20 ختمة للشيخ يوسف بن نوح احمد https://ar.islamway.net/recitations/scholar/1405/collections

20 ختمة للشيخ يوسف بن نوح احمد https://ar.islamway.net/recitations/scholar/1405/collections

----4_______ حصار اقتصاد ويضن الله ان الارض ملكه يملكها فرعا وجذرا

----4_______
حصار اقتصاد
ويضن الله ان الارض ملكه يملكها فرعا وجذرا

ليس كل الكسور خسارة او نهاية فبعض الكسور هي بداية الحياة (منقول بتصرف)

ليس كل الكسور خسارة او نهاية فبعض الكسور هي بداية الحياة (منقول بتصرف)

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم تتشوق النفس البشرية للتعرف على ما هو كائن في قابل الأيام، سواء ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم


تتشوق النفس البشرية للتعرف على ما هو كائن في قابل الأيام، سواء عما يتعلق بمستقبل الإنسان نفسه أم بمصير البشرية كلها وصولا إلى قيام الساعة، ولعل في انتشار الكهنة والعرافين في كل أمم الشرك خير دليل على ذلك، إذ يُنفق المشركون كثيرا من أموالهم طلبا لمعرفة المستقبل الذي يزعم أولئك الكذبة الدجالون معرفته.

وفي الوقت نفسه فإن الله سبحانه -الذي لا يعلم الغيب إلا هو- أوحى إلى بعض عباده وهم الأنبياء -عليهم السلام- في جملة ما أوحى إليهم أمورا هي من الغيب، تخص ما هم ملاقوه وأتباعهم في أيامهم القادمة، ولعل أكبر مثال على ذلك، ما أوحاه -تعالى- للمرسلين السابقين عن بعثة أخيهم محمد، صلى الله عليه وسلم، وأمره لهم بالإيمان به ونصرته هم وأتباعهم، وأخذ الميثاق منهم على ذلك.

وكذلك فإن نبينا -عليه الصلاة والسلام- بلَّغ من جملة ما بلَّغه عن ربه -تعالى- من العلم أمورا تحصل بين بعثته وقيام الساعة، منها ما هو من أخبار الفتن والملاحم التي تكون في آخر الزمان، ومنها ما هو من أشراط الساعة التي يجعلها الله -سبحانه- علامات على اقتراب قيامها، فلا تقوم إلا بعد ظهور هذه الأشراط.

ولا زال المسلمون في كل عصر يولون هذه الأحاديث الاهتمام الكبير، فيؤمنون بما فيها من العلم، ويعلِّمونها، ويبلِّغها كل قرن للذي يليه، وكما في كل مسألة من مسائل الدين الكثيرة التي ضل فيها أقوام، فإن طوائف كثيرة من الناس قد ضلت في هذه القضية الهامة، فغلوا فيها إفراطا أو تفريطا، بين متعلق بها أشد التعلق يريد أن يُسقط كل ما يسمعه من أنبائها على واقعه المعاش، هربا من ضغوط عليه أو طمعا في مصير يطمح إليه، وبين قالٍ يريد أن يردّ هذه الأحاديث كلها، ويكفر بها، لأنه لا يعتقد بما ورد فيها من أمور لا تتوافق مع عقله القاصر.

والمؤمن يعمل بالمسألة كما أراد الله سبحانه، فلا يندفع في عالم من الجهل، يتتبع كل كلمة لا يعرف صدقها فيجعلها من محكمات الدين، ولا يزهد في هذا الباب من العلم الذي نزل به الروح الأمين من لدن رب العالمين، وبلغه إلى رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام، ونقله عنه خيار الناس من الصحابة والتابعين، ولا زال مدار اهتمام وتعليم له من أهل العلم الراسخين، ومن أهم أسس المنهج النبوي في هذا الباب:

• الإيمان بكل ما جاء في الكتاب والسنة

فلا شك أن من أصول أهل الإيمان أن يؤمنوا بكل ما جاءنا من النبي، عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك الإيمان بما ورد في الكتاب والسنة من أحاديث الفتن والملاحم، فقد ورد كثير مما يتعلق بهذا الباب في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يصح إيمان امرئ لا يؤمن أن كل ما فيه حق، وأنه من الله تعالى، وكذلك الإيمان بكل ما صح عن النبي، عليه الصلاة والسلام، وإن لم يعقله، أو يدرك مغزاه، وأن لا يكون في صدره حرج منه، كما قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
ولذلك نجد أن أئمة السلف جعلوا الإيمان بالمسائل الغيبية التي أنبأ النبي -عليه الصلاة والسلام- بحدوثها في آخر الزمان في كتب العقيدة التي كتبوها للناس، مبينين من خلالها اعتقاد أهل السنة والجماعة الذين لا يزيغ عن عقيدتهم إلا هالك، وما كان اهتمامهم الكبير بإبراز هذه المسائل إلا خوفا على المسلمين من أن يفتنهم أهل الضلال عنها، ويدفعوهم إلى الكفر ببعض ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- اتباعا لأهواء الذين لا يعلمون.

قال ابن قدامة في لمعة الاعتقاد: "ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصح به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه، مثل: حديث الإسراء والمعراج، ومن ذلك أشراط الساعة، مثل خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم -عليه السلام- فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل"، انتهى كلامه رحمه الله.

ولا يشترط تواتر الأحاديث لوجوب الإيمان بها، بل إذا صح الحديث عند علماء الحديث فإننا نؤمن ونعمل به، خلافاً لأهل البدع الذين اشترطوا تواتر الحديث لإثبات أمور العقائد، وادعوا أن الحديث غير المتواتر لا يفيد العلم اليقيني.

ولا يجوز اعتقاد أن بعض الأخبار المستقبلية قد نسخ، لأن النسخ يكون للأحكام لا للأخبار، فما أخبر عنه الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- كله حق وصدق، قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]، وقال عن نبيه، صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4].

• الحذر من الأحاديث المكذوبة والتأويلات الفاسدة

ولما كانت القضية هنا تتعلق بما ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وجب التأكد من نسبة الأقوال إليه، قبل الإيمان بها أو نسبتها إليه عند تبليغها للناس، وخاصة أن باب الفتن والملاحم من الأبواب التي كثر الكذب فيها من أهل الضلال الذين حاولوا الانتصار لضلالهم من هذا الطريق، وخاصة الروافض الملاعين الذين أكثروا من الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- وآل بيته، ووضعوا قصصا كثيرة يزعمون من خلالها انتصار ضلالهم في آخر الزمان.

وكذلك فإن كثيرا من أحاديث الفتن والملاحم وصلتنا من طرق ضعيفة لا يقوم بها دين، فالحديث الضعيف وإن لم يكن شديد الضعف فهو لا يفيد العلم اليقيني، بل يفيد الظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، ولكن من الجهة الأخرى لا يُكذب المسلم ما جاء في الأحاديث الضعيفة من أخبار، وإن لم يؤمن بها، إلا إذا جاء في الأحاديث الصحيحة ما يعارضها وينفي صحة ما جاء فيها، لأن بعض الأحاديث تختلف فيها اجتهادات أهل العلم بالحديث فيصححها بعضهم ويضعفها آخرون.

والإيمان بما ورد من الغيبيات يقتضي أن نصدق بالأخبار على ظاهرها، خلافاً لأهل البدع الذين يسمون أنفسهم العقلانيين ومن على شاكلتهم حيث ادعوا الإيمان بالغيب ثم صرفوا كثيراً من النصوص عن ظاهرها، فلا نتأول أحاديث الفتن والملاحم تأولا يحرفها عن حقيقتها، بل نؤمن بما جاء فيها، ونمررها كما جاءت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى يظهر تأويلها واضحا جليا في الوقت الذي يأذن به الله عز وجل.

والواجب على المسلم الرجوع إلى تفسير أهل العلم للآيات والأحاديث التي فيها أخبار عن أشراط الساعة وغيرها من الأمور المستقبلية، كما هو شأن المسلم دائماً، ألا يفسر القرآن برأيه ولا بآراء أهل البدع والضلال.

وكذلك فإنه ينبغي الابتعاد عن إسقاط النصوص التي تتضمن إشارات إلى أحاديث آخر الزمان على واقع المسلمين في أي زمان دون برهان بيّن من الشريعة، ففي هذه الهاوية زلَّت كثير من الأقدام، وفي هذا الطريق ضلت طوائف من الناس، وسنسعى -بإذن الله- إلى الحديث عن هذا الجانب الخطير من جوانب الإيمان بأحاديث الملاحم والفتن، والله الهادي إلى سواء السبيل.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 107
الخميس 5 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم تتشوق النفس البشرية للتعرف على ما هو كائن في قابل الأيام، سواء ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم


تتشوق النفس البشرية للتعرف على ما هو كائن في قابل الأيام، سواء عما يتعلق بمستقبل الإنسان نفسه أم بمصير البشرية كلها وصولا إلى قيام الساعة، ولعل في انتشار الكهنة والعرافين في كل أمم الشرك خير دليل على ذلك، إذ يُنفق المشركون كثيرا من أموالهم طلبا لمعرفة المستقبل الذي يزعم أولئك الكذبة الدجالون معرفته.

وفي الوقت نفسه فإن الله سبحانه -الذي لا يعلم الغيب إلا هو- أوحى إلى بعض عباده وهم الأنبياء -عليهم السلام- في جملة ما أوحى إليهم أمورا هي من الغيب، تخص ما هم ملاقوه وأتباعهم في أيامهم القادمة، ولعل أكبر مثال على ذلك، ما أوحاه -تعالى- للمرسلين السابقين عن بعثة أخيهم محمد، صلى الله عليه وسلم، وأمره لهم بالإيمان به ونصرته هم وأتباعهم، وأخذ الميثاق منهم على ذلك.

وكذلك فإن نبينا -عليه الصلاة والسلام- بلَّغ من جملة ما بلَّغه عن ربه -تعالى- من العلم أمورا تحصل بين بعثته وقيام الساعة، منها ما هو من أخبار الفتن والملاحم التي تكون في آخر الزمان، ومنها ما هو من أشراط الساعة التي يجعلها الله -سبحانه- علامات على اقتراب قيامها، فلا تقوم إلا بعد ظهور هذه الأشراط.

ولا زال المسلمون في كل عصر يولون هذه الأحاديث الاهتمام الكبير، فيؤمنون بما فيها من العلم، ويعلِّمونها، ويبلِّغها كل قرن للذي يليه، وكما في كل مسألة من مسائل الدين الكثيرة التي ضل فيها أقوام، فإن طوائف كثيرة من الناس قد ضلت في هذه القضية الهامة، فغلوا فيها إفراطا أو تفريطا، بين متعلق بها أشد التعلق يريد أن يُسقط كل ما يسمعه من أنبائها على واقعه المعاش، هربا من ضغوط عليه أو طمعا في مصير يطمح إليه، وبين قالٍ يريد أن يردّ هذه الأحاديث كلها، ويكفر بها، لأنه لا يعتقد بما ورد فيها من أمور لا تتوافق مع عقله القاصر.

والمؤمن يعمل بالمسألة كما أراد الله سبحانه، فلا يندفع في عالم من الجهل، يتتبع كل كلمة لا يعرف صدقها فيجعلها من محكمات الدين، ولا يزهد في هذا الباب من العلم الذي نزل به الروح الأمين من لدن رب العالمين، وبلغه إلى رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام، ونقله عنه خيار الناس من الصحابة والتابعين، ولا زال مدار اهتمام وتعليم له من أهل العلم الراسخين، ومن أهم أسس المنهج النبوي في هذا الباب:

• الإيمان بكل ما جاء في الكتاب والسنة

فلا شك أن من أصول أهل الإيمان أن يؤمنوا بكل ما جاءنا من النبي، عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك الإيمان بما ورد في الكتاب والسنة من أحاديث الفتن والملاحم، فقد ورد كثير مما يتعلق بهذا الباب في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يصح إيمان امرئ لا يؤمن أن كل ما فيه حق، وأنه من الله تعالى، وكذلك الإيمان بكل ما صح عن النبي، عليه الصلاة والسلام، وإن لم يعقله، أو يدرك مغزاه، وأن لا يكون في صدره حرج منه، كما قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
ولذلك نجد أن أئمة السلف جعلوا الإيمان بالمسائل الغيبية التي أنبأ النبي -عليه الصلاة والسلام- بحدوثها في آخر الزمان في كتب العقيدة التي كتبوها للناس، مبينين من خلالها اعتقاد أهل السنة والجماعة الذين لا يزيغ عن عقيدتهم إلا هالك، وما كان اهتمامهم الكبير بإبراز هذه المسائل إلا خوفا على المسلمين من أن يفتنهم أهل الضلال عنها، ويدفعوهم إلى الكفر ببعض ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- اتباعا لأهواء الذين لا يعلمون.

قال ابن قدامة في لمعة الاعتقاد: "ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصح به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه، مثل: حديث الإسراء والمعراج، ومن ذلك أشراط الساعة، مثل خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم -عليه السلام- فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل"، انتهى كلامه رحمه الله.

ولا يشترط تواتر الأحاديث لوجوب الإيمان بها، بل إذا صح الحديث عند علماء الحديث فإننا نؤمن ونعمل به، خلافاً لأهل البدع الذين اشترطوا تواتر الحديث لإثبات أمور العقائد، وادعوا أن الحديث غير المتواتر لا يفيد العلم اليقيني.

ولا يجوز اعتقاد أن بعض الأخبار المستقبلية قد نسخ، لأن النسخ يكون للأحكام لا للأخبار، فما أخبر عنه الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- كله حق وصدق، قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]، وقال عن نبيه، صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4].

• الحذر من الأحاديث المكذوبة والتأويلات الفاسدة

ولما كانت القضية هنا تتعلق بما ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وجب التأكد من نسبة الأقوال إليه، قبل الإيمان بها أو نسبتها إليه عند تبليغها للناس، وخاصة أن باب الفتن والملاحم من الأبواب التي كثر الكذب فيها من أهل الضلال الذين حاولوا الانتصار لضلالهم من هذا الطريق، وخاصة الروافض الملاعين الذين أكثروا من الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- وآل بيته، ووضعوا قصصا كثيرة يزعمون من خلالها انتصار ضلالهم في آخر الزمان.

وكذلك فإن كثيرا من أحاديث الفتن والملاحم وصلتنا من طرق ضعيفة لا يقوم بها دين، فالحديث الضعيف وإن لم يكن شديد الضعف فهو لا يفيد العلم اليقيني، بل يفيد الظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، ولكن من الجهة الأخرى لا يُكذب المسلم ما جاء في الأحاديث الضعيفة من أخبار، وإن لم يؤمن بها، إلا إذا جاء في الأحاديث الصحيحة ما يعارضها وينفي صحة ما جاء فيها، لأن بعض الأحاديث تختلف فيها اجتهادات أهل العلم بالحديث فيصححها بعضهم ويضعفها آخرون.

والإيمان بما ورد من الغيبيات يقتضي أن نصدق بالأخبار على ظاهرها، خلافاً لأهل البدع الذين يسمون أنفسهم العقلانيين ومن على شاكلتهم حيث ادعوا الإيمان بالغيب ثم صرفوا كثيراً من النصوص عن ظاهرها، فلا نتأول أحاديث الفتن والملاحم تأولا يحرفها عن حقيقتها، بل نؤمن بما جاء فيها، ونمررها كما جاءت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى يظهر تأويلها واضحا جليا في الوقت الذي يأذن به الله عز وجل.

والواجب على المسلم الرجوع إلى تفسير أهل العلم للآيات والأحاديث التي فيها أخبار عن أشراط الساعة وغيرها من الأمور المستقبلية، كما هو شأن المسلم دائماً، ألا يفسر القرآن برأيه ولا بآراء أهل البدع والضلال.

وكذلك فإنه ينبغي الابتعاد عن إسقاط النصوص التي تتضمن إشارات إلى أحاديث آخر الزمان على واقع المسلمين في أي زمان دون برهان بيّن من الشريعة، ففي هذه الهاوية زلَّت كثير من الأقدام، وفي هذا الطريق ضلت طوائف من الناس، وسنسعى -بإذن الله- إلى الحديث عن هذا الجانب الخطير من جوانب الإيمان بأحاديث الملاحم والفتن، والله الهادي إلى سواء السبيل.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 107
الخميس 5 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

لقد كان في قصصهم عبرة فاذهب أنت وربك فقاتِلا (2) الحمد لله رب العالمين، باعث الرسل مبشرين ...

لقد كان في قصصهم عبرة
فاذهب أنت وربك فقاتِلا (2)

الحمد لله رب العالمين، باعث الرسل مبشرين ومنذرين، والصلاة على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، سلام الله عليهم أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والدين، أما بعد...

إن لله -عز وجل- سننا لا تتبدل، وقضاء لا يتغير، وإن المرء إذا سار على خطى قوم كانت خاتمته كخاتمتهم، وعاقبته كعاقبتهم، فإن سنن الله لا تحابي أحدا، وقضاؤه ماض أبدا، واللبيب من اعتبر بغيره.

إن من أعظم القصص التي ذكرها الله في كتابه المجيد لقصة نبيه موسى -عليه السلام- مع قومه، بني إسرائيل، إذ ذكرها الله مرارا وتكرارا، كاملة ومجزأة، عامة ومفصلة، وما ذلك إلا دليل على عظمة ما جرى فيها من أحداث، وعلى ما فيها من عبر نفيسة، ودروس قيمة، وليس هذا مقام ذكرها كاملة، لكننا سنذكر -بعون الله- قصته مع الجبارين.

لقد كان الجبارون قوما أولي قوة وبأس شديد، وكانوا يسكنون قرى محصنة في الأرض المقدسة، فلما أنجى الله موسى وقومه من فرعون وجنده، بعد أن أراهم آياته، وشق لهم في البحر طريقا يبسا، وفرق لهم الماء فرقا، ونصرهم على عدوهم بلا جهد منهم أو نصب، أمرهم بقتال الجبارين، ودخول الأرض المقدسة، فذكَّرهم نبي الله موسى بفضل الله عليهم، فقال: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 20]، ثم أمرهم بدخول الأرض المقدسة، وقتال قومها، وضمن لهم النصر إن هم فعلوا ذلك، وحذرهم من تولية الأدبار، ومن سوء العاقبة، {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21]، فما كان منهم إلا أن أجابوه بكلام ملؤه السخرية {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 22]، إذ لا يُعقل أن يخرج قوم عتاة جبابرة من أرضهم بلا قتال، وقد حصَّنوا قراهم، وأعدوا للحرب عدتها، وإنما قال بنو إسرائيل ذلك استهزاء واستخفافا، فقال لهم رجلان من قومهم، يخشون ربهم ويخافونه، قد أنعم الله عليهم بطاعته، أن خُذوا بالأسباب، وتوكلوا على ربكم، فإن فعلتم أفلحتم، وكانت لكم الغلبة على عدوكم، {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]، فلم تنفع تلك القلوب التي أعماها الخوف تذكرة المذكرين، ولم يمتثلوا لأمر رب العالمين، بل أصروا على ضلالهم وتمادوا في غيهم، {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، فهنا أحسَّ نبي الله موسى بخذلان قومه له، وبانقطاع أسباب الأرض عنه، فالتجأ إلى مسبب الأسباب، ورب الأرباب، وتضرع إليه، {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 25]، فأنزل الله عليهم عذابه، بأن حرمهم الأمن الذي بسببه قعدوا عن الجهاد، والاستقرار الذي لأجله عزفوا عن القتال، {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26].

لقد ذكر الله في هذه القصة حال بني إسرائيل مع نبي الله موسى، إذ خذلوه وتخلوا عنه، ولم ينصروه وقد أمروا بذلك، ولم يعزروه وقد كُتب عليهم ذلك، بل كان ردهم القعود والخذلان، والنفور والعصيان، وزادوا على ذلك السخرية والاستهزاء، فما كان من المؤمنين إلا أن ثبتوا على ما أمروا به من جلاد الأعداء، وصبروا على ما نهوا عنه من الفرار وتولية الأدبار، حتى قال نبي الله موسى: "رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين".
إن أمثال قوم نبي الله موسى من ذوي المعادن الرديئة والنفوس الدنيئة، يدخلون في صفوف أهل الحق إذا قووا، ويحتمون بشوكتهم، وهذا ديدنهم في كل زمان ومكان. فهُم إذا رأوا من عدوهم كثرة عدة وشدة بأس أحجموا عن القتال، وقعدوا عن الجهاد، مع ما أراهم الله من نصره لهم في مواطن كثيرة على من هم أشد منهم قوة، ووعده لهم بالظفر والتمكين. فترى من أضلهم الله ينهون من هداهم عن القتال والجلاد، بل ويسخرون منهم، ويخذلونهم عند حاجتهم لهم، راكنين إلى زخرف الحياة الدنيا، راضين بها، قائلين بلسان حالهم: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون".

وإن هذا الخبث إن وُجد في صفوف المؤمنين، فإن المؤمنين لا يألون جهدا في نصحهم، ولا يدخرون وسعا في تذكيرهم بربهم، رأفة بهم وإشفاقا عليهم، وخوفا من أن يصيبهم الله بذنوب هؤلاء، فيهلك الكل بجريرتهم لكثرة الخبث، روت أم المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها فزعا يقول: (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) وحلَّق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش فقلت: "يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟" قال: (نعم، إذا كثر الخبث) [رواه البخاري]، فإن الخبث إذا كثر، سلط الله على المسلمين المحن والبلاء، والشدة واللأواء، حتى يرجعوا إلى أمر الله، فقد عاقب الله بني إسرائيل لما عتوا عن أمر ربهم بالتيه 40 سنة، حتى فني أولئك العصاة الفاسقون، ونشأ الصبيان على الشدة والجلد، بعيدا عن الدعة والترف، فلما انقضت تلك السنون الأربعون، قاتل الصالحون الجبارين ففتح الله عليهم، ودخلوا الأرض المقدسة، وأسكنهم الله مساكنهم وأورثهم أموالهم.

إن من سنن الله أن يبتلي المسلم إذا تعلق قلبه بغير ربه، فيمتحنه بوقوع ما يكره، أو بفقدان ما يحب، فإن هو رجع إلى الله فكان هو ورسوله أحب إليه مما سواهما من ملذات الدنيا وزخارفها، رفع الله عنه البلاء، ومكن له في الأرض، وإلا بقي في البلاء حتى يرجع، فإن أبى أتى الله بمن هو خير منه، واستبدل به قوما يحبهم ويحبونه، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون فيه لومة لائم، ينصرونه ورسوله، ويقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص، فإنما ينصر المؤمنون بطاعتهم لربهم، وتمسكهم بجماعتهم، وبالمضي قدما في جهادهم، ولا يخذلهم مثل القعود عما أمرهم الله به، والإحجام عما أعده الله لهم من نعيم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 107
الخميس 5 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

لقد كان في قصصهم عبرة فاذهب أنت وربك فقاتِلا (2) الحمد لله رب العالمين، باعث الرسل مبشرين ...

لقد كان في قصصهم عبرة
فاذهب أنت وربك فقاتِلا (2)

الحمد لله رب العالمين، باعث الرسل مبشرين ومنذرين، والصلاة على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، سلام الله عليهم أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والدين، أما بعد...

إن لله -عز وجل- سننا لا تتبدل، وقضاء لا يتغير، وإن المرء إذا سار على خطى قوم كانت خاتمته كخاتمتهم، وعاقبته كعاقبتهم، فإن سنن الله لا تحابي أحدا، وقضاؤه ماض أبدا، واللبيب من اعتبر بغيره.

إن من أعظم القصص التي ذكرها الله في كتابه المجيد لقصة نبيه موسى -عليه السلام- مع قومه، بني إسرائيل، إذ ذكرها الله مرارا وتكرارا، كاملة ومجزأة، عامة ومفصلة، وما ذلك إلا دليل على عظمة ما جرى فيها من أحداث، وعلى ما فيها من عبر نفيسة، ودروس قيمة، وليس هذا مقام ذكرها كاملة، لكننا سنذكر -بعون الله- قصته مع الجبارين.

لقد كان الجبارون قوما أولي قوة وبأس شديد، وكانوا يسكنون قرى محصنة في الأرض المقدسة، فلما أنجى الله موسى وقومه من فرعون وجنده، بعد أن أراهم آياته، وشق لهم في البحر طريقا يبسا، وفرق لهم الماء فرقا، ونصرهم على عدوهم بلا جهد منهم أو نصب، أمرهم بقتال الجبارين، ودخول الأرض المقدسة، فذكَّرهم نبي الله موسى بفضل الله عليهم، فقال: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 20]، ثم أمرهم بدخول الأرض المقدسة، وقتال قومها، وضمن لهم النصر إن هم فعلوا ذلك، وحذرهم من تولية الأدبار، ومن سوء العاقبة، {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21]، فما كان منهم إلا أن أجابوه بكلام ملؤه السخرية {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 22]، إذ لا يُعقل أن يخرج قوم عتاة جبابرة من أرضهم بلا قتال، وقد حصَّنوا قراهم، وأعدوا للحرب عدتها، وإنما قال بنو إسرائيل ذلك استهزاء واستخفافا، فقال لهم رجلان من قومهم، يخشون ربهم ويخافونه، قد أنعم الله عليهم بطاعته، أن خُذوا بالأسباب، وتوكلوا على ربكم، فإن فعلتم أفلحتم، وكانت لكم الغلبة على عدوكم، {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]، فلم تنفع تلك القلوب التي أعماها الخوف تذكرة المذكرين، ولم يمتثلوا لأمر رب العالمين، بل أصروا على ضلالهم وتمادوا في غيهم، {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، فهنا أحسَّ نبي الله موسى بخذلان قومه له، وبانقطاع أسباب الأرض عنه، فالتجأ إلى مسبب الأسباب، ورب الأرباب، وتضرع إليه، {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 25]، فأنزل الله عليهم عذابه، بأن حرمهم الأمن الذي بسببه قعدوا عن الجهاد، والاستقرار الذي لأجله عزفوا عن القتال، {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26].

لقد ذكر الله في هذه القصة حال بني إسرائيل مع نبي الله موسى، إذ خذلوه وتخلوا عنه، ولم ينصروه وقد أمروا بذلك، ولم يعزروه وقد كُتب عليهم ذلك، بل كان ردهم القعود والخذلان، والنفور والعصيان، وزادوا على ذلك السخرية والاستهزاء، فما كان من المؤمنين إلا أن ثبتوا على ما أمروا به من جلاد الأعداء، وصبروا على ما نهوا عنه من الفرار وتولية الأدبار، حتى قال نبي الله موسى: "رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين".
إن أمثال قوم نبي الله موسى من ذوي المعادن الرديئة والنفوس الدنيئة، يدخلون في صفوف أهل الحق إذا قووا، ويحتمون بشوكتهم، وهذا ديدنهم في كل زمان ومكان. فهُم إذا رأوا من عدوهم كثرة عدة وشدة بأس أحجموا عن القتال، وقعدوا عن الجهاد، مع ما أراهم الله من نصره لهم في مواطن كثيرة على من هم أشد منهم قوة، ووعده لهم بالظفر والتمكين. فترى من أضلهم الله ينهون من هداهم عن القتال والجلاد، بل ويسخرون منهم، ويخذلونهم عند حاجتهم لهم، راكنين إلى زخرف الحياة الدنيا، راضين بها، قائلين بلسان حالهم: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون".

وإن هذا الخبث إن وُجد في صفوف المؤمنين، فإن المؤمنين لا يألون جهدا في نصحهم، ولا يدخرون وسعا في تذكيرهم بربهم، رأفة بهم وإشفاقا عليهم، وخوفا من أن يصيبهم الله بذنوب هؤلاء، فيهلك الكل بجريرتهم لكثرة الخبث، روت أم المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها فزعا يقول: (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) وحلَّق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش فقلت: "يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟" قال: (نعم، إذا كثر الخبث) [رواه البخاري]، فإن الخبث إذا كثر، سلط الله على المسلمين المحن والبلاء، والشدة واللأواء، حتى يرجعوا إلى أمر الله، فقد عاقب الله بني إسرائيل لما عتوا عن أمر ربهم بالتيه 40 سنة، حتى فني أولئك العصاة الفاسقون، ونشأ الصبيان على الشدة والجلد، بعيدا عن الدعة والترف، فلما انقضت تلك السنون الأربعون، قاتل الصالحون الجبارين ففتح الله عليهم، ودخلوا الأرض المقدسة، وأسكنهم الله مساكنهم وأورثهم أموالهم.

إن من سنن الله أن يبتلي المسلم إذا تعلق قلبه بغير ربه، فيمتحنه بوقوع ما يكره، أو بفقدان ما يحب، فإن هو رجع إلى الله فكان هو ورسوله أحب إليه مما سواهما من ملذات الدنيا وزخارفها، رفع الله عنه البلاء، ومكن له في الأرض، وإلا بقي في البلاء حتى يرجع، فإن أبى أتى الله بمن هو خير منه، واستبدل به قوما يحبهم ويحبونه، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون فيه لومة لائم، ينصرونه ورسوله، ويقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص، فإنما ينصر المؤمنون بطاعتهم لربهم، وتمسكهم بجماعتهم، وبالمضي قدما في جهادهم، ولا يخذلهم مثل القعود عما أمرهم الله به، والإحجام عما أعده الله لهم من نعيم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 107
الخميس 5 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 107 - قصة شهيد: قُتل منغمساً بالمشركين الحوثة في الصف الأول أبو صالح ...

صحيفة النبأ العدد 107 - قصة شهيد:

قُتل منغمساً بالمشركين الحوثة في الصف الأول
أبو صالح العولقي:
قائد عسكري أقسم أن ينصر دينه وألَّا ينام على ضيم

كان قليل الكلام، شديد التواضع، كريم النفس، طيب السجايا، عفيفا، شهد له إخوانه برُقيّه وسمو أخلاقه، مع ما اكتسى به من شجاعة مفرطة، أقسم أن ينصر دينه وألا ينام على ضيم، عُرض عليه أن يأخذ كفالة مالية من الدولة فلم يرض وقال: لكي نبني الدولة يجب أن نقدم لها لا أن نأخذ منها.

إنه الأخ المجاهد والقائد العسكري أبو صالح العولقي، تقبله الله، من قبيلة العوالق، إحدى أكبر قبائل ولاية شبوة في اليمن، خرَّجت هذه القبيلة كثيرا من المجاهدين الأبطال على مر العصور، وكان للدولة الإسلامية منهم نصيبٌ ليس بالقليل.

تزوج أبو صالح في أرض اليمن وجلس فيها فترة، ثم ضرب في الأرض متجهاً لبلاد الحرمين طلبا للرزق، فعمل في مجال التسويق، لما تميز به من أسلوب قوي في الإقناع وشخصية رزينة في الإلقاء والتعامل، وبينما هو كذلك إذ أراد الله له الخير فساقه له سوقاً.

كان شقيقه يتابع أخبار الدولة الإسلامية، ويحدثه عنها ويبشره بالخير العظيم الذي تحمله وما يناله من ينتسب إليها ومن يكون مؤيدا وناصرا لها من أجر وثواب، ثم ما طفق أن بات يبحث عن أخبار المجاهدين، ويتابع ويواكب أحداث الدولة الإسلامية وتحركاتها في جميع بقاع العالم، حتى تعلق قلبه بها تعلقا كبيرا، وصار جل اهتمامه أن يكون مجاهداً في صفوفها، ويقدم كل ما يستطيع في سبيل نصرتها ونصرة جنودها.


• التحاقه بالركب:

أصبح فؤاد أبي صالح يموج بخلجات النفير والالتحاق بركب جيش الخلافة، وأثناء هذا التماوج ظهر إصدار "جند الخلافة في اليمن" فترك سعيه في الدنيا واكتفى بما رزقه الله منها في بلاد الحرمين وعاد إلى اليمن باحثاً عن سبب أو سبيل يربطه بجند الخلافة، فيسر الله -تعالى- له الأمر وهداه إلى إخوانه وانضم إليهم.

لقد كان لإعلان الخلافة من قِبل الدولة الإسلامية الأثر الكبير في انتشار منهجها، ومؤشرا كبيرا على الهمة العظيمة التي حملها قادة الدولة وأمراؤها من الجيل الأول الذين قدموا دماءهم فداء دينهم وفداء أمتهم، تقبل الله منهم وتقبلهم، لقد حملوا همّ الأمة على عاتقهم ولموا شملها بعد ضياع استمر لمئات الأعوام، فجمعوا الأمة ووحدوا صفها وأقاموا الفريضة المغيبة، فريضة الخلافة، ففرح بها وأحبها كل مؤمن، وكذلك فعلت بأبي صالح العولقي، واغتاظ منها وعارضها وكرهها كل كافر ومنافق.

نفر أبو صالح والتحق بإخوانه في المعسكر، وظهر تميزه -تقبله الله- بين إخوانه منذ بداية نفيره وجهاده، في المضافات والمعسكرات والكتائب، ورأى منه إخوانه الصلاح والسمت والوقار، ما جعله محل ثقة بين إخوانه وأمرائه، فأسلموا إليه المهام تلو المهام، معينا لإخوانه وأميرا عليهم وخادما وناصحا لهم، حتى سلموه إمارة كتيبة "الصديق"، فأجاد وأحسن فصار خير أمير لجنده، إن جالسهم أحبوه، وإن أمرهم أطاعوه، إن شكوا إليه مشكلة أو بثوا إليه هماً لم يجدوا منه إلا أذناً مصغية وقلباً عطوفاً، ومع لين الجانب لإخوانه إلا أنه كان شديداً على أعداء الله، كثيراً ما يشارك في صد حملات الحوثة المشركين، فتجده أول الحاضرين للصف، وكثيرا ما كان يخرج مع إخوانه في مفارز القنص لاصطياد الحوثة المشركين، ويرابط على ثغور المسلمين.

ومن كانت هذه صفاته كان جديراً أن يزيده الله رفعة، فعُيِّن بعدها إداريا عسكريا للجيش.


• من أشد ما مرّ به:

ومن أشد ما مرّ به -تقبله الله- أنه لما تزوج لم يُرزق بذرية وبقي على ذلك مدة طويلة، وقد حاول أن يتعاطى العلاج علّه يُرزق بمولود وسعى لذلك سعياً حثيثاً، لكن دون جدوى، ولما وفقه الله للنفير والجهاد أتاه خبر بأن امرأته حامل، وما هي إلا أشهر معدودة حتى وضعت له مولوداً، فشكر الله وحمده، وعرف أنه فتنة له وأنها الدنيا تزيّنت، ولم يكن ضعيفاً أو مفتوناً فيترك الجهاد أو يستأذن، بل احتسب الأمر عند الله وواصل جهاده، ورباطه وقتاله لأعداء الله.
• استشهاده -تقبله الله-:

عند إعداد جنود الخلافة للغزوة المباركة على منطقة "حمة لقاح"، كلَّفه أمير الجيش بترتيب السرايا وتوزيعها، وكان مما أمره به تجهيز 6 من الانغماسيين، فجهَّز له 5 أسماء وقدمها له، فقال له: أين السادس؟ قال: موجود، ولم يخبره أنه سيجعل نفسه السادس مخافة أن يُمنع من المشاركة في الغزوة، فكان يماطل أميره، وكلما سأله أين الأخ الانغماسي السادس؟ يجيبه بأنه: موجود، حتى اقترب موعد الغزوة، فقال له الأمير: ستبدأ الغزوة ولم تخبرني من السادس؟ فقال أبو صالح: أنا سادسهم، فرفض الأمير والإخوة مشاركته في الغزوة، وبعد إلحاحه الشديد وافقوا، فكان أمير سرية الانغماسيين في اقتحام الجبل.

ولما كانت ليلة الغزوة أخذ يحرض إخوانه على القتال والثبات، وحب لقاء الله، ويذكرهم بالتضرع إلى الله والتوكل عليه وحده دون سواه، وتعظيم الأمر الذي هموا عليه، والانكسار لله عز وجل، ولما طلع فجر يوم الغزوة، سلّم على إخوانه الذين كانوا موجودين فردا فردا وطلب منهم السماح، ثم شد هو وإخوانه الانغماسيون كالصقور الجارحة على مواقع الحوثة المشركين، فقاتلوا قتال الأبطال الشجعان وأثخنوا بالحوثة المشركين، فارتقى -تقبله الله- شهيداً كما نحسبه والله حسيبه، مقبلاً في الصف الأول لم يلفت وجهه حتى قتل، مسطراً بدمه معنىً لمن بعده أن قادة المجاهدين أحرص الناس على نيل الشهادة في سبيل الله، وأنهم يتقدمون الصفوف قبل إخوانهم ولا يتأخرون، وبذلك يكونون خير قدوة وخير محرض لثبات إخوانهم وتنكيلهم بأعدائهم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 107
الخميس 5 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 107 - قصة شهيد: قُتل منغمساً بالمشركين الحوثة في الصف الأول أبو صالح ...

صحيفة النبأ العدد 107 - قصة شهيد:

قُتل منغمساً بالمشركين الحوثة في الصف الأول
أبو صالح العولقي:
قائد عسكري أقسم أن ينصر دينه وألَّا ينام على ضيم

كان قليل الكلام، شديد التواضع، كريم النفس، طيب السجايا، عفيفا، شهد له إخوانه برُقيّه وسمو أخلاقه، مع ما اكتسى به من شجاعة مفرطة، أقسم أن ينصر دينه وألا ينام على ضيم، عُرض عليه أن يأخذ كفالة مالية من الدولة فلم يرض وقال: لكي نبني الدولة يجب أن نقدم لها لا أن نأخذ منها.

إنه الأخ المجاهد والقائد العسكري أبو صالح العولقي، تقبله الله، من قبيلة العوالق، إحدى أكبر قبائل ولاية شبوة في اليمن، خرَّجت هذه القبيلة كثيرا من المجاهدين الأبطال على مر العصور، وكان للدولة الإسلامية منهم نصيبٌ ليس بالقليل.

تزوج أبو صالح في أرض اليمن وجلس فيها فترة، ثم ضرب في الأرض متجهاً لبلاد الحرمين طلبا للرزق، فعمل في مجال التسويق، لما تميز به من أسلوب قوي في الإقناع وشخصية رزينة في الإلقاء والتعامل، وبينما هو كذلك إذ أراد الله له الخير فساقه له سوقاً.

كان شقيقه يتابع أخبار الدولة الإسلامية، ويحدثه عنها ويبشره بالخير العظيم الذي تحمله وما يناله من ينتسب إليها ومن يكون مؤيدا وناصرا لها من أجر وثواب، ثم ما طفق أن بات يبحث عن أخبار المجاهدين، ويتابع ويواكب أحداث الدولة الإسلامية وتحركاتها في جميع بقاع العالم، حتى تعلق قلبه بها تعلقا كبيرا، وصار جل اهتمامه أن يكون مجاهداً في صفوفها، ويقدم كل ما يستطيع في سبيل نصرتها ونصرة جنودها.


• التحاقه بالركب:

أصبح فؤاد أبي صالح يموج بخلجات النفير والالتحاق بركب جيش الخلافة، وأثناء هذا التماوج ظهر إصدار "جند الخلافة في اليمن" فترك سعيه في الدنيا واكتفى بما رزقه الله منها في بلاد الحرمين وعاد إلى اليمن باحثاً عن سبب أو سبيل يربطه بجند الخلافة، فيسر الله -تعالى- له الأمر وهداه إلى إخوانه وانضم إليهم.

لقد كان لإعلان الخلافة من قِبل الدولة الإسلامية الأثر الكبير في انتشار منهجها، ومؤشرا كبيرا على الهمة العظيمة التي حملها قادة الدولة وأمراؤها من الجيل الأول الذين قدموا دماءهم فداء دينهم وفداء أمتهم، تقبل الله منهم وتقبلهم، لقد حملوا همّ الأمة على عاتقهم ولموا شملها بعد ضياع استمر لمئات الأعوام، فجمعوا الأمة ووحدوا صفها وأقاموا الفريضة المغيبة، فريضة الخلافة، ففرح بها وأحبها كل مؤمن، وكذلك فعلت بأبي صالح العولقي، واغتاظ منها وعارضها وكرهها كل كافر ومنافق.

نفر أبو صالح والتحق بإخوانه في المعسكر، وظهر تميزه -تقبله الله- بين إخوانه منذ بداية نفيره وجهاده، في المضافات والمعسكرات والكتائب، ورأى منه إخوانه الصلاح والسمت والوقار، ما جعله محل ثقة بين إخوانه وأمرائه، فأسلموا إليه المهام تلو المهام، معينا لإخوانه وأميرا عليهم وخادما وناصحا لهم، حتى سلموه إمارة كتيبة "الصديق"، فأجاد وأحسن فصار خير أمير لجنده، إن جالسهم أحبوه، وإن أمرهم أطاعوه، إن شكوا إليه مشكلة أو بثوا إليه هماً لم يجدوا منه إلا أذناً مصغية وقلباً عطوفاً، ومع لين الجانب لإخوانه إلا أنه كان شديداً على أعداء الله، كثيراً ما يشارك في صد حملات الحوثة المشركين، فتجده أول الحاضرين للصف، وكثيرا ما كان يخرج مع إخوانه في مفارز القنص لاصطياد الحوثة المشركين، ويرابط على ثغور المسلمين.

ومن كانت هذه صفاته كان جديراً أن يزيده الله رفعة، فعُيِّن بعدها إداريا عسكريا للجيش.


• من أشد ما مرّ به:

ومن أشد ما مرّ به -تقبله الله- أنه لما تزوج لم يُرزق بذرية وبقي على ذلك مدة طويلة، وقد حاول أن يتعاطى العلاج علّه يُرزق بمولود وسعى لذلك سعياً حثيثاً، لكن دون جدوى، ولما وفقه الله للنفير والجهاد أتاه خبر بأن امرأته حامل، وما هي إلا أشهر معدودة حتى وضعت له مولوداً، فشكر الله وحمده، وعرف أنه فتنة له وأنها الدنيا تزيّنت، ولم يكن ضعيفاً أو مفتوناً فيترك الجهاد أو يستأذن، بل احتسب الأمر عند الله وواصل جهاده، ورباطه وقتاله لأعداء الله.
• استشهاده -تقبله الله-:

عند إعداد جنود الخلافة للغزوة المباركة على منطقة "حمة لقاح"، كلَّفه أمير الجيش بترتيب السرايا وتوزيعها، وكان مما أمره به تجهيز 6 من الانغماسيين، فجهَّز له 5 أسماء وقدمها له، فقال له: أين السادس؟ قال: موجود، ولم يخبره أنه سيجعل نفسه السادس مخافة أن يُمنع من المشاركة في الغزوة، فكان يماطل أميره، وكلما سأله أين الأخ الانغماسي السادس؟ يجيبه بأنه: موجود، حتى اقترب موعد الغزوة، فقال له الأمير: ستبدأ الغزوة ولم تخبرني من السادس؟ فقال أبو صالح: أنا سادسهم، فرفض الأمير والإخوة مشاركته في الغزوة، وبعد إلحاحه الشديد وافقوا، فكان أمير سرية الانغماسيين في اقتحام الجبل.

ولما كانت ليلة الغزوة أخذ يحرض إخوانه على القتال والثبات، وحب لقاء الله، ويذكرهم بالتضرع إلى الله والتوكل عليه وحده دون سواه، وتعظيم الأمر الذي هموا عليه، والانكسار لله عز وجل، ولما طلع فجر يوم الغزوة، سلّم على إخوانه الذين كانوا موجودين فردا فردا وطلب منهم السماح، ثم شد هو وإخوانه الانغماسيون كالصقور الجارحة على مواقع الحوثة المشركين، فقاتلوا قتال الأبطال الشجعان وأثخنوا بالحوثة المشركين، فارتقى -تقبله الله- شهيداً كما نحسبه والله حسيبه، مقبلاً في الصف الأول لم يلفت وجهه حتى قتل، مسطراً بدمه معنىً لمن بعده أن قادة المجاهدين أحرص الناس على نيل الشهادة في سبيل الله، وأنهم يتقدمون الصفوف قبل إخوانهم ولا يتأخرون، وبذلك يكونون خير قدوة وخير محرض لثبات إخوانهم وتنكيلهم بأعدائهم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 107
الخميس 5 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
3 ربيع الأول 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً