ميكا. ذري ا من فضل الله علينا ولكن اكثر ناس لا يعلمون. حده. طير. الحديقة فوق. 24

ميكا. ذري ا من فضل الله علينا ولكن اكثر ناس لا يعلمون. حده. طير. الحديقة فوق. 24

66 ايود احدكم ان تكون له جنة. واصابه كبر وله ذرية ضعفاء. فالجزار فالجرار

66
ايود احدكم ان تكون له جنة. واصابه كبر وله ذرية ضعفاء.
فالجزار فالجرار

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (5) تكلمنا في الحلقة السابقة عن اهتمام الأنبياء وأتباعهم ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (5)


تكلمنا في الحلقة السابقة عن اهتمام الأنبياء وأتباعهم بأخبار الغيب، وتبليغها للمسلمين، وتدارسها، والتحقق منها، ونتكلم اليوم عن جانب آخر مهم من هذا الباب يتعلق بالاجتهاد في تأويل هذه الأخبار، وتطبيقها على الوقائع التي يعيشها المسلمون، بناء على قرائن يجدونها تطابق ما جاءهم من أخبار الوحيَين.


• أهل الكتاب يتعرَّفون على النبي الموعود

فقد أمر الله -سبحانه- أهل الكتاب باتباع رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي أخبرهم عن ظهوره في الكتب التي أنزلها على أنبيائهم الذين يزعمون الإيمان بهم واتباعهم، ودلَّهم على وسيلة التأكد من صدق هذا النبي بمطابقة أوصافه لأوصاف الرسول الذي وعدهم بخروجه بعد فترة من الرسل، فقال تعالى: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 156-157].

وهذا المنهج في التأكد من مطابقة أوصاف الوقائع والطوائف والأعيان لما ورد بخصوصها في أخبار الغيب يعلمه أهل الكتاب، بل وطبَّقه بعضهم للتحقق من نبوة النبي، عليه الصلاة والسلام، كما فعل عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- للتأكد من ذلك قبل إسلامه، بأن سأله عن صفات يجب أن تتوفر فيه ليكون على صفة من ورد في الأخبار، كمعرفته لأمور لا يعرفها إلا الأنبياء، فعن حميد عن أنس -رضي الله عنه- قال: "بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فأتاه، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي" [رواه البخاري]، فلما أجابه عنها، عليه الصلاة والسلام، أسلم له وكان من صحابته، وترك ملة آبائه وأجداده، أما بقية قومه، فرغم تصديقهم بالأخبار الواردة فيه، ومعرفتهم لأوصافه، وانتظارهم لخروجه، فإنهم اختاروا عداوته والكفر به، وذلك أنهم ظنوا أنه يخرج في بني إسرائيل، فكان في أمة غيرهم، كما قال -تعالى- فيهم: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 101].

كما وجدنا في قصة هرقل أنه تأكد من نبوته -عليه الصلاة والسلام- من خلال سؤاله أبا سفيان -رضي الله عنه- عن أوصافه وأخباره، فتبين له أنه نبي، وأنه هو الذي وُعدوا به في كتبهم، فقال: "إن يكن ما تقول فيه حقاً فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنّه منكم" [متفق عليه]، فصدَّق بنبوته، ولم يؤمن به، ضناً بملكه، وخوفا على سلطانه.


• النبي وصحابته يتحققون من ابن صياد

وهذا المنهج، هو منهج نبوي، اتبعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التحقق من مطابقة الواقع لما جاءه من الأخبار، كما فعل في قصة ابن صياد، عندما كان صبيا، فيه بعض الصفات التي يعلمها في المسيح الدجال الذي حذَّر أمته منه، فعن عبد الله بن عمر: أن عمر انطلق مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في رهط قِبل ابن صياد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد الحلم، فلم يشعر حتى ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده، ثم قال لابن صياد: (تشهد أني رسول الله؟)، فنظر إليه ابن صياد، فقال: أشهد أنك رسول الأُميِّين، فقال ابن صياد للنبي، صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه، وقال: آمنت بالله وبرسله، فقال له: (ماذا ترى؟)، قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (خلط عليك الأمر)، ثم قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: (إني قد خبأت لك خبيئا)، فقال ابن صياد: هو الدّخُّ، فقال: (اخسأ فلن تعدو قدرك)، فقال عمر، رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إن يكُنهُ فلن تسلط عليه، وإن لم يكُنهُ فلا خير لك في قتله) [رواه مسلم].

فلم يتمكن النبي -عليه الصلاة والسلام- من التبيُّن من ابن صياد كونه هو المسيح الدجال، أم لا، ولكن رغم ذلك، اجتهد بعض صحابة رسول الله، وحكموا عليه أنه هو المسيح الدجال، فلم ينكر عليهم ذلك، كعمر وابنه عبد الله وجابر، رضي الله عنهم أجمعين، فعن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال، قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره النبي، صلى الله عليه وسلم [متفق عليه]، وعن نافع قال: كان ابن عمر يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد [رواه أبو داود].

ونجد أن شك الصحابة في ابن صياد لم يتوقف، واستمروا في الحذر منه، وكراهية مخالطته، رغم ما ظهر منه من صفات تخالف ما جاءهم في الأخبار من صفات الدجال، فعن أبي سعيد الخدري قال: صحبت ابن صائد إلى مكة، فقال لي: أما قد لقيت من الناس يزعمون أني الدجال، ألست سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنه لا يولد له)، قال: قلت: بلى، قال: فقد وُلد لي، أو ليس سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يدخل المدينة ولا مكة)، قلت: بلى، قال: فقد ولدت بالمدينة، وهذا أنا أريد مكة، قال: ثم قال لي في آخر قوله: أما والله إني لأعلم مولده، ومكانه، وأين هو، قال: فلبسني [رواه مسلم].

بل وقد كان من أولاده من جعلهم الله أئمة في الدين، كعمارة بن عبد الله بن صياد، رحمه الله، روى عن سعيد بن المسيب وعطاء بن يسار، وروى عنه مالك والضحاك، وقال عنه يحيى بن معين: ثقة [الجرح والتعديل].


• علي يحكم على الخوارج

وهكذا مضى الصحابة -رضوان الله عليهم- هم ومن تبعهم، يجتهدون في الحكم في أخبار الفتن والملاحم كلما وجدوا من القرائن ما يعينهم على ذلك، كما فعل علي -رضي الله عنه- ومن معه في قصة الخوارج الذين خرجوا عليه، فحرَّض المسلمين على قتالهم، مستعينا على ذلك بما يعلم من أخبار الغيب، وظنَّ أنها جاءت فيهم وفي أمثالهم من المارقين عن الشريعة، فعن سلمة بن كهيل قال: حدثني زيد بن وهب الجهني، أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي -رضي الله عنه- الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي، رضي الله عنه: أيها الناس، إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة)، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم -صلى الله عليه وسلم- لاتكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد، وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس فسيروا على اسم الله [رواه مسلم].

وهكذا وجدنا اجتهاد الصحابة في الحكم على الأحداث، كما أوردنا -في الحلقة الماضية- في جزم حذيفة أن عمر -رضي الله عنهما- لن يشهد الفتنة التي تموج كموج البحر، لأنها لا تكون إلا بعد مقتله، واجتهادهم في الحكم على الطوائف، كحكم علي -رضي الله عنه- على الخوارج بأنهم من المقصودين في حديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الذي يوصي فيه بقتلهم وقتالهم، واجتهادهم في الحكم على الأعيان، كحكمهم على ابن صياد أنه هو الدجال الذي جاءت الأحاديث بالتحذير منه، رغم أن من صفاته ما يناقض تلك الأخبار.

والمحصلة أن الاجتهاد في هذا الباب من أبواب العلم وارد من السلف، رضوان الله -تعالى- عنهم، وأن لهذا الاجتهاد منهجا لمن أراد التوصل من خلاله إلى الأحكام الصحيحة، لا على طريقة أهل الهوى والضلال الذين طفقوا يطبقون أخبار الغيب على واقعهم بغير هدى ولا كتاب منير، كما سنجد في الحلقة القادمة من هذه السلسلة، بإذن الله تعالى.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (5) تكلمنا في الحلقة السابقة عن اهتمام الأنبياء وأتباعهم ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (5)


تكلمنا في الحلقة السابقة عن اهتمام الأنبياء وأتباعهم بأخبار الغيب، وتبليغها للمسلمين، وتدارسها، والتحقق منها، ونتكلم اليوم عن جانب آخر مهم من هذا الباب يتعلق بالاجتهاد في تأويل هذه الأخبار، وتطبيقها على الوقائع التي يعيشها المسلمون، بناء على قرائن يجدونها تطابق ما جاءهم من أخبار الوحيَين.


• أهل الكتاب يتعرَّفون على النبي الموعود

فقد أمر الله -سبحانه- أهل الكتاب باتباع رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي أخبرهم عن ظهوره في الكتب التي أنزلها على أنبيائهم الذين يزعمون الإيمان بهم واتباعهم، ودلَّهم على وسيلة التأكد من صدق هذا النبي بمطابقة أوصافه لأوصاف الرسول الذي وعدهم بخروجه بعد فترة من الرسل، فقال تعالى: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 156-157].

وهذا المنهج في التأكد من مطابقة أوصاف الوقائع والطوائف والأعيان لما ورد بخصوصها في أخبار الغيب يعلمه أهل الكتاب، بل وطبَّقه بعضهم للتحقق من نبوة النبي، عليه الصلاة والسلام، كما فعل عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- للتأكد من ذلك قبل إسلامه، بأن سأله عن صفات يجب أن تتوفر فيه ليكون على صفة من ورد في الأخبار، كمعرفته لأمور لا يعرفها إلا الأنبياء، فعن حميد عن أنس -رضي الله عنه- قال: "بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فأتاه، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي" [رواه البخاري]، فلما أجابه عنها، عليه الصلاة والسلام، أسلم له وكان من صحابته، وترك ملة آبائه وأجداده، أما بقية قومه، فرغم تصديقهم بالأخبار الواردة فيه، ومعرفتهم لأوصافه، وانتظارهم لخروجه، فإنهم اختاروا عداوته والكفر به، وذلك أنهم ظنوا أنه يخرج في بني إسرائيل، فكان في أمة غيرهم، كما قال -تعالى- فيهم: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 101].

كما وجدنا في قصة هرقل أنه تأكد من نبوته -عليه الصلاة والسلام- من خلال سؤاله أبا سفيان -رضي الله عنه- عن أوصافه وأخباره، فتبين له أنه نبي، وأنه هو الذي وُعدوا به في كتبهم، فقال: "إن يكن ما تقول فيه حقاً فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنّه منكم" [متفق عليه]، فصدَّق بنبوته، ولم يؤمن به، ضناً بملكه، وخوفا على سلطانه.


• النبي وصحابته يتحققون من ابن صياد

وهذا المنهج، هو منهج نبوي، اتبعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التحقق من مطابقة الواقع لما جاءه من الأخبار، كما فعل في قصة ابن صياد، عندما كان صبيا، فيه بعض الصفات التي يعلمها في المسيح الدجال الذي حذَّر أمته منه، فعن عبد الله بن عمر: أن عمر انطلق مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في رهط قِبل ابن صياد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد الحلم، فلم يشعر حتى ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده، ثم قال لابن صياد: (تشهد أني رسول الله؟)، فنظر إليه ابن صياد، فقال: أشهد أنك رسول الأُميِّين، فقال ابن صياد للنبي، صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه، وقال: آمنت بالله وبرسله، فقال له: (ماذا ترى؟)، قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (خلط عليك الأمر)، ثم قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: (إني قد خبأت لك خبيئا)، فقال ابن صياد: هو الدّخُّ، فقال: (اخسأ فلن تعدو قدرك)، فقال عمر، رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إن يكُنهُ فلن تسلط عليه، وإن لم يكُنهُ فلا خير لك في قتله) [رواه مسلم].

فلم يتمكن النبي -عليه الصلاة والسلام- من التبيُّن من ابن صياد كونه هو المسيح الدجال، أم لا، ولكن رغم ذلك، اجتهد بعض صحابة رسول الله، وحكموا عليه أنه هو المسيح الدجال، فلم ينكر عليهم ذلك، كعمر وابنه عبد الله وجابر، رضي الله عنهم أجمعين، فعن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال، قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره النبي، صلى الله عليه وسلم [متفق عليه]، وعن نافع قال: كان ابن عمر يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد [رواه أبو داود].

ونجد أن شك الصحابة في ابن صياد لم يتوقف، واستمروا في الحذر منه، وكراهية مخالطته، رغم ما ظهر منه من صفات تخالف ما جاءهم في الأخبار من صفات الدجال، فعن أبي سعيد الخدري قال: صحبت ابن صائد إلى مكة، فقال لي: أما قد لقيت من الناس يزعمون أني الدجال، ألست سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنه لا يولد له)، قال: قلت: بلى، قال: فقد وُلد لي، أو ليس سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يدخل المدينة ولا مكة)، قلت: بلى، قال: فقد ولدت بالمدينة، وهذا أنا أريد مكة، قال: ثم قال لي في آخر قوله: أما والله إني لأعلم مولده، ومكانه، وأين هو، قال: فلبسني [رواه مسلم].

بل وقد كان من أولاده من جعلهم الله أئمة في الدين، كعمارة بن عبد الله بن صياد، رحمه الله، روى عن سعيد بن المسيب وعطاء بن يسار، وروى عنه مالك والضحاك، وقال عنه يحيى بن معين: ثقة [الجرح والتعديل].


• علي يحكم على الخوارج

وهكذا مضى الصحابة -رضوان الله عليهم- هم ومن تبعهم، يجتهدون في الحكم في أخبار الفتن والملاحم كلما وجدوا من القرائن ما يعينهم على ذلك، كما فعل علي -رضي الله عنه- ومن معه في قصة الخوارج الذين خرجوا عليه، فحرَّض المسلمين على قتالهم، مستعينا على ذلك بما يعلم من أخبار الغيب، وظنَّ أنها جاءت فيهم وفي أمثالهم من المارقين عن الشريعة، فعن سلمة بن كهيل قال: حدثني زيد بن وهب الجهني، أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي -رضي الله عنه- الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي، رضي الله عنه: أيها الناس، إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة)، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم -صلى الله عليه وسلم- لاتكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد، وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس فسيروا على اسم الله [رواه مسلم].

وهكذا وجدنا اجتهاد الصحابة في الحكم على الأحداث، كما أوردنا -في الحلقة الماضية- في جزم حذيفة أن عمر -رضي الله عنهما- لن يشهد الفتنة التي تموج كموج البحر، لأنها لا تكون إلا بعد مقتله، واجتهادهم في الحكم على الطوائف، كحكم علي -رضي الله عنه- على الخوارج بأنهم من المقصودين في حديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الذي يوصي فيه بقتلهم وقتالهم، واجتهادهم في الحكم على الأعيان، كحكمهم على ابن صياد أنه هو الدجال الذي جاءت الأحاديث بالتحذير منه، رغم أن من صفاته ما يناقض تلك الأخبار.

والمحصلة أن الاجتهاد في هذا الباب من أبواب العلم وارد من السلف، رضوان الله -تعالى- عنهم، وأن لهذا الاجتهاد منهجا لمن أراد التوصل من خلاله إلى الأحكام الصحيحة، لا على طريقة أهل الهوى والضلال الذين طفقوا يطبقون أخبار الغيب على واقعهم بغير هدى ولا كتاب منير، كما سنجد في الحلقة القادمة من هذه السلسلة، بإذن الله تعالى.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

انتصار المجاهد على المعوقات الحمد لله الذي شرع لعباده أن يجاهدوا أعداءه، ووعدهم الثواب الجزيل ...

انتصار المجاهد على المعوقات

الحمد لله الذي شرع لعباده أن يجاهدوا أعداءه، ووعدهم الثواب الجزيل على طاعتهم له وامتثالهم أمره، وتوعد العاصين بالعقاب الأليم، والصلاة والسلام على نبينا محمد عبد الله ورسوله إمام المجاهدين نبي الملحمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فإنها تقف أمام المسلمين شبهات وشهوات تحول بين أكثرهم وبين الجهاد في سبيل الله، وهذا ناتج عن بعدهم عن دين الله، وعن تعلم شرائع الإسلام، وتساهلهم في العمل بها، وقد أخبر الله -تعالى- أن الناس كلَّهم خاسرون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، والإيمان الصحيح لا يكون إلا عن علم وبصيرة بشرع الله.

فالإنسان ما خلقه الله إلا ليعبده ويوحده، ويجتنب الطاغوت ويكفر به ويجاهده، ليكون الدين كله لله، فتصبح حياته كلها دائرة مع هذا الأصل الذي يوصله إلى موالاة الله ورسوله والمؤمنين، ونصرتهم والدفاع عن دولة الإسلام حيث تقام أحكام الشريعة.


• مجاهدة الشهوات

فُطر الإنسان على حب الحياة وشهواتها من النساء والبنين والأموال، إلا أن إيمانه بما أوجب الله على المتقين يدفعه إلى طاعة الله وأن يبذل في سبيل مرضاته النفس والمال، فالجنة سلعة الله الغالية، أعدها الله لمن يتقونه، والنار الحامية توعَّد بها الله من يعصونه ويخالفون عن أمره، فيعالج المؤمن شهواته بأن يُرغِّب نفسه في ثواب الله الذي أعده للمهاجرين والمرابطين والمجاهدين والشهداء، ويقنعها بقلة متاع الدنيا، والذي هو مع قلته منغص وسريع الزوال، وعلاج القلوب يكون أيضاً بالترهيب من غضب الله وأليم عقابه، كما قال تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 39].

عن سَبرة بن أبي فاكه -رضي الله عنه- قال: سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال له: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟ قال: فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، قال: فعصاه فهاجر، قال: ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له، هو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة ويقسم المال، قال: فعصاه فجاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك منهم فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو قتل كان حقا على الله -عز وجل- أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة) [رواه أحمد].


• شبهات تصد عن سبيل الله

كثيراً ما تقترن الشهوات بالشبهات، فالذي يتهرب من الجهاد يبرر لنفسه ويجادل عن قعوده بالحجج الباطلة، إلى أن يرجف بغيره ويثبطهم عن الجهاد، وإلا، فهل كان صادقاً من قال: {ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي}، فأجابهم الله تعالى: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49].
حاول بعض المنافقين التهرب من الجهاد في سبيل الله بحجة أنهم يخافون من أن يفتتنوا بنساء الروم فيقعوا في الإثم، فبين الله -تعالى- أن هؤلاء المنافقين قد سقطوا من قبل في الفتنة العظمى وهي أنهم كفروا بالله -تعالى- وخادعوه وخادعوا المؤمنين بإظهارهم الإسلام وإبطانهم الكفر، وتعاونوا مع الكفار الصرحاء على حرب الإسلام وحرضوهم على قتال المؤمنين، وأرجفوا في المدينة وحاولوا تخويف المؤمنين من الكفار، وسخروا من المجاهدين واستهزؤوا بهم... إلى غير ذلك من الضلال البعيد، ولذلك توعدهم الله -عز وجل- بجهنم التي ستحيط بالكافرين كلهم سواءً من كان كفره صريحاً ظاهراً ومن كان مخفياً للكفر، ستحيط بهم جهنم فلا يستطيعون منها خروجاً ولا من عذابها تملصاً، ولا يجدون طريقة للهرب من عذاب الله، ولا يخفف عنهم العذاب يوماً من الأيام.

• مرضى القلوب على طريق المنافقين

كثيراً ما يلتف أهل القلوب المريضة حول المنافقين فيسمعون منهم ويتأثرون بهم، ويُخَذل بعضهم بعضاً، حتى تصبح مقالاتُهم واحدةً وكفرُهم واحداً، كما قال -تعالى- فيهم: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12]، وقد أخبر -تعالى- عن سماع الذين في قلوبهم مرض من المنافقين بقوله: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: 47]، أي كثيرو السماع لهم، يصدقونهم في الأخبار والتحليلات، ويتأثرون بحربهم النفسية على المسلمين فيصيبهم الوهن والخوف من الكفار، ثم ينقلون كلام أهل النفاق إلى أسماع المؤمنين فيؤذونهم بذلك، ويقللون من قوة المؤمنين ويهولون قوة الكافرين، وقد توعدهم الله جميعاً بقوله: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا *مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 60-62].


• انتصارٌ سبيله الاصطبار

قد تأتي فتنة التعويق أو التخذيل إلى المجاهد من أناس يحسن بهم الظن أو من بعض من يشاركونه طريق الجهاد، فعليه أن يمضي لأمر الله غير ملتفت إلى العوائق والمعوقين، قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 139].

وقد خرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض غزواته أناس في قلوبهم مرض بل وبعض المنافقين، فلم يلتفت إليهم المجاهدون المخلصون، كما حصل في غزوة تبوك التي أخبرنا الله عن بعض ما جرى فيها من أهل النفاق وتخذيلهم واستهزائهم بالمؤمنين، فأنزل الله -تعالى- سورة التوبة تفضح المنافقين، وتثني على المؤمنين الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، ولم يكن من خُلقهم أن يستأذنوا في ترك الجهاد بأموالهم أو أنفسهم، فهم أهل الصفقة الرابحة، وقد قال -تعالى- فيهم: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

فالتغلب على العقبات واجب على كل مسلم كي يؤدي ما عليه من واجب أوجبه الله -تعالى- عليه بجهاد المشركين، ويثبت على الصراط المستقيم حتى يلقى ربه وهو راض عنه، وعليه أن يضع في حسبانه دائما أن الطريق إلى الجنة محفوفة بما تكرهه النفس من جهد ومشاق وبذل للنفس والمال، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات) [رواه مسلم]، فيجاهد نفسه للتغلب على الشهوات والشبهات، ويجاهد المنافقين والداعين إلى ضلاله، كي يسلم له دينه، وتسلم له آخرته.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

انتصار المجاهد على المعوقات الحمد لله الذي شرع لعباده أن يجاهدوا أعداءه، ووعدهم الثواب الجزيل ...

انتصار المجاهد على المعوقات

الحمد لله الذي شرع لعباده أن يجاهدوا أعداءه، ووعدهم الثواب الجزيل على طاعتهم له وامتثالهم أمره، وتوعد العاصين بالعقاب الأليم، والصلاة والسلام على نبينا محمد عبد الله ورسوله إمام المجاهدين نبي الملحمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فإنها تقف أمام المسلمين شبهات وشهوات تحول بين أكثرهم وبين الجهاد في سبيل الله، وهذا ناتج عن بعدهم عن دين الله، وعن تعلم شرائع الإسلام، وتساهلهم في العمل بها، وقد أخبر الله -تعالى- أن الناس كلَّهم خاسرون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، والإيمان الصحيح لا يكون إلا عن علم وبصيرة بشرع الله.

فالإنسان ما خلقه الله إلا ليعبده ويوحده، ويجتنب الطاغوت ويكفر به ويجاهده، ليكون الدين كله لله، فتصبح حياته كلها دائرة مع هذا الأصل الذي يوصله إلى موالاة الله ورسوله والمؤمنين، ونصرتهم والدفاع عن دولة الإسلام حيث تقام أحكام الشريعة.


• مجاهدة الشهوات

فُطر الإنسان على حب الحياة وشهواتها من النساء والبنين والأموال، إلا أن إيمانه بما أوجب الله على المتقين يدفعه إلى طاعة الله وأن يبذل في سبيل مرضاته النفس والمال، فالجنة سلعة الله الغالية، أعدها الله لمن يتقونه، والنار الحامية توعَّد بها الله من يعصونه ويخالفون عن أمره، فيعالج المؤمن شهواته بأن يُرغِّب نفسه في ثواب الله الذي أعده للمهاجرين والمرابطين والمجاهدين والشهداء، ويقنعها بقلة متاع الدنيا، والذي هو مع قلته منغص وسريع الزوال، وعلاج القلوب يكون أيضاً بالترهيب من غضب الله وأليم عقابه، كما قال تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 39].

عن سَبرة بن أبي فاكه -رضي الله عنه- قال: سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال له: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟ قال: فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، قال: فعصاه فهاجر، قال: ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له، هو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة ويقسم المال، قال: فعصاه فجاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك منهم فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو قتل كان حقا على الله -عز وجل- أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة) [رواه أحمد].


• شبهات تصد عن سبيل الله

كثيراً ما تقترن الشهوات بالشبهات، فالذي يتهرب من الجهاد يبرر لنفسه ويجادل عن قعوده بالحجج الباطلة، إلى أن يرجف بغيره ويثبطهم عن الجهاد، وإلا، فهل كان صادقاً من قال: {ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي}، فأجابهم الله تعالى: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49].
حاول بعض المنافقين التهرب من الجهاد في سبيل الله بحجة أنهم يخافون من أن يفتتنوا بنساء الروم فيقعوا في الإثم، فبين الله -تعالى- أن هؤلاء المنافقين قد سقطوا من قبل في الفتنة العظمى وهي أنهم كفروا بالله -تعالى- وخادعوه وخادعوا المؤمنين بإظهارهم الإسلام وإبطانهم الكفر، وتعاونوا مع الكفار الصرحاء على حرب الإسلام وحرضوهم على قتال المؤمنين، وأرجفوا في المدينة وحاولوا تخويف المؤمنين من الكفار، وسخروا من المجاهدين واستهزؤوا بهم... إلى غير ذلك من الضلال البعيد، ولذلك توعدهم الله -عز وجل- بجهنم التي ستحيط بالكافرين كلهم سواءً من كان كفره صريحاً ظاهراً ومن كان مخفياً للكفر، ستحيط بهم جهنم فلا يستطيعون منها خروجاً ولا من عذابها تملصاً، ولا يجدون طريقة للهرب من عذاب الله، ولا يخفف عنهم العذاب يوماً من الأيام.

• مرضى القلوب على طريق المنافقين

كثيراً ما يلتف أهل القلوب المريضة حول المنافقين فيسمعون منهم ويتأثرون بهم، ويُخَذل بعضهم بعضاً، حتى تصبح مقالاتُهم واحدةً وكفرُهم واحداً، كما قال -تعالى- فيهم: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12]، وقد أخبر -تعالى- عن سماع الذين في قلوبهم مرض من المنافقين بقوله: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: 47]، أي كثيرو السماع لهم، يصدقونهم في الأخبار والتحليلات، ويتأثرون بحربهم النفسية على المسلمين فيصيبهم الوهن والخوف من الكفار، ثم ينقلون كلام أهل النفاق إلى أسماع المؤمنين فيؤذونهم بذلك، ويقللون من قوة المؤمنين ويهولون قوة الكافرين، وقد توعدهم الله جميعاً بقوله: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا *مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 60-62].


• انتصارٌ سبيله الاصطبار

قد تأتي فتنة التعويق أو التخذيل إلى المجاهد من أناس يحسن بهم الظن أو من بعض من يشاركونه طريق الجهاد، فعليه أن يمضي لأمر الله غير ملتفت إلى العوائق والمعوقين، قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 139].

وقد خرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض غزواته أناس في قلوبهم مرض بل وبعض المنافقين، فلم يلتفت إليهم المجاهدون المخلصون، كما حصل في غزوة تبوك التي أخبرنا الله عن بعض ما جرى فيها من أهل النفاق وتخذيلهم واستهزائهم بالمؤمنين، فأنزل الله -تعالى- سورة التوبة تفضح المنافقين، وتثني على المؤمنين الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، ولم يكن من خُلقهم أن يستأذنوا في ترك الجهاد بأموالهم أو أنفسهم، فهم أهل الصفقة الرابحة، وقد قال -تعالى- فيهم: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

فالتغلب على العقبات واجب على كل مسلم كي يؤدي ما عليه من واجب أوجبه الله -تعالى- عليه بجهاد المشركين، ويثبت على الصراط المستقيم حتى يلقى ربه وهو راض عنه، وعليه أن يضع في حسبانه دائما أن الطريق إلى الجنة محفوفة بما تكرهه النفس من جهد ومشاق وبذل للنفس والمال، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (حُفَّت الجنة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات) [رواه مسلم]، فيجاهد نفسه للتغلب على الشهوات والشبهات، ويجاهد المنافقين والداعين إلى ضلاله، كي يسلم له دينه، وتسلم له آخرته.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
4 ربيع الأول 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً