عن عبد الله بن عبّاس -رضي الله عنه-: أَنّ أبا سفيان بن حرب أخبره، أنّ هرقل قال له: سألتك كيف كان ...

عن عبد الله بن عبّاس -رضي الله عنه-:

أَنّ أبا سفيان بن حرب أخبره، أنّ هرقل قال له: سألتك كيف كان قتالكم إيّاه؟ فزعمت أنّ الحرب سجال ودول، فكذلك الرسّل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة.

[رواه البخاري]

÷هشاشة عضام فضاء قبل مخابر اومن للجاذبية طبيعية ÷مصحوب بتقنية كثيرة مثل اين25

÷هشاشة عضام فضاء قبل مخابر اومن للجاذبية طبيعية
÷مصحوب بتقنية كثيرة مثل اين25

مِن أقوال علماء الملّة قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: "ما رأيتُ أكثر أذى للمؤمن من ...

مِن أقوال علماء الملّة

قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-:

"ما رأيتُ أكثر أذى للمؤمن من مخالطة مَن لا يصلح، فإنَّ الطبع يسرق؛ فإنْ لم يتشبه بهم، ولم يسرق منهم، فتر عن عمله، فإنَّ رؤية الدنيا تحث على طلبها، وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- سترًا على بابه، فهتكه وقال: (ما لي وللدنيا؟)، ولبس ثوبًا له طراز، فرماه وقال: (شغلتني أعلامه)، ولبس خاتمًا ثم رماه وقال: (نظرة إليكم، ونظرة إليه)، وكذلك رؤية أرباب الدنيا، ودورهم وأحوالهم، خصوصًا لمن له نفس تطلب الرفعة".

[صيد الخاطر]
...المزيد

سبيل النصر تتطلع أعناق المسلمين للنصر وتتوق نفوسهم إليه، لكن القليل من يبادر ويسعى جاهدا ليكون ...

سبيل النصر

تتطلع أعناق المسلمين للنصر وتتوق نفوسهم إليه، لكن القليل من يبادر ويسعى جاهدا ليكون سببا في تحقيقه، والكثيرون صاروا سببا في إعاقته وتأخيره، وأكثر منهم الذين يكتفون بالمشاهدة عن بعد ويتنقلون بين مقاعد المشجعين المصفقين أو مراصد المنتقدين المنتقصين هوى وعبثية، كأن الساحة لا تعنيهم والتكاليف لا تشملهم، من هنا تأخر النصر وحلت بالمسلمين الهزائم.

فتذكيرا لمن نسي، وتعليما لمن جهل، وإيقاظا لمن غفل، نسوق بعض عوامل النصر في ضوء الكتاب والسنة بفهم القرون المفضلة، توجيها للعامة ووصية للخاصة، إبراء للذمة ونصحا للأمة، واستنهاضا للهمم العاثرة والعزائم الخائرة التي ضلّت طريق النصر وطلبته في غير مظانه فلم تظفر بغير الهزيمة المضاعفة.

إن الله تعالى سطّر في كتابه وعدا لعباده لا يُخلفه سبحانه، فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ... يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}، وأكّد ذلك الوعد للباذلين أسبابه، وحسمه وبيّنه بقوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}، قال إمام المفسرين: "يقولُ تعالى ذكرُه: وليُعِينَنَّ اللَّهُ مَن يُقاتِلُ في سبيله لتكونَ كلمتُه العُلْيَا على عدوِّه، فنَصْرُ اللَّهِ عبدَه؛ مَعونتُه إياه، ونَصْرُ العبدِ ربَّه؛ جهادُه في سبيله، لتكون كلمتُه العُلْيا". أهـ.

وعليه فلا نصر للأمة حتى تنصر ربّها سبحانه وتعلي كلمته على الوجه الذي ارتضاه سبحانه وشرَعه، لا على الوجوه المبتدعة التي أغرقت الأمة اليوم.

واعلموا أن كلمته -سبحانه- لا تكون هي العليا إلا بعلو شريعته على ما سواها من الشرائع الوضعية، وتحكيمها والرجوع إليها دون غيرها في سائر الأمور الدينية والدنيوية، ولا تكون كلمته هي العليا إلا بمحبته -تعالى- وتقديمها على سائر المحابّ، ومحبة أوليائه ونصرتهم وبغض أعدائه ومحاربتهم، وتكون كلمة الله هي العليا بتعظيم دينه وشعائره والقيام بها على أكمل الوجوه وأحسنها، كل هذه المعاني تنسلّ من مفهوم "نصرة العبد مولاه" بالجهاد في سبيله، إعلاءً لكلمته.

فهذا العامل الأول وهو القتال في سبيل الله صونا للتوحيد ومحقا للشرك، لقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، قال البغوي: "أَيْ: شِرْكٌ، قَالَ الرَّبِيعُ: حَتَّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ، وَيَكُونَ الدِّينُ خَالِصًا لِلَّهِ لَا شِرْكَ فِيهِ". أهـ.

فالسبيل حتى يكون الدين كله لله، وحتى ينتهي الكافرون عن الكفر، هو الجهاد والقتال في سبيل الله تعالى، ولا سبيل غيره يحقق هذه الغاية مهما سلك الناس سبلا أخرى، بل إن من أخص صفات الطائفة المنصورة؛ القتال على الحق حتى يأتيهم أمر الله تعالى.

ويرتبط هذا العامل ارتباطا وثيقا بأمرين لا ينفكان؛ أحدهما: الجهاد بالمال في سبيل الله، ولئن عجز الكثيرون عن الجهاد بالنفس أو أحصروا عن الهجرة، فدونهم الجهاد بالمال فهو اليوم من أوسع أبواب الجهاد، والأمر الثاني هو الإعداد وهو متعلق بالأول، ولنا عبرة بصنيع عثمان رضي الله عنه، عندما جهّز جيش العسرة بألف دينار، وصبّها في حجر النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعل يقلّبها بيده، ويقول: (ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم) يرددها مرارا. [أحمد والترمذي]

ومن عوامل النصر الهجرة في سبيل الله، وهي باقية ما قوتل الكفار، وما لم تطلع الشمس من مغربها، كما روى أبو داود عن عبد الله بن وقدان قال: وفدت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، إني تركت مَن خلفي وهم يزعمون أن الهجرة قد انقطعت، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار)، ومعلوم أن الإسلام ما قام وعزّ إلا بعد الهجرة وانطلاق قوافل المهاجرين، في طليعتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وخيرة أصحابه من حوله.

ومن عوامل النصر الثبات على الدين والاستقامة عليه علما وعملا ولو تخلّف عنه الأكثرون واستثقلوه، أو تنكروا له، بل ولو حاربوه، وقد صحّ عن ابن مسعود موقوفا: "لا يكن أحدكم إمّعة، يقول: أنا مع الناس.. ألا ليوطن أحدكم نفسه على إنْ كفر الناس، ألا يكفر"، ورُوي قريبا من ذلك عن الإمام أحمد وغيره من أئمة السلف، وقد ذم سبحانه الأكثرية في غير موضع من كتابه كقوله: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}، فعُلم بذلك أن الثبات على الدين يخالف هوى الأكثرية خصوصا في زماننا هذا، وبمثل هذا الثبات ولزوم الجادة، يتحقق النصر ويتنزل.

ومن عوامل النصر اجتماع المسلمين والتفافهم حول إمام واحد وخلف راية واحدة ومنهاج واحد، ونبذ كل أسباب الفرقة والاختلاف من الحدود الوهمية والنعرات والعصبيات القومية والوطنية والحزبية، وإبدالها بالولاء والبراء وجعله حكما وقائدا.

وأما التوكل على الله فهو باب النصر ومفتاحه، فإذا اقترن بالصبر والتقوى وبذل الأسباب ومراعاة السنن؛ فحري أن يُمكّن صاحبه ويورثه -تعالى- أرضه يعمرها بالإسلام والتقوى، لقوله تعالى: {قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.

وأخيرا؛ فليكن في الحسبان أن مقومات النصر كُلها مرتكزة على التضحية والبذل والصبر والمصابرة، ومن أراد نصرا بلا تضحية فهو مخذول يتمنى على الله الأماني ويخالف منطوق كتابه: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}، وقال: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ}، ولنا في النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضي الله عنهم أسوة حسنة، فقد ضحوا بالنفس والنفيس، وبذلوا الغالي والرخيص، ولم يترخَّصوا أو يستقيلوا يوما، حتى فتح الله على أيديهم البلاد وقلوب العباد ونصرهم نصرا مؤزرا، فهذا سبيل النصر في الأولين وهو ذاته في الآخرين، ولينصرن الله من ينصره.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 509
السنة السابعة عشرة - الخميس 27 صفر 1447 هـ

المقال الافتتاحي:
سبيل النصر
...المزيد

الحوار المشهود والعذاب الموعود (2) لقد كشف الله -تبارك وتعالى- بعض مشاهد الغيب التي ستقع لا ...

الحوار المشهود والعذاب الموعود (2)

لقد كشف الله -تبارك وتعالى- بعض مشاهد الغيب التي ستقع لا محالة بين الكفار وهم يُعذَّبون في نار جهنم، والتي تتضمن الاتهامات المتبادلة بين الطواغيت والرؤساء المتبوعين، وبين أتباعهم وجندهم وأنصارهم الذين بنَوا سلطان الكفر لهم، وقد تكررت هذه الحوارات في كثير من آيات القرآن العظيم، فذكر الله -تعالى- أن أهل النار يتخاصمون ويتحاجون ويتَّهم بعضهم بعضا، ويتبرأ المتبوعون من التابعين لهم، كما في قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: 166]
قال الإمام الطبري رحمه الله: "والصواب من القول عندي في ذلك أنّ الله -تعالى ذكره- أخبرَ أنّ المتَّبَعين على الشرك بالله يتبرؤون من أتباعهم حين يعاينون عذاب الله. ولم يخصص بذلك منهم بعضاً دون بعض، بل عَمّ جميعهم. فداخلٌ في ذلك كل متبوع على الكفر بالله والضلال أنه يتبرأ من أتباعه الذين كانوا يتَّبعونه على الضلال في الدنيا، إذا عاينوا عَذابَ الله في الآخرة" [جامع البيان في تأويل القرآن].

وهذه المودة التي بينهم في الدنيا والتعاضد في نشر الكفر والرذيلة وحرب الموحدين والصد عن سبيلهم، تتحول إلى حسرة وندامة وتبادل للتُّهم بين الرؤساء والقادة المتبوعين، وبين جندهم وأنصارهم، قال الله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [العنكبوت: 25].

وفي ثنايا تلك الحوارات والخصومات بين الكفار حين يُعاينون العذاب تبريرات فاسدة لما كانوا عليه من الكفر وتعاونهم عليه والدفاع عنه، فأول تلك الحوارات حين يقفون بين يدي خالقهم جل في علاه، قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "قال الله -تعالى- متهددا لهم ومتوعدا، ومخبرا عن مواقفهم الذليلة بين يديه في حال تخاصمهم وتحاجهم: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} منهم وهم الأتباع: {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} وهم قادتهم وسادتهم: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31]، أي: لولا أنتم تصدونا، لكنا اتبعنا الرسل وآمنا بما جاءونا به، فقال لهم القادة والسادة، وهم الذين استكبروا: {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ}، أي: نحن ما فعلنا بكم أكثر من أنَّا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل ولا برهان، وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التي جاءت بها الأنبياء، لشهوتكم واختياركم لذلك؛ ولهذا قالوا: {بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي: بل كنتم تمكرون بنا ليلا ونهارا، وتَغُرُّونا وتُمَنُّونا، وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شيء، فإذا جميع ذلك باطل وكَذبٌ ومَيْن، قال قتادة، وابن زيد: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} يقول: بل مكرهم بالليل والنهار، وكذا قال مالك، عن زيد بن أسلم: مكرهم بالليل والنهار، {إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} أي نظراء وآلهة معه، وتقيموا لنا شُبَهاً وأشياء من المحال تضلونا بها، {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} [سبأ: 31 - 33]، أي: الجميع من السادة والأتباع، كُلٌّ نَدم على ما سَلَف منه" [تفسير القرآن العظيم].

ومن الحقائق التي يقر بها الكفار وكانوا يستكبرون عنها في الدنيا أو يسموها بغير اسمها هي اعترافهم بما كانوا عليه من اتخاذ الأرباب وتسويتهم برب الأرباب سبحانه وتعالى، فهؤلاء الأتباع العابدون للطواغيت المشرعون لأحكام جاهلية كفرية، أو العابدون للحكام الحاكمين بشرائع البشر تلك، أو العابدون لأي طاغوت في العالم بأي نوع من العبادة، كل هؤلاء سيعترفون أنهم في ضلال مبين بعد أن كانوا يرمون خصومهم الموحدين في الدنيا بالضلال والظلم والظلامية، ويختصمون مع طواغيتهم ويقرون بتسوية طواغيتهم وشريعتهم وأمرهم مع رب العالمين وشريعته وأمره، كما قال الله -تعالى- عن مقولتهم تلك بعد معاينة العذاب: {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 96 - 98]، قال الإمام ابن كثير: "نجعل أمركم مطاعا كما يطاع أمر رب العالمين، وعبدناكم مع رب العالمين" [تفسير القرآن العظيم].

وفي مشهد آخر يفزع الأتباع إلى سادتهم ليجدوا لهم منجى من عذاب الله، هؤلاء الأتباع الذين كانوا يأتمرون بأمر هؤلاء الطواغيت في حرب الله وأوليائه ودينه، والذين يلجؤون إليهم حين تحدق بهم أخطار المجاهدين، فيكونوا لهم ردءا وعونا فيعقدون التحالفات ويحتشدون جنبا إلى جنب، لحرب دين الله وعباد الله الموحدين، فيلجأ المرتد إلى طاغوته، ويلجأ الطاغوت المرتد إلى الطاغوت الصليبي، وهكذا يصور لنا القرآن مشهدا جديدا من الفزع، حين يهرع الأتباع إلى طواغيتهم ليخلصوهممن عذاب الله ولات حين خلاص، قال الإمام الطبري في تفسير آيات هذا الحوار بين القادة والأتباع: "{فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}، يقول: فقال التُّبَّاع منهم للمتبوعين، وهم الذين كانوا يستكبرون في الدنيا عن إخلاص العبادة لله واتباع الرسل الذين أرسلوا إليهم: {إنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا}، في الدنيا وإنما عنَوا بقولهم: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا}، أنهم كانوا أتباعهم في الدنيا يأتمرون لما يأمرونهم به من عبادة الأوثان والكفر بالله، وينتهون عما نهوهم عنه من اتِّباع رسل الله، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}، يعنون: فهل أنتم دافعون عنَّا اليوم من عذاب الله من شيء، {قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ}، قالت القادةُ على الكفر بالله لتُبَّاعها: {لَوْ هَدَانَا اللَّهُ}، يعنون: لو بَيَّن الله لنا شيئاً ندفع به عَذَابَه عنا اليوم، {لَهَدَيْنَاكُمْ}، لبيَّنا ذلك لكم حتى تدفعوا العذابَ عن أنفسكم، ولكنا قد جزعنا مِن العذاب، فلم ينفعنا جزعُنا منه وصَبْرُنا عليه، {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم: 21]، يعنون: ما لهم من مَراغٍ يرُوغون عنه" [تفسير الطبري].

وفي مشهد آخر أخبرنا به الله -تبارك وتعالى- أن هؤلاء القادة والأتباع سيتحاورون ويتحاجون بعد دخولهم النار، وذلك حين يضج الجمع الضال الغفير إلى قادتهم الطواغيت، ويحاجونهم أنهم كانوا لهم أوتادا وجندا يأتمرون بأمرهم ويقيمون سلطان باطلهم، قال الإمام ابن كثير في تفسير هذا الحوار: "يخبر -تعالى- عن تحاجِّ أهل النار في النار، وتخاصمهم، وفرعون وقومه من جملتهم {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ} وهم: الأتباع {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} وهم: القادة والسادة والكبراء: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} أي: أطعناكم فيما دعوتمونا إليه في الدنيا من الكفر والضلال، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} أي: قسطا تتحملونه عنا، {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} أي: لا نتحمل عنكم شيئا، كفى بنا ما عندنا، وما حملنا من العذاب والنكال، {إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر: 47 - 48] أي: يقسم بيننا العذاب بقدر ما يستحقه كلٌّ مِنَّا" [تفسير القرآن العظيم].

إن الله -تعالى- حكم بين هؤلاء بما يستحقونه، فكيف كان هذا الحكم ولماذا؟ كان هذا الحكم بعد أن طلب الأتباع بمضاعفة العذاب لقادتهم لأنهم أدخلوهم النار بسبب إضلالهم لهم وذاك في قوله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 67 - 68].وفي مشهد عظيم من هذه المشاهد الرهيبة، تجتمع ملل الكفر كلها في نار جهنم، حينها يطلب آخر أمم الكفر مضاعفة العذاب لمن سبقهم في الكفر من تلك الملل، لأنهم زينوا لهم طريق الكفر والضلالة، كما تتواصى الأمم اليوم في إشاعة دين الكفر الديموقراطية، وتخلف أمة إثر أمة بهذا الدين الباطل في الكفر وإشاعة الشرك والرذائل والظلم والفساد الكبير، قال الله -تعالى- عن تلك الأمم من الجن والإنس: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38].

قال الإمام الطبري في تفسير آيات هذا المشهد: "وهذا خبر من الله -جل ثناؤه- عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة، يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فادَّاركوا، قالت أخرى أهل كل ملة دخلت النار، الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تَقَدَّمتها وكانت لها سلفاً وإماماً في الضلالة والكفر، لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك، ودعونا إلى عبادة غيرك، وزيَّنوا لنا طاعة الشيطان، فآتهم اليوم من عذابك الضعفَ على عذابنا".

هذا هو طلب الأتباع من الأفراد والأمم الذين ائتمروا بأوامر القادة المُتَّبَعين، طلبهم أن يضاعف العذاب لمن كان سبب إضلالهم، فجاء الحكم من الله -تعالى- بأن العذاب مضاعف لكل الكفار بقدر إضلالهم، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "قوله: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38] أي: قد فعلنا ذلك وجازينا كلا بحسبه، كما قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88].


نسأل الله -تعالى- بمنِّه وكرمه أن يثبتنا على دينه ويجيرنا من العذاب والضلال، ومشاهد الخزي والنكال، والحمد لله على نعمة الإسلام.


• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

تصدَّقَ على سارقٍ وزانيةٍ وغني عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ...

تصدَّقَ على سارقٍ وزانيةٍ وغني


عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رجل لأتصدقنَّ بصدقة: فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدَّقَ على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقنَّ بصدقة: فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانية، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقنَّ بصدقة: فخرج بصدقته فوضعها في يدي غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني، فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني، فأتي فقيل له أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله" [متفق عليه].

وسبب تعجبهم هو أن الصدقة لم تقع في مكانها المعهود أي عند أهل الحاجات، ففي هذه القصة أن صدقة هذا الرجل قبلت وإن لم تقع في يد المحتاجين ما دامت نيته صالحة، وأن المرء يجتهد في الصدقة فإن وقعت في مثل هذه الأصناف فإن الأمر لا يخلو من الخير للمتصدق عليه كما هي الحكم المذكورة في الحديث، ومن الحكم في هذا الحديث عدم التضجر بل التسليم لقضاء الله واستحباب تكرار التصدق فإن موضع الصدقة كله خير أينما وقع، وإن قبول الأعمال عند الله -تعالى- مرتبط بالإخلاص له سبحانه، وفيه دفع لوساوس الشيطان في عدم التصدق بدعوى عدم معرفة حال السائل، فيُحرم من العطاء من هو مستحق.


• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ إن معصية الله تنقص الإيمان، ولكنها لا تزيل عن صاحبها ...

تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ

إن معصية الله تنقص الإيمان، ولكنها لا تزيل عن صاحبها الوصف به، ولا تمنع عنه الحقوق التي تجب لكل مؤمن، إلا أن تكون تلك المعصية شركا بالله أو كفرا به، فإنها تنقض الإيمان، وتمنع من اتصاف صاحبها بوصفه، كما تمنع عنه حقوق أهل الإيمان، وتوجب معاملته معاملة المشركين المعاندين.

وهذا الأمر من أهم أصول أهل السنة والجماعة، التي تفرق بينهم وبين أهل البدع من الخوارج وسواهم من أهل الأهواء، الذين يكفِّرون بمطلق المعصية، ويخرجون الناس من صف المؤمنين، ويعاملونهم معاملة المشركين بمجرد وقوع أحدهم في كبيرة.

ولا يخفى على مسلم أن القعود عن الجهاد والفرار من الزحف هما من الكبائر التي تُغضب الرب جل وعلا، ويترتب عليها الذنب الكبير لمن فعلها، ولكن رغم عظم هذا الذنب فإنه مشمول أيضا بمغفرة الله -عز وجل- لفاعله إن شاء، وتوبته عليه إن تاب منه، وتكفيره بفعل غيره من الحسنات.

وقد وقع في هذه المعصية نفر من خيار الناس، وهم صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما حدث في غزوة أحد، حيث زلَّت كثير من الأقدام، وعاتبهم الله -سبحانه- على فعلهم بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155]، فالذين وقعوا في هذه الكبيرة من الصحابة قد مكَّنوا الشيطان من أنفسهم بما اكتسبوا من الذنوب فاستزلهم عن الثبات مع رسول الله، وانهزموا أمام المشركين، ولكن الله -عز وجل- حلم عليهم، فلم يسارع لهم بالعقوبة جزاءا على فرارهم، بل أخرهم ثم عفا عنهم وغفر لهم، وهكذا يعامل الله -جل جلاله- أولياءه المؤمنين، فهو الغفور الحليم.

وعلى هذه السنة ينبغي أن تكون معاملة المسلم لأخيه المسلم، ولو استزله الشيطان فوقع في كبيرة من الكبائر، كالتولي يوم الزحف، فإن هذه المعصية لا تزيل عنه صفة الإيمان الظاهر، الذي على أساسه تقوم المعاملة بين المؤمنين.

وإن كان بعض المسلمين قد استزلهم الشيطان هذه الأيام، فتركوا جهادهم، أو نقضوا هجرتهم، أو نكثوا عهودهم وبيعاتهم، فإن كل ذلك من كبائر الذنوب ولا شك، وإننا نبرأ إلى الله منها، ولكننا رغم ذلك نحفظ لمن فعلها حق ولايتنا لهم ما داموا متصفين بصفة الإيمان، ولم ينقضوا أصل دينهم، بطعنهم فيما كانوا به من أحكام الشريعة مقرين، أو إعانتهم لأعدائنا من المشركين، أو إظهار الكفر من بعد النفاق الدفين.

وعلى كل مسلم أن ينظر إليهم نظرته إلى أي من العصاة، وأن يجهد نفسه في تذكيرهم بالله عز وجل، ودعوتهم إلى التوبة والإنابة إلى الله سبحانه، فإن أكثرهم -بفضل الله- قد حيت قلوبهم طويلا بذكر الله، فإن ران عليها شيء، بسبب حب الدنيا وكراهية الموت، فإنه لن يكون صعبا جلاء تلك القلوب، وإحياؤها من جديد بذكر الله تعالى، والخوف منه سبحانه، لتعود نابضة بحب هذا الدين وأهله، والشوق إلى الجهاد في سبيل الله، وطلب الشهادة والمنازل العلى من الجنة، ولن يتعب المرء في إزالة الغشاوة التي ألقاها الشيطان على أبصارهم، فأعمتهم عن رؤية الخير الذي كانوا فيه، والفتنة التي يساقون إليها، فإذا أصابوا ذنبا تذكروا وأبصروا الهدى، وتمسكوا به.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].



• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

أخي المجاهد: سادات الناس في الدنيا الأسخياء أخي المجاهد، للسخاء معانٍ عظيمة حثَّ عليها الإسلام ...

أخي المجاهد: سادات الناس في الدنيا الأسخياء

أخي المجاهد، للسخاء معانٍ عظيمة حثَّ عليها الإسلام ورغَّب بها، وأجزل العطاء لفاعلها، ووصف بالفلاح أصحابها، فقال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].

فالسخاء هو العطاء عن طيب نفس بدون أن تستكثر النفس ذلك العطاء أو تجد موجدة بعد إنفاقه، وإن أرفع درجات السخاء أن يجود المرء بنفسه في سبيل مولاه، فيقاتل أعداءه لتحكيم شرعه، ويتحمل في سبيل ذلك الأذى والجوع والنصب، ويقدم المال والأهل والولد، ومن جاد بنفسه هان عليه ما دون ذلك، ولذلك فإن الكرم والشجاعة صنوان.

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "وبالشجاعة والكرم في سبيل الله فضَّل الله السابقين فقال: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]" [مجموع الفتاوى].

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: (ما سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيء قط فقال: لا) [متفق عليه].

ولنا في سيرة صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند تجهيز جيش العسرة خير مثال، وقد قدَّم أبو بكر الصديق كل ماله، وجاء عمر بن الخطاب بنصف ماله، وجهَّز عثمان بن عفان ثلث الجيش، وتصدَّق عبد الرحمن بن عوف بمئتي أوقية من الفضة، وقدَّم عاصم بن عدي سبعين وسقاً من تمر، وتصدَّقت النساء بالمعاضد والخلاخل، وتصدَّق العباس بتسعين ألفاً.

وتروي لنا السير أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- اشترى بئر رومية من اليهودي الذي كان يبيع الماء للمسلمين بسعر مرتفع، وجعلها للمسلمين دون مقابل، واشتهر عنه -رضي الله عنه- أنه كان عتَّاقاً للرقاب.

قال الإمام عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "ومقام الإنفاق من أشرف مقامات الدين وتفاوت الناس فيه بحسب ما جبلوا عليه من الكرم وضدهما من البخل والشح فالأول: محمود في الكتاب والسنة والثاني: مذموم فيهما، وقد حث الله -تعالى- عباده على الإنفاق لعظم نفعه وتعديه وكثرة ثوابه" [فتح المجيد].

وقال بعضهم للسخاء صور كثيرة غير مقتصرة على بذل المال فحسب، بل هي أعم وأشمل، منها سعي الإنسان في قضاء حوائج الناس وتنفيس كرباتهم، ومنها السخاوة بالجاه، بحيث يبذل المرء استطاعته في الشفاعات الحسنة، وبذل القدرة في إحقاق الحق، ونصرة المظلوم، وإعانة الضعيف، وسخاوة الإنسان بوقته في سبيل نفع الناس، كالتعليم والتدريب وغيره، والنصح والإرشاد، ومن صوره كذلك البشاشة في وجوه الناس، والتجاوز عمن أساء.

أخي المجاهد، أنفق وأبشر بالثواب، وأبشر فلا خوف ولا حزن، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262].

أخي المجاهد، أنفق فقد تكفل لمن يعطي بأن يخلف له ويرزقه، كما في قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39].

فتأمل أخي هذه النصوص المباركة وتذكرها دائما واجعلها دافعا لك على السخاء في جميع حالاتك، تنل عطاءً لا حدود له من الله تعالى.


• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

عن عبد الله بن عبّاس -رضي الله عنه-: أَنّ أبا سفيان بن حرب أخبره، أنّ هرقل قال له: سألتك كيف كان ...

عن عبد الله بن عبّاس -رضي الله عنه-:

أَنّ أبا سفيان بن حرب أخبره، أنّ هرقل قال له: سألتك كيف كان قتالكم إيّاه؟ فزعمت أنّ الحرب سجال ودول، فكذلك الرسّل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة.

[رواه البخاري]

مِن أقوال علماء الملّة قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-: "ما رأيتُ أكثر أذى للمؤمن من ...

مِن أقوال علماء الملّة

قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله تعالى-:

"ما رأيتُ أكثر أذى للمؤمن من مخالطة مَن لا يصلح، فإنَّ الطبع يسرق؛ فإنْ لم يتشبه بهم، ولم يسرق منهم، فتر عن عمله، فإنَّ رؤية الدنيا تحث على طلبها، وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- سترًا على بابه، فهتكه وقال: (ما لي وللدنيا؟)، ولبس ثوبًا له طراز، فرماه وقال: (شغلتني أعلامه)، ولبس خاتمًا ثم رماه وقال: (نظرة إليكم، ونظرة إليه)، وكذلك رؤية أرباب الدنيا، ودورهم وأحوالهم، خصوصًا لمن له نفس تطلب الرفعة".

[صيد الخاطر]
...المزيد

سبيل النصر تتطلع أعناق المسلمين للنصر وتتوق نفوسهم إليه، لكن القليل من يبادر ويسعى جاهدا ليكون ...

سبيل النصر

تتطلع أعناق المسلمين للنصر وتتوق نفوسهم إليه، لكن القليل من يبادر ويسعى جاهدا ليكون سببا في تحقيقه، والكثيرون صاروا سببا في إعاقته وتأخيره، وأكثر منهم الذين يكتفون بالمشاهدة عن بعد ويتنقلون بين مقاعد المشجعين المصفقين أو مراصد المنتقدين المنتقصين هوى وعبثية، كأن الساحة لا تعنيهم والتكاليف لا تشملهم، من هنا تأخر النصر وحلت بالمسلمين الهزائم.

فتذكيرا لمن نسي، وتعليما لمن جهل، وإيقاظا لمن غفل، نسوق بعض عوامل النصر في ضوء الكتاب والسنة بفهم القرون المفضلة، توجيها للعامة ووصية للخاصة، إبراء للذمة ونصحا للأمة، واستنهاضا للهمم العاثرة والعزائم الخائرة التي ضلّت طريق النصر وطلبته في غير مظانه فلم تظفر بغير الهزيمة المضاعفة.

إن الله تعالى سطّر في كتابه وعدا لعباده لا يُخلفه سبحانه، فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ... يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}، وأكّد ذلك الوعد للباذلين أسبابه، وحسمه وبيّنه بقوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}، قال إمام المفسرين: "يقولُ تعالى ذكرُه: وليُعِينَنَّ اللَّهُ مَن يُقاتِلُ في سبيله لتكونَ كلمتُه العُلْيَا على عدوِّه، فنَصْرُ اللَّهِ عبدَه؛ مَعونتُه إياه، ونَصْرُ العبدِ ربَّه؛ جهادُه في سبيله، لتكون كلمتُه العُلْيا". أهـ.

وعليه فلا نصر للأمة حتى تنصر ربّها سبحانه وتعلي كلمته على الوجه الذي ارتضاه سبحانه وشرَعه، لا على الوجوه المبتدعة التي أغرقت الأمة اليوم.

واعلموا أن كلمته -سبحانه- لا تكون هي العليا إلا بعلو شريعته على ما سواها من الشرائع الوضعية، وتحكيمها والرجوع إليها دون غيرها في سائر الأمور الدينية والدنيوية، ولا تكون كلمته هي العليا إلا بمحبته -تعالى- وتقديمها على سائر المحابّ، ومحبة أوليائه ونصرتهم وبغض أعدائه ومحاربتهم، وتكون كلمة الله هي العليا بتعظيم دينه وشعائره والقيام بها على أكمل الوجوه وأحسنها، كل هذه المعاني تنسلّ من مفهوم "نصرة العبد مولاه" بالجهاد في سبيله، إعلاءً لكلمته.

فهذا العامل الأول وهو القتال في سبيل الله صونا للتوحيد ومحقا للشرك، لقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، قال البغوي: "أَيْ: شِرْكٌ، قَالَ الرَّبِيعُ: حَتَّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ، وَيَكُونَ الدِّينُ خَالِصًا لِلَّهِ لَا شِرْكَ فِيهِ". أهـ.

فالسبيل حتى يكون الدين كله لله، وحتى ينتهي الكافرون عن الكفر، هو الجهاد والقتال في سبيل الله تعالى، ولا سبيل غيره يحقق هذه الغاية مهما سلك الناس سبلا أخرى، بل إن من أخص صفات الطائفة المنصورة؛ القتال على الحق حتى يأتيهم أمر الله تعالى.

ويرتبط هذا العامل ارتباطا وثيقا بأمرين لا ينفكان؛ أحدهما: الجهاد بالمال في سبيل الله، ولئن عجز الكثيرون عن الجهاد بالنفس أو أحصروا عن الهجرة، فدونهم الجهاد بالمال فهو اليوم من أوسع أبواب الجهاد، والأمر الثاني هو الإعداد وهو متعلق بالأول، ولنا عبرة بصنيع عثمان رضي الله عنه، عندما جهّز جيش العسرة بألف دينار، وصبّها في حجر النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعل يقلّبها بيده، ويقول: (ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم) يرددها مرارا. [أحمد والترمذي]

ومن عوامل النصر الهجرة في سبيل الله، وهي باقية ما قوتل الكفار، وما لم تطلع الشمس من مغربها، كما روى أبو داود عن عبد الله بن وقدان قال: وفدت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، إني تركت مَن خلفي وهم يزعمون أن الهجرة قد انقطعت، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار)، ومعلوم أن الإسلام ما قام وعزّ إلا بعد الهجرة وانطلاق قوافل المهاجرين، في طليعتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وخيرة أصحابه من حوله.

ومن عوامل النصر الثبات على الدين والاستقامة عليه علما وعملا ولو تخلّف عنه الأكثرون واستثقلوه، أو تنكروا له، بل ولو حاربوه، وقد صحّ عن ابن مسعود موقوفا: "لا يكن أحدكم إمّعة، يقول: أنا مع الناس.. ألا ليوطن أحدكم نفسه على إنْ كفر الناس، ألا يكفر"، ورُوي قريبا من ذلك عن الإمام أحمد وغيره من أئمة السلف، وقد ذم سبحانه الأكثرية في غير موضع من كتابه كقوله: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}، فعُلم بذلك أن الثبات على الدين يخالف هوى الأكثرية خصوصا في زماننا هذا، وبمثل هذا الثبات ولزوم الجادة، يتحقق النصر ويتنزل.

ومن عوامل النصر اجتماع المسلمين والتفافهم حول إمام واحد وخلف راية واحدة ومنهاج واحد، ونبذ كل أسباب الفرقة والاختلاف من الحدود الوهمية والنعرات والعصبيات القومية والوطنية والحزبية، وإبدالها بالولاء والبراء وجعله حكما وقائدا.وأما التوكل على الله فهو باب النصر ومفتاحه، فإذا اقترن بالصبر والتقوى وبذل الأسباب ومراعاة السنن؛ فحري أن يُمكّن صاحبه ويورثه -تعالى- أرضه يعمرها بالإسلام والتقوى، لقوله تعالى: {قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.

وأخيرا؛ فليكن في الحسبان أن مقومات النصر كُلها مرتكزة على التضحية والبذل والصبر والمصابرة، ومن أراد نصرا بلا تضحية فهو مخذول يتمنى على الله الأماني ويخالف منطوق كتابه: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}، وقال: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ}، ولنا في النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه رضي الله عنهم أسوة حسنة، فقد ضحوا بالنفس والنفيس، وبذلوا الغالي والرخيص، ولم يترخَّصوا أو يستقيلوا يوما، حتى فتح الله على أيديهم البلاد وقلوب العباد ونصرهم نصرا مؤزرا، فهذا سبيل النصر في الأولين وهو ذاته في الآخرين، ولينصرن الله من ينصره.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 509
السنة السابعة عشرة - الخميس 27 صفر 1447 هـ

المقال الافتتاحي:
سبيل النصر
...المزيد

✍ قال ابنُ تيميَّة : ((ليس لأحَدٍ أن يُكَفِّرَ أحدًا من المُسْلِمين، وإن أخطأ وغَلِط، حتى تقامَ ...

✍ قال ابنُ تيميَّة :
((ليس لأحَدٍ أن يُكَفِّرَ أحدًا من المُسْلِمين، وإن أخطأ وغَلِط، حتى تقامَ عليه الحُجَّةُ، وتُبَيَّنُ له المحجَّةُ، ومن ثبت إسلامُه بيقينٍ لم يَزُلْ ذلك عنه بالشَّكِّ، بل لا يزولُ إلَّا بعد إقامةِ الحُجَّةِ، وإزالةِ الشُّبهةِ))
((مجموع الفتاوى))(12/466)
🌍 ‏للانضمام لقناة فوائد علمية :👇
https://whatsapp.com/channel/0029VbAZ4HH8F2pGv35lJE25
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
3 ربيع الأول 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً