل والتدمير، يوم القيامة كل واحد منهم يتبرأ من الآخر، قال الله عز وجل: ". وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ"
[البقرة: 165-166-167].
وحينئذ يتمنى التابعون أن يرجعوا إلى الدنيا ليتبرؤوا من متبوعيهم، ويتركوا الشرك بالله، ويقبلوا على إخلاص العمل لله، وهيهات, فات الأمر، وليس الوقت وقت إمهال وإنظار، ومع هذا، فهم كذبة، فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنما هو قول يقولونه، وأماني يتمنونها، حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم.
ما أعظم كلام الله!! هذا هو حال المجرمين والظالمين، وحال أتباعهم يوم الحسرة والندامة، يوم القيامة يوم الحسرة والندامة؛ يوم القيامة يتحاجون فيما بينهم، المستكبرون والضعفاء، كل واحد يلوم الآخر "وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" [غافر: 47-48]، نحن اتبعناكم، فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله؟ فيكون الرد من المتكبرين والمجرمين، "إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ"، الكل في جهنم، لا أحد ينفع أحد، قال تعالى: "وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[ابراهيم: 21-22].
يقف الشيطان خطيبا، يقف الشيطان أمام اتباعه، الشيطان المجرم الأكبر يقف أمام أتباعه يتبرأ منهم، ويقول لهم: لا تلوموني، أنا لا أستطيع أن أعمل لكم شيئا، لوموا أنفسكم، أنا الآن لا أستطيع إنقاذكم، ولا تستطيعون إنقاذي، فيقولون له: ما المخرج لنا ولك؟ فيقول: تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله فلست شريكا لله ولا تجب طاعتي، فيأتيه الجواب من الله" إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" نهاية الظالمين أليمة، وخزي عظيم.
ما أعظم كلام الله!! يا إخواني، هذا تنبيه لنا، تنبيه للمؤمنين، تنبيه حتى للمجرمين ليرجعوا إلى الله، تنبيه لأتباع الشيطان ليحذروا من وساوس الشياطين.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيه بعده.
إخوة الإيمان، المجرمون والظالمون واتباعهم، يوم القيامة يندمون، ويتحسرون لانهم وقفوا مع زعماء الإجرام، والظلم، يندمون، لأنهم آثروا الصحبة الفاسدة والمجرمة على الصحبة الصالحة والطيبة والمؤمنة، لكن لا ينفع الندم ولا تنفع الحسرة؛ قال الله تعالى: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا" [الفرقان: 27-28-29].
ولذلك إخواني بعد هذا الندم والحسرة إذا بالصحف تتطاير، وإذا بالظالمين وأتباعهم ينظرون إلى صحائفهم يوم القيامة فيظنون انهم فائزون، يظنون انهم من أهل الجنة، يظنون أنهم من أهل الفردوس الأعلى، ونسوا أنهم تكبروا وقتلوا وشردوا وظلموا وبطشوا، فينظرون إلى سجلاتهم، وصحائفهم فيرون المعاصي، والظلم، والاستكبار، يرون امامهم قتل الأطفال، قتل النساء، تدمير البيوت، انتهاك الاعراض، يرون كل شيء أمامهم، فيتحسرون ويندمون، لكن.. لا تنفع الحسرة ولا ينفع الندم، ولذلك قال الله تعالى: "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"[الكهف: 49]، فأبشروا يا أهل الصبر والإيمان، يا أهل غزة الصمود، فالله عز وجل لا يغفل عن ما يعمله اليهود وأعوانهم، فالله على كل شيء شهيد، وإمهالهم لحكمة أرادها الله، وكلما ازداد ظلمهم، ازدادت حسرتهم يوم القيامة، فنهايتهم قريبة بإذن الله تعالى، وإذا لم يجدوا نهايتهم في الدنيا، فالموعد يوم القيامة، يوم الخزي والحسرة والندامة، نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى...الدعاء.
صلوا وسلموا...
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم الثقة بالله في مواجهة التحديات ...

بسم الله الرحمن الرحيم
الثقة بالله في مواجهة التحديات
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرَة بتقوى الله عز وجل، واعلموا أن الثقة بالله والاعتماد عليه من أعظم الأعمال وأرفع الدرجات، فهي ليست مجرد كلمات تقال، وإنما عقيدة في القلب تنبثق عنها قوة الصبر والثبات في مواجهة التحديات والابتلاءات.
نعيش في دنيا مليئة بالتقلبات والصعاب، فتأتي علينا أوقات نحس فيها بالضيق، وتمر بنا ظروف نرى فيها الأمور وقد ضاقت، ولكن المؤمن الواثق بربه يعلم أن وراء كل ضيق فرجًا، وبعد كل عسر يسرا، لأن الله تعالى يقول: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" [الطلاق:٣]، ويقول "إن مع العسر يسرا" [الشرح: ٦].
وفي هذه الخطبة، نتحدث عن الثقة بالله في مواجهة التحديات، وكيف نثبت أمام الصعاب ونعتمد على الله سبحانه وتعالى، فنجد فيه القوة والأمل، وننطلق نحو الحياة بنفسٍ مطمئنة، قلوبنا موقنة أن الله معنا أينما كنا.
عباد الله، ثقة المؤمن في الله قوة لا تُهزم، لما خوّف قوم هود هودًا بآلهتهم التي لا تضر ولا تنفع تبرأ منهم ومن شركهم، وقابل تهديدهم بتحديهم، ولم يكن له سلاح ولا قوة إلا التوكل على الله تعالى، قال لهم: (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) [هود:55-56].
توكل وثبات أمام الصعاب، مكث نوح في قومه قرونًا تباعًا يدعوهم، فقابلوه بالسخرية، وناصبوه العداوة، وكادوا به كيدًا عظيمًا، ومكروا مكرًا كبارًا، فما قابل كيدهم ومكرهم وجمعهم بغير التوكل على الله تعالى، وهم أمة وهو واحد، فقال لهم: (يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ) [يونس:71]، يا لها من ثقة بالله عظيمة، واعتماد عليه وحده لا شريك له، لم يهب جمعهم، ولم يخش كيدهم، ولم يترك دعوتهم.
ابراهيم الخليل -عليه السلام- أرادوا به كيدا، فاستخدم سلاح التوكل، فأبطل الله كيدهم؛ قال -عليه السلام- داعيًا ربه -عز وجل-: (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ) [الممتحنة:4]. ولما ألقوه في النار ظهرت حقيقة توكله بقوله: حسبي الله، فكانت النتيجة آية باهرة، ومعجزة ظاهرة: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ) [الأنبياء:69-70]، فمن ذا الذي يخاف كيد الكافرين وقوتهم، وكيد المنافقين ومكرهم بعد هذه الآيات البينات في توكل الخليل ونجاته، خوفوه من آلهتهم أن تمسَّه لذكره إياها بسوء في نفسه بمكروه، فقال لهم: "وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام: ٨١-٨٢].
شعيب – عليه السلام – واجه قومه بثقته بربه أمام تلك التحديات، فقال -عليه السلام-: (وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا) [الأعراف:89]، وقال أيضًا: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88].
عباد الله، هل هناك أعظم من الطاغية فرعون الذي بلغ به الحد أنه ادعى الربوبية، وقتل الأبناء، وعذب الأولياء الصالحين، فحتى يُنجون من هذه المحنة العظيمة دلهم موسى- عليه السلام – لأعظم سلاح يتسلحون به لمواجهة التحديات، إنه سلاح التوكل على الله، قال الله تعالى: "وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القَوْمِ الكَافِرِينَ" [يونس:84-86]، فكانت عاقبة توكلهم على الله تعالى أن نجاهم وأهلك أعداءهم.
وحين يقرأ المؤمن سير الأنبياء في القرآن الكريم يجد أن التوكل على الله تعالى هو حصنهم في مقابلة الشدائد، وهو أمضى سلاح واجهوا به المكذبين من أقوامهم؛ ولذا أعلنوا جميعًا توكلهم على الله تعالى، وقالوا مستنكرين على المشركين: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم:12].
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد، فيا عباد الله، ولما ألمت بيعقوب -عليه السلام- الملمات، واجتمعت عليه الكربات، وتكالبت الهموم، وتوالت الغموم؛ قال بحزم وعزم، ويقين وتصديق: (إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ) [يوسف:67]. فأزال الله تعالى همه، وكشف كربه، ورد عليه بصره، وأرجع له ولده، ورفع مقامه، وأعلى ذكره، فها نحن بعد قرون من زمنه نتلو قصته، ونذكر صبره وتوكله.
وأما نبينا وقدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد أمره الله تعالى بالتوكل في كثير من الآيات: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) [الفرقان:58]، ما أعظمه من أمر رباني بالتوكل، قد علّل بأن المتوكَّل عليه حي لا يموت، فكم من بشر توكلوا على بشر مثلهم فماتوا!! توكل ملأ فرعون وجنده على فرعون وقوته فغرق أمامهم، وتوكل موسى والمؤمنون معه على الحي الذي لا يموت فنجاهم، وتوكل ملأ من الناس في عصرنا على زعماء كانوا يملكون من السلطة والبطش والقوة ما ظن معه الأتباع أنهم يخلدون، فأزيحوا من عروشهم أذلة صاغرين فمنهم من قتل أمام ملئه، ومنهم من حبس، ومنهم من هرب، وإن شاء الله تبارك وتعالى نهاية اليهود والمنافقين المتآمرين على فلسطين قريبة بإذن الله؛ لأن إخواننا استخدموا سلاح التوكل على الله والثقة به، فلن يضيعهم، والنصر حليفهم بإذن الله تعالى.
وموافقةً لآية التوكل على الحي الذي لا يموت كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول في دعائه: "اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ". رواه الشيخان عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
الدعاء...
...المزيد

من بلاغة القرآن الكريم وصفه العلاقة بين اليهود والمنافقين بأنها علاقة أخوة: "أَلَمْ تَرَ إِلَى ...

من بلاغة القرآن الكريم وصفه العلاقة بين اليهود والمنافقين بأنها علاقة أخوة: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَا فَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَب". فهل يوجد وصف أدق أو أعمق للعلاقة بين اليهود الصهاينة وإخوانهم المتصهينين ..(؟؟؟؟) ...المزيد

🌟السلف وعصر الجمعة🌟 ‏———•———•—— 🌟كان (طاووس بن كيسان): إذا صلى العصر يوم الجمعة، استقبل القبلة، ...

🌟السلف وعصر الجمعة🌟
‏———•———•——
🌟كان (طاووس بن كيسان): إذا صلى العصر يوم الجمعة، استقبل القبلة، ولم يكلم أحدًا حتى تغرب الشمس!🌄

📚[تاريخ واسط].

‏———•———•——
🌟كان المفضل بن فضالة: إذا صلى عصر يوم الجمعة، خلا في ناحية المسجد وحده، فلا يزال يدعو حتى تغرب الشمس🌅

📚[أخبار القضاة].

‏———•———•——
🌟وكان (سعيد بن جبير): إذا صلى العصر، لم يكلم أحدًا حتى تغرب الشمس -يعني كان منشغلًا بالدعاء🤲

📚[زاد المعاد 1 / 382].

‏———•———•——
🌟أصاب العمى (الصلت بن بسطام)، فجلس إخوانه يدعون له عصر الجمعة، وقبل الغروب عطس عطسة، فرجع بصره!👁️

📚[تاريخ دمشق].
‏———•———•——

🌟يقول د. عبدالملك القاسم: (وقد جرى مثل ذلك لمؤذن مسجدنا سليمان الخضير؛حيث أفاق يوم الجمعة من غيبوبة طويلة بعد دعاء له في ذلك اليوم)🤲
‏———•———•——

🌟وقال ابن القيم: (وهذه الساعة هي آخر ساعة بعد العصر، يُعَظِّمُها جميع أهل الملل)⏱️

📚[زاد المعاد 1 / 384].
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم أبشروا يا أهل الصبر والإيمان الخطبة ...

بسم الله الرحمن الرحيم
أبشروا يا أهل الصبر والإيمان
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي وعد الصابرين جزاءً عظيماً وأعد للمؤمنين جنةً ونعيماً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، إمام الصابرين، وقدوة المؤمنين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المؤمنون:
أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله، أبشروا يا أهل الصبر والإيمان، فلكم عند الله خير عظيم، قال الله تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" [الزمر: 10]. وما أعظم الصبر حين يُبتلى المؤمن فيصبر، محتسبًا ما عند الله من الأجر، مبتغيًا رضاه. فإن الصبر على البلاء هو من دلائل الإيمان، ومن علامات الإخلاص واليقين.
أبشروا يا من أبيتم أن تركعوا لطواغيت الأرض، وركعتم لله وحده، ورغمتم أنوف الطواغيت والمعتدين، أبشروا يا من أنبتم إلى الله وحده في أحلك الظروف وشدة الأزمات، أبشروا بالفوز العظيم، قال تعالى: "وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ" [الزمر: 17].
بشرى من الله للمخبتين المطمئنين الراضين بقضاء الله، المستسلمين له، الوجلين منه سبحانه، الصابرين على طاعة الله، وعن معصيته، وعن أقداره، وأقاموا الصلاة وآتو الزكاة؛ هؤلاء جميعاً فازوا بالبشارة العظيمة والمنحة الجسيمة، وهم من شملتهم رحمة الله التي وسعت كل شيء، وفازوا بالتوفيق والهداية، قال تعالى: "وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ"[الحج: 34، 35].
ما أعظم أولئك الصابرين في غزة الصمود وهم يرون أشلاء الشهداء ممزقة تُجمع في وعاء واحد، رغم الآلام والأحزان والخذلان من القريب قبل البعيد، إلا أنك تجد رجالا صابرين، محتسبين، فبشرى لهم رحمة أرحم الراحمين، قال تعالى: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" [البقرة: 155-157].
معاشر المسلمين:
البشرى كل البشرى ينالها من اتصف بصفات المؤمنين؛ الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، ما أعظمه من شراء، وهنيئا لمن باع، الله أكبر.
باعوا ليظفروا بالنعيم المقيم، فصدَقوا ما عاهدوا الله عليه.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 111-112].
بُشرى لرجال غزة ونسائها، بشرى لهم جميعا، بشرى لهم لأنهم رمز للإيمان، رمز للاستقامة والثبات، رمز للعفة، رمز للفضيلة، بُشرى لهم في الدنيا وعند الممات، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ" [فصلت: 30 - 32].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني االله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد
أيها المؤمنون:
البشرى تتحقق لمن جاهد في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله، البشرى لمن جاهد بماله ونفسه ولسانه ويده وقلبه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ، حَبَّةُ خَرْدَلٍ" أخرجه مسلم
قال تعالى: "بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" [آل عمران: 125، 126].
وقال تعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" [آل عمران: 169 – 175].
وقال تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" [الصف: 10 – 13].
اللهم يا من خضعت الرقاب لسطوته، وصعقت الملائكة من مخافته، ورعدت السماء لكلمته، يا مالك الملك والملكوت.. يا ذا العزة والجبروت، يا من لا يحُولُ ولا يزول ولا يفُوت، نسألك أن تنتقم من كل سفاك وسفاح، ومن كل من اعتدى على أهلنا في غزة . اللهم ومن دبر لعبادك المكائد وللمستضعفين الشدائد، اللهم فأبطل بأسه، ونكِّس رأسه، وشرِّد بالخوف نعاسه، واحبُك سلاسله، وانسف معاقله، وقطع اللهم مفاصلَه، وصلب أنامله، وسلِّط عليه الأمراض والأسقام، وألبسه لباس الذل والخوف، وأضعف قوته، واقهر عُتُوَّه، وأسقط عُلُوَّه، واهزم جندَه، وقلِّل رِفدَه، واخذله يوم يتمنى الناصر، واخزِه إنك أنت القوي القاهر، اللهم اقمع نزوته، اللهم خيِّب رجاءه، وأكثر عناءه، واكتب فناءَه، واجعله يتمنى الموت فلا يجده. اللهم أرنا في الطُغاة عجائب قدرتك، وسرعة انتقامك، وشدة بأسك، وعظيمَ أخذك؛ إنّ أخذك أليم شديد.
اللهم طال ليل الظالمين، واشتد عداءُ المجرمين، وأينعت رؤوس الباغين، فسلِّط اللهم عليهم يداً من الحق حاصدة، ترفع بها ذلنا، وتعيد بها عزنا.
اللهم وارحم عبادك المستضعفين، يا رب بقدرتك اشفِ صدور قومٍ مؤمنين.
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم وما كان ربك ...

بسم الله الرحمن الرحيم
وما كان ربك نسيا
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فالتقوى خير زاد، وهي طريق السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
عباد الله، نقف اليوم مع قول الله تعالى: "وما كان ربك نسيا" [مريم: 64]. هذه الآية الكريمة جاءت في سياق حديث الملائكة عن رحمة الله بعباده، وطمأنة المؤمنين بأن الله سبحانه وتعالى لا ينسى عباده، ولا يغفل عن أحوالهم، وأنه قريب منهم، يعلم سرهم وجهرهم، ويعلم ما يصيبهم من هموم وأحزان وأفراح، فسبحانه لا ينسى، ولا يغفل، وهو العليم بكل شيء.
قال الشافعي-رحمه الله-: (آيةٌ من القرآن هي سهمٌ في قلب الظالم وبلسمٌ على قلب المظلوم قيل وما هي؟!، فقال قوله تعالى : "وما كان ربك نسيا").
يا أيها اليهود المعتدون، ومن ناصركم، لا تفرحوا، ففرحكم زائل، ومؤقت، فرحكم بقتلكم الأطفال والشيوخ والنساء، مآله الخزي والعار في الدنيا والآخرة، متاعكم قليل، قال تعالى: "ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ.[غافر: 75-76].
يا أيها الظالمون المعتدون، إن ربكم لمرصاد، ستلقون جزاءكم عاجلاً أو آجلا، لا تظنوا أن الله غافلا عما تعملونه، "وما كان ربك نسيا"، لا تستهينوا بدعوة المظلوم، ليس بينها وبين الله حجاب، ثبت في الحديث عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي -صلى الله عليه وسلم – بعث معاذا إلى اليمن وقال له : "اتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" رواه البخاري ومسلم .
يا أيها المظلومون، يا أهلنا في غزة العزة، لا تحزنوا، الله معكم، ولن يخذلكم، ولن ينسى تضحياتكم، وصبركم، وجهادكم، وآلامكم، "وما كان ربك نسيا".
عباد االله، إذا رأيتم تضحيات المجاهدين، وصبر المناضلين، وثبات المرابطين، فقولوا لكل هؤلاء: "وما كان ربك نسيا".
عباد الله، إذا رأيتم من يهتك الأعراض، وينتهك الحرمات، ويسفك الدماء، ويبعثر الأشلاء، ويُمثل الشهداء، فقولوا له: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا" وإذا رأيتم من يبثُّ الرعبَ في البلاد، وينشر الخوفَ في العباد؛ فتتساقط دموع الثَّكالى، وتتعالى صرخات الأيتام، وتتصاعد آهات الأرامل، ويعلو أنين الجرحى، ويزداد ألم المصابين، فقولوا لكل هؤلاء: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا".
أحصى كلَّ شيء في كتاب "وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا" [النبأ: 29]، وكذلك "وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا" [الجن: 28].
في يوم القيامة وبين يدي الله تعالى سيُفاجَأُ الخلق بهذه الأعمال مكتوبةً يقرؤونها، ومسطورةً يشهدونها، وبارزةً يُحسونها، فيُسقَط في أيديهم، وتعلو الحسرة وجوههم، ويقولون كما قال القرآن: "مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" [الكهف: 49].
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
قال الله حكاية عن موسى -عليه السلام- : (لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى)[طه: 52].
عباد الله، إنّ كُل ما ترفَعونه على جناحِ الدُعاء نحو السَماء لا يَضيع ولا يُنسى؛ فثقوا بتَدبير الله وحِكمته، واصبروا واطمَئنوا.
وختاما نقول للمجرمين: اعلموا أن أفعالكم المجرمة وإن محوتم آثارها، ونسي الناس ذكرها، قد أحصاها الله في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، والظلم ظلمات يوم القيامة، فعن جابر – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتقُوا الظُّلْمَ؛ فإن الظلم ظلُمات يوم القيامة ..." رواه مسلم
عباد الله، لنتذكر دائماً أن الله سبحانه لا ينسى عباده، وأن رحمته وسعت كل شيء، فمهما تكالبت عليهم هموم الحياة ومشاقها، فلنعلم يقيناً أن الله معهم، يسمعهم ويراهم، ويجيب دعاءهم.
نسأل الله أن يرزقنا الثقة به، واليقين في رحمته، وأن يجعلنا من المتوكلين عليه. اللهم ارحمنا برحمتك، واجعلنا من الذاكرين لك، يا ذا الجلال والإكرام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم إذا ضاقت عليكم ...

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا ضاقت عليكم الحياة..!
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرَة بتقوى الله، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" [الأحزاب: 70-71].
أيها المسلمون، كثير منا يمر بمواقف صعبة وضغوطات قد تضيّق عليه الحياة، وقد يشعر أن الدنيا قد أغلقت أبوابها أمامه، وقد يعجز عن إيجاد مخرج. ولكن، علينا أن نتذكر في مثل هذه المواقف قول الله سبحانه وتعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" [الشرح: 5-6].
فمهما ضاقت عليكم الحياة تذكروا عاقبة الصبر، وجزاء الصابرين، فمن أراد النصر، والفرج، واليسر، فليتدبر وصية عظيمة من حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي رواه الترمذي واحمد وهو صحيح، "....... واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا".
أيها المسلمون، مهما ضاقت عليكم الحياة، بسبب ما يحصل لإخوانكم من جراحات وآلام وظلم، واضطهاد، وتنكيل، تذكروا قول الله تعالى: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" [التوبة: 51].، فالله ناصرهم، لن يخذلهم، لانهم معتمدون على ربهم، هو مولاهم، هو ناصرهم، هو حسبهم وكافيهم، لأنهم مع الله، ومن كان مع الله كان الله معه، قال تعالى: " وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" [الطلاق: 3].
عباد الله، مهما قست عليكم الحياة، وكثرة همومكم، فاعلموا أن الله قد أعد لكم أجرا عظيما، بتذكركم لهذه الأجور، تهون همومكم، وتسعد حياتكم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المؤمن من هم ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" [رواه البخاري ومسلم].
مهما ضاقت عليكم الحياة الجأوا إلى الله بالدعاء، واسألوه أن يكشف عنا الهمّ ويزيل الكرب، فالله هو الذي بيده تفريج الكروب. يقول الله عز وجل: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ" [النمل: 62].
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها... فرِجَت وكنت أظنُّها لا تُفرجِ.
مهما ضاقت عليكم الحياة، تذكروا أن الدنيا فانية، وأنها لا تستاهل كل هذه الهموم، ولنتذكر أن من كانت الآخرة همه كفاه الله سائر الهموم، وجمع شمله، فقد روى الترمذي رحمه الله عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ" صححه الألباني رحمه الله.
أيها المؤمنون، مهما ضاقت عليكم الحياة، تذكروا قول الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ، وهي وصية لنا من بعده، " وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)"[الحجر: 97-99]. فعلاجكم في سجودكم وتسبيحكم وعبادتكم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد، فيا عباد االله، ما أحوجنا خاصة هذه الأيام أن نكثر من أدعية الكرب في زمن الابتلاءات والمحن، والهموم والغموم، منها، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أسمع النبي ﷺ يكثر القول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن"(رواه البخاري).، ومِنْ أَدْعِيَةِ الْكَرْبِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" متفق عليه
وَمِنْ أَدْعِيَةِ الْكَرْبِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ سَمَّاهُ "دُعَاءَ الْمُضْطَرِّ"، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ سَمَّاهُ: "كَلِمَاتِ الْمَكْرُوبِ"، وَهُوَ مِنْ أَدْعِيَةِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَلَا يَدُلُّهَا إِلَّا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهَا وَلِأُمَّتِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ: "مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ، أَنْ تَقُولِي إِذَا ‌أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا ‌تَكِلْنِي ‌إِلَى ‌نَفْسِي ‌طَرْفَةَ عَيْنٍ" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
كما أن علينا أن نكون على يقين بأن بعد الضيق فرج، وأن الحياة لا تخلو من ابتلاءات واختبارات، ولكن المؤمن يحسن الظن بربه ويعلم أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأنه سبحانه رحيم بعباده.
نسأل الله أن يفرج همومنا، ويشرح صدورنا، ويثبت قلوبنا على الإيمان. اللهم اجعل لنا من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ووفقنا لطاعتك ومرضاتك.
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم عمود الدين طريق ...

بسم الله الرحمن الرحيم
عمود الدين طريق النصر والتمكين
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المسلمون:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فتقوى الله زادٌ يقينا من الفتن، ويقربنا إلى الله وإلى جناته.
*الصلاة طريق الفلاح والفوز والنجاح:
إن من فضائل الصلاة أنها سبب للنصر والتمكين والفلاح في الدنيا والآخرة، يقول الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:١ – ٢]
تأملوا كلمة: (أفلح) أي: أن الصلاة سبب الفلاح والظفر والتمكين في الدنيا والفوز في الآخرة.
وقال الله أيضاً: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:١٤ – ١٥]، يا الله! ما أعظم هذا العُلى لمن زكى نفسه، وطهر قلبه، وصلى.
النصر والفوز والنجاة يستحقها من استعان بالصبر والصلاة، قال عز وجل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:٤٥]
لا يثبت أمام أي عدو متربص إلا من أكثر من ذكر الله، والصلاة كلها ذكر وتسبيح وتحميد وتكبير وقراءة للقرآن، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:٤٥].
ولعل في تشريع صلاة الخوف حالة الالتحام المسلح ما يشير إلى أثر الصلاة في استجلاب نصر الله تبارك وتعالى، يعني: المسلمون لا يستغنون عن الصلاة باعتبارها سبباً في الفلاح والنصر والتمكين ومعية الله، حتى في أثناء الكفاح المسلح مع الأعداء، فتجب عليهم الصلاة بحسب استطاعتهم كما هو معروف في صلاة الخوف.
دعاء الصالحين وصلاتهم وافتقارهم سبب في انتصار الأمة ورفعتها، فعن سعد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم). رواه النسائي
وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم) ولم يذكر (وإخلاصهم) في رواية البخاري.
عباد الله، من أعز ما فرضه الله أعزه الله، قال رجل للحسن: أوصني، فقال: أعز أمر الله يعزك الله.
وقال تعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧] ونصرة الله بإقامة شرائع دينه وخاصة الصلاة.
عباد الله، من كان مع الله كان الله معه، ينصره، يقف بجانبه، ومن كان الله معه فقد تولاه، قال عز وجل: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ} [المائدة:١٢]
أمة لا تقيم الصلاة لا تستحق النصر، فعباد الله الذين سيعاقب الله بهم أعداءه، ويعذبهم بأيديهم، هم الذين يقيمون الصلاة ويستمدون منها زاداً ووقوداً في جهادهم، يقول تبارك وتعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} [الإسراء:٥] نين.
فالذين يهزمون أعداء الدين -وخاصة اليهود لعنهم الله- لابد أن يكونوا متصفين بهذه الصفة: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} [الإسراء:٥]، انظر إلى الاختصاص: (عباداً لنا) ما صفتهم؟: {أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء:٥] يعني: يجمعون بين أمرين: بين إقامة العبودية وبين القوة المادية، البأس الشديد.
وبهذه العبودية يتعرف عليهم كل شيء، حتى الحجر في آخر الزمان سيتعرف على المسلم الذي يتصف بصفة العبودية، وأشرف العبودية الصلاة بلا شك، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، وحتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) رواه مسلم.
أهل الصلاة هم جيل التمكين، قال عز وجل: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:٤١]، فأول علامات المسلمين إذا مكنوا أن يقيموا الصلاة، وإقامة الصلاة ليست مجرد أن يصلوا في أنفسهم، فإنهم قطعاً من قبل كانوا مصلين، لكن إذا صارت لهم الدولة والسطوة والقوة والغلبة فأهم شيء عندهم أن يقيموا الصلاة في الناس، ويحاسبونهم على تضييع الصلاة، ويحرضونهم على ذلك، ويوظفون الموظفين لمراقبة الناس في شأن الصلاة، وتكون ولاية خاصة اسمها ولاية الصلاة، كما كان في الدولة الإسلامية مثل: وزارة المالية، ووزارة الخارجية، ووزارة الداخلية، هناك أيضاً وزارة اسمها وزارة الصلاة، ولها هيئة وموظفون يتابعون الناس، يقولون لمن تخلف عنها: لماذا تخلفت عن الصلاة؟ أأنت معذور أم لا؟ والذي يترك الصلاة يقولون له: لماذا تترك الصلاة؟ ويرفع به إلى القضاء الشرعي ويبلغ عنه كأي مجرم في المجتمع الإسلامي، فهذا معنى قوله: (أقاموا الصلاة).
الخطبة الثانية:
...
عباد الله، إذا ضاقت صدوركم، وكثُرت همومكم، وتكالبت عليكم أعداؤكم، فالسجود لربكم علاجكم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 97، 98].
من ذلَّت جبهته لله رب العالمين، أكرمه الله برفع هامَتِهِ، وثبته ونصره على القوم الظالمين؛ فالسجود لله رب العالمين هو سلاح سحرة فرعون الذين آمنوا برب العالمين، تسلَّحوا به ليكرمهم الله بالثبات على الحق المبين؛ قال تعالى: ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الشعراء: 46 – 48]، فوقفوا أمام تهديدات فرعون كالطَّوْدِ العظيم، وقالوا كما قال الله عنهم: ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [طه: 72].
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم صبرا أهل غزة ...

بسم الله الرحمن الرحيم
صبرا أهل غزة
الخطبة الاولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته، وراقبوه في السر والعلانية، فالتقوى هي مفتاح السعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة: لا يسعنا ـ ونحن على منبر حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أتباع حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ أن نقول لأهل غزة إلا كما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما تقطعت الأسباب وعجز عن نصرة المظلومين، ومرَّ على أسرة ياسر ورآهم يعذَّبون وهو صلى الله عليه وسلم لا يملك لهم شيئاً إلا الدعاء، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَوْعِدُكُمْ الْجَنّةُ) رواه الحاكم والطبراني والبيهقي.
ونحن نقول لأهلنا في غزة وقد تقطعت الأسباب عندنا ـ نحن عامة الناس ـ متأسين بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: صبراً يا أهل غزة فإن موعدكم إما النصر وإما الشهادة بإذن الله تعالى، فإن موعدكم النصر، أو جنة عرضها السماوات والأرض أُعدَّت للمتقين، وأنتم منهم إن شاء الله تعالى ببركة صبركم وصمودكم.
يا أهل غزة: لا يسعنا إلا أن نقول: اللهم ثبِّتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم أرسل إليهم المدد من السماء يا من بيده ملكوت كل شيء.
يا أهل غزة: لا يسعنا إلا أن نقول: حسبكم الله، لأنكم توكلتم على الله، {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.
يا أهل غزة: نحسبكم والله حسيبكم أنكم مع الله، ومن كان مع الله كان الله معه.
يا أهل غزة أنتم أهل الإيمان والقرآن، فأبشروا بوعد الله، فإن وعد الله لا يُخلف، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون}. وقال جلَّت قدرته: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِين * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُون * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون}. فأنتم إن شاء الله تعالى من جند الله الذين لا يُغلبون، ولا نزكي على الله أحداً.
تذكروا يا أهل الإيمان قول الله عز وجل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير}. فأنتم مظلومون والنصر حليفكم بإذن الله، والمستقبل لهذا الدين، بعز عزيز او بذل ذليل، روى البخاري عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ وفي رواية لمسلم (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ.
يا من آتاه الله المُلك، اغتنموا هذه النعمة نعمة الملك في نصرة المظلومين المقهورين من بني البشر ـ فضلاً عن المؤمنين ـ حتى لا يكون ملككم حسرة وندامة عليكم يوم القيامة، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه} ما هي النتيجة؟ {خُذُوهُ فَغُلُّوه * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوه * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوه}. أترضيكم هذه النتيجة بعد ملككم؟
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..
فيا عباد الله، الإسلام ينادي فهل من مجيب؟!
انا الإسلام أدعوكم أنادي
فلبوا أيها الأبناء أجيبوا
أنا الإسلام جاريةً دموعي
لأني بين أبنائي غريبُ
تداعى القوم جوعى ينهشوني
ولا خل يذود ولا حبيبُ
وأبنائي أراهم في خلاف
على حال لها كبدي تذوبُ
أرى المليار باسمي قد تسموا
وفي البأساء خذلان عجيب
إذا ما الإبن لم ينصر أباه
فلا كان الوليد ولا النسيب
أرى ولدي تمزقه الاعادي
يقول أبي فتخذلني الكروبُ
وأسال أين أخوته أماتوا؟
وهل بقيت لدى الأحياء قلوبُ؟!
أعيدوني فبي سيعود مجد؟
ويمسح عن رؤوسكم المشيبُ
فعزي عزكم ثمري جناكم
وبي ستطوف حولكم الشعوبُ
عباد الله، ما واجبنا نحو أهل غزة.؟
واجبنا نحو أهل غزة نحن العامة فلا نملك لإخوتنا في غزة إلا الدعاء والجهاد بالمال، وبعده الاستقامة على شريعة الله عز وجل، لأن الدعاء أسهمه لا تخيب، انظروا إلى دعاء سيدنا موسى عليه السلام عندما قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيم * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون}.
الدعاء يقيناً مستجاب في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي نريد، لأن الله يعلم ونحن لا نعلم، وهو الحكيم الخبير، فعلينا بالدعاء ثم بالاستقامة على شرع الله تعالى بتحليل الحلال وبتحريم الحرام، فهذا من أسباب النصر لإخوتنا في غزة، ثم بعد ذلك ننتظر الفرج، وانتظار الفرج عبادة بحمد الله عز وجل، كما جاء في الحديث: (سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ) رواه الترمذي. وأسأل الله تعالى أن يعجِّل بالفرج.
أسأل الله عز وجل أن يُكرِم أهل غزة بالنصر من عنده، لأنه القائل: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}، أسأل الله تعالى ألا يجعل يداً لمنافق ولا لمجرم على أهلنا في غزة، وأن ينصرهم من عنده نصراً معززاً عاجلاً غير آجل.
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم المسلمون الأماجد من تعلقت قلوبهم بالمساجد الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ...

بسم الله الرحمن الرحيم
المسلمون الأماجد من تعلقت قلوبهم بالمساجد
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، مجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وهادي من توجه إليه واستهداه، محقق رجاء من صدق في معاملته ورجاه، من أقبل إليه صادقا تلقاه ومن ترك لأجله أعطاه فوق ما تمناه، ومن لاذ بحماه وقاه وحماه، ومن توكل عليه كفاه سبحانه من إله عظيم تفرد بكماله وبقائه، وعم بإحسانه وآلائه، أحمده سبحانه حمدا يملأ أرضه وسماه، وأشكره على سوابغ نعماه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي اصطفاه وأسرى به إلى سماه وأراه من عظيم الملكوت ما أراه وقربه وأدناه من القرب والإكرام ما لم ينله سواه، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن نصره وآواه واقتفى أثره واتبع هداه.
أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [ آل عمران: 102]
معاشر المسلمين:
من منا لا يريد أن يكرمه الله؟ من منا لا يتمنى رحمة الله؟ من منا لا يشتاق إلى رؤية الله؟ من أراد هذه الأجور العظيمة فعليه أن يكون قلبه مشتاق إلى بيوت الله ، شديد الحب لها, شديد التعلق بها.
فعن سلمان رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من توضأ في بيته فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد فهو زائر لله وحق على المزور أن يكرم الزائر) . إسناده حسن رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
عباد الله:
ما أعظمها من لحظات والناس يهرولون إلى بيوت الله يطلبون مغفرة الله ورضوانه! ما أحلاها من ساعات والناس يرفعون أكف الضراعة إلى الله وهم في بيته يرجون رحمته ويخشون عذابه! ما أجملها من أوقات وهم يتلون كتاب الله سبحانه ويتدارسونه فيما بينهم! فإذا ما فعلوا ذلك تنزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمات، ويكفيهم أن الله يذكرهم، ويثني عليهم، ويباهي بهم ملائكته، ويسكنهم جنته، وأعظم من هذا كله رؤية وجه خالقهم سبحانه، فأعظم نعيم يوم القيامة أن ترى وجه الله الكريم، فإذا أردت أن تحصل على هذا النعيم، فاستمع إلى وصية النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عن جرير بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر ليلةً يعني البدر، فقال: ((إنكم سترون ربكم، كما ترون هذا القمر لا تضامون ( )في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا) متفق عليه
أيها المسلمون الأماجد: هناك تقرير مشرف يرتفع من الأرض لمن تعلق قلبه بالمساجد وواظب على الصلوات في المسجد جماعة؛ تقرير ترفعه الملائكة إلى الله سبحانه تقرير فيه سعادتك في الدنيا والآخرة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون”. رواه البخاري ومسلم
فمن أراد أن يُشْرِق قلبه بنور الله، فعليه أن يتصف بصفات هؤلاء الرجال، التي منها عمارة المساجد، وليس المقصود بتلك العمارة أداء الصلوات فيها فقط، ولكن لا بد كذلك من تعلُّق قلبه بها، كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ((،.....ورجل قلبه معلَّق في المساجد،........)) رواه مسلم
من أراد النور فليبحث عنه في بيوت الله؛ قال عليه الصلاة والسلام : ( بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ) [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني]
أهل المساجد؛ أصحاب القلوب المرتبطة بالله هم في ضمان الله وفي أمانه إن عاشوا رُزِقوا وكفُوا وسُعِدوا، وإن ماتوا فازوا بالنعيم المقيم، سعادة في الدنيا والآخرة، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، إِنْ عَاشَ رُزِقَ وَكُفِيَ، وَإِنْ مَاتَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ: مَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَسَلَّمَ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّه) [رواه أبو داود ، وابن حبان في صحيحه وأورده الألباني في صحيح الترغيب والترهيب].
المشتاقون لبيوت الله والمواظبون عليه؛ الله يباهي بهم ملائكته، بل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً وقد حسر عن ركبتيه ليبشر أصحابه بهذا الفضل العظيم، إنه كرم الله وفضله للمصلين؛ المرابطين في بيوت الله، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ ، فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ ، وَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْرِعًا قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ ، وَقَدْ حَسَرَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ ، فَقَالَ : " أَبْشِرُوا ، هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ ، يَقُولُ : " انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي قَدْ قَضَوْا فَرِيضَةً ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى " [رواه ابن ماجة، وصححه الألباني].
ومما يدل على أن كثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة فيها من وسائل ربط القلوب بالله ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه - ن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟، قالوا بلى يا رسول الله، قال إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط ) .
معاشر المسلمين:
من تعلق قلبه بالله وببيته نال رحمة الله واجتاز الصراط ليفوز برضوان الله، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( المسجد بيت كل تقي، وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة، والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة) [ رواه الطبراني، وصححه الألباني].
السلف الصالح عرفوا الطريق فشمروا لها، وأيقنوا أن ما عند الله خير وأبقى، وأن الفلاح بقوة الصلة بالله، وملازمة
بيوت الله، لما حضرت سعيد بن المسيب عالم التابعين الوفاة، بكت ابنته عليه، فقال لها: لا تبكي علي يا بنيّة، والله ما أذن المؤذن من أربعين سنة إلا وأنا في المسجد منذ أربعين سنة، لا يؤذن المؤذن إلا وسعيد بن المسيب في المسجد ينتظر الصلاة، ينتظر النداء ليصلي مع المسلمين.
وكان الأعمش يقول: والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الجماعة خمسين سنة.
كيف ترتقي أمة لا تحسن المعاملة مع الله – عز وجل -؟ كيف تفلح أمة لا تقدّس شعائر الله؟ كيف تكون صادقة في الحرب، أو في التعليم، أو في التصنيع، أو في الحضارة، وهي لا تتصل بربها في صلاة فرضها الله عليها؟
فحافظوا – رحمكم الله – على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، عمّروا المساجد، وتسابقوا إلى الصفوف الأولى، واعلموا أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
محمد إقبال الشاعر المعروف يقول، وهو يتوجع على المسلمين وقد زار قرطبة فوقف أمام الجامع وما وجد المسلمين ،
ووجد المسجد قد حول إلى حانات من الخمر والعياذ بالله ، ووجد العاهرات وهن في محراب المسجد ، فبكى وجلس عند
الباب وأنشد قصيدته الفضفاضة الشهيرة في مسجد قرطبة فقال :
أرى التفــكير أدركه خمـول ولم تبق الـــعزائم في اشتعال
وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحـــر يطل من المقـال
وعند النـــــاس فلســفة وفكر ولكن أين تلقين الغـــــــزالي
وجلــجلة الأذان بكل حـــــي ولكن أين صوت من بــــلال
منائركم علـــت في كل سـاح ومسجدكم من العــباد خــال
أسأل الله تعالى أن يهدينا إلى سواء الصراط ، أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد
فيا أيها المؤمنون: يقول ابن عباس: إن المساجد بيوت الله في الأرض تضيء لأهلها كما تضيء نجوم السماء لأهلها.
كم تأخذ صلاة الجماعة من أوقاتنا، تلكم الأوقات التي أضعناها في الأكل والشرب، والنوم، والمرح، إنها دقائق معدودة،
يرتفع فيها المؤمنون، ويسقط الفجرة والمنافقون، بها يعرف أولياء الشيطان، بها يتميز المؤمن من المنافق.
نصيحة من القلب لمن كان يتهاون عن صلاة الجماعة، لمن كان يصلي في بيته أن يكون من الذين يرتادون المساجد ويعمرونها بطاعة الله، قبل أن يندم ويتحسر، يوم لا تنفع الحسرة.
فمن أراد النجاة، والفوز والفلاح في الآخرة ، وأن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله في يوم شديد حره فما عليه إلا أن تقر عينه ببيوت الله وطاعتة والأنس بذكره سبحانه وتعالى.
إنَّ الصلاة هي قرة عيون المحبيبن كم أخبر بذلك إمام المصلين وخاتم المرسلين وسيد ولد آدم أجمعين .
فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (حُبِّب إليَّ الطِّيب, والنساء, وجعلت قرة عيني في الصلاة ) رواه النسائي وصححه الألباني
إن الصلاة جماعة هي بستان العابدين, وسعادة الخاشعين, وراحة نفوس العارفين, ولا ينبئك مثل خبير .
فعن سالم بن أبي الجعد, عن رجل من أسلم, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا بلال, أقم الصلاة, أرحنا بها )
صحيح سنن أبي داود وصححه الألباني
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق:37]
أسال الله أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى، وأسأله أن يجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنة أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب اللهم أصلحنا وأصلح شباب المسلمين اللهم أصلحنا وأصلح بنات المسلمين اللهم أصلحنا وأصلح نساء المسلمين اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا رب العالمين اللهم اجعل هذا البلد آمناً وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه اجعل لنا وللحاضرين من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل عسر يسراً ومن كل ظالم نجا ارزقنا جميعاً من حيث لا نحتسب من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً ولا تجعل فينا ولامنا ولا معنا شقياً ولا محروماً لا تخرجنا جميعاً من هذا المكان إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وتجارة رابحة لا تبور...... عباد الله صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين حيث أمركم فقال { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56]
ياسر عبدالله محمد الحوري
...المزيد

بسم الله الرحمن الرحيم (الأخلاق الحسنة، ثمراتها، من يوفق لها، وما أخطر شيء ...

بسم الله الرحمن الرحيم
(الأخلاق الحسنة، ثمراتها، من يوفق لها، وما أخطر شيء عليها؟).
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْأَخْلَاقَ مِنَ الدِّينِ، وَأَعْلَى بِهَا شَأْنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَفَعَ بِمَكَارِمِهَا أَقْوَامًا فَكَانُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ الْخُلُقِ الْقَوِيمِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ – أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ – بِأَعْظَمِ الْوَصَايَا، وَهِيَ تَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، فَلَا فَلَاحَ وَلَا صَلَاحَ لِلنَّاسِ إِلَّا بِتَقْوَى اللَّهِ، فَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ سَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102
معاشر المسلمين الموحدين:
الأخلاق الحسنة تضاعف الأجر والثواب، فمن منا لا يريد أن تبلغ درجاته عند الله درجة الصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يفتر، فمن أراد هذه الدرجة العظيمة التي التي يتمناها كل مسلم، فعليه بحسن الخلق؛ كما قال-عليه الصلاة والسلام-: ((إن المؤمنَ لَيُدركُ بحُسن الخُلق درجةَ الصائمِ القائم)).رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني
الإيمان والأخلاق قرناء، إذا رُفع أحدهما رفع الآخر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ((إنَّ فلانة تقوم الليل وتصوم النَّهار، وتفعل وتصَّدَّق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خير فيها، هي من أهل النار. قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة وتَصَّدَّق بأثوار (قطع من الأقط، وهو لبن جامد) ولا تؤذي أحدًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي من أهل الجنة)) رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني
وانظر وتأمَّل كيف يُقْسِم النبي –عليه الصلاة والسلام- ثلاثًا وعلى ماذا؛ فعن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ". قيل: من يا رسول الله؟ قال: "الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ" متفق عليه
أيها المؤمنون عباد الله:
إن حسن الخلق هو أساس الخيرية والتفاضل بين الناس يوم القيامة، فهنيئاً لصاحب الخلق مرافقة -النبي صلى الله عليه وسلم- في الجنة، ويا سعادة من كان مجلسه في الجنة قريباً من رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا)) رواه الترمذي وحسنه الألباني
الناس يوم القيامة في وجل وفي خوف وفزع الكل يتمنى حسنة واحدة تنفعه في ذلك اليوم، الكل ينظر إلى ميزانيه هل سيثقل أم سيخف، فالمفلح من ثقلت موازينه، والخاسر من خفت موازينه، قال تعالى: { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:8-9]
من سيفلح ذلك اليوم يا ترى؟!
إنه صاحب الخلق الرفيع، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق))رواه الترمذي وابن حبان وصححه الألباني
أيها الأحبة الكرام في الله:
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم التفاوت في الإيمان بين المسلمين هو حسن الخلق، فأحسنهم خلقاً هو أكملهم إيماناً، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم)) رواه الترمذي وأحمد
فالأخلاق الحسنة علامة على كمال الإيمان.
إنَّ نيل السّعادة والعيش في أكنافها، لا يُدرك بالمنصِب ولا بالجاه ولا يُنال بالشّهوات ومُتَع الحياة ولا بِجمال المظهَر ورقيق اللّباس، لا يُنال إلا بلباسِ التّقوى ورِداء الخُلُق، عملٌ صالح وقول حسَن، {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } [الحج: 77-78].
عباد الله:
إن الأخلاق العظيمة سبب في محبة الله للعبد، وإذا أحبك الله وفقك وسددك وأعانك، قال صلى الله عليه وسلم: ((أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقًا)) رواه الحاكم والطبراني وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح
إن أخطر شيء على أخلاق الناس هو هذه الدنيا بمَتاعها ومُغرياتها، بزخارفها وشهواتها مِن النساء والبنين...، إنَّ الغلوَّ في حب الدنيا هو رأس كل خطيئة، والتنافس عليها أساس كل بلية!
من أجل متاع الدنيا يَبيع الأخ أخاه، ويَقتُل الابن أباه، ومِن أجلها يخون الناسُ الأمانات ويَنكثون العهود، ومن أجلها يَجحد الناس الحقوق ويَنسَوْن الواجبات... إلخ!
وإنَّما الأُممُ الأخلاق ما بقيَتْ ♦♦♦ فإنْ هُمُ ذهبَتْ أخلاقُهم ذهَبُوا
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت
قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الأحبة الكرام في الله:
الكل مشتاق إلى الجنة، بل الكل يطمح إلى أعالي الجنان؛ لأن الجنة درجات، فمن أراد قصراً في أعلى الجنة فليحسن خلقه
قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)) رواه أبو داود والطبراني والبهقي وحسنه الألباني
فأكثر ما يدخل الناس الجنة شيئان اثنان مهمان، تقوى الله وحسن الخلق، فتقوى الله وحسن الخلق سببان رئيسيان لدخول الجنة، عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: الفم والفرج))رواه الترمذي وأحمد وابن حبان وحسنه الألباني
لقد مدح الله المؤمنين الصادقين بكونهم يتحلون بمكارم الأخلاق، ويتخلقون بآداب الإسلام فقال { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } [الفرقان: 63 - 67] ثم بيّن جزائهم { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } [الفرقان: 75، 76].
وما يوفَّق لهذه الأخلاق وهذه الخصال الحميدة إلا الذين صبروا نفوسهم على ما تكرَه، وأجبروها على ما يُحبُّ الله؛ فإنَّ النفوس
مجبولة على مُقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟! فإذا صبر الإنسان نفسه، وامتثَلَ أمْرَ ربه، وعرَف جزيل
الثواب، وعلِم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله لا يُفيد شيئًا، ولا يَزيد العداوة إلا شدةً، وأن إحسانه إليه ليس بواضعٍ قدرَه، بل مَن
تواضَعَ لله رفَعَه؛ هان عليه الأمر مُتلذذًا مستحليًا له؛ لكونه من خصال خواص الخلق التي يَنال بها العبد الرِّفعة في الدنيا والآخرة،
التي هي مِن أكبر خصال مكارم الأخلاق، ولا عجب أن رأينا أحد محقِّقي علماء الإسلام مثل ابن القيم يقول: "الدين هو الخلُق، فمَن زاد عليك في الخلُقِ، زاد عليك في الدين"؛ مدارج السالكين.
عباد الله:
صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.......
...المزيد

#خطبة_قصيرة وقفات مع محاسبة النفس في بداية العام الحمد لله الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورًا, ...

#خطبة_قصيرة
وقفات مع محاسبة النفس في بداية العام

الحمد لله الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورًا, وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, ومنه المبتدأ وإليه المنتهى والمآب, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من تعبد لله وأناب, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحساب.
أيها المسلمون الموحدون:
ما أحوجنا أن نقف مع أنفسنا وقفاتٍ في زمن الفتن لمحاسبتها عن كل تقصير؛ حتى يخفِّفَ عنا ربنا ما نحن فيه من البلاء والمصائب، وحتى نسعد ذلك اليوم!

رُويَ أن الحسن البصري رحمه الله يقول: "ما من يوم ينشق فجره إلا ويُنادَى: يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزوَّدْ مني بعمل صالح؛ فإني لا أعود إلى يوم القيامة".

دنياك مدرسة والكل مُنتسب

يا حظَّ من قال فيها ربي اللهُ

دنياك مدرسة والكل مُمتَحَن

طوبى لمجتهد قد وفَّقه اللهُ

دنياك مدرسة طلابها رُتَبٌ

فاحرص على رتبة يرضى بها اللهُ

دنياك مدرسة تبدو نتائجها

لا ظلمَ فيها لأن الحاكم اللهُ
قال الفضيل بن عياض: "من حاسب نفسه قبل أن يُحاسَب، خفَّ في القيامة حسابه، وحضر عن السؤال جوابه، وحسُنَ منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه، دامت حَسَرَاتُهُ، وطالت في عَرَصَاتِ القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزيِ والمَقْتِ سيئاته، وأكْيَسُ الناس من دان نفسه وحاسبها وعاتبها، وعمِل لِما بعد الموت، واشتغل بعيوبه وإصلاحها".

ينبغي للمسلم أن يكون شعاره شعار الفاروق عمر: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا ...".

وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبادر بالأعمال قبل أن يفاجَأنا هذا اليوم؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا بالأعمال سبعًا؛ هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيًا، أو غِنًى مُطغيًا، أو مرضًا مُفسدًا، أو هِرَمًا مُفنِّدًا، أو موتًا مُجهِزًا، أو الدجال؛ فشرُّ غائبٍ يُنتظَر، أو الساعة؛ فالساعة أدهى وأمَرُّ؟))؛ [الترمذي في سننه].

قال ميمون بن مهران: "لا يكون العبد من المتقين، حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبته لشريكه".
كان داود الطائي يحاسب نفسه قائلًا: "يا داود، من خاف الوعيد، قصر عليه البعيد، ومن طال أمله، قصر عمره، وكل ما هو آتٍ قريبٌ، واعلم يا داود أن كل شيء يشغلك عن ربك، فهو عليك مشؤومٌ، واعلم يا داود أن أهل الدنيا جميعًا من أهل القبور إنما يفرحون بما يقدمون، ويحزنون بما يقصرون".
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 53 - 56].

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
فيا أيها الباكي على أقاربه الأموات، ابْكِ على نفسك؛ فالماضي قد فات، وتأهب لنزول البلايا والآفات.

يقول ابن الجوزي رحمه الله: "ابكِ على نفسك قبل أن يُبكى عليك، وتفكَّر في سهم صُوِّب إليك، وإذا رأيت جنازة، فاحسبها أنت، وإذا عاينتَ قبرًا، فتوهَّمْه قبرك".
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً