بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا صلاح القلب؟
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله نحمده تعالى ونستعين به ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المُهتَد، ومن يُضلِل فلن تجدَ له وليًّ مُرشِدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه من خلقِه وخليلُه صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبِه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢]، أما بعد فإن أصدقَ الحديث كلامُ الله وخيرَ الهدِي هدِي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدَثاتُها، وكل مُحدَثةٍ بِدعةٍ، وكل بِدعةٍ في الدين ضلالة أجارَني الله وإياكم من البِدَع والضلالات، آمين اللهم آمين.
أما بعد، فيا أيها الأحباب الكرام في الله، سؤالٌ أطرَحُه على حضاراتِكم لنُجيبَ عليه في هذه الدقائق المعدودة لماذا صلاحُ القلب؟ لماذا القلب؟ لماذا الاهتِمام بالقلب؟ لماذا العناية بالقلب؟ ما أحوَجَنا معاشرَ المسلمين أن نقِف مع هذا السؤال، وينبغي أن نسأل أنفسنا هذا السؤال في كل وقت وفي كل حين،، لماذا العناية بالقلب؟ الاهتِمام بالقلب له أهميةٌ عظيمة كيف لا نهتم به،. والأنبياء والصالحون اهتمُوا بالقلب اهتِمامًا كبيرًا، هذا رسولُنا صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يا مُقلِّبَ القلوب ثبِّت قلبي على دينِك وكان يقول: اللهم اجعل في قلبي نورًا في سمعي نورًا في بصري نورًا، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: اللهم آتِ نفسِ تقواها زكِّها أنتَ خيرُ من زكَّاها، وعلَّم أصحابَه عليه الصلاة والسلام.
أحدُ السلَف يقول: وَاللَّهِ مَا سَبَقَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِكَثْرَةِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، "أبو بكر الذي قال عنه عُمرُ: لو أن إيمانَ أبي بكرٍ في كفَّة وإيمانَ الأمة في كفَّة لرجَحَ إيمانُ أبي بكر" أبوبكر رضي الله عنه أول المُبشَّرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه ومع هذا يقول أحدُ السلف: "والله ما سبَقَكم أبو بكرٍ بكثرة صلاةٍ ولا صيامٍ ولكن بشيءٍ وقرَ في القلب" وقرَ في القلب حبُّ الله، تعظيم الله ،تعظيم هذا الدين، الخوفُ من الله، الوجَل، الخشية، المُراقبة، الإنابة، التوكل، كلُّ هذا محلُّه القلب، فالقلب إذا لم يصلُح، فهو سبب كل مصيبة في هذه الأرض ،عندما نرى السرِقات تنتشر، والشحناء بين المُسلمين والبغضاء وقطعُ الأرحام وإيذاء المُسلمين وغير ذلك من الأعمال سببُها فسادُ القلب وفسادُ النيَّة.
لماذا القلب إخوة الإيمان؟ لماذا ينبغي أن نُصلِح هذا القلب؟ لأن القلب هو موضعُ النيَّة، فالنيَّة هي أساسُ قبول الأعمال، فلا يُقبَل أيُّ عملٍ إلا بالنيَّة، من شروط الوضوء النيَّة، من شروط الصلاة النيَّة، أي شيء تعمله لا بد من نية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح من حديث عمر قال: (إنما الأعمال بالنيَّات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسولِه فهجرتُه إلى الله ورسولِه ومن كانت هجرتُه لدنيا يُصيبُها أو امرأةٍ ينكِحُها فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه) متفق عليه، فالقلب هو موضعُ النيَّة، والنيَّة هي أساسَ الأعمال، يقول أحد السلف: "ربَّ عملٍ صغير تُعظِّمُه النيَّة وربَّ عملٍ كبير تُصغِرُه النيَّة"، كما قال الله عن الكفار ﴿وَقَدِمۡنَاۤ إِلَىٰ مَا عَمِلُوا۟ مِنۡ عَمَلࣲ فَجَعَلۡنَـٰهُ هَبَاۤءࣰ مَّنثُورًا﴾ [الفرقان ٢٣].
لماذا القلب؟ لأن القلب موضعُ نظر الله جل جلاله الله ينظر إلى قلبك يا ابن آدم، ينبغي أن تتعهد هذا القلب حتى إذا نظر الله إلى قلبك، وجد فيه الحب والخوف منه وتعظيمه، وجد المحبة وجد الصدق وجد الإيمان، كما في الحديث الصحيح قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ) رواه مسلم.
فلماذا القلب؟ لأن القلب موضع نظر الله عز وجل، جل جلاله، ولهذا قال سبحانه، وهو يُبيِّن على أن من اهتم بقلبه وأصلح قلبه هو من المسارعين، وهو من المُقرَّبين إلى الله عز وجل، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ هُم مِّنۡ خَشۡیَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ﴾ [المؤمنون ٥٧]، من أين تأتي الخشية والخوف من القلب إذا لم يصلح القلب؟ {إن الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون:57-60].
معاشر المسلمين لماذا القلب؟ لأن القلب إذا صلُح صلُحَت الأعمال وصلُحَت الجوارِح، وإذا فسدَ القلب فسدَت الأعمال، وفسدَت الجوارِح نعم إخوة الإيمان، في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا وإن في الجسد مُضغَة إذا صلُحت صلُحَ الجسد كله وإذا فسدَت فسدَ الجسد كله ألا وهي القلب). متفق عليه فصلاح القلب طريقٌ إلى صلاح الأعمال، وسبب إلى صلاح الأعمال، ولهذا الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما من أحدٍ يتوضَّأُ فيحسنُ الوضوءَ ويُصلِّي ركعتَينِ يُقبِلُ بقلبِه ووجهِه عليهما إلا وجبتْ له الجنَّةُ). رواه مسلم
لماذا الاهتمام بالقلب؟ ولماذا هذا القلب؟ لماذا صلاح القلب؟ لأن صاحب القلب معرض للفتن والمحن ، فيحتاج إلى صقل، يحتاج إلى إصلاح دائماً، إذا كان صاحب القلب فاسِدا لا يتحمَّل الفتن يزيغ، يضل يبتعد، يدور مع الفتن حيث دارَت، لا يثبُت أبداً، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: (تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا ، فأيُّ قلبٍ أُشربَها نكتَتْ فيه نكتةٌ سوداءُ فيصيرُ أسودَ مربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا، لا يعرفُ معروفًا ولا ينكرُ إلا ما أُشرِبَ من هَواه).
فالقلب يحتاج دائمًا إلى عناية لأنه عُرضة للفتن.
لماذا القلب؟ لأن القلب إذا أصلحناه وكان سليمًا نفعَنا يوم القيامة يوم الحسرة والندامة ، لا ينفعُ الإنسان لا المال ولا الجاه ولا السلطان ولا العشيرة ولا القبيلة في ذلك اليوم إلا من كان قلبُه سليمًا، إلا من كان قلبُه صحيحا، سليم من الشرك، من الغل من الحق من الحسد من البغضاء، ولهذا كان من دعاء أبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم أنه قال كما قال تعالى: ﴿وَلَا تُخۡزِنِی یَوۡمَ یُبۡعَثُونَ﴾ [الشعراء ٨٧]، ما أحوجنا إلى هذا الدعاء؟ أعظم خزي هو الخزي يوم القيامة، وأعظم حسرة هي حسرة يوم القيامة، يوم لا ينفعُ الندم، ويوم لا تنفع الحسرة؛ قال الله عز وجل حاكيًا عن أبينا إبراهيم الخليل قال: ﴿وَلَا تُخۡزِنِی یَوۡمَ یُبۡعَثُونَ﴾ ﴿یَوۡمَ لَا یَنفَعُ مَالࣱ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبࣲ سَلِیمࣲ﴾ [الشعراء:88-89] إلا من أتى الله بقلب سليم، فالأموال والأولاد لا تُقرِّبنا من الله عز وجل أبداً، لا تُقرِّبنا إذا لم يُوجِد هناك إيمان وقلب سليم صحيح، قال تعالى:﴿وَمَاۤ أَمۡوَ ٰلُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُم بِٱلَّتِی تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰۤ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ جَزَاۤءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُوا۟ وَهُمۡ فِی ٱلۡغُرُفَـٰتِ ءَامِنُونَ﴾ [سبأ ٣٧].
إخوة الإيمان؟ لماذا الاهتمام بالقلب؟ لأن القلب هو موضع التذكر موضع الخشية، إذا لم يُوجِد قلب صحيح، ففمهما خطب الخطباء، ومهما وعظ الوعاظ، لا يتأثر أبداً، لكن إذا صلح القلب تجد المسلم يتأثر من كلام الله، يتأثر من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿سَیَذَّكَّرُ مَن یَخۡشَىٰ﴾ [الأعلى ١٠]، وقال: ﴿إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِیدࣱ﴾ [ق ٣٧]، إذا أردت أخي المسلم أن تكون من المفلحين وأن يتقبل الله صلاتك،. لابد أن تخشع، والخشوع من القلب، والمصلي الذي يخشع في صلاته يكون من المفلحين؛ قال الله تعالى: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی صَلَاتِهِمۡ خَـٰشِعُونَ﴾ [المؤمنون:1- ٢].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
إخوة الإيمان، لا شك أن كل واحد منا يتمنى أن يكون قلبه صحيحاً، أن يكون قلبه سليماً، ينبغي أخي المسلم أن تتعاهد، وأن نتعاهد جميعاً هذا القلب بكثرة الاستغفار والتوبة الصادقة ، أعظم وسيلة وأفضل وسيلة لإصلاح القلوب كثرة الاستغفار يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنه لا يغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة). رواه مسلم
فلنكثر من ذكر الله لتطمئن قلوبنا، وحتى يا إخواني لا نكون من الذين قال الله عنهم: ( فَوَیۡلࣱ لِّلۡقَـٰسِیَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ﴾ [الزمر ٢٢]، رباه نشكو إليك قسوة قلوبنا، رباه نشكو إليك قسوة قلوبنا، فلنكثر من ذكر الله عز وجل لتطمئن القلوب، كذلك إخوة الإيمان حتى تصلح حال القلوب، ينبغي أن نكثر من الدعاء، أن نكثر من الدعاء بأن يصلح الله عز وجل قلوبنا، كان النبي دائماً يقول:( يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك).
اللهم آتِ نفوسنا تقوَها اللهم آتِ نفوسنا تقوَها، زكِّها أنت خيرُ من زكَّها، أنت ولي ومولاها، اللهم أصلِح قلوبنا وأعمالنا يا رب العالمين، اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمة أمرنا وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا واجعَل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير واجعَل الموتَ راحةً لنا من كل شر، اللهم أبرِم لأمة محمدٍ أمرَ رشد يُعزُّ في أهلُ طاعتِك ويُهدَى في أهلُ معصيتِك ويُذلُّ فيها أعداءُ دينِك يا من أنت على كل شيءٍ قدير، اللهم انصُر الإسلام وأعزَّ المسلمين، اللهم انصُر عبادك المُستضعفين في كل مكان اللهم انصُر عبادك المظلومين والمُضطهدين في فلسطين، اللهم عليك بالمُتآمِرين على الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى والمنافقين، اللهم أرِنَا فيهم عجَابَ قُدرتِك يا من أنت على كل شيءٍ قدير، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد ديننا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ اللهم فاشغله بنفسه اجعل تدبيره في تدميره رد كيده إلى نحره يا من أنت على كل شيء قدير، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من المحرومين غيث الإيمان في قلوبنا وغيث الرحمة في أوطاننا يا من أنت على كل شيء قدير، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفلنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
عباد الله، صلوا وسلموا على المبعوث رحمة العالمين حيث أمركم فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
إن الله يأمركم بثلاث فقوموا بها وينهاكم عن ثلاث فاجتنبوها، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.. ...المزيد
مساعدة
الإبلاغ عن المادة
تعديل تدوينة
بسم الله الرحمن الرحيم لماذا صلاح القلب؟ الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ...
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا صلاح القلب؟
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله نحمده تعالى ونستعين به ونستهديه، ونؤمن به ...المزيد
لماذا صلاح القلب؟
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله نحمده تعالى ونستعين به ونستهديه، ونؤمن به ...المزيد
بسم الله الرحمن الرحيم مصير الظلمة من خلال سورة الهمزة الخطبة الأولى: الحمد لله رب ...
بسم الله الرحمن الرحيم
مصير الظلمة من خلال سورة الهمزة
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ولو كره المشركون ولو كره المنافقون، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تَقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
أما بعد فيا أيها الأحباب الكرام في الله، دقائق معدودة نعيش وإياكم مع سورة نزلت بسبب أن بعض صناديق قريش استهزئوا برسول الله وبأصحابه، يسبونهم ويلمزونهم ويؤذونهم بالقول والفعل، فنزلت هذه الآية لتبين عاقبة من يؤذي الناس ،عاقبة من يؤذيهم بالقول والفعل ومن يعتدي عليهم، فكيف بمن يجعلهم في غيابات الجب، فكيف بمن يقتلهم، فكيف بمن يسحلهم؟!.
عباد الله، دعونا نعيش مع القرآن، الله عز وجل يقول: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ}[الهمزة:1-9]، وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ، ويل كلمة زجر وردع، ويل وادي في جهنم لو سيرت به جبال الدنيا لذابت من شدة حره، الويل لمن استهزأ، الويل لمن ظلم، الويل لمن تكبر، وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ، قيل: إن الهمزة واللمزة بمعنى واحد، وقيل: إن الهمزة هو إيذاء الناس بالفعل وبالإشارة، واللمزة إيذاء الناس بالقول، بالغيبة والنميمة والسخرية، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم(..بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم..)، الذي استحق هذا الويل وهذا العذاب هو الذي تسبب في إيذاء المسلمين.
عباد الله، هذه آيات نزلت في قريش، ولذلك لم يُذكر لنا أسماء كفار قريش؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فمن سار في فلكهم، ومن سار في نهجهم، فسينال العقاب كما نالوه.
الذي سخر واعتدى على الناس وضرب وقتل وسفك الدماء، لماذا فعل هذا كله؟ لماذا؟ لأن همه الدنيا فقط، ثم قال الله: {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} وفي قراءة {الذي جمّع مالاً وعدده}، بتشديد ميم جمع، تجده مشغولا بالمال في الصباح والمساء، ينظر إلى ماله وإلى قوته وإلى سلطته وإلى ملكوته، المهم أن يبقى المال كله، المهم أن يعيش في هذا الملك، ولو أُبيد الناس جميعًا، المهم أن يعيش، قدوته في ذلك فرعون الذي قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[الزخرف: 51]، أين ذهب؟ أين ذهب الذي كان يقول أنا ربكم الأعلى؟ أين ذهب؟ ألم يتعظوا المجرمون في كل وقت وفي كل زمان؟ ألم يتعظوا ما حصل لإخوانهم ولأتباعهم ولأمثالهم من قبل؟ لكنها الغفلة لكنها إرادة الله، أراد أن يخزيهم؛ لأن الإنسان كلما طغى وتمادى ، كلما أراد الله أن يفضحه في الدنيا قبل الآخرة، هذا هو حال المجرمين، هذا هو حال الظالمين، فضحهم الله في الدنيا قبل الآخرة لينالوا جزاءهم هنا في الدنيا، يقول الله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ}[المطففين:29]، كان المجرمون في الدنيا يضحكون من المؤمنين، فالجزاء من جنس العمل، يوم القيامة المؤمنون يضحكون من المجرمين، قال تعالى: {فاليوم الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كانوا يفعلون}[المطففين: 34-35-36]، كيف حال الطغاة والمجرمين اليوم، كيف حال طاغية الشام وهو يشاهد المظلومين يفرحون بتدميره وبهلاكه كيف يكون حاله، يتمنى أن تبتلعه الأرض، ما أكرم الله! وما أعظم الله جل جلاله سبحانه! {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص: 5]،. الله أكبر..، لقد شاهدتم جميعا تلك السجون المظلمة، تلك الحفر العميقة، والتعذيب والأموات، لماذا هذا كله؟ يحسب أن ماله أخلده، ظن أن ماله سيخلده في الدنيا، ظن أنه سيفلت من عقاب الله، قارون هل خلده ماله؟ مفاتيح الخزائن لا يحملها إلا عشرة من الرجال الأوائل، لا يحملها إلا عصبة، ويقول إنما أوتيته على علم، ليس من فضل الله، هذا بتعبي وكدي، هل وجد السعادة؟ هل عاش إلى يوم القيامة؟ ماذا كانت النتيجة؟ قال الله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ}[القصص:81]، إذن هذا ذهب وانتهى، هل نفعه ماله؟ هل نفعه أتباعه؟ يحسب أن ماله أخلده، "هارون الرشيد، ومن هو هارون الرشيد، أمير المؤمنين، العابد الزاهد، كان يحج عاماً ويجهز جيشاً في سبيل الله عاماً، عندما حضرته الوفاة قال لأتباعه: خذوني إلى قبري، أريد أن أرى قبري قبل أن أدخله، أريد أن أنظر إلى قبري قبل أن أدخله رحمه الله وهو أمير المؤمنين، فينظر إلى قبره ويقول: ما أغنى عني ماليا هلك عني سلطانية، ما أغنى عني مالية هلك عني سلطانية، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه،، وهو عابد تقي يخاف الله يقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه، ارحم من زال ملكه".
لمن الملك اليوم، الله ينادي لمن الملك اليوم، فلم يجبه أحد، فيجيب على نفسه، لله الواحد القهار، قال تعالى: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار ِالْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[غافر: 16-17]
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
عباد الله، حق لكل مسلم موحد أن يفرح بما حصل، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: 58]، وقال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام: 45]، أي اصطلموا بالعذاب، وتقطعت بهم الأسباب. { وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } على ما قضاه وقدره، من هلاك المكذبين، فإن بذلك، تتبين آياته، وإكرامه لأوليائه، وإهانته لأعدائه، وصدق ما جاءت به المرسلون.
عباد الله، أمرنا الله أن نحمده وأن نشكره إذا قطع دابر الظالمين ودابر المجرمين، يجب علينا أن نحمد الله، فالنصر من عند الله وحده، فالنصر هو من عند الله وحده جل جلاله، هذا هو الفرح الممدوح، أما الفرح المذموم، فهو فرح المجرمين، شاهدوا حال المجرمين، {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون}[الأنعام: 44]، فلما نسوا ما ذكروا به، ظنوا أن أموالهم ستخلدهم، وأنهم لن يموتوا وأن أتباعهم سيدافعون عنهم {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ...} ألم يأخذ الله ظالم أهلنا في سوريا بغتة؟ من كان يتوقع أن ينهزم بهذه السهولة، لكنها إرادة الله، ولهذا قال الله{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ***كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ..}[الهمزة: 3-4] لينبذن يا إخواني، هي جواب لقسم محذوف، أي كلا والله لينبذن في الحطمة، لماذا سميت جهنم بالحطمة؟ لأنها تحطم كل شيء، الله أكبر..، جهنم تحطم كل شيء، هذا الذي آثر الدنيا، هذا الذي جمع المال وظن أن ماله سيخلده فظلم وبطش، فسيلقى جزاءه هناك في الآخرة، {كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ}[الهمزة4-5-6]، وفي الحديث الذي صح إسناده،. قال عليه الصلاة والسلام: (أُوقِد على النَّارِ ألفَ سنةٍ حتَّى احمرَّت ، ثمَّ أُوقِد عليها ألفَ سنةٍ حتَّى ابيضَّت ، ثمَّ أُوقِد عليها ألفَ سنةٍ حتَّى اسودَّت ، فهي سوداءُ كاللَّيلِ المُظلِمِ) رواه الترمذي وابن ماجة، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ *** نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ*** الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}[الهمزة: 5-6-7]
هذا القلب الفاسد،، هذا القلب عندما فسد فعل كل ظلم، وكل جرم في هذه الحياة، فكان جزاؤه أن تصل النار إلى الفؤاد، لأن النار إذا وصلت إلى الفؤاد، الأصل أن الإنسان يموت مباشرة، لكن الله أراد أن يعذب المجرم وأن يعذب الظالم بسبب جرمه وظلمه في الدنيا، فيأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت، كما قال تعالى: {مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}[ابراهيم: 16-17]، ثم يقول الله: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ ممددة}[الهمزة: 8-9]، يعني مغلقة مطبقة، يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها، {فِي عَمَدٍ ممددة}، العمد قيل: السلاسل، وقيل إنها محاطة بأعمدة من كل جانب، الله أعلم. هذا الظالم وهذا المجرم وهذا الكافر الذي سخر من الصالحين، الذي استهزأ بالصالحين في بداية السورة، الذي سخر منهم، الذي ظلمهم،. الذي قتلهم، لا مفر يوم القيامة، أتباعه ينادون وهم في جهنم يا فلان نحن اتبعناك في الدنيا نحن وقفنا معك أنقذنا، {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ***وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة: 166-167]،
الله يا إخواني، ما أعظم هذه السورة القصيرة، هي قصيرة، لكن معانيها عظيمة وكثيرة فلنعتبر. فافرحوا يا مؤمنون، افرحوا بهلاك المجرمين، فالنصر قادم، والمستقبل لهذا الدين بإذن الله عز وجل، {ويومئذ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الروم:4-5]، أسأل الله بمني وكرمه أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين ... وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ...المزيد
مصير الظلمة من خلال سورة الهمزة
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ولو كره المشركون ولو كره المنافقون، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تَقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
أما بعد فيا أيها الأحباب الكرام في الله، دقائق معدودة نعيش وإياكم مع سورة نزلت بسبب أن بعض صناديق قريش استهزئوا برسول الله وبأصحابه، يسبونهم ويلمزونهم ويؤذونهم بالقول والفعل، فنزلت هذه الآية لتبين عاقبة من يؤذي الناس ،عاقبة من يؤذيهم بالقول والفعل ومن يعتدي عليهم، فكيف بمن يجعلهم في غيابات الجب، فكيف بمن يقتلهم، فكيف بمن يسحلهم؟!.
عباد الله، دعونا نعيش مع القرآن، الله عز وجل يقول: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ}[الهمزة:1-9]، وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ، ويل كلمة زجر وردع، ويل وادي في جهنم لو سيرت به جبال الدنيا لذابت من شدة حره، الويل لمن استهزأ، الويل لمن ظلم، الويل لمن تكبر، وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ، قيل: إن الهمزة واللمزة بمعنى واحد، وقيل: إن الهمزة هو إيذاء الناس بالفعل وبالإشارة، واللمزة إيذاء الناس بالقول، بالغيبة والنميمة والسخرية، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم(..بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم..)، الذي استحق هذا الويل وهذا العذاب هو الذي تسبب في إيذاء المسلمين.
عباد الله، هذه آيات نزلت في قريش، ولذلك لم يُذكر لنا أسماء كفار قريش؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فمن سار في فلكهم، ومن سار في نهجهم، فسينال العقاب كما نالوه.
الذي سخر واعتدى على الناس وضرب وقتل وسفك الدماء، لماذا فعل هذا كله؟ لماذا؟ لأن همه الدنيا فقط، ثم قال الله: {الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} وفي قراءة {الذي جمّع مالاً وعدده}، بتشديد ميم جمع، تجده مشغولا بالمال في الصباح والمساء، ينظر إلى ماله وإلى قوته وإلى سلطته وإلى ملكوته، المهم أن يبقى المال كله، المهم أن يعيش في هذا الملك، ولو أُبيد الناس جميعًا، المهم أن يعيش، قدوته في ذلك فرعون الذي قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[الزخرف: 51]، أين ذهب؟ أين ذهب الذي كان يقول أنا ربكم الأعلى؟ أين ذهب؟ ألم يتعظوا المجرمون في كل وقت وفي كل زمان؟ ألم يتعظوا ما حصل لإخوانهم ولأتباعهم ولأمثالهم من قبل؟ لكنها الغفلة لكنها إرادة الله، أراد أن يخزيهم؛ لأن الإنسان كلما طغى وتمادى ، كلما أراد الله أن يفضحه في الدنيا قبل الآخرة، هذا هو حال المجرمين، هذا هو حال الظالمين، فضحهم الله في الدنيا قبل الآخرة لينالوا جزاءهم هنا في الدنيا، يقول الله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ}[المطففين:29]، كان المجرمون في الدنيا يضحكون من المؤمنين، فالجزاء من جنس العمل، يوم القيامة المؤمنون يضحكون من المجرمين، قال تعالى: {فاليوم الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كانوا يفعلون}[المطففين: 34-35-36]، كيف حال الطغاة والمجرمين اليوم، كيف حال طاغية الشام وهو يشاهد المظلومين يفرحون بتدميره وبهلاكه كيف يكون حاله، يتمنى أن تبتلعه الأرض، ما أكرم الله! وما أعظم الله جل جلاله سبحانه! {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص: 5]،. الله أكبر..، لقد شاهدتم جميعا تلك السجون المظلمة، تلك الحفر العميقة، والتعذيب والأموات، لماذا هذا كله؟ يحسب أن ماله أخلده، ظن أن ماله سيخلده في الدنيا، ظن أنه سيفلت من عقاب الله، قارون هل خلده ماله؟ مفاتيح الخزائن لا يحملها إلا عشرة من الرجال الأوائل، لا يحملها إلا عصبة، ويقول إنما أوتيته على علم، ليس من فضل الله، هذا بتعبي وكدي، هل وجد السعادة؟ هل عاش إلى يوم القيامة؟ ماذا كانت النتيجة؟ قال الله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ}[القصص:81]، إذن هذا ذهب وانتهى، هل نفعه ماله؟ هل نفعه أتباعه؟ يحسب أن ماله أخلده، "هارون الرشيد، ومن هو هارون الرشيد، أمير المؤمنين، العابد الزاهد، كان يحج عاماً ويجهز جيشاً في سبيل الله عاماً، عندما حضرته الوفاة قال لأتباعه: خذوني إلى قبري، أريد أن أرى قبري قبل أن أدخله، أريد أن أنظر إلى قبري قبل أن أدخله رحمه الله وهو أمير المؤمنين، فينظر إلى قبره ويقول: ما أغنى عني ماليا هلك عني سلطانية، ما أغنى عني مالية هلك عني سلطانية، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه،، وهو عابد تقي يخاف الله يقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه، ارحم من زال ملكه".
لمن الملك اليوم، الله ينادي لمن الملك اليوم، فلم يجبه أحد، فيجيب على نفسه، لله الواحد القهار، قال تعالى: {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار ِالْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[غافر: 16-17]
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
عباد الله، حق لكل مسلم موحد أن يفرح بما حصل، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: 58]، وقال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام: 45]، أي اصطلموا بالعذاب، وتقطعت بهم الأسباب. { وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } على ما قضاه وقدره، من هلاك المكذبين، فإن بذلك، تتبين آياته، وإكرامه لأوليائه، وإهانته لأعدائه، وصدق ما جاءت به المرسلون.
عباد الله، أمرنا الله أن نحمده وأن نشكره إذا قطع دابر الظالمين ودابر المجرمين، يجب علينا أن نحمد الله، فالنصر من عند الله وحده، فالنصر هو من عند الله وحده جل جلاله، هذا هو الفرح الممدوح، أما الفرح المذموم، فهو فرح المجرمين، شاهدوا حال المجرمين، {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون}[الأنعام: 44]، فلما نسوا ما ذكروا به، ظنوا أن أموالهم ستخلدهم، وأنهم لن يموتوا وأن أتباعهم سيدافعون عنهم {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ...} ألم يأخذ الله ظالم أهلنا في سوريا بغتة؟ من كان يتوقع أن ينهزم بهذه السهولة، لكنها إرادة الله، ولهذا قال الله{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ***كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ..}[الهمزة: 3-4] لينبذن يا إخواني، هي جواب لقسم محذوف، أي كلا والله لينبذن في الحطمة، لماذا سميت جهنم بالحطمة؟ لأنها تحطم كل شيء، الله أكبر..، جهنم تحطم كل شيء، هذا الذي آثر الدنيا، هذا الذي جمع المال وظن أن ماله سيخلده فظلم وبطش، فسيلقى جزاءه هناك في الآخرة، {كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ}[الهمزة4-5-6]، وفي الحديث الذي صح إسناده،. قال عليه الصلاة والسلام: (أُوقِد على النَّارِ ألفَ سنةٍ حتَّى احمرَّت ، ثمَّ أُوقِد عليها ألفَ سنةٍ حتَّى ابيضَّت ، ثمَّ أُوقِد عليها ألفَ سنةٍ حتَّى اسودَّت ، فهي سوداءُ كاللَّيلِ المُظلِمِ) رواه الترمذي وابن ماجة، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ *** نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ*** الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}[الهمزة: 5-6-7]
هذا القلب الفاسد،، هذا القلب عندما فسد فعل كل ظلم، وكل جرم في هذه الحياة، فكان جزاؤه أن تصل النار إلى الفؤاد، لأن النار إذا وصلت إلى الفؤاد، الأصل أن الإنسان يموت مباشرة، لكن الله أراد أن يعذب المجرم وأن يعذب الظالم بسبب جرمه وظلمه في الدنيا، فيأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت، كما قال تعالى: {مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}[ابراهيم: 16-17]، ثم يقول الله: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ ممددة}[الهمزة: 8-9]، يعني مغلقة مطبقة، يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها، {فِي عَمَدٍ ممددة}، العمد قيل: السلاسل، وقيل إنها محاطة بأعمدة من كل جانب، الله أعلم. هذا الظالم وهذا المجرم وهذا الكافر الذي سخر من الصالحين، الذي استهزأ بالصالحين في بداية السورة، الذي سخر منهم، الذي ظلمهم،. الذي قتلهم، لا مفر يوم القيامة، أتباعه ينادون وهم في جهنم يا فلان نحن اتبعناك في الدنيا نحن وقفنا معك أنقذنا، {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ***وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة: 166-167]،
الله يا إخواني، ما أعظم هذه السورة القصيرة، هي قصيرة، لكن معانيها عظيمة وكثيرة فلنعتبر. فافرحوا يا مؤمنون، افرحوا بهلاك المجرمين، فالنصر قادم، والمستقبل لهذا الدين بإذن الله عز وجل، {ويومئذ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الروم:4-5]، أسأل الله بمني وكرمه أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين ... وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ...المزيد
بسم الله الرحمن الرحيم الإيمان وأثره في إصلاح النفوس الخطبة الأولى: الحمد لله رب ...
بسم الله الرحمن الرحيم
الإيمان وأثره في إصلاح النفوس
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله معزُّ من أطاعَه واتقاه، ومُذلُّ من خالَفَ أمرَه وعصَاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له لا معبودَ بحقٍّ سِواه، ومن تَوَكَّلَ عليه كفاه، من اعتمَدَ على مالِه قل، ومن اعتمَدَ على سُلطانِه زَل، ومن اعتمَدَ على عقلِه اختل، ومن اعتمَدَ على علمِه ضل، ومن اعتمَدَ على الله فلا قل ولا زلَّ ولا اختل ولا ضل، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه من خلقِه وخليلُه، بلغَ الدُّجَى بكمالِه وأنارَ الكونَ بجمالِه حسُنَت جميعُ خِصالِه صلُّوا عليه وآله، اللهم صلِّ وسلِّم على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تُقاتِل ولا تموتُن إلا وأنتم مسلمون).
أما بعد، فإن أصدقَ الحديث كلام الله وخيرَ الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمور مُحدثاتُها وكل مُحدثةٍ بِدعة وكل بِدعةٍ في الدين ضلالة أجارَني الله وإياكم من البِدع والضلالات آمين اللهم آمين،
أيها الأحباب الكرام في الله:
إن بناءَ المدارس والسُّدود والمستشفيات والمشاريع الكبيرة أسهل بكثير من بناء الإنسان، أسهل بكثير من بناء الإنسان السويِّ المُستقيم المُتحكِّم على شهوته، فبناءُ الإنسان صعبٌ جدًّا إخوة الإيمان، فالإيمانُ بالله عز وجل هو الذي يصنعُ المُعجِزات، الإيمانُ بالله عز وجل له أثرٌ عظيمٍ في تغيير النفوس.
عباد الله، دعونا نعيشُ وإياكم دقائق معدودة مع نَماذِجَ، الإيمانُ غيَّرَ من أخلاقِهم، الإيمانُ غيَّرَ من سُلوكِهم غيَّرَ من عقائِدِهم، والله لا يُسعِدُ النفس ولا يُزكِّيها ولا يُذهِبُ همَّها وغمَّها وألمَها إلا الإيمان بالله رب العالمين، الإيمانُ بالله عز وجل هو الذي يُغيِّرُ النفوس، هو الذي يصنعُ المُعجِزات، نحن نعيشُ أزمات وراء أزماتٍ، وأزمات سببُها الأكبر ضعفُ الإيمان، تفرُّق وتشرذم وتشتت، السبب الأكبر هو ضعفُ الإيمان، هو البُعد عن الله عز وجل.
معاشر المسلمين الموحدين، دعونا نعيش مع نماذج كيف غيَّرَهم هذا الإيمان، مع سحرة فرعون، هل أتاكم حديثُ سحرة فرعون الذين قالَ لهم فرعون كما قال الله عز وجل وهو يتحدَّث عن سحرة فرعون وهم يتحاورون مع فرعون: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ *** قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}[الشعراء: 41-42].
عندما عرفوا أن ما جاء به موسى هو الحق سجَدوا لله عز وجل وقالوا آمَنَّا بربِ هارون وموسى، قبل الإيمان {أئن لنا لأجرًا إن كنا نحن الغالِبين}، بعد الإيمان هدَّدهم فرعون، قال تعالى: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ}[طه:71] ماذا كان الجواب؟ {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[طه:72]، أنت يا فرعون مهما تكبرت، ومهما تعالِيت، ومهما بلَغَت من القوة مبلغًا عظيمًا، فأنت ستنتهي وستزول، وهكذا كلُّ متكبرٍ على وجه الأرض سيزول، وسيقِفُ بين يدَي الله وحيدا فريدا، لا مالَ ينفعُه، لا حرس، لا حشَم، لا قبيلة، ولا شيء ينفعُه.
{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}[الأنعام: 94].
الخنساء تُنعِي أخاها صخراً قبل الإسلام، انظُروا إلى حالِها قبل الإسلام، تقول:
يُذَكِّرُني طُلوعُ الشَمسِ صخرا وأذكره لِكُلِّ غُروبِ شمس ولولا كَثرَةُ الباكينَ حولي على إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي.
هذا قبل الإسلام، فتصيح وتُولول وتشقُّ جيبَها، وتضرِب وجهَها باكيةً على أخيها صخر، انظُروا إلى حالها بعد الإسلام، بعد أن هداها الله عز وجل، وبعد أن دخلَت في دين الله عز وجل، تُقدِّم أربع من فلذات أكبادها في معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، هناك في المعركة، وتقول لهم: "إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، ثم تلت قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: 200]، وقالت "فإن رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة، وقال لها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب "ألم يطل بكاؤك على أخويك؟" فردت عليه "بكيتهما في الجاهلية حبا لهما وحسرة على فراقهما، وبعد ما أسلمت أشفقت عليهما من النار لأنهما ماتا في جاهلية، ولما بلغها استشهاد أبنائها الأربعة في معركة القادسية قالت "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته".
انظُروا إلى الإيمان كيف يُغيِّر النفوس، ولذلك اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان، بالعقيدة،، ربَّى النبي أصحابَه في العهد المكي على توحيد الله، على الثقة بالله، على الإيمان بالله عز وجل.
بلال رضي الله عنه عندما دخل الإيمان إلى قلبه، أصبح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول له النبي: ( يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دف نعليك بين يديّ في الجنة قال: ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كُتب لي أن أصلي). متفق عليه
بلال عندما وضِعَ في الأرض بعد أن آمنَ بالله عز وجل فيأتيه أميَّة فيضربُه ويضعُ صخرة في وقت الحر في أيام الصيف هناك في صحراء مكة صخرةً على صدره ويقول له اكفُر بمحمد، فيتفل على وجهه ويقول: أحدٌ، والله لو كان هناك كلمةٌ غيرُها أغيظُك بها لقُلتُها أحدٌ أحد، بعد أن عذِّب سألُه بعض الصحابة، يا بلال: ما هذا الصبر؟ ما هذا التحمُّل؟ قال: مزجُت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب، فطَغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب، لأنه يعلم أن ما عند الله خيرٌ وأبقَى.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه والذكر الحكيم أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفِروا فيا فوزَ المُستغفِرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وبعد:
أيها الأحبة في الله، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عاش في الجاهلية جلداً صلباً صلداً وكان غليظاً فظاً، وكان أبوه الخطاب على نفس خلقه فظاً غليظاً، وكان خاله أغلظ من أبيه وهو أبو جهل عمرو بن هشام فرعون هذه الأمة، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه جلداً في الجاهلية، وكان سفيراً لقريش في الأحداث أو الاختلاف بين القبائل أو الحروب، ولكنه كان مغموراً أيضاً في قريش، انظُروا عندما دخل الإيمان إلى قلبه وآمنَ بالله ربَّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، يصعدُ على المنبر فتُقرقِرُ بطنَه، تُقرقِرُ بطنَه وهو أميرُ المؤمنين، فيقولُ: قرقِري أو لا تُقرقِري والله لن تشبَعي حتى يشبَع أبناء المسلمين، الله أكبر..، حتى يشبَع أبناء المسلمين، بل يقولُ ذات يوم: والله لو أنَّ بغلةً سقطت في العراق لسألني الله لم لم تُصلح لها الطريق يا عُمر، سقطت، أما اليوم أمةُ تباد هناك على أرض فلسطين، وهناك أمةُ تباد على أرض السودان، وفي كل مكان، ولا أحد يُحرِّك ساكِنًا إنه ضعف الإيمان، إنه الخور، إنه الجُبن، إنه الخوف من الأعداء أكثر من خوفهم من الله سبحانه وتعالى، لكن الرعيل الاول علِموا علمًا يقينيًّا أنهم سيقِفون بين يدي الله وأن الله سيسألهم عن كل صغيرة وكبيرة، عمر يبكي ويقول: والله لو أنَّ بغلةً سقطت في العراق لسألني الله لم لم تُصلِح لها الطريق يا عُمر؟!.
عباد الله، انظُروا إلى الإيمان كيف يصنع النفوس، كيف يُغيِّر النفوس، ولذلك إخواني الكرام، إذا أردنا أن نُغيِّر ما بأنفسنا، ينبغي أولًا قبل كل شيء، أن نستعين بالله عز وجل، أن ندعوا الله عز وجلل، ونقول: اللهم حبِّب إلينا الإيمان زيِّنه في قلوبنا كرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اجعلنا من الراشدين، ندعوا الله دائمًا بأن يُحسِّن إلينا الأخلاق، بأن يحبِّب إلينا الإيمان، الدنيا فانية كلُّنا سنموت، كلُّنا سنرحَل،. كل يوم نجد أربع جنازات خمس جنازات في بلدٍ صغير، فكيف حال الدول الأخرى، ماذا قدَّمنا لآخرتنا يا أخواني؟ ماذا قدَّمنا إذا وقفنا بين أيدي الله عز وجل؟
فلابد أن نُصلِح أنفسنا، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم}[الرعد:11].
عباد الله، نبدأ بأسرنا إخوة الإيمان، نبذُل المُستطاع، أُمَّة تُبَاد ونحن في ذل، ونحن في انحطاط، إلا من رحمَ الله، في ضعفٍ شديد، ونحن في بُعد عن الله، وإلا يا أخواني، الله وعد المؤمنين بوعود كثيرة، منها: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: 47]، إ{ِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج: 38]، الله لا يُخلف وعده، ومن أصدق من الله قيلًا، ومن أصدق من الله حديثًا، فإذا حقَّقنا الإيمان، دافعَ الله عنَّا، إذا حققنا الإيمان نصرنا الله، أيَّدنا جلَّ جلاله، وإذا أردنا أن نُغيِّر ما بأنفسنا ينبغي أن نجلس مع أهل الإيمان، مع أهل الطاعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخالل).؛أبو داود والترمذي وأحمد
نحن في زمن الفتن، ما أحوجنا أن نجلس مع الصالحين الذين يذكرون بالله عز وجل، الرسول يقول: (بادروا بالأعمالِ فتَنًا كقطعِ اللَّيلِ المظلمِ ، يصبحُ الرَّجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا ، ويمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا يبيعُ أحدُهم دينَهُ بعرضٍ منَ الدُّنيا). رواه مسلم وغيره، فنسأل الله بمنه وكرمه أن يحبب إلينا الإيمان وأن يزينه في قلوبنا، وأن يكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان. ...المزيد
الإيمان وأثره في إصلاح النفوس
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله معزُّ من أطاعَه واتقاه، ومُذلُّ من خالَفَ أمرَه وعصَاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له لا معبودَ بحقٍّ سِواه، ومن تَوَكَّلَ عليه كفاه، من اعتمَدَ على مالِه قل، ومن اعتمَدَ على سُلطانِه زَل، ومن اعتمَدَ على عقلِه اختل، ومن اعتمَدَ على علمِه ضل، ومن اعتمَدَ على الله فلا قل ولا زلَّ ولا اختل ولا ضل، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه من خلقِه وخليلُه، بلغَ الدُّجَى بكمالِه وأنارَ الكونَ بجمالِه حسُنَت جميعُ خِصالِه صلُّوا عليه وآله، اللهم صلِّ وسلِّم على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تُقاتِل ولا تموتُن إلا وأنتم مسلمون).
أما بعد، فإن أصدقَ الحديث كلام الله وخيرَ الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمور مُحدثاتُها وكل مُحدثةٍ بِدعة وكل بِدعةٍ في الدين ضلالة أجارَني الله وإياكم من البِدع والضلالات آمين اللهم آمين،
أيها الأحباب الكرام في الله:
إن بناءَ المدارس والسُّدود والمستشفيات والمشاريع الكبيرة أسهل بكثير من بناء الإنسان، أسهل بكثير من بناء الإنسان السويِّ المُستقيم المُتحكِّم على شهوته، فبناءُ الإنسان صعبٌ جدًّا إخوة الإيمان، فالإيمانُ بالله عز وجل هو الذي يصنعُ المُعجِزات، الإيمانُ بالله عز وجل له أثرٌ عظيمٍ في تغيير النفوس.
عباد الله، دعونا نعيشُ وإياكم دقائق معدودة مع نَماذِجَ، الإيمانُ غيَّرَ من أخلاقِهم، الإيمانُ غيَّرَ من سُلوكِهم غيَّرَ من عقائِدِهم، والله لا يُسعِدُ النفس ولا يُزكِّيها ولا يُذهِبُ همَّها وغمَّها وألمَها إلا الإيمان بالله رب العالمين، الإيمانُ بالله عز وجل هو الذي يُغيِّرُ النفوس، هو الذي يصنعُ المُعجِزات، نحن نعيشُ أزمات وراء أزماتٍ، وأزمات سببُها الأكبر ضعفُ الإيمان، تفرُّق وتشرذم وتشتت، السبب الأكبر هو ضعفُ الإيمان، هو البُعد عن الله عز وجل.
معاشر المسلمين الموحدين، دعونا نعيش مع نماذج كيف غيَّرَهم هذا الإيمان، مع سحرة فرعون، هل أتاكم حديثُ سحرة فرعون الذين قالَ لهم فرعون كما قال الله عز وجل وهو يتحدَّث عن سحرة فرعون وهم يتحاورون مع فرعون: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ *** قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}[الشعراء: 41-42].
عندما عرفوا أن ما جاء به موسى هو الحق سجَدوا لله عز وجل وقالوا آمَنَّا بربِ هارون وموسى، قبل الإيمان {أئن لنا لأجرًا إن كنا نحن الغالِبين}، بعد الإيمان هدَّدهم فرعون، قال تعالى: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ}[طه:71] ماذا كان الجواب؟ {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[طه:72]، أنت يا فرعون مهما تكبرت، ومهما تعالِيت، ومهما بلَغَت من القوة مبلغًا عظيمًا، فأنت ستنتهي وستزول، وهكذا كلُّ متكبرٍ على وجه الأرض سيزول، وسيقِفُ بين يدَي الله وحيدا فريدا، لا مالَ ينفعُه، لا حرس، لا حشَم، لا قبيلة، ولا شيء ينفعُه.
{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}[الأنعام: 94].
الخنساء تُنعِي أخاها صخراً قبل الإسلام، انظُروا إلى حالِها قبل الإسلام، تقول:
يُذَكِّرُني طُلوعُ الشَمسِ صخرا وأذكره لِكُلِّ غُروبِ شمس ولولا كَثرَةُ الباكينَ حولي على إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي.
هذا قبل الإسلام، فتصيح وتُولول وتشقُّ جيبَها، وتضرِب وجهَها باكيةً على أخيها صخر، انظُروا إلى حالها بعد الإسلام، بعد أن هداها الله عز وجل، وبعد أن دخلَت في دين الله عز وجل، تُقدِّم أربع من فلذات أكبادها في معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، هناك في المعركة، وتقول لهم: "إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، ثم تلت قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: 200]، وقالت "فإن رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة، وقال لها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب "ألم يطل بكاؤك على أخويك؟" فردت عليه "بكيتهما في الجاهلية حبا لهما وحسرة على فراقهما، وبعد ما أسلمت أشفقت عليهما من النار لأنهما ماتا في جاهلية، ولما بلغها استشهاد أبنائها الأربعة في معركة القادسية قالت "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته".
انظُروا إلى الإيمان كيف يُغيِّر النفوس، ولذلك اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان، بالعقيدة،، ربَّى النبي أصحابَه في العهد المكي على توحيد الله، على الثقة بالله، على الإيمان بالله عز وجل.
بلال رضي الله عنه عندما دخل الإيمان إلى قلبه، أصبح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول له النبي: ( يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دف نعليك بين يديّ في الجنة قال: ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كُتب لي أن أصلي). متفق عليه
بلال عندما وضِعَ في الأرض بعد أن آمنَ بالله عز وجل فيأتيه أميَّة فيضربُه ويضعُ صخرة في وقت الحر في أيام الصيف هناك في صحراء مكة صخرةً على صدره ويقول له اكفُر بمحمد، فيتفل على وجهه ويقول: أحدٌ، والله لو كان هناك كلمةٌ غيرُها أغيظُك بها لقُلتُها أحدٌ أحد، بعد أن عذِّب سألُه بعض الصحابة، يا بلال: ما هذا الصبر؟ ما هذا التحمُّل؟ قال: مزجُت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب، فطَغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب، لأنه يعلم أن ما عند الله خيرٌ وأبقَى.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه والذكر الحكيم أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفِروا فيا فوزَ المُستغفِرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وبعد:
أيها الأحبة في الله، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عاش في الجاهلية جلداً صلباً صلداً وكان غليظاً فظاً، وكان أبوه الخطاب على نفس خلقه فظاً غليظاً، وكان خاله أغلظ من أبيه وهو أبو جهل عمرو بن هشام فرعون هذه الأمة، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه جلداً في الجاهلية، وكان سفيراً لقريش في الأحداث أو الاختلاف بين القبائل أو الحروب، ولكنه كان مغموراً أيضاً في قريش، انظُروا عندما دخل الإيمان إلى قلبه وآمنَ بالله ربَّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، يصعدُ على المنبر فتُقرقِرُ بطنَه، تُقرقِرُ بطنَه وهو أميرُ المؤمنين، فيقولُ: قرقِري أو لا تُقرقِري والله لن تشبَعي حتى يشبَع أبناء المسلمين، الله أكبر..، حتى يشبَع أبناء المسلمين، بل يقولُ ذات يوم: والله لو أنَّ بغلةً سقطت في العراق لسألني الله لم لم تُصلح لها الطريق يا عُمر، سقطت، أما اليوم أمةُ تباد هناك على أرض فلسطين، وهناك أمةُ تباد على أرض السودان، وفي كل مكان، ولا أحد يُحرِّك ساكِنًا إنه ضعف الإيمان، إنه الخور، إنه الجُبن، إنه الخوف من الأعداء أكثر من خوفهم من الله سبحانه وتعالى، لكن الرعيل الاول علِموا علمًا يقينيًّا أنهم سيقِفون بين يدي الله وأن الله سيسألهم عن كل صغيرة وكبيرة، عمر يبكي ويقول: والله لو أنَّ بغلةً سقطت في العراق لسألني الله لم لم تُصلِح لها الطريق يا عُمر؟!.
عباد الله، انظُروا إلى الإيمان كيف يصنع النفوس، كيف يُغيِّر النفوس، ولذلك إخواني الكرام، إذا أردنا أن نُغيِّر ما بأنفسنا، ينبغي أولًا قبل كل شيء، أن نستعين بالله عز وجل، أن ندعوا الله عز وجلل، ونقول: اللهم حبِّب إلينا الإيمان زيِّنه في قلوبنا كرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اجعلنا من الراشدين، ندعوا الله دائمًا بأن يُحسِّن إلينا الأخلاق، بأن يحبِّب إلينا الإيمان، الدنيا فانية كلُّنا سنموت، كلُّنا سنرحَل،. كل يوم نجد أربع جنازات خمس جنازات في بلدٍ صغير، فكيف حال الدول الأخرى، ماذا قدَّمنا لآخرتنا يا أخواني؟ ماذا قدَّمنا إذا وقفنا بين أيدي الله عز وجل؟
فلابد أن نُصلِح أنفسنا، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم}[الرعد:11].
عباد الله، نبدأ بأسرنا إخوة الإيمان، نبذُل المُستطاع، أُمَّة تُبَاد ونحن في ذل، ونحن في انحطاط، إلا من رحمَ الله، في ضعفٍ شديد، ونحن في بُعد عن الله، وإلا يا أخواني، الله وعد المؤمنين بوعود كثيرة، منها: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: 47]، إ{ِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج: 38]، الله لا يُخلف وعده، ومن أصدق من الله قيلًا، ومن أصدق من الله حديثًا، فإذا حقَّقنا الإيمان، دافعَ الله عنَّا، إذا حققنا الإيمان نصرنا الله، أيَّدنا جلَّ جلاله، وإذا أردنا أن نُغيِّر ما بأنفسنا ينبغي أن نجلس مع أهل الإيمان، مع أهل الطاعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخالل).؛أبو داود والترمذي وأحمد
نحن في زمن الفتن، ما أحوجنا أن نجلس مع الصالحين الذين يذكرون بالله عز وجل، الرسول يقول: (بادروا بالأعمالِ فتَنًا كقطعِ اللَّيلِ المظلمِ ، يصبحُ الرَّجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا ، ويمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا يبيعُ أحدُهم دينَهُ بعرضٍ منَ الدُّنيا). رواه مسلم وغيره، فنسأل الله بمنه وكرمه أن يحبب إلينا الإيمان وأن يزينه في قلوبنا، وأن يكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان. ...المزيد
بسم الله الرحمن الرحيم شمس الحق سوف تشرق بإذن الله الخطبة ...
بسم الله الرحمن الرحيم
شمس الحق سوف تشرق بإذن الله
الخطبة الأولى:
الحمد لله ناصر المظلومين ومنجي المستضعفين، الحمد لله قاصم الجبابرة والمتكبرين ومهلك الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، وصفِّيُهُ من خلقه وحبيبه، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، أرسله الله رحمة للعالمين.
أما بعد، أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أيها الأحبة الكرام، إن شمس الحق سوف تشرق من جديد، وثوب العار سوف يتمزق، وأعداء الله مهما مكروا فإنَّ الله سيستدرجهم من حيث لا يعلمون {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183].
معاشر الموحدين، إني سائلكم سؤالا، هل يبزغ الفجر قبل الليل؟ وهل تشرق الشمس قبل الظلام؟ إن من سنن الله الكونية، أن لا يظهر الحق إلا بعد أن تستبين ظلمة الكفر، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء} [يوسف: 110]، فلا يأتي النصر من عند الله، إلا إذا اشتد البأس، وعظم اليأس. إننا لو تأملنا القرآن الكريم، لوجدنا في آياته ما يبشر أهل الإيمان أكثر مما نظن، حتى لكأن كل سورة في القرآن تبشر بنصر الله لهذه الأمة، ألم يقل الله عز وجل: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة: 212]. ألم يقل جل وعلا: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]؟ ألم يقل تبارك وتعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]؟ ألم يقل تقدس في عليائه: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 103]؟ ألم يقل الحق سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55]؟،. وأما الأحاديث فكثيرة، منها ما قاله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ زَوَى لي الأرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ أُمَّتي سَيَبْلُغُ مُلْكُها ما زُوِيَ لي مِنْها). "أخرجه مسلم".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ليبلغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهارُ، ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله اللهُ هذا الدينَ؛ بعزِّ عزيزٍ أو بذلِّ ذليلٍ عزًّا يعزُّ اللهُ به الإسلامَ وأهلَه، وذلًّا يذلُّ اللهُ به الكفرَ). "أخرجه أحمد، صحيح"
كل يوم يزداد ظلم اليهود المعتدين، وإجرام المجرمين، سواء كان في فلسطين أو بعض بلدان المسلمين، فكلما ازداد ظلمهم وقتلهم وإجرامهم وفسادهم، كلما ازداد عذابهم؛ قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88]، وقال جل وعلا: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: 19]
لقد حذر الباري جل في علاه من هذا الداء المستفحِل، فقال في الحديث القدسي: (يا عبادي إنِّي حرمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) رواه مسلم.
أيها المسلمون:
لقد ساق لنا القرآن نماذجَ وأمثلةً لمن استكبروا في الأرض، وطغوا وبغوا، وعاثوا فيها الفساد، و.. كيف كانت عاقبتهم ونهايتهم؟
استمع إلى قول الحقِّ - تعالى شأنُه وتقدست أسماؤه -: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } [الفجر: 6 - 14]، لنتذكر جيداً ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].
{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ } [الكهف: 29]، وقال: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } [الإنسان: 31]، وقال: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } [هود: 18]، وقال: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 59] وقال: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ } [هود: 102]، وقال: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } [الشعراء: 227].
أيها الأحبة الكرام:
♦ إنَّ عصابة الظلم والطغيان في كل مكانٍ وزمان، تُحسن تقديم المبررات والأعذار، حتى يوم القيامة يظنون أنه سينجيهم تذرُّعهم بــ: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67]. وأين كانت عقولكم إذن؟.. أما كنتم تقرؤون قوله تعالى: { بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } [القيامة: 14، 15]؟
لكن الباري يبين لنا خزي أولئك القوم بقوله: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [العنكبوت: 25].
فيا ويح أهلِ الظلمِ و الفحشِ والعدا ♦♦♦ إذا أقبلت يومَ الحسابِ جهنمُ
عن جابرٍ – رضي الله عنه – قال: لما رجعت مهاجرةُ الحبشةِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم في أرض الحبشة؟ فقال فتيةٌ منهم: بلى يا رسول الله، بينما نحن يوماً جلوسٌ إذ مرت عجوزٌ من عجائزهم تحمل على رأسها قُلةً من ماء، فمرت بفتًى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها، فخرت المرأة على ركبتيها وانكسرت قُلَّتُها، فلما قامت التفتت إليه وقالت له: سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، سوف تعلم ما أمري وأمرُك عنده غداً، قال صلى الله عليه وسلم: صدقت، كيف يقدِّسُ اللهُ قوماً لا يؤخذ من شديدهم لضعفيهم؟
أَمَا وَاللهِ إِنَّ الظُّلْمَ شُؤْمٌ وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إِلَى الدَّيَّانِ يَوْمَ الدِّينِ نَمْضِي وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ
سَتَعْلَمُ فِي الْحِسَابِ إِذَا الْتَقَيْنَا غَدًا عِنْدَ الْمَلِيكِ مَنْ الظَّلُومُ
تَنَامُ وَلَمْ تَنَمْ عَنْكَ الْمَنَايَا تَنَبَّهْ لِلْمَنِيَّةِ يَا نَؤُومُ
لَهَوْتَ عَن الْفَنَاءِ وَأَنْتَ تَفْنَى وَمَا حَيٌّ عَلَى الدُّنْيَا يَدُومُ
تَرُومُ الْخُلْدَ فِي دَارِ الْمَنَايَا وَكَمْ قَدْ رَامَ غَيْرُكَ مَا تَرُومُ
سَلِ الأَيَّامَ عَنْ أُمَمٍ تَقَضَّتْ سَتُخْبِرُكَ الْمَعَالِمُ وَالرُّسُومُ
قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد، فيا أيها المؤمنون:
إنّ الإجرام والإفساد والظلم كلما زاد واستشرى، فإنه مؤذِنٌ بزواله: { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ﴾ [الحاقة: 11].. ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا } [الكهف: 59]..{ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } [الأعراف: 103].
رحم الله ابن تيمية، فقد صاغ قاعدةً نورانية في حفظ الحضارة الإنسانية: "إن الله لينصر الدولةَ العادلةَ ولو كانت كافرة، ويهدم الدولةَ الظالمةَ ولو كانت مسلمة، وتلك سنة من سنن الله، ثم تلا: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [النمل: 52]، فالظلم مؤذن بالزوال، والعدل طريق الخلود والبقاء، فاليهود قد وصلوا غاية في الظلم والإجرام، والإفساد، فزوالهم بات قريباً بإذن الله.
وليتذكرَ اليهود وأعوانهم قول ملك الملوك: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } [إبراهيم: 42 - 46]
اللهم أصلح من في صلاحه صلاحٌ للإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين، ونسألك أن تبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، ونسألك أن تجعلنا من الذين يقولون بالحق وبه يعدلون، ونسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وتتوب علينا، اللهم هب لنا توفيقاً إلى الرشد، وقلوباً تتقلب مع الحق، وألسنة تتحلى بالصدق، ونطقاً يؤيد بالحجة، وعزائم تقهر الهوى، اللهم أسعدنا بالهداية، وتولنا فيمن توليت، ولا تضلنا بعد الهدى يا ذا العلا، وصلِّ على محمدٍ وآله ومن تلا..
قناتي على التليجرام https://t.me/dr_alhuri83 ...المزيد
شمس الحق سوف تشرق بإذن الله
الخطبة الأولى:
الحمد لله ناصر المظلومين ومنجي المستضعفين، الحمد لله قاصم الجبابرة والمتكبرين ومهلك الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، وصفِّيُهُ من خلقه وحبيبه، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، أرسله الله رحمة للعالمين.
أما بعد، أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أيها الأحبة الكرام، إن شمس الحق سوف تشرق من جديد، وثوب العار سوف يتمزق، وأعداء الله مهما مكروا فإنَّ الله سيستدرجهم من حيث لا يعلمون {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183].
معاشر الموحدين، إني سائلكم سؤالا، هل يبزغ الفجر قبل الليل؟ وهل تشرق الشمس قبل الظلام؟ إن من سنن الله الكونية، أن لا يظهر الحق إلا بعد أن تستبين ظلمة الكفر، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء} [يوسف: 110]، فلا يأتي النصر من عند الله، إلا إذا اشتد البأس، وعظم اليأس. إننا لو تأملنا القرآن الكريم، لوجدنا في آياته ما يبشر أهل الإيمان أكثر مما نظن، حتى لكأن كل سورة في القرآن تبشر بنصر الله لهذه الأمة، ألم يقل الله عز وجل: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة: 212]. ألم يقل جل وعلا: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]؟ ألم يقل تبارك وتعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]؟ ألم يقل تقدس في عليائه: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 103]؟ ألم يقل الحق سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55]؟،. وأما الأحاديث فكثيرة، منها ما قاله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ زَوَى لي الأرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ أُمَّتي سَيَبْلُغُ مُلْكُها ما زُوِيَ لي مِنْها). "أخرجه مسلم".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ليبلغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهارُ، ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله اللهُ هذا الدينَ؛ بعزِّ عزيزٍ أو بذلِّ ذليلٍ عزًّا يعزُّ اللهُ به الإسلامَ وأهلَه، وذلًّا يذلُّ اللهُ به الكفرَ). "أخرجه أحمد، صحيح"
كل يوم يزداد ظلم اليهود المعتدين، وإجرام المجرمين، سواء كان في فلسطين أو بعض بلدان المسلمين، فكلما ازداد ظلمهم وقتلهم وإجرامهم وفسادهم، كلما ازداد عذابهم؛ قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88]، وقال جل وعلا: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: 19]
لقد حذر الباري جل في علاه من هذا الداء المستفحِل، فقال في الحديث القدسي: (يا عبادي إنِّي حرمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) رواه مسلم.
أيها المسلمون:
لقد ساق لنا القرآن نماذجَ وأمثلةً لمن استكبروا في الأرض، وطغوا وبغوا، وعاثوا فيها الفساد، و.. كيف كانت عاقبتهم ونهايتهم؟
استمع إلى قول الحقِّ - تعالى شأنُه وتقدست أسماؤه -: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } [الفجر: 6 - 14]، لنتذكر جيداً ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].
{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ } [الكهف: 29]، وقال: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } [الإنسان: 31]، وقال: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } [هود: 18]، وقال: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 59] وقال: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ } [هود: 102]، وقال: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ } [الشعراء: 227].
أيها الأحبة الكرام:
♦ إنَّ عصابة الظلم والطغيان في كل مكانٍ وزمان، تُحسن تقديم المبررات والأعذار، حتى يوم القيامة يظنون أنه سينجيهم تذرُّعهم بــ: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67]. وأين كانت عقولكم إذن؟.. أما كنتم تقرؤون قوله تعالى: { بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } [القيامة: 14، 15]؟
لكن الباري يبين لنا خزي أولئك القوم بقوله: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [العنكبوت: 25].
فيا ويح أهلِ الظلمِ و الفحشِ والعدا ♦♦♦ إذا أقبلت يومَ الحسابِ جهنمُ
عن جابرٍ – رضي الله عنه – قال: لما رجعت مهاجرةُ الحبشةِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم في أرض الحبشة؟ فقال فتيةٌ منهم: بلى يا رسول الله، بينما نحن يوماً جلوسٌ إذ مرت عجوزٌ من عجائزهم تحمل على رأسها قُلةً من ماء، فمرت بفتًى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها، فخرت المرأة على ركبتيها وانكسرت قُلَّتُها، فلما قامت التفتت إليه وقالت له: سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، سوف تعلم ما أمري وأمرُك عنده غداً، قال صلى الله عليه وسلم: صدقت، كيف يقدِّسُ اللهُ قوماً لا يؤخذ من شديدهم لضعفيهم؟
أَمَا وَاللهِ إِنَّ الظُّلْمَ شُؤْمٌ وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إِلَى الدَّيَّانِ يَوْمَ الدِّينِ نَمْضِي وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ
سَتَعْلَمُ فِي الْحِسَابِ إِذَا الْتَقَيْنَا غَدًا عِنْدَ الْمَلِيكِ مَنْ الظَّلُومُ
تَنَامُ وَلَمْ تَنَمْ عَنْكَ الْمَنَايَا تَنَبَّهْ لِلْمَنِيَّةِ يَا نَؤُومُ
لَهَوْتَ عَن الْفَنَاءِ وَأَنْتَ تَفْنَى وَمَا حَيٌّ عَلَى الدُّنْيَا يَدُومُ
تَرُومُ الْخُلْدَ فِي دَارِ الْمَنَايَا وَكَمْ قَدْ رَامَ غَيْرُكَ مَا تَرُومُ
سَلِ الأَيَّامَ عَنْ أُمَمٍ تَقَضَّتْ سَتُخْبِرُكَ الْمَعَالِمُ وَالرُّسُومُ
قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد، فيا أيها المؤمنون:
إنّ الإجرام والإفساد والظلم كلما زاد واستشرى، فإنه مؤذِنٌ بزواله: { إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ﴾ [الحاقة: 11].. ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا } [الكهف: 59]..{ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } [الأعراف: 103].
رحم الله ابن تيمية، فقد صاغ قاعدةً نورانية في حفظ الحضارة الإنسانية: "إن الله لينصر الدولةَ العادلةَ ولو كانت كافرة، ويهدم الدولةَ الظالمةَ ولو كانت مسلمة، وتلك سنة من سنن الله، ثم تلا: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [النمل: 52]، فالظلم مؤذن بالزوال، والعدل طريق الخلود والبقاء، فاليهود قد وصلوا غاية في الظلم والإجرام، والإفساد، فزوالهم بات قريباً بإذن الله.
وليتذكرَ اليهود وأعوانهم قول ملك الملوك: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } [إبراهيم: 42 - 46]
اللهم أصلح من في صلاحه صلاحٌ للإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين، ونسألك أن تبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، ونسألك أن تجعلنا من الذين يقولون بالحق وبه يعدلون، ونسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وتتوب علينا، اللهم هب لنا توفيقاً إلى الرشد، وقلوباً تتقلب مع الحق، وألسنة تتحلى بالصدق، ونطقاً يؤيد بالحجة، وعزائم تقهر الهوى، اللهم أسعدنا بالهداية، وتولنا فيمن توليت، ولا تضلنا بعد الهدى يا ذا العلا، وصلِّ على محمدٍ وآله ومن تلا..
قناتي على التليجرام https://t.me/dr_alhuri83 ...المزيد
بسم الله الرحمن الرحيم ما أهم أسباب ذل المسلمين اليوم، وما العلاج؟ الخطبة الأولى: الحمد لله معز ...
بسم الله الرحمن الرحيم
ما أهم أسباب ذل المسلمين اليوم، وما العلاج؟
الخطبة الأولى:
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف أمره وعصاه، مجيب دعوة الداعي إذا دعاه وهادي من توجه إليه واستهداه، محقق رجاء من صدق في معاملته ورجاه، من أقبل إليه صادقا تلقاه ومن ترك لأجله أعطاه فوق ما تمناه، ومن لاذ بحماه وقاه وحماه، ومن توكل عليه كفاه سبحانه من إله عظيم تفرد بكماله وبقائه، وعم بإحسانه وآلائه، أحمده سبحانه حمدا يملأ أرضه وسماه، وأشكره على سوابغ نعماه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه شهادة أدخرها ليوم لا ينفع فيه والد ولده ولا ولد أباه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي اصطفاه وأسرى به إلى سماه وأراه من عظيم الملكوت ما أراه وقربه وأدناه من القرب والإكرام ما لم ينله سواه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن نصره وآواه واقتفى أثره واتبع هداه.
أما بعد، فيا أيها الأحباب الكرام في الله، في غزوة القادسية أرسل رستم قائد الروم إلى سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين أن ابعث إلينا رجلاً نكلمه ويكلمنا، فأرسل سعد ربعي بن عامر إليهم، فدخل ربعي عليهم وقد زين رستم مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي المبثوثة وأظهر اليواقيت والوسائد المنسوجة بالذهب والزينة العظيمة وغير ذلك من الأمتعة الثمينة.. وعليه تاج من الذهب ويجلس على سرير من الذهب، فدخل عليه ربعي بثياب صفيقة ومعه سلاحه وسيفه الذي وضعه في خرقة وترس وفرس قصيرة.. ولم يزل راكبًا الفرس حتى داس بها على البساط.. ثم نزل وربط حبل فرسه بوسادتين شقهما، فلما اقترب من رستم قال له الجنود: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم ولكني أتيتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل ربعي وهو يمشي ويمزق الوسائد والنمارق التي في طريقه فلم يدع لهم وسادة ولا نمرقًا إلا أفسدها وهتكها، فلما أقبل عند رستم قال له: ما جاء بكم؟ فقال ربعي كلمات سطرها التاريخ، كلمات حُقَّ لها أن تكتب بمداد من ذهب، قال: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام...).
هذه هي عزة المؤمن الواثق بربه، فما أسباب الذلة والمهانة لدى المسلمين اليوم؟!
فمن هذه الأسباب، حب الدنيا وكراهية الموت، قال صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها. قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)).رواه أحمد وأبو داود
فقدت العزة اليوم بسبب كثرة الذنوب والمعاصي، قال تعالى: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [ يونس:26-27]
أذلنا الله عز وجل بسبب تخاذلنا عن نصرة المظلوم، قال- عليه الصلاة والسلام-: (( ما من امرئٍ يخذل امرءًا مسلمـًا عند موطن تُنتهَك فيه حُرمتُه ، ويُنتَقَص فيه من عِرضه ، إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نُصرته ، وما من امرئٍ ينصر امرءًا مسلمـًا في موطن ينتقص فيه من عرضه ، ويُنتهك فيه من حرمته إلاَّ نصره الله في موطن يحب فيه نصرته))(رواه أحمد وحسنه الألباني) .
أذل الله المسلمين بسبب مخالفتهم لأمر الله وأمر رسوله، قال تعالى: {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين}
[ المجادلة: 20] .
أصيب المسلمون بالذل، والعار؛ بسبب تذللهم وخضوعهم، وركوعهم لغير الله، قال تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [ القلم: 42-43]
انتكاسة المسلمين اليوم بسبب تركهم الجهاد في سبيل الله، وعدم الدفاع عن دين الله، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ الإِخْبَارُ لِجَعْفَرٍ وَهَذَا لَفْظُهُ. صححه الألباني
تآمر الأعداء علينا، وتكالبوا؛ بسبب فرقتنا، وتمزقنا، وعداوتنا لبعضنا البعض، قال تعالى: { وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46].
يقول ابن باز رحمه الله تعالى: "لا أعلم سببًا لهذه الذلة وهذا التَّفرق إلا عدم استقامتهم على دين الله، وعدم تحقيقهم لشريعة الله، وعدم اعتصامهم بحبل الله جميعًا، فإنَّ الله جلَّ وعلا وعد عباده المؤمنين المُستقيمين بالنصر والتأييد، قال جلَّ وعلا: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:40- 41]، وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ...} الآية [النور:55]، فالله وعدهم بالنصر والاستخلاف إذا آمنوا وعملوا الصَّالحات، إذا نصروا دين الله، إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، السر في تأخُّر المسلمين وذلّهم، هو عدم اعتصامهم بحبل الله، وعدم التعاون على البر والتقوى، وعدم قيامهم بالواجب من الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، ونصر دين الله."
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أيها الأحبة الكرام في الله:
إن المسلم إذا اعتز بدينه وشعر بهذه العزة وشعر بهذه القوة ـ والله ـ لو تمكن منه أعداء الإسلام كلهم فلن يستطيعوا أن يحصلوا منه على شيء؛ لأن هذه العزة موجودة في قلبه، ومهما فُعل به فالوصول إلى قلبه أمر مستحيل، وإن تمكنوا من جسده، ولو قطعوه إربًا إربًا، أما دينه وعقيدته وعزته فهي في قلبه، لا يخاف أحدًا إلا الله عز وجل.
ما السبيل لرجوع العزة والكرامة للأمة من جديد أو من أين تُستمد عزتها وكرامتها ؟
الاعتقاد الجازم والإيمان اليقينيُّ بأنَّ الله تعالى هو العزيز الذي لا يَغْلِبه شيء، وأنَّه هو مصدر العِزَّة وواهبها، قال تعالى:
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]، فلا نصر إلَّا به، ولا استئناس إلَّا معه، ولا نجاح إلَّا بتوفيقه.
وكما أنَّ الطَّاعة تكسو الإنسان ثوب العِزَّة، وتَخْلَع عليه ثياب الكرامة، فإنَّ المعصية تكسوه ثياب الذُّلِّ، وتَخْلَع عليه المهَانة والانكسار، "والمعاصي تَسْلُب صاحبها أسماء المدح والشَّرَف والعِزَّة، وتكسوه أسماء الذُّل والذَّمِّ والصَّغار، وشتَّان ما بين الأمرين: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]" (موسوعة فقه القلوب: للتويجري)
ننال العزة بصدق الانتماء لهذا الدِّين، والشُّعور بالفَخْر للانتساب له، والاعْتِزَاز به، حتى ولو كان ذلك في زمن الاستضعاف، واستقواء أعداء المسلمين، يقول تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، ويقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله الله هذا الدِّين، بعِزِّ عزيزٍ، أو بذُلِّ ذليلٍ، عزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر)). رواه أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي
نستحق العزة باليقين بأنَّ دين الله قد كُتِب له العُلُوُّ والتَّمكين في الأرض، وأنَّ دولة الكافرين وعزَّتهم سائرة إلى زوال؛ لأنَّها بُنيت على باطل وسراب، فبهذا الاعتقاد يتولَّد عند المؤمن شعور بالعِزَّة، وإحساس بالشَّرَف والعُلُوِّ.
أصحاب العزة هم الذين ابتعدوا كل البعد عن الفرقة والتنازع والتشتت حتي في بيوتهم وبين بعضهم، أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين.
أيها الاحبة الكرام :
خلاصة القول:
لن تستعيد الأمة حقوقها ولن تنتصر على أعدائها إلا حين تبتغي العزة، والعزة لن تكون عند الكافرين، العزة تطلب من رب العزة وحده لا شريك له، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر:10],,. {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8].
ونصر الله قادم قادم لا محالة بإذن الله، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءامَنُواْ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الاْشْهَادُ} [غافر:51].،
وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [ النور:55]
عباد الله، صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه....... ...المزيد
ما أهم أسباب ذل المسلمين اليوم، وما العلاج؟
الخطبة الأولى:
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف أمره وعصاه، مجيب دعوة الداعي إذا دعاه وهادي من توجه إليه واستهداه، محقق رجاء من صدق في معاملته ورجاه، من أقبل إليه صادقا تلقاه ومن ترك لأجله أعطاه فوق ما تمناه، ومن لاذ بحماه وقاه وحماه، ومن توكل عليه كفاه سبحانه من إله عظيم تفرد بكماله وبقائه، وعم بإحسانه وآلائه، أحمده سبحانه حمدا يملأ أرضه وسماه، وأشكره على سوابغ نعماه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه شهادة أدخرها ليوم لا ينفع فيه والد ولده ولا ولد أباه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي اصطفاه وأسرى به إلى سماه وأراه من عظيم الملكوت ما أراه وقربه وأدناه من القرب والإكرام ما لم ينله سواه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن نصره وآواه واقتفى أثره واتبع هداه.
أما بعد، فيا أيها الأحباب الكرام في الله، في غزوة القادسية أرسل رستم قائد الروم إلى سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين أن ابعث إلينا رجلاً نكلمه ويكلمنا، فأرسل سعد ربعي بن عامر إليهم، فدخل ربعي عليهم وقد زين رستم مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي المبثوثة وأظهر اليواقيت والوسائد المنسوجة بالذهب والزينة العظيمة وغير ذلك من الأمتعة الثمينة.. وعليه تاج من الذهب ويجلس على سرير من الذهب، فدخل عليه ربعي بثياب صفيقة ومعه سلاحه وسيفه الذي وضعه في خرقة وترس وفرس قصيرة.. ولم يزل راكبًا الفرس حتى داس بها على البساط.. ثم نزل وربط حبل فرسه بوسادتين شقهما، فلما اقترب من رستم قال له الجنود: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم ولكني أتيتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل ربعي وهو يمشي ويمزق الوسائد والنمارق التي في طريقه فلم يدع لهم وسادة ولا نمرقًا إلا أفسدها وهتكها، فلما أقبل عند رستم قال له: ما جاء بكم؟ فقال ربعي كلمات سطرها التاريخ، كلمات حُقَّ لها أن تكتب بمداد من ذهب، قال: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام...).
هذه هي عزة المؤمن الواثق بربه، فما أسباب الذلة والمهانة لدى المسلمين اليوم؟!
فمن هذه الأسباب، حب الدنيا وكراهية الموت، قال صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها. قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)).رواه أحمد وأبو داود
فقدت العزة اليوم بسبب كثرة الذنوب والمعاصي، قال تعالى: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [ يونس:26-27]
أذلنا الله عز وجل بسبب تخاذلنا عن نصرة المظلوم، قال- عليه الصلاة والسلام-: (( ما من امرئٍ يخذل امرءًا مسلمـًا عند موطن تُنتهَك فيه حُرمتُه ، ويُنتَقَص فيه من عِرضه ، إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نُصرته ، وما من امرئٍ ينصر امرءًا مسلمـًا في موطن ينتقص فيه من عرضه ، ويُنتهك فيه من حرمته إلاَّ نصره الله في موطن يحب فيه نصرته))(رواه أحمد وحسنه الألباني) .
أذل الله المسلمين بسبب مخالفتهم لأمر الله وأمر رسوله، قال تعالى: {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين}
[ المجادلة: 20] .
أصيب المسلمون بالذل، والعار؛ بسبب تذللهم وخضوعهم، وركوعهم لغير الله، قال تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [ القلم: 42-43]
انتكاسة المسلمين اليوم بسبب تركهم الجهاد في سبيل الله، وعدم الدفاع عن دين الله، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ الإِخْبَارُ لِجَعْفَرٍ وَهَذَا لَفْظُهُ. صححه الألباني
تآمر الأعداء علينا، وتكالبوا؛ بسبب فرقتنا، وتمزقنا، وعداوتنا لبعضنا البعض، قال تعالى: { وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46].
يقول ابن باز رحمه الله تعالى: "لا أعلم سببًا لهذه الذلة وهذا التَّفرق إلا عدم استقامتهم على دين الله، وعدم تحقيقهم لشريعة الله، وعدم اعتصامهم بحبل الله جميعًا، فإنَّ الله جلَّ وعلا وعد عباده المؤمنين المُستقيمين بالنصر والتأييد، قال جلَّ وعلا: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:40- 41]، وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ...} الآية [النور:55]، فالله وعدهم بالنصر والاستخلاف إذا آمنوا وعملوا الصَّالحات، إذا نصروا دين الله، إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، السر في تأخُّر المسلمين وذلّهم، هو عدم اعتصامهم بحبل الله، وعدم التعاون على البر والتقوى، وعدم قيامهم بالواجب من الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، ونصر دين الله."
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أيها الأحبة الكرام في الله:
إن المسلم إذا اعتز بدينه وشعر بهذه العزة وشعر بهذه القوة ـ والله ـ لو تمكن منه أعداء الإسلام كلهم فلن يستطيعوا أن يحصلوا منه على شيء؛ لأن هذه العزة موجودة في قلبه، ومهما فُعل به فالوصول إلى قلبه أمر مستحيل، وإن تمكنوا من جسده، ولو قطعوه إربًا إربًا، أما دينه وعقيدته وعزته فهي في قلبه، لا يخاف أحدًا إلا الله عز وجل.
ما السبيل لرجوع العزة والكرامة للأمة من جديد أو من أين تُستمد عزتها وكرامتها ؟
الاعتقاد الجازم والإيمان اليقينيُّ بأنَّ الله تعالى هو العزيز الذي لا يَغْلِبه شيء، وأنَّه هو مصدر العِزَّة وواهبها، قال تعالى:
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]، فلا نصر إلَّا به، ولا استئناس إلَّا معه، ولا نجاح إلَّا بتوفيقه.
وكما أنَّ الطَّاعة تكسو الإنسان ثوب العِزَّة، وتَخْلَع عليه ثياب الكرامة، فإنَّ المعصية تكسوه ثياب الذُّلِّ، وتَخْلَع عليه المهَانة والانكسار، "والمعاصي تَسْلُب صاحبها أسماء المدح والشَّرَف والعِزَّة، وتكسوه أسماء الذُّل والذَّمِّ والصَّغار، وشتَّان ما بين الأمرين: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]" (موسوعة فقه القلوب: للتويجري)
ننال العزة بصدق الانتماء لهذا الدِّين، والشُّعور بالفَخْر للانتساب له، والاعْتِزَاز به، حتى ولو كان ذلك في زمن الاستضعاف، واستقواء أعداء المسلمين، يقول تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، ويقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله الله هذا الدِّين، بعِزِّ عزيزٍ، أو بذُلِّ ذليلٍ، عزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر)). رواه أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي
نستحق العزة باليقين بأنَّ دين الله قد كُتِب له العُلُوُّ والتَّمكين في الأرض، وأنَّ دولة الكافرين وعزَّتهم سائرة إلى زوال؛ لأنَّها بُنيت على باطل وسراب، فبهذا الاعتقاد يتولَّد عند المؤمن شعور بالعِزَّة، وإحساس بالشَّرَف والعُلُوِّ.
أصحاب العزة هم الذين ابتعدوا كل البعد عن الفرقة والتنازع والتشتت حتي في بيوتهم وبين بعضهم، أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين.
أيها الاحبة الكرام :
خلاصة القول:
لن تستعيد الأمة حقوقها ولن تنتصر على أعدائها إلا حين تبتغي العزة، والعزة لن تكون عند الكافرين، العزة تطلب من رب العزة وحده لا شريك له، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر:10],,. {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8].
ونصر الله قادم قادم لا محالة بإذن الله، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءامَنُواْ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الاْشْهَادُ} [غافر:51].،
وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [ النور:55]
عباد الله، صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه....... ...المزيد
بسم الله الرحمن الرحيم حسرات ...
بسم الله الرحمن الرحيم
حسرات المجرمين والظالمين يوم القيامة
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا معبود بحقٍّ سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الدجى بكماله وأنار الكون بجماله حسنت جميع خصاله صلوا عليه وآله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك النبي الأمين وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" [آل عمران: 102].
أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور مُحدثاتها وكل مُحدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات آمين اللهم آمين.
أيها الأحباب الكرام في الله، دعونا في هذه اللحظات الإيمانية نعيش وإياكم مع كتاب الله عز وجل وهو يستعرض لنا حال المُجرمين والظالمين والمُتكبرين هناك في عرصات القيامة، إذا وقفوا بين يدي الله عز وجل، أولئك المُجرمون الظالمون المُتكبرون الذين ظلموا وتكبروا وتغطرسوا في هذه الدنيا الفانية، في هذه الدنيا الحقيرة، ونسوا أنهم سيلاقون جزاءهم، ونسوا أن هناك آخرة، وأن هناك حسرة، وأن هناك ندم، فالله عز وجل أنذرهم، وأخبرهم بأن هناك يوماً عظيماً يتحسَّر فيه المُتحسِّرون، يومًا يندم فيه المُفرِّطون، يومًا ما يندم فيه المُجرمون، يومًا يندم فيه المُتكبرون؛ قال الله عز وجل وهو يأمر نبيه عليه الصلاة والسلام على إنذار المُجرمين والعُصَاة والمُتكبرين، قال سبحانه: "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" [مريم: 39]
أنذرهم يا رسول الله، خوفهم بيوم الحسرة، لعلهم يعودون، لعلهم يرجعون.
ما أعظمه من يوم، إنه يوم الحسرة للمجرمين والظالمين، فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجاء بالموت، وفي رواية : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار – يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون من هذا ؟ فيشرئبون فينظرون ، فيقولون : نعم ، هذا الموت ، قال : ويقال : يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ قال : فيشرئبون وينظرون فيقولون : نعم ، هذا الموت . قال : فيؤمر به فيذبح ، قال : ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" [مريم: 39] وأشار بيده إلى الدنيا . متفق عليه
هذا هو يوم الحسرة على المجرمين، خلود فلا موت، المُجرِمون الذين أعلَنوا الحرب على الله عز وجل، الذين آذَوا أولياء الله عز وجل وتعدَّوا وظلَموا وتكبَّروا ونسوا أنهم سيلاقون جزائهم في الدنيا والآخرة، ونسوا أن الدنيا فانية وأنها لن تدوم لأحد.
عباد الله، استمعوا إلى كلام الله وهو يصور لنا حال المُجرِبين المُتكبرين يوم القيامة، أولئك الذين سخروا قوتهم وما يملكون لظلم العباد لسفك الدماء لانتهاك الأعراض، كيف يكون حالهم هناك بين يدي الله؟! قال الله تعالى:
"وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" [السجدة: 12-13-14].
ناكسو رءوسهم ؛ أي من الندم والخزي والحزن والذل والغم، الرفعة هناك للمؤمنين، الرفعة هناك للصابرين، الرفعة هناك للمجاهدين للمؤمنين للصادقين، للتائبين، للمصلين، للراكعين ،للساجدين.
ما أعظم هذه الآيات!! فيها تسلية وراحة للمؤمنين، يا إخواني: الله لا يظلم أحدا، الله لا يغفل، الله لا يهمل، بل يمهل جل جلاله سبحانه "فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِيْنَكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".
عباد الله، أتباع المجرمين وأتباع الظالمين الذين كانوا ينفذون الأوامر في الدنيا لقتل المؤمنين، والصالحين، لإيذاء المؤمنين، للقتل والتدمير، يوم القيامة كل واحد منهم يتبرأ من الآخر، قال الله عز وجل: ". وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ"
[البقرة: 165-166-167].
وحينئذ يتمنى التابعون أن يرجعوا إلى الدنيا ليتبرؤوا من متبوعيهم، ويتركوا الشرك بالله، ويقبلوا على إخلاص العمل لله، وهيهات, فات الأمر، وليس الوقت وقت إمهال وإنظار، ومع هذا، فهم كذبة، فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنما هو قول يقولونه، وأماني يتمنونها، حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم.
ما أعظم كلام الله!! هذا هو حال المجرمين والظالمين، وحال أتباعهم يوم الحسرة والندامة، يوم القيامة يوم الحسرة والندامة؛ يوم القيامة يتحاجون فيما بينهم، المستكبرون والضعفاء، كل واحد يلوم الآخر "وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" [غافر: 47-48]، نحن اتبعناكم، فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله؟ فيكون الرد من المتكبرين والمجرمين، "إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ"، الكل في جهنم، لا أحد ينفع أحد، قال تعالى: "وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[ابراهيم: 21-22].
يقف الشيطان خطيبا، يقف الشيطان أمام اتباعه، الشيطان المجرم الأكبر يقف أمام أتباعه يتبرأ منهم، ويقول لهم: لا تلوموني، أنا لا أستطيع أن أعمل لكم شيئا، لوموا أنفسكم، أنا الآن لا أستطيع إنقاذكم، ولا تستطيعون إنقاذي، فيقولون له: ما المخرج لنا ولك؟ فيقول: تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله فلست شريكا لله ولا تجب طاعتي، فيأتيه الجواب من الله" إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" نهاية الظالمين أليمة، وخزي عظيم.
ما أعظم كلام الله!! يا إخواني، هذا تنبيه لنا، تنبيه للمؤمنين، تنبيه حتى للمجرمين ليرجعوا إلى الله، تنبيه لأتباع الشيطان ليحذروا من وساوس الشياطين.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيه بعده.
إخوة الإيمان، المجرمون والظالمون واتباعهم، يوم القيامة يندمون، ويتحسرون لانهم وقفوا مع زعماء الإجرام، والظلم، يندمون، لأنهم آثروا الصحبة الفاسدة والمجرمة على الصحبة الصالحة والطيبة والمؤمنة، لكن لا ينفع الندم ولا تنفع الحسرة؛ قال الله تعالى: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا" [الفرقان: 27-28-29].
ولذلك إخواني بعد هذا الندم والحسرة إذا بالصحف تتطاير، وإذا بالظالمين وأتباعهم ينظرون إلى صحائفهم يوم القيامة فيظنون انهم فائزون، يظنون انهم من أهل الجنة، يظنون أنهم من أهل الفردوس الأعلى، ونسوا أنهم تكبروا وقتلوا وشردوا وظلموا وبطشوا، فينظرون إلى سجلاتهم، وصحائفهم فيرون المعاصي، والظلم، والاستكبار، يرون امامهم قتل الأطفال، قتل النساء، تدمير البيوت، انتهاك الاعراض، يرون كل شيء أمامهم، فيتحسرون ويندمون، لكن.. لا تنفع الحسرة ولا ينفع الندم، ولذلك قال الله تعالى: "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"[الكهف: 49]، فأبشروا يا أهل الصبر والإيمان، يا أهل غزة الصمود، فالله عز وجل لا يغفل عن ما يعمله اليهود وأعوانهم، فالله على كل شيء شهيد، وإمهالهم لحكمة أرادها الله، وكلما ازداد ظلمهم، ازدادت حسرتهم يوم القيامة، فنهايتهم قريبة بإذن الله تعالى، وإذا لم يجدوا نهايتهم في الدنيا، فالموعد يوم القيامة، يوم الخزي والحسرة والندامة، نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى...الدعاء.
صلوا وسلموا... ...المزيد
حسرات المجرمين والظالمين يوم القيامة
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا معبود بحقٍّ سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الدجى بكماله وأنار الكون بجماله حسنت جميع خصاله صلوا عليه وآله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك النبي الأمين وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" [آل عمران: 102].
أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور مُحدثاتها وكل مُحدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات آمين اللهم آمين.
أيها الأحباب الكرام في الله، دعونا في هذه اللحظات الإيمانية نعيش وإياكم مع كتاب الله عز وجل وهو يستعرض لنا حال المُجرمين والظالمين والمُتكبرين هناك في عرصات القيامة، إذا وقفوا بين يدي الله عز وجل، أولئك المُجرمون الظالمون المُتكبرون الذين ظلموا وتكبروا وتغطرسوا في هذه الدنيا الفانية، في هذه الدنيا الحقيرة، ونسوا أنهم سيلاقون جزاءهم، ونسوا أن هناك آخرة، وأن هناك حسرة، وأن هناك ندم، فالله عز وجل أنذرهم، وأخبرهم بأن هناك يوماً عظيماً يتحسَّر فيه المُتحسِّرون، يومًا يندم فيه المُفرِّطون، يومًا ما يندم فيه المُجرمون، يومًا يندم فيه المُتكبرون؛ قال الله عز وجل وهو يأمر نبيه عليه الصلاة والسلام على إنذار المُجرمين والعُصَاة والمُتكبرين، قال سبحانه: "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" [مريم: 39]
أنذرهم يا رسول الله، خوفهم بيوم الحسرة، لعلهم يعودون، لعلهم يرجعون.
ما أعظمه من يوم، إنه يوم الحسرة للمجرمين والظالمين، فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجاء بالموت، وفي رواية : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار – يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون من هذا ؟ فيشرئبون فينظرون ، فيقولون : نعم ، هذا الموت ، قال : ويقال : يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ قال : فيشرئبون وينظرون فيقولون : نعم ، هذا الموت . قال : فيؤمر به فيذبح ، قال : ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" [مريم: 39] وأشار بيده إلى الدنيا . متفق عليه
هذا هو يوم الحسرة على المجرمين، خلود فلا موت، المُجرِمون الذين أعلَنوا الحرب على الله عز وجل، الذين آذَوا أولياء الله عز وجل وتعدَّوا وظلَموا وتكبَّروا ونسوا أنهم سيلاقون جزائهم في الدنيا والآخرة، ونسوا أن الدنيا فانية وأنها لن تدوم لأحد.
عباد الله، استمعوا إلى كلام الله وهو يصور لنا حال المُجرِبين المُتكبرين يوم القيامة، أولئك الذين سخروا قوتهم وما يملكون لظلم العباد لسفك الدماء لانتهاك الأعراض، كيف يكون حالهم هناك بين يدي الله؟! قال الله تعالى:
"وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" [السجدة: 12-13-14].
ناكسو رءوسهم ؛ أي من الندم والخزي والحزن والذل والغم، الرفعة هناك للمؤمنين، الرفعة هناك للصابرين، الرفعة هناك للمجاهدين للمؤمنين للصادقين، للتائبين، للمصلين، للراكعين ،للساجدين.
ما أعظم هذه الآيات!! فيها تسلية وراحة للمؤمنين، يا إخواني: الله لا يظلم أحدا، الله لا يغفل، الله لا يهمل، بل يمهل جل جلاله سبحانه "فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِيْنَكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".
عباد الله، أتباع المجرمين وأتباع الظالمين الذين كانوا ينفذون الأوامر في الدنيا لقتل المؤمنين، والصالحين، لإيذاء المؤمنين، للقتل والتدمير، يوم القيامة كل واحد منهم يتبرأ من الآخر، قال الله عز وجل: ". وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ"
[البقرة: 165-166-167].
وحينئذ يتمنى التابعون أن يرجعوا إلى الدنيا ليتبرؤوا من متبوعيهم، ويتركوا الشرك بالله، ويقبلوا على إخلاص العمل لله، وهيهات, فات الأمر، وليس الوقت وقت إمهال وإنظار، ومع هذا، فهم كذبة، فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنما هو قول يقولونه، وأماني يتمنونها، حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم.
ما أعظم كلام الله!! هذا هو حال المجرمين والظالمين، وحال أتباعهم يوم الحسرة والندامة، يوم القيامة يوم الحسرة والندامة؛ يوم القيامة يتحاجون فيما بينهم، المستكبرون والضعفاء، كل واحد يلوم الآخر "وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" [غافر: 47-48]، نحن اتبعناكم، فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله؟ فيكون الرد من المتكبرين والمجرمين، "إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ"، الكل في جهنم، لا أحد ينفع أحد، قال تعالى: "وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[ابراهيم: 21-22].
يقف الشيطان خطيبا، يقف الشيطان أمام اتباعه، الشيطان المجرم الأكبر يقف أمام أتباعه يتبرأ منهم، ويقول لهم: لا تلوموني، أنا لا أستطيع أن أعمل لكم شيئا، لوموا أنفسكم، أنا الآن لا أستطيع إنقاذكم، ولا تستطيعون إنقاذي، فيقولون له: ما المخرج لنا ولك؟ فيقول: تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله فلست شريكا لله ولا تجب طاعتي، فيأتيه الجواب من الله" إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" نهاية الظالمين أليمة، وخزي عظيم.
ما أعظم كلام الله!! يا إخواني، هذا تنبيه لنا، تنبيه للمؤمنين، تنبيه حتى للمجرمين ليرجعوا إلى الله، تنبيه لأتباع الشيطان ليحذروا من وساوس الشياطين.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيه بعده.
إخوة الإيمان، المجرمون والظالمون واتباعهم، يوم القيامة يندمون، ويتحسرون لانهم وقفوا مع زعماء الإجرام، والظلم، يندمون، لأنهم آثروا الصحبة الفاسدة والمجرمة على الصحبة الصالحة والطيبة والمؤمنة، لكن لا ينفع الندم ولا تنفع الحسرة؛ قال الله تعالى: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا" [الفرقان: 27-28-29].
ولذلك إخواني بعد هذا الندم والحسرة إذا بالصحف تتطاير، وإذا بالظالمين وأتباعهم ينظرون إلى صحائفهم يوم القيامة فيظنون انهم فائزون، يظنون انهم من أهل الجنة، يظنون أنهم من أهل الفردوس الأعلى، ونسوا أنهم تكبروا وقتلوا وشردوا وظلموا وبطشوا، فينظرون إلى سجلاتهم، وصحائفهم فيرون المعاصي، والظلم، والاستكبار، يرون امامهم قتل الأطفال، قتل النساء، تدمير البيوت، انتهاك الاعراض، يرون كل شيء أمامهم، فيتحسرون ويندمون، لكن.. لا تنفع الحسرة ولا ينفع الندم، ولذلك قال الله تعالى: "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"[الكهف: 49]، فأبشروا يا أهل الصبر والإيمان، يا أهل غزة الصمود، فالله عز وجل لا يغفل عن ما يعمله اليهود وأعوانهم، فالله على كل شيء شهيد، وإمهالهم لحكمة أرادها الله، وكلما ازداد ظلمهم، ازدادت حسرتهم يوم القيامة، فنهايتهم قريبة بإذن الله تعالى، وإذا لم يجدوا نهايتهم في الدنيا، فالموعد يوم القيامة، يوم الخزي والحسرة والندامة، نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى...الدعاء.
صلوا وسلموا... ...المزيد
بسم الله الرحمن الرحيم الثقة بالله في مواجهة التحديات ...
بسم الله الرحمن الرحيم
الثقة بالله في مواجهة التحديات
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرَة بتقوى الله عز وجل، واعلموا أن الثقة بالله والاعتماد عليه من أعظم الأعمال وأرفع الدرجات، فهي ليست مجرد كلمات تقال، وإنما عقيدة في القلب تنبثق عنها قوة الصبر والثبات في مواجهة التحديات والابتلاءات.
نعيش في دنيا مليئة بالتقلبات والصعاب، فتأتي علينا أوقات نحس فيها بالضيق، وتمر بنا ظروف نرى فيها الأمور وقد ضاقت، ولكن المؤمن الواثق بربه يعلم أن وراء كل ضيق فرجًا، وبعد كل عسر يسرا، لأن الله تعالى يقول: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" [الطلاق:٣]، ويقول "إن مع العسر يسرا" [الشرح: ٦].
وفي هذه الخطبة، نتحدث عن الثقة بالله في مواجهة التحديات، وكيف نثبت أمام الصعاب ونعتمد على الله سبحانه وتعالى، فنجد فيه القوة والأمل، وننطلق نحو الحياة بنفسٍ مطمئنة، قلوبنا موقنة أن الله معنا أينما كنا.
عباد الله، ثقة المؤمن في الله قوة لا تُهزم، لما خوّف قوم هود هودًا بآلهتهم التي لا تضر ولا تنفع تبرأ منهم ومن شركهم، وقابل تهديدهم بتحديهم، ولم يكن له سلاح ولا قوة إلا التوكل على الله تعالى، قال لهم: (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) [هود:55-56].
توكل وثبات أمام الصعاب، مكث نوح في قومه قرونًا تباعًا يدعوهم، فقابلوه بالسخرية، وناصبوه العداوة، وكادوا به كيدًا عظيمًا، ومكروا مكرًا كبارًا، فما قابل كيدهم ومكرهم وجمعهم بغير التوكل على الله تعالى، وهم أمة وهو واحد، فقال لهم: (يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ) [يونس:71]، يا لها من ثقة بالله عظيمة، واعتماد عليه وحده لا شريك له، لم يهب جمعهم، ولم يخش كيدهم، ولم يترك دعوتهم.
ابراهيم الخليل -عليه السلام- أرادوا به كيدا، فاستخدم سلاح التوكل، فأبطل الله كيدهم؛ قال -عليه السلام- داعيًا ربه -عز وجل-: (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ) [الممتحنة:4]. ولما ألقوه في النار ظهرت حقيقة توكله بقوله: حسبي الله، فكانت النتيجة آية باهرة، ومعجزة ظاهرة: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ) [الأنبياء:69-70]، فمن ذا الذي يخاف كيد الكافرين وقوتهم، وكيد المنافقين ومكرهم بعد هذه الآيات البينات في توكل الخليل ونجاته، خوفوه من آلهتهم أن تمسَّه لذكره إياها بسوء في نفسه بمكروه، فقال لهم: "وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام: ٨١-٨٢].
شعيب – عليه السلام – واجه قومه بثقته بربه أمام تلك التحديات، فقال -عليه السلام-: (وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا) [الأعراف:89]، وقال أيضًا: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88].
عباد الله، هل هناك أعظم من الطاغية فرعون الذي بلغ به الحد أنه ادعى الربوبية، وقتل الأبناء، وعذب الأولياء الصالحين، فحتى يُنجون من هذه المحنة العظيمة دلهم موسى- عليه السلام – لأعظم سلاح يتسلحون به لمواجهة التحديات، إنه سلاح التوكل على الله، قال الله تعالى: "وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القَوْمِ الكَافِرِينَ" [يونس:84-86]، فكانت عاقبة توكلهم على الله تعالى أن نجاهم وأهلك أعداءهم.
وحين يقرأ المؤمن سير الأنبياء في القرآن الكريم يجد أن التوكل على الله تعالى هو حصنهم في مقابلة الشدائد، وهو أمضى سلاح واجهوا به المكذبين من أقوامهم؛ ولذا أعلنوا جميعًا توكلهم على الله تعالى، وقالوا مستنكرين على المشركين: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم:12].
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد، فيا عباد الله، ولما ألمت بيعقوب -عليه السلام- الملمات، واجتمعت عليه الكربات، وتكالبت الهموم، وتوالت الغموم؛ قال بحزم وعزم، ويقين وتصديق: (إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ) [يوسف:67]. فأزال الله تعالى همه، وكشف كربه، ورد عليه بصره، وأرجع له ولده، ورفع مقامه، وأعلى ذكره، فها نحن بعد قرون من زمنه نتلو قصته، ونذكر صبره وتوكله.
وأما نبينا وقدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد أمره الله تعالى بالتوكل في كثير من الآيات: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) [الفرقان:58]، ما أعظمه من أمر رباني بالتوكل، قد علّل بأن المتوكَّل عليه حي لا يموت، فكم من بشر توكلوا على بشر مثلهم فماتوا!! توكل ملأ فرعون وجنده على فرعون وقوته فغرق أمامهم، وتوكل موسى والمؤمنون معه على الحي الذي لا يموت فنجاهم، وتوكل ملأ من الناس في عصرنا على زعماء كانوا يملكون من السلطة والبطش والقوة ما ظن معه الأتباع أنهم يخلدون، فأزيحوا من عروشهم أذلة صاغرين فمنهم من قتل أمام ملئه، ومنهم من حبس، ومنهم من هرب، وإن شاء الله تبارك وتعالى نهاية اليهود والمنافقين المتآمرين على فلسطين قريبة بإذن الله؛ لأن إخواننا استخدموا سلاح التوكل على الله والثقة به، فلن يضيعهم، والنصر حليفهم بإذن الله تعالى.
وموافقةً لآية التوكل على الحي الذي لا يموت كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول في دعائه: "اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ". رواه الشيخان عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
الدعاء... ...المزيد
الثقة بالله في مواجهة التحديات
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرَة بتقوى الله عز وجل، واعلموا أن الثقة بالله والاعتماد عليه من أعظم الأعمال وأرفع الدرجات، فهي ليست مجرد كلمات تقال، وإنما عقيدة في القلب تنبثق عنها قوة الصبر والثبات في مواجهة التحديات والابتلاءات.
نعيش في دنيا مليئة بالتقلبات والصعاب، فتأتي علينا أوقات نحس فيها بالضيق، وتمر بنا ظروف نرى فيها الأمور وقد ضاقت، ولكن المؤمن الواثق بربه يعلم أن وراء كل ضيق فرجًا، وبعد كل عسر يسرا، لأن الله تعالى يقول: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" [الطلاق:٣]، ويقول "إن مع العسر يسرا" [الشرح: ٦].
وفي هذه الخطبة، نتحدث عن الثقة بالله في مواجهة التحديات، وكيف نثبت أمام الصعاب ونعتمد على الله سبحانه وتعالى، فنجد فيه القوة والأمل، وننطلق نحو الحياة بنفسٍ مطمئنة، قلوبنا موقنة أن الله معنا أينما كنا.
عباد الله، ثقة المؤمن في الله قوة لا تُهزم، لما خوّف قوم هود هودًا بآلهتهم التي لا تضر ولا تنفع تبرأ منهم ومن شركهم، وقابل تهديدهم بتحديهم، ولم يكن له سلاح ولا قوة إلا التوكل على الله تعالى، قال لهم: (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) [هود:55-56].
توكل وثبات أمام الصعاب، مكث نوح في قومه قرونًا تباعًا يدعوهم، فقابلوه بالسخرية، وناصبوه العداوة، وكادوا به كيدًا عظيمًا، ومكروا مكرًا كبارًا، فما قابل كيدهم ومكرهم وجمعهم بغير التوكل على الله تعالى، وهم أمة وهو واحد، فقال لهم: (يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ) [يونس:71]، يا لها من ثقة بالله عظيمة، واعتماد عليه وحده لا شريك له، لم يهب جمعهم، ولم يخش كيدهم، ولم يترك دعوتهم.
ابراهيم الخليل -عليه السلام- أرادوا به كيدا، فاستخدم سلاح التوكل، فأبطل الله كيدهم؛ قال -عليه السلام- داعيًا ربه -عز وجل-: (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ) [الممتحنة:4]. ولما ألقوه في النار ظهرت حقيقة توكله بقوله: حسبي الله، فكانت النتيجة آية باهرة، ومعجزة ظاهرة: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ) [الأنبياء:69-70]، فمن ذا الذي يخاف كيد الكافرين وقوتهم، وكيد المنافقين ومكرهم بعد هذه الآيات البينات في توكل الخليل ونجاته، خوفوه من آلهتهم أن تمسَّه لذكره إياها بسوء في نفسه بمكروه، فقال لهم: "وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام: ٨١-٨٢].
شعيب – عليه السلام – واجه قومه بثقته بربه أمام تلك التحديات، فقال -عليه السلام-: (وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا) [الأعراف:89]، وقال أيضًا: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88].
عباد الله، هل هناك أعظم من الطاغية فرعون الذي بلغ به الحد أنه ادعى الربوبية، وقتل الأبناء، وعذب الأولياء الصالحين، فحتى يُنجون من هذه المحنة العظيمة دلهم موسى- عليه السلام – لأعظم سلاح يتسلحون به لمواجهة التحديات، إنه سلاح التوكل على الله، قال الله تعالى: "وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القَوْمِ الكَافِرِينَ" [يونس:84-86]، فكانت عاقبة توكلهم على الله تعالى أن نجاهم وأهلك أعداءهم.
وحين يقرأ المؤمن سير الأنبياء في القرآن الكريم يجد أن التوكل على الله تعالى هو حصنهم في مقابلة الشدائد، وهو أمضى سلاح واجهوا به المكذبين من أقوامهم؛ ولذا أعلنوا جميعًا توكلهم على الله تعالى، وقالوا مستنكرين على المشركين: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ) [إبراهيم:12].
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد، فيا عباد الله، ولما ألمت بيعقوب -عليه السلام- الملمات، واجتمعت عليه الكربات، وتكالبت الهموم، وتوالت الغموم؛ قال بحزم وعزم، ويقين وتصديق: (إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ) [يوسف:67]. فأزال الله تعالى همه، وكشف كربه، ورد عليه بصره، وأرجع له ولده، ورفع مقامه، وأعلى ذكره، فها نحن بعد قرون من زمنه نتلو قصته، ونذكر صبره وتوكله.
وأما نبينا وقدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد أمره الله تعالى بالتوكل في كثير من الآيات: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) [الفرقان:58]، ما أعظمه من أمر رباني بالتوكل، قد علّل بأن المتوكَّل عليه حي لا يموت، فكم من بشر توكلوا على بشر مثلهم فماتوا!! توكل ملأ فرعون وجنده على فرعون وقوته فغرق أمامهم، وتوكل موسى والمؤمنون معه على الحي الذي لا يموت فنجاهم، وتوكل ملأ من الناس في عصرنا على زعماء كانوا يملكون من السلطة والبطش والقوة ما ظن معه الأتباع أنهم يخلدون، فأزيحوا من عروشهم أذلة صاغرين فمنهم من قتل أمام ملئه، ومنهم من حبس، ومنهم من هرب، وإن شاء الله تبارك وتعالى نهاية اليهود والمنافقين المتآمرين على فلسطين قريبة بإذن الله؛ لأن إخواننا استخدموا سلاح التوكل على الله والثقة به، فلن يضيعهم، والنصر حليفهم بإذن الله تعالى.
وموافقةً لآية التوكل على الحي الذي لا يموت كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول في دعائه: "اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ". رواه الشيخان عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
الدعاء... ...المزيد
من بلاغة القرآن الكريم وصفه العلاقة بين اليهود والمنافقين بأنها علاقة أخوة: "أَلَمْ تَرَ إِلَى ...
من بلاغة القرآن الكريم وصفه العلاقة بين اليهود والمنافقين بأنها علاقة أخوة: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَا فَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَب". فهل يوجد وصف أدق أو أعمق للعلاقة بين اليهود الصهاينة وإخوانهم المتصهينين ..(؟؟؟؟) ...المزيد
🌟السلف وعصر الجمعة🌟 ———•———•—— 🌟كان (طاووس بن كيسان): إذا صلى العصر يوم الجمعة، استقبل القبلة، ...
🌟السلف وعصر الجمعة🌟
———•———•——
🌟كان (طاووس بن كيسان): إذا صلى العصر يوم الجمعة، استقبل القبلة، ولم يكلم أحدًا حتى تغرب الشمس!🌄
📚[تاريخ واسط].
———•———•——
🌟كان المفضل بن فضالة: إذا صلى عصر يوم الجمعة، خلا في ناحية المسجد وحده، فلا يزال يدعو حتى تغرب الشمس🌅
📚[أخبار القضاة].
———•———•——
🌟وكان (سعيد بن جبير): إذا صلى العصر، لم يكلم أحدًا حتى تغرب الشمس -يعني كان منشغلًا بالدعاء🤲
📚[زاد المعاد 1 / 382].
———•———•——
🌟أصاب العمى (الصلت بن بسطام)، فجلس إخوانه يدعون له عصر الجمعة، وقبل الغروب عطس عطسة، فرجع بصره!👁️
📚[تاريخ دمشق].
———•———•——
🌟يقول د. عبدالملك القاسم: (وقد جرى مثل ذلك لمؤذن مسجدنا سليمان الخضير؛حيث أفاق يوم الجمعة من غيبوبة طويلة بعد دعاء له في ذلك اليوم)🤲
———•———•——
🌟وقال ابن القيم: (وهذه الساعة هي آخر ساعة بعد العصر، يُعَظِّمُها جميع أهل الملل)⏱️
📚[زاد المعاد 1 / 384]. ...المزيد
———•———•——
🌟كان (طاووس بن كيسان): إذا صلى العصر يوم الجمعة، استقبل القبلة، ولم يكلم أحدًا حتى تغرب الشمس!🌄
📚[تاريخ واسط].
———•———•——
🌟كان المفضل بن فضالة: إذا صلى عصر يوم الجمعة، خلا في ناحية المسجد وحده، فلا يزال يدعو حتى تغرب الشمس🌅
📚[أخبار القضاة].
———•———•——
🌟وكان (سعيد بن جبير): إذا صلى العصر، لم يكلم أحدًا حتى تغرب الشمس -يعني كان منشغلًا بالدعاء🤲
📚[زاد المعاد 1 / 382].
———•———•——
🌟أصاب العمى (الصلت بن بسطام)، فجلس إخوانه يدعون له عصر الجمعة، وقبل الغروب عطس عطسة، فرجع بصره!👁️
📚[تاريخ دمشق].
———•———•——
🌟يقول د. عبدالملك القاسم: (وقد جرى مثل ذلك لمؤذن مسجدنا سليمان الخضير؛حيث أفاق يوم الجمعة من غيبوبة طويلة بعد دعاء له في ذلك اليوم)🤲
———•———•——
🌟وقال ابن القيم: (وهذه الساعة هي آخر ساعة بعد العصر، يُعَظِّمُها جميع أهل الملل)⏱️
📚[زاد المعاد 1 / 384]. ...المزيد
بسم الله الرحمن الرحيم أبشروا يا أهل الصبر والإيمان الخطبة ...
بسم الله الرحمن الرحيم
أبشروا يا أهل الصبر والإيمان
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي وعد الصابرين جزاءً عظيماً وأعد للمؤمنين جنةً ونعيماً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، إمام الصابرين، وقدوة المؤمنين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المؤمنون:
أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله، أبشروا يا أهل الصبر والإيمان، فلكم عند الله خير عظيم، قال الله تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" [الزمر: 10]. وما أعظم الصبر حين يُبتلى المؤمن فيصبر، محتسبًا ما عند الله من الأجر، مبتغيًا رضاه. فإن الصبر على البلاء هو من دلائل الإيمان، ومن علامات الإخلاص واليقين.
أبشروا يا من أبيتم أن تركعوا لطواغيت الأرض، وركعتم لله وحده، ورغمتم أنوف الطواغيت والمعتدين، أبشروا يا من أنبتم إلى الله وحده في أحلك الظروف وشدة الأزمات، أبشروا بالفوز العظيم، قال تعالى: "وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ" [الزمر: 17].
بشرى من الله للمخبتين المطمئنين الراضين بقضاء الله، المستسلمين له، الوجلين منه سبحانه، الصابرين على طاعة الله، وعن معصيته، وعن أقداره، وأقاموا الصلاة وآتو الزكاة؛ هؤلاء جميعاً فازوا بالبشارة العظيمة والمنحة الجسيمة، وهم من شملتهم رحمة الله التي وسعت كل شيء، وفازوا بالتوفيق والهداية، قال تعالى: "وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ"[الحج: 34، 35].
ما أعظم أولئك الصابرين في غزة الصمود وهم يرون أشلاء الشهداء ممزقة تُجمع في وعاء واحد، رغم الآلام والأحزان والخذلان من القريب قبل البعيد، إلا أنك تجد رجالا صابرين، محتسبين، فبشرى لهم رحمة أرحم الراحمين، قال تعالى: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" [البقرة: 155-157].
معاشر المسلمين:
البشرى كل البشرى ينالها من اتصف بصفات المؤمنين؛ الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، ما أعظمه من شراء، وهنيئا لمن باع، الله أكبر.
باعوا ليظفروا بالنعيم المقيم، فصدَقوا ما عاهدوا الله عليه.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 111-112].
بُشرى لرجال غزة ونسائها، بشرى لهم جميعا، بشرى لهم لأنهم رمز للإيمان، رمز للاستقامة والثبات، رمز للعفة، رمز للفضيلة، بُشرى لهم في الدنيا وعند الممات، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ" [فصلت: 30 - 32].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني االله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد
أيها المؤمنون:
البشرى تتحقق لمن جاهد في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله، البشرى لمن جاهد بماله ونفسه ولسانه ويده وقلبه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ، حَبَّةُ خَرْدَلٍ" أخرجه مسلم
قال تعالى: "بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" [آل عمران: 125، 126].
وقال تعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" [آل عمران: 169 – 175].
وقال تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" [الصف: 10 – 13].
اللهم يا من خضعت الرقاب لسطوته، وصعقت الملائكة من مخافته، ورعدت السماء لكلمته، يا مالك الملك والملكوت.. يا ذا العزة والجبروت، يا من لا يحُولُ ولا يزول ولا يفُوت، نسألك أن تنتقم من كل سفاك وسفاح، ومن كل من اعتدى على أهلنا في غزة . اللهم ومن دبر لعبادك المكائد وللمستضعفين الشدائد، اللهم فأبطل بأسه، ونكِّس رأسه، وشرِّد بالخوف نعاسه، واحبُك سلاسله، وانسف معاقله، وقطع اللهم مفاصلَه، وصلب أنامله، وسلِّط عليه الأمراض والأسقام، وألبسه لباس الذل والخوف، وأضعف قوته، واقهر عُتُوَّه، وأسقط عُلُوَّه، واهزم جندَه، وقلِّل رِفدَه، واخذله يوم يتمنى الناصر، واخزِه إنك أنت القوي القاهر، اللهم اقمع نزوته، اللهم خيِّب رجاءه، وأكثر عناءه، واكتب فناءَه، واجعله يتمنى الموت فلا يجده. اللهم أرنا في الطُغاة عجائب قدرتك، وسرعة انتقامك، وشدة بأسك، وعظيمَ أخذك؛ إنّ أخذك أليم شديد.
اللهم طال ليل الظالمين، واشتد عداءُ المجرمين، وأينعت رؤوس الباغين، فسلِّط اللهم عليهم يداً من الحق حاصدة، ترفع بها ذلنا، وتعيد بها عزنا.
اللهم وارحم عبادك المستضعفين، يا رب بقدرتك اشفِ صدور قومٍ مؤمنين. ...المزيد
أبشروا يا أهل الصبر والإيمان
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي وعد الصابرين جزاءً عظيماً وأعد للمؤمنين جنةً ونعيماً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، إمام الصابرين، وقدوة المؤمنين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المؤمنون:
أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله، أبشروا يا أهل الصبر والإيمان، فلكم عند الله خير عظيم، قال الله تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" [الزمر: 10]. وما أعظم الصبر حين يُبتلى المؤمن فيصبر، محتسبًا ما عند الله من الأجر، مبتغيًا رضاه. فإن الصبر على البلاء هو من دلائل الإيمان، ومن علامات الإخلاص واليقين.
أبشروا يا من أبيتم أن تركعوا لطواغيت الأرض، وركعتم لله وحده، ورغمتم أنوف الطواغيت والمعتدين، أبشروا يا من أنبتم إلى الله وحده في أحلك الظروف وشدة الأزمات، أبشروا بالفوز العظيم، قال تعالى: "وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ" [الزمر: 17].
بشرى من الله للمخبتين المطمئنين الراضين بقضاء الله، المستسلمين له، الوجلين منه سبحانه، الصابرين على طاعة الله، وعن معصيته، وعن أقداره، وأقاموا الصلاة وآتو الزكاة؛ هؤلاء جميعاً فازوا بالبشارة العظيمة والمنحة الجسيمة، وهم من شملتهم رحمة الله التي وسعت كل شيء، وفازوا بالتوفيق والهداية، قال تعالى: "وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ"[الحج: 34، 35].
ما أعظم أولئك الصابرين في غزة الصمود وهم يرون أشلاء الشهداء ممزقة تُجمع في وعاء واحد، رغم الآلام والأحزان والخذلان من القريب قبل البعيد، إلا أنك تجد رجالا صابرين، محتسبين، فبشرى لهم رحمة أرحم الراحمين، قال تعالى: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" [البقرة: 155-157].
معاشر المسلمين:
البشرى كل البشرى ينالها من اتصف بصفات المؤمنين؛ الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، ما أعظمه من شراء، وهنيئا لمن باع، الله أكبر.
باعوا ليظفروا بالنعيم المقيم، فصدَقوا ما عاهدوا الله عليه.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 111-112].
بُشرى لرجال غزة ونسائها، بشرى لهم جميعا، بشرى لهم لأنهم رمز للإيمان، رمز للاستقامة والثبات، رمز للعفة، رمز للفضيلة، بُشرى لهم في الدنيا وعند الممات، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ" [فصلت: 30 - 32].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني االله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد
أيها المؤمنون:
البشرى تتحقق لمن جاهد في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله، البشرى لمن جاهد بماله ونفسه ولسانه ويده وقلبه، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ، حَبَّةُ خَرْدَلٍ" أخرجه مسلم
قال تعالى: "بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" [آل عمران: 125، 126].
وقال تعالى: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" [آل عمران: 169 – 175].
وقال تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" [الصف: 10 – 13].
اللهم يا من خضعت الرقاب لسطوته، وصعقت الملائكة من مخافته، ورعدت السماء لكلمته، يا مالك الملك والملكوت.. يا ذا العزة والجبروت، يا من لا يحُولُ ولا يزول ولا يفُوت، نسألك أن تنتقم من كل سفاك وسفاح، ومن كل من اعتدى على أهلنا في غزة . اللهم ومن دبر لعبادك المكائد وللمستضعفين الشدائد، اللهم فأبطل بأسه، ونكِّس رأسه، وشرِّد بالخوف نعاسه، واحبُك سلاسله، وانسف معاقله، وقطع اللهم مفاصلَه، وصلب أنامله، وسلِّط عليه الأمراض والأسقام، وألبسه لباس الذل والخوف، وأضعف قوته، واقهر عُتُوَّه، وأسقط عُلُوَّه، واهزم جندَه، وقلِّل رِفدَه، واخذله يوم يتمنى الناصر، واخزِه إنك أنت القوي القاهر، اللهم اقمع نزوته، اللهم خيِّب رجاءه، وأكثر عناءه، واكتب فناءَه، واجعله يتمنى الموت فلا يجده. اللهم أرنا في الطُغاة عجائب قدرتك، وسرعة انتقامك، وشدة بأسك، وعظيمَ أخذك؛ إنّ أخذك أليم شديد.
اللهم طال ليل الظالمين، واشتد عداءُ المجرمين، وأينعت رؤوس الباغين، فسلِّط اللهم عليهم يداً من الحق حاصدة، ترفع بها ذلنا، وتعيد بها عزنا.
اللهم وارحم عبادك المستضعفين، يا رب بقدرتك اشفِ صدور قومٍ مؤمنين. ...المزيد
بسم الله الرحمن الرحيم وما كان ربك ...
بسم الله الرحمن الرحيم
وما كان ربك نسيا
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فالتقوى خير زاد، وهي طريق السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
عباد الله، نقف اليوم مع قول الله تعالى: "وما كان ربك نسيا" [مريم: 64]. هذه الآية الكريمة جاءت في سياق حديث الملائكة عن رحمة الله بعباده، وطمأنة المؤمنين بأن الله سبحانه وتعالى لا ينسى عباده، ولا يغفل عن أحوالهم، وأنه قريب منهم، يعلم سرهم وجهرهم، ويعلم ما يصيبهم من هموم وأحزان وأفراح، فسبحانه لا ينسى، ولا يغفل، وهو العليم بكل شيء.
قال الشافعي-رحمه الله-: (آيةٌ من القرآن هي سهمٌ في قلب الظالم وبلسمٌ على قلب المظلوم قيل وما هي؟!، فقال قوله تعالى : "وما كان ربك نسيا").
يا أيها اليهود المعتدون، ومن ناصركم، لا تفرحوا، ففرحكم زائل، ومؤقت، فرحكم بقتلكم الأطفال والشيوخ والنساء، مآله الخزي والعار في الدنيا والآخرة، متاعكم قليل، قال تعالى: "ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ.[غافر: 75-76].
يا أيها الظالمون المعتدون، إن ربكم لمرصاد، ستلقون جزاءكم عاجلاً أو آجلا، لا تظنوا أن الله غافلا عما تعملونه، "وما كان ربك نسيا"، لا تستهينوا بدعوة المظلوم، ليس بينها وبين الله حجاب، ثبت في الحديث عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي -صلى الله عليه وسلم – بعث معاذا إلى اليمن وقال له : "اتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" رواه البخاري ومسلم .
يا أيها المظلومون، يا أهلنا في غزة العزة، لا تحزنوا، الله معكم، ولن يخذلكم، ولن ينسى تضحياتكم، وصبركم، وجهادكم، وآلامكم، "وما كان ربك نسيا".
عباد االله، إذا رأيتم تضحيات المجاهدين، وصبر المناضلين، وثبات المرابطين، فقولوا لكل هؤلاء: "وما كان ربك نسيا".
عباد الله، إذا رأيتم من يهتك الأعراض، وينتهك الحرمات، ويسفك الدماء، ويبعثر الأشلاء، ويُمثل الشهداء، فقولوا له: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا" وإذا رأيتم من يبثُّ الرعبَ في البلاد، وينشر الخوفَ في العباد؛ فتتساقط دموع الثَّكالى، وتتعالى صرخات الأيتام، وتتصاعد آهات الأرامل، ويعلو أنين الجرحى، ويزداد ألم المصابين، فقولوا لكل هؤلاء: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا".
أحصى كلَّ شيء في كتاب "وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا" [النبأ: 29]، وكذلك "وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا" [الجن: 28].
في يوم القيامة وبين يدي الله تعالى سيُفاجَأُ الخلق بهذه الأعمال مكتوبةً يقرؤونها، ومسطورةً يشهدونها، وبارزةً يُحسونها، فيُسقَط في أيديهم، وتعلو الحسرة وجوههم، ويقولون كما قال القرآن: "مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" [الكهف: 49].
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
قال الله حكاية عن موسى -عليه السلام- : (لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى)[طه: 52].
عباد الله، إنّ كُل ما ترفَعونه على جناحِ الدُعاء نحو السَماء لا يَضيع ولا يُنسى؛ فثقوا بتَدبير الله وحِكمته، واصبروا واطمَئنوا.
وختاما نقول للمجرمين: اعلموا أن أفعالكم المجرمة وإن محوتم آثارها، ونسي الناس ذكرها، قد أحصاها الله في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، والظلم ظلمات يوم القيامة، فعن جابر – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتقُوا الظُّلْمَ؛ فإن الظلم ظلُمات يوم القيامة ..." رواه مسلم
عباد الله، لنتذكر دائماً أن الله سبحانه لا ينسى عباده، وأن رحمته وسعت كل شيء، فمهما تكالبت عليهم هموم الحياة ومشاقها، فلنعلم يقيناً أن الله معهم، يسمعهم ويراهم، ويجيب دعاءهم.
نسأل الله أن يرزقنا الثقة به، واليقين في رحمته، وأن يجعلنا من المتوكلين عليه. اللهم ارحمنا برحمتك، واجعلنا من الذاكرين لك، يا ذا الجلال والإكرام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. ...المزيد
وما كان ربك نسيا
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فالتقوى خير زاد، وهي طريق السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
عباد الله، نقف اليوم مع قول الله تعالى: "وما كان ربك نسيا" [مريم: 64]. هذه الآية الكريمة جاءت في سياق حديث الملائكة عن رحمة الله بعباده، وطمأنة المؤمنين بأن الله سبحانه وتعالى لا ينسى عباده، ولا يغفل عن أحوالهم، وأنه قريب منهم، يعلم سرهم وجهرهم، ويعلم ما يصيبهم من هموم وأحزان وأفراح، فسبحانه لا ينسى، ولا يغفل، وهو العليم بكل شيء.
قال الشافعي-رحمه الله-: (آيةٌ من القرآن هي سهمٌ في قلب الظالم وبلسمٌ على قلب المظلوم قيل وما هي؟!، فقال قوله تعالى : "وما كان ربك نسيا").
يا أيها اليهود المعتدون، ومن ناصركم، لا تفرحوا، ففرحكم زائل، ومؤقت، فرحكم بقتلكم الأطفال والشيوخ والنساء، مآله الخزي والعار في الدنيا والآخرة، متاعكم قليل، قال تعالى: "ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ.[غافر: 75-76].
يا أيها الظالمون المعتدون، إن ربكم لمرصاد، ستلقون جزاءكم عاجلاً أو آجلا، لا تظنوا أن الله غافلا عما تعملونه، "وما كان ربك نسيا"، لا تستهينوا بدعوة المظلوم، ليس بينها وبين الله حجاب، ثبت في الحديث عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي -صلى الله عليه وسلم – بعث معاذا إلى اليمن وقال له : "اتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" رواه البخاري ومسلم .
يا أيها المظلومون، يا أهلنا في غزة العزة، لا تحزنوا، الله معكم، ولن يخذلكم، ولن ينسى تضحياتكم، وصبركم، وجهادكم، وآلامكم، "وما كان ربك نسيا".
عباد االله، إذا رأيتم تضحيات المجاهدين، وصبر المناضلين، وثبات المرابطين، فقولوا لكل هؤلاء: "وما كان ربك نسيا".
عباد الله، إذا رأيتم من يهتك الأعراض، وينتهك الحرمات، ويسفك الدماء، ويبعثر الأشلاء، ويُمثل الشهداء، فقولوا له: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا" وإذا رأيتم من يبثُّ الرعبَ في البلاد، وينشر الخوفَ في العباد؛ فتتساقط دموع الثَّكالى، وتتعالى صرخات الأيتام، وتتصاعد آهات الأرامل، ويعلو أنين الجرحى، ويزداد ألم المصابين، فقولوا لكل هؤلاء: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا".
أحصى كلَّ شيء في كتاب "وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا" [النبأ: 29]، وكذلك "وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا" [الجن: 28].
في يوم القيامة وبين يدي الله تعالى سيُفاجَأُ الخلق بهذه الأعمال مكتوبةً يقرؤونها، ومسطورةً يشهدونها، وبارزةً يُحسونها، فيُسقَط في أيديهم، وتعلو الحسرة وجوههم، ويقولون كما قال القرآن: "مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" [الكهف: 49].
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
قال الله حكاية عن موسى -عليه السلام- : (لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى)[طه: 52].
عباد الله، إنّ كُل ما ترفَعونه على جناحِ الدُعاء نحو السَماء لا يَضيع ولا يُنسى؛ فثقوا بتَدبير الله وحِكمته، واصبروا واطمَئنوا.
وختاما نقول للمجرمين: اعلموا أن أفعالكم المجرمة وإن محوتم آثارها، ونسي الناس ذكرها، قد أحصاها الله في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، والظلم ظلمات يوم القيامة، فعن جابر – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتقُوا الظُّلْمَ؛ فإن الظلم ظلُمات يوم القيامة ..." رواه مسلم
عباد الله، لنتذكر دائماً أن الله سبحانه لا ينسى عباده، وأن رحمته وسعت كل شيء، فمهما تكالبت عليهم هموم الحياة ومشاقها، فلنعلم يقيناً أن الله معهم، يسمعهم ويراهم، ويجيب دعاءهم.
نسأل الله أن يرزقنا الثقة به، واليقين في رحمته، وأن يجعلنا من المتوكلين عليه. اللهم ارحمنا برحمتك، واجعلنا من الذاكرين لك، يا ذا الجلال والإكرام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. ...المزيد
بسم الله الرحمن الرحيم إذا ضاقت عليكم ...
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا ضاقت عليكم الحياة..!
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرَة بتقوى الله، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" [الأحزاب: 70-71].
أيها المسلمون، كثير منا يمر بمواقف صعبة وضغوطات قد تضيّق عليه الحياة، وقد يشعر أن الدنيا قد أغلقت أبوابها أمامه، وقد يعجز عن إيجاد مخرج. ولكن، علينا أن نتذكر في مثل هذه المواقف قول الله سبحانه وتعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" [الشرح: 5-6].
فمهما ضاقت عليكم الحياة تذكروا عاقبة الصبر، وجزاء الصابرين، فمن أراد النصر، والفرج، واليسر، فليتدبر وصية عظيمة من حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي رواه الترمذي واحمد وهو صحيح، "....... واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا".
أيها المسلمون، مهما ضاقت عليكم الحياة، بسبب ما يحصل لإخوانكم من جراحات وآلام وظلم، واضطهاد، وتنكيل، تذكروا قول الله تعالى: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" [التوبة: 51].، فالله ناصرهم، لن يخذلهم، لانهم معتمدون على ربهم، هو مولاهم، هو ناصرهم، هو حسبهم وكافيهم، لأنهم مع الله، ومن كان مع الله كان الله معه، قال تعالى: " وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" [الطلاق: 3].
عباد الله، مهما قست عليكم الحياة، وكثرة همومكم، فاعلموا أن الله قد أعد لكم أجرا عظيما، بتذكركم لهذه الأجور، تهون همومكم، وتسعد حياتكم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المؤمن من هم ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" [رواه البخاري ومسلم].
مهما ضاقت عليكم الحياة الجأوا إلى الله بالدعاء، واسألوه أن يكشف عنا الهمّ ويزيل الكرب، فالله هو الذي بيده تفريج الكروب. يقول الله عز وجل: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ" [النمل: 62].
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها... فرِجَت وكنت أظنُّها لا تُفرجِ.
مهما ضاقت عليكم الحياة، تذكروا أن الدنيا فانية، وأنها لا تستاهل كل هذه الهموم، ولنتذكر أن من كانت الآخرة همه كفاه الله سائر الهموم، وجمع شمله، فقد روى الترمذي رحمه الله عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ" صححه الألباني رحمه الله.
أيها المؤمنون، مهما ضاقت عليكم الحياة، تذكروا قول الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ، وهي وصية لنا من بعده، " وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)"[الحجر: 97-99]. فعلاجكم في سجودكم وتسبيحكم وعبادتكم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد، فيا عباد االله، ما أحوجنا خاصة هذه الأيام أن نكثر من أدعية الكرب في زمن الابتلاءات والمحن، والهموم والغموم، منها، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أسمع النبي ﷺ يكثر القول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن"(رواه البخاري).، ومِنْ أَدْعِيَةِ الْكَرْبِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" متفق عليه
وَمِنْ أَدْعِيَةِ الْكَرْبِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ سَمَّاهُ "دُعَاءَ الْمُضْطَرِّ"، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ سَمَّاهُ: "كَلِمَاتِ الْمَكْرُوبِ"، وَهُوَ مِنْ أَدْعِيَةِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَلَا يَدُلُّهَا إِلَّا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهَا وَلِأُمَّتِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ: "مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ، أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
كما أن علينا أن نكون على يقين بأن بعد الضيق فرج، وأن الحياة لا تخلو من ابتلاءات واختبارات، ولكن المؤمن يحسن الظن بربه ويعلم أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأنه سبحانه رحيم بعباده.
نسأل الله أن يفرج همومنا، ويشرح صدورنا، ويثبت قلوبنا على الإيمان. اللهم اجعل لنا من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ووفقنا لطاعتك ومرضاتك. ...المزيد
إذا ضاقت عليكم الحياة..!
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرَة بتقوى الله، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" [الأحزاب: 70-71].
أيها المسلمون، كثير منا يمر بمواقف صعبة وضغوطات قد تضيّق عليه الحياة، وقد يشعر أن الدنيا قد أغلقت أبوابها أمامه، وقد يعجز عن إيجاد مخرج. ولكن، علينا أن نتذكر في مثل هذه المواقف قول الله سبحانه وتعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" [الشرح: 5-6].
فمهما ضاقت عليكم الحياة تذكروا عاقبة الصبر، وجزاء الصابرين، فمن أراد النصر، والفرج، واليسر، فليتدبر وصية عظيمة من حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي رواه الترمذي واحمد وهو صحيح، "....... واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا".
أيها المسلمون، مهما ضاقت عليكم الحياة، بسبب ما يحصل لإخوانكم من جراحات وآلام وظلم، واضطهاد، وتنكيل، تذكروا قول الله تعالى: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" [التوبة: 51].، فالله ناصرهم، لن يخذلهم، لانهم معتمدون على ربهم، هو مولاهم، هو ناصرهم، هو حسبهم وكافيهم، لأنهم مع الله، ومن كان مع الله كان الله معه، قال تعالى: " وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" [الطلاق: 3].
عباد الله، مهما قست عليكم الحياة، وكثرة همومكم، فاعلموا أن الله قد أعد لكم أجرا عظيما، بتذكركم لهذه الأجور، تهون همومكم، وتسعد حياتكم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المؤمن من هم ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" [رواه البخاري ومسلم].
مهما ضاقت عليكم الحياة الجأوا إلى الله بالدعاء، واسألوه أن يكشف عنا الهمّ ويزيل الكرب، فالله هو الذي بيده تفريج الكروب. يقول الله عز وجل: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ" [النمل: 62].
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها... فرِجَت وكنت أظنُّها لا تُفرجِ.
مهما ضاقت عليكم الحياة، تذكروا أن الدنيا فانية، وأنها لا تستاهل كل هذه الهموم، ولنتذكر أن من كانت الآخرة همه كفاه الله سائر الهموم، وجمع شمله، فقد روى الترمذي رحمه الله عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ" صححه الألباني رحمه الله.
أيها المؤمنون، مهما ضاقت عليكم الحياة، تذكروا قول الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ، وهي وصية لنا من بعده، " وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)"[الحجر: 97-99]. فعلاجكم في سجودكم وتسبيحكم وعبادتكم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد، فيا عباد االله، ما أحوجنا خاصة هذه الأيام أن نكثر من أدعية الكرب في زمن الابتلاءات والمحن، والهموم والغموم، منها، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أسمع النبي ﷺ يكثر القول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن"(رواه البخاري).، ومِنْ أَدْعِيَةِ الْكَرْبِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" متفق عليه
وَمِنْ أَدْعِيَةِ الْكَرْبِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ سَمَّاهُ "دُعَاءَ الْمُضْطَرِّ"، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ سَمَّاهُ: "كَلِمَاتِ الْمَكْرُوبِ"، وَهُوَ مِنْ أَدْعِيَةِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَلَا يَدُلُّهَا إِلَّا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهَا وَلِأُمَّتِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ: "مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ، أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ" رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
كما أن علينا أن نكون على يقين بأن بعد الضيق فرج، وأن الحياة لا تخلو من ابتلاءات واختبارات، ولكن المؤمن يحسن الظن بربه ويعلم أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأنه سبحانه رحيم بعباده.
نسأل الله أن يفرج همومنا، ويشرح صدورنا، ويثبت قلوبنا على الإيمان. اللهم اجعل لنا من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ووفقنا لطاعتك ومرضاتك. ...المزيد
معلومات
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن. إمام وخطيب. دبلوم الخطيب المتميز
أكمل القراءةالمواد المحفوظة 4
- بسم الله الرحمن الرحيم السيرة الذاتية الاسم: ياسر عبد الله محمد الحوري ...
- يا شباب الإسلام احفظوا جوارحكم عن الآثام الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا ...
- من أراد الفلاح والفوز والنجاح فليتب إلى الله؛ قال تعالى: {وَتُوبُواْ إِلَى اللهِ جَميعا أيُّهَ ...
- #خطبة_مقترحة بسم الله الرحمن الرحيم وقفات مع ...
المواد المفضلة 4
- بسم الله الرحمن الرحيم السيرة الذاتية الاسم: ياسر عبد الله محمد الحوري ...
- يا شباب الإسلام احفظوا جوارحكم عن الآثام الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا ...
- إكرام الأخوات من أقرب القربات بسم الله الرحمن الرحيم إخواني أخواتي، إن الأسرة من ...
- #خطبة_مقترحة بسم الله الرحمن الرحيم وقفات مع ...