قال ديك لي3. كرة ارضية نسوة ولك قمران واحدة زرافة قال4 بساط ريح. حسنا

قال ديك لي3. كرة ارضية نسوة
ولك قمران واحدة زرافة
قال4 بساط ريح. حسنا

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 101 الافتتاحية: أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 101
الافتتاحية:

أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ


إن النَّاظر في حال الكفار اليوم بمختلف مللهم ونحلهم، يرى فيهم الكبر والعجب، والبطر والخيلاء، يصُّبون حِمم حقدهم على المسلمين، أينما وُجدوا، ولا يألون في ذلك جهدا، ولا يدَّخرون فيه وُسعا، يبذلون الغالي والنفيس لإطفاء نور الله، وردِّ المسلمين عن دينهم، حسِبوا أنهم على ذلك قادرون، وله منجزون، مصرِّحين للعالم أجمع بقولهم: "من أشد منا قوة"، قالوها وقد مُلئت قلوبهم تجبُّرا وعنادا، وكفرا وإلحادا، ظانِّين أنهم مُعجِزو الله، وأن لن يقدر عليهم أحد، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15]، {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} [التوبة: 70]،{ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ} [غافر: 21].

إن الله الذي أهلك عادا وثمود، وفرعون وهامان وجنودهما، وكلَّ من قاتل الأنبياء وعادى الرُّسل، لن تُعجزه أمريكا وروسيا، ولا الروافض والنصيرية، ولا ملاحدة الأكراد ومرتدو الصحوات، بل ولا كفار الأرض مجتمعين، فإن إهلاكهم عليه يسير، وإنه عليهم لقدير، {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} [الأنفال: 59]، كيف لا، وهم لا يشاؤون إلا أن يشاء، ولا يقدرون إلا أن يأذن، فإن طائراتهم تطير بقدر الله، وهو قادر على إسقاطها إن شاء، وإن سفنهم تجري بأمر الله، وهو قادر على إغراقها إن شاء، وإن آلياتهم تمشي بإذن الله، وهو قادر على تدميرها إن شاء، {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].

وإن المسلمين إذا تيقنوا بأن الله للكافرين قاهر، ودينه عليهم ظاهر، وأن الله يبتليهم بالكافرين، ويبتلي الكافرين بهم، توكلوا على خالقهم حق التوكل، سألوه النصر وحده، وخاضوا غمار الحرب، حاديهم قول نبيهم صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) [سنن الترمذي]، فإن الله ناصر جنده، ومعزُّ عباده، وهو قاهر أعدائه، {وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 147]، وإن من ظنُّوا غير ذلك فإنما {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران: 154]، {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج: 15].

وإننا كلما اشتدت الكروب، وعظمت الخطوب، ازددنا يقينا بأن الله منجزنا ما وعدنا، وأن نصره لنا قد اقترب، وأن الله لن يخذلنا، وأنه جاعل لنا من هذا الضيق مخرجا، إنما هو الابتلاء الذي يُنقى به الصف، والامتحان الذي يخرج به الخبث، وإن الله قد ابتلى من كان قبلنا بما هو أشد، حتى إذا أذن بنزول النصر نزل، لم يمنعه عدد الكفار وعتادهم، ولا قوتهم وجبروتهم، {حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].

وإننا نعلن لأمم الكفر قاطبة، أننا اليوم بتنا من النصر أقرب من أي وقت مضى، فقد صقلتنا الشدائد، وخرج من صفوفنا الخبث، ونزداد في كل يوم من الله قربا وإليه التجاءً، وتزدادون منه بعدا وعنه نفورا، فما هي إلا مسألة وقت حتى تخور قواكم ويُكسر كبرياؤكم، {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196-197]، فأنتم تتربصون بنا أن تُفنينا حملتكم الأخيرة هذه، {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52]، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: 227].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 101
الخميس 22 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

السلسلة العلمية المنهجية 2 (أصل الدين) الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا ...

السلسلة العلمية المنهجية 2
(أصل الدين)

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إمام الأولين والآخرين، أما بعد:

ففي هذه الحلقة سنتناول الحديث عن أصل الدين، وهو موضوع في غاية الأهمية؛ وذلك لأنه لا يصح إيمان أحد إلا إذا أتى به.


• فما هو أصل الدين؟

أصل الدين هو الإقرار بالله، وعبادته سبحانه وحده وترك عبادة ما سواه، والبراءة ممن أشرك به سبحانه.

أربعة أمور ...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإبراهيم وموسى قاما بأصل الدين؛ الذي هو الإقرار بالله، وعبادته وحده لا شـريك له، ومخاصمة من كفر بالله".([1]) انتهى كلامه.

"والبراءة ممن أشرك به سبحانه" هو ما عبَّر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية هنا بقوله: "ومخاصمة من كفر بالله"، فكلا العبارتين معناهما واحد: مخاصمة المشـركين والبراءة منهم.

فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأصل الدين أن يكون الحب لله، والبغض لله، والموالاة لله، والمعاداة لله، والعبادة لله". ([2]) انتهى كلامه.

فنقول بناء على ما سبق: لو أن شخصا أتى بثلاثة أمور من أصل الدين ولم يأت بالرابع؛ كترك عبادة ما سوى الله تعالى، أو ترك البراءة ممن أشـرك به سبحانه، هل يصح إسلامه؟، الجواب: لا.
فماذا يسمى؟، يسمى مشـركا كافرا.

وهذا القدر الذي هو أصل الدين لا يعذر من لم يأت به أحد بلغ حد التكليف ولو كان جاهلا، سواء بلغته الحجة الرسالية أو لم تبلغه، أو بلفظ آخر سواء جاءه رسول أو لم يأته.

قال إمام المفسـرين ابن جرير الطبري رحمه الله بعد ذكره لشـيء من أصل الدين، قال: "لا يعذر بالجهل به أحد بلغ حد التكليف؛ كان ممَّن أتاه من الله تعالى رسول، أو لم يأته رسول، عاين من الخلق غيره، أو لم يعاين أحدا سوى نفسه".([3]) انتهى كلامه رحمه الله.

لم يعاين أحدا سوى نفسه؛ يعني لم ير إلا نفسه؛ كمن كان في جزيرة نائية ولم ير أحدا من الناس سوى نفسه.

نقول: فإذا جاءه رسول دخل في أصل الدين الإيمان به وبما جاء به على وجه الإجمال.

إذن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم منذ بعثته إلى الآن، وبما جاء به على وجه الإجمال يدخل في أصل الدين؛ لأن أصل الدين هو الشهادتان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أصل الدين: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا عبده ورسوله". ([4]) انتهى كلامه رحمه الله.

• طيِّب ما معنى (الإقرار بالله)؟

يعني: الإيمان بوجوده تعالى، وأنه متصف بصفات الكمال، ومنزه عن النقائص والعيوب، وأنه سبحانه المتفرِّد بالخلق والأمر.

قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]
والأمر منه ما هو كوني؛ أي أنه سبحانه يقول للشـيء كن فيكون، ومن الأمر ما هو شرعي؛ ويتمثل بتفرده سبحانه وتعالى بالتحليل والتحريم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن أصل الدين أنه لا حرام إلا ما حرمه الله، ولا دين إلا ما شرعه الله؛ فإن الله سبحانه في سورة الأنعام والأعراف عاب على المشـركين أنهم حرموا ما لم يحرمه الله، وأنهم شـرعوا من الدين ما لم يأذن به الله". ([5]) انتهى كلامه رحمه الله.

مرة ثانية: ما هو أصل الدين؟ هو الإقرار بالله، وعبادته سبحانه وحده وترك عبادة ما سواه، والبراءة ممن أشـرك به سبحانه، شرحنا الإقرار بالله.

طيب، ما معنى: عبادته سبحانه وحده، وترك عبادة ما سواه، والبراءة ممن أشرك به سبحانه؟
معناه: توحيد الله، ومحبة التوحيد وتحسينه، وموالاة أهله، وتقبيح الشـرك، واجتنابه، ومخاصمة أهله.

قال ابن القيم رحمه الله: "واعلم أنه إن لم يكن حسن التوحيد وقبح الشـرك معلوما بالعقل، مستقرا في الفطر، فلا وثوق بشـيء من قضايا العقل؛ فإن هذه القضية من أجل القضايا البديهيات، وأوضح ما ركب الله في العقول والفطر". ([6]) انتهى كلامه رحمه الله.

وموالاة أهله: هذا هو الولاء؛ موالاة المؤمنين ...، ومخاصمة أهله -يعني أهل الشـرك-: هذا هو البراء من المشركين ...

ومن هنا يتبيَّن أن الولاء والبراء يدخل في أصل الدين.

ولكن ههنا مسألة؛
وهي الفرق بين وجود العداوة للكافرين وبين إظهار العداوة، فالأول -وهو وجود العداوة- من أصل الدين، والثاني: وهو إظهار العداوة فمن واجبات الدين لا من أصله.

قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله: "ومسألة إظهار العداوة غير مسألة وجود العداوة؛ فالأول: يعذر به مع العجز والخوف، لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]، والثاني: لا بد منه؛ لأنه يدخل في الكفر بالطاغوت، وبينه وبين حب لله ورسوله تلازم كلي، لا ينفك عنه المؤمن". ([7]) انتهى كلامه.

أصل الدين كما قلنا: لا يُعذر بالجهل به أيُّ أحد؛ أي لا يصح إسلام من نقضه ولا يرتفع عنه اسم الكفر.

• لماذا لم يعتبر بجهل الرجل العاقل أو المرأة العاقلة في أصل الدين؟

لأنه مما علم وثبت بالميثاق وضرورة الفطرة والعقل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأصل الدين هو عبادة الله، الذي أصله الحب والإنابة والإعراض عما سواه، وهو الفطرة التي فطر عليها الناس". ([8]) انتهى كلامه.

وقال ابن القيم رحمه الله: "وأي شيء يصح في العقل إذا لم يكن فيه علم بقبح الشرك الذاتي، وأن العلم بقبحه بديهي معلوم بضـرورة العقل، وأن الرسل نبهوا الأمم على ما في عقولهم وفطرهم من قبحه". ([9]) انتهى كلامه رحمه الله.

ومن هنا نعلم أن أصل الدين لا يشترط فيه إقامة الحجة للحكم بالكفر على من لم يأت به؛ أي نحكم على من لم يأت بأصل الدين بالكفر، سواء أقيمت عليه الحجة أم لم تقم.

ونؤكد على أنه لا عذر لأي أحد بالجهل في هذه المسائل، التي هي من أصل الدين؛ لأنها من العلوم الضرورية المستقرة في جميع الفطر والعقول، وبالتالي فمن انتقض أصل دينه فهو مشـرك، ولكن عذابه في الدنيا والآخرة متوقف على بلوغ الحجة الرسالية إليه.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها؛ فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل". ([10]) انتهى كلامه رحمه الله.

سؤال: ما الذي يناقض أصل الدين؟
الجواب: الشـرك ...

حيث قلنا في تعريف أصل الدين: أنه الإقرار بالله وعبادته سبحانه وحده وترك عبادة ما سواه، والبراءة ممن أشرك به سبحانه، إذن: الشرك بـالله يناقض أصل الدين وينافيه.

ومعنى الشـرك شـرعا: هو جعل الشـريك أو الند لله تعالى في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته.

فمثال شـرك الربوبية: أن يجعل مع الله خالق أو رازق أو مدبر أو حاكم أو مشـرع.

ومثال الشـرك في الألوهية: السجود أوالدعاء أوالنذر أوالذبح لغير الله.

ومثال الشـرك في الأسماء والصفات: تعطيلها مثل نفي العلم والسمع والبصـر عن الله، أو تشبيهه سبحانه وتعالى بخلقه.

وكل هذا الشـرك لم يعذر فيه أحد من المشـركين بجهله؛ لأنه يناقض أصل الدين، والله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم حكم بكفر الأتباع والمقلدين، وحكم بكفر الأميين من أهل الكتاب مع جهلهم، وحكم بكفر جهلة مشـركي العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "من مات مشـركا فهو في النار، وإن مات قبل البعثة؛ لأن المشـركين كانوا قد غيَّروا الحنيفية دين إبراهيم واستبدلوا بها الشـرك وارتكبوه، وليس معهم حجة من الله به، وقبحه والوعيد عليه بالنار لم يزل معلوما من دين الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم، وأخبار عقوبات الله لأهله متداولة بين الأمم قرنا بعد قرن، فلله الحجة البالغة على المشـركين في كل وقت، ولو لم يكن إلا ما فطر عباده عليه من توحيد ربوبيته المستلزم لتوحيد إلهيته، وأنه يستحيل في كل فطرة وعقل أن يكون معه إله آخر، وإن كان سبحانه لا يعذب بمقتضـى هذه الفطرة وحدها، فلم تزل دعوة الرسل إلى التوحيد في الأرض معلومة لأهلها، فالمشـرك يستحق العذاب بمخالفته دعوة الرسل، والله أعلم". انتهى كلامه رحمه الله.

وأما الجهلة من المشـركين بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من المنتسبين للإسلام وغيرهم فالأمر فيهم أشد؛ لأن غالب جهلهم جاء من جهة الإعراض عن رسالته صلى الله عليه وسلم، والإعراض بمجرده كفر، فكيف لو كان معه شـرك؟!

قال الشوكاني رحمه الله: "ومن وقع في الشرك جاهلا لم يعذر، لأن الحجة قامت على جميع الخلق بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فمن جهل فقد أتي من قبل نفسه؛ بسبب الإعراض عن الكتاب والسنة، وإلا ففيهما البيان الواضح؛ كما قال سبحانه في القرآن: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً} [النحل: 89]، وكذلك السنة: قال أبو ذر رضي الله عنه: " توفي محمد صلى الله عليه وسلم وما ترك طائرا يقلب جناحيه بين السماء والأرض إلا ذكر لنا منه علما"، أو كما قال رضي الله عنه؛ فمن جهل فبسبب إعراضه، ولا يعذر أحد بالإعراض". انتهى كلامه رحمه الله.

هذا وأدلة عدم عذر الجاهل في الشـرك والذي يناقض أصل الدين كثيرة.

منها قوله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف: 30].

قال الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة، إنما ضلوا عن سبيل الله وجاروا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نصـراء من دون الله وظهراء؛ جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوا.

وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادا منه لربه فيها؛ لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد، وفريق الهدى فرق، وقد فرق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية". ([11]) انتهى كلامه رحمه الله.

ومن الأدلة على عدم عذر الجاهل في الشـرك: قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103، 104].

قال الطبري رحمه الله: "وهذا من أدل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته؛ وذلك أن الله -تعالى ذكره- أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم، ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه، كانوا مثابين مأجورين عليها، ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جل ثناؤه عنهم: أنهم بالله كفرة، وأن أعمالهم حابطة". ([12]) انتهى كلامه رحمه الله.

طيب: إذا حكمنا على شخص ما بالكفر والشـرك، ما الذي يترتب على ذلك؟

يترتب على حكمنا على أحد بالكفر والشـرك ولو كان جاهلا: قطع الموالاة الإيمانية بيننا وبينه حتى يتوب إلى الله تعالى، وعدم التناكح معه أو أكل ذبيحته، وكذا عدم الاستغفار له إن مات على ذلك، وأنه لا حظ له من الحقوق التي أوجبها الله للمسلمين، وغير ذلك من الأحكام.

وأما تعذيبه في الدنيا والآخرة فهذا متوقف على قيام الحجة الرسالية، وهذا على الصحيح من أقوال العلماء، ودليله قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
ونؤكد على: أن من وقع في الشـرك من هذه الأمة فهو مشـرك كافر أيضا، وإن كان مدعيا للإسلام ناطقا بالشهادتين.

قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].

وقال تعالى بعد ذكره لأنبيائه عليهم السلام: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88].

وهذه الآيات من أقوى الأدلة على أن الإسلام يحبط بالشـرك، وأن من أشرك من هذه الأمة فهو كافر، وإن كان ناطقا بالشهادتين عاملا بشعائر الإسلام الأخرى.

ونختم بمسألتين:

الأولى: لو كان إنسان قائما بأصل الدين يعبد الله ولا يشـرك به شيئا، ويؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم، لكنه يجهل مصطلح أصل الدين.

بمعنى أنك لو سألته: ما هو أصل الدين تلعثم أو لم يحر جوابا، فلا يضـره ذلك؛ لقيامه بأصل الدين، إذ لا يضـره عدم معرفة ما اصطُلح عليه في هذه المسائل والمعاني.

والدليل على ما ذكرنا: ما جاء في الصحيحين -واللفظ للبخاري-: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا معاذ)، قلت: لبيك وسعديك، ثم قال مثله ثلاثا: (هل تدري ما حق الله على العباد)، قلت: لا، قال: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشـركوا به شيئا).

فتصـريح معاذ رضي الله عنه بأنه يجهل حق الله على عباده لم يوقعه في الكفر أو الشرك؛ لأنه قائم بهذا الحق وإن لم يعلم الاصطلاح الشرعي الذي يدل على ذلك المعنى.

المسألة الثانية: أن إحدى المسائل التي ذكرنا أنها من أصل الدين قد يخفى على بعض طلبة العلم أنها من أصل الدين، وهي مسألة عداوة المشـركين، وموالاة المؤمنين؛ فيظن أنها من واجبات الدين لا من أصله، أو يتوقف فيها، فهذا لا يعد ناقضا لأصل الدين طالما أنه حقق البراءة من المشـركين، والموالاة للمؤمنين.

قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله: "بحسب المسلم أن يعلم: أن الله افترض عليه عداوة المشـركين وعدم موالاتهم، وأوجب عليه محبة المؤمنين وموالاتهم، وأخبر أن ذلك من شروط الإيمان، ونفى الإيمان عمن يواد {مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22]، وأما كون ذلك من معنى لا إله إلا الله أو لوازمها، فلم يكلفنا الله بالبحث عن ذلك، إنما كلفنا بمعرفة أن الله فرض ذلك وأوجبه، وأوجب العمل به، فهذا هو الفرض والحتم الذي لا شك فيه، ومن عرف أن ذلك من معناها، أو من لازمها فهو حسن، وزيادة خير، ومن لم يعرفه فلم يكلف بمعرفته، لا سيما إذا كان الجدال والمنازعة فيه مما يفضي إلى شـر واختلاف، ووقوع فرقة بين المؤمنين، الذين قاموا بواجبات الإيمان، وجاهدوا في الله، وعادوا المشـركين، ووالوا المسلمين". ([13]) انتهى كلامه رحمه الله.

ونكتفي بهذا القدر، ونسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يجعلنا هداة مهديين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1])) مجموع الفتاوى (16/203).
[2])) منهاج السنة النبوية (5/255).
[3])) التبصير في معالم الدين (ص126-132).
[4])) مجموع الفتاوى (1/10).
[5])) مجموع الفتاوى (20/357).
[6])) مدارج السالكين (3/455).
[7])) الدرر السنية (8/359).
[8])) مجموع الفتاوى (15/438).
[9])) مدارج السالكين (1/253).
[10])) طريق الهجرتين (ص414).
[11])) تفسير الطبري (12/388).
[12])) تفسير الطبري (18/128).
[13])) الدرر السنية (8/166).



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 100
الخميس 15 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

{ المسائل الأربع } ✍️اعلَم - رَحِمَكَ اللهُ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَينَا تَعَلُّمُ أَربَعِ ...

{ المسائل الأربع }
✍️اعلَم - رَحِمَكَ اللهُ - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَينَا تَعَلُّمُ أَربَعِ مَسَائِلَ:
⏮️ الأُولَى: العِلمُ، وَهُوَ مَعرِفَةُ اللهِ، وَمَعرِفَةُ نَبِيِّهِ، وَمَعرِفَةُ دِينِ الإِسلَامِ بِالأَدِلَّةِ
⏮️ الثَّانِيَةُ: العَمَلُ بِهِ
⏮️ الثَّالِثَةُ: الدَّعوَةُ إِلَيهِ
⏮️ الرَّابِعَةُ: الصَّبرُ عَلَى الأَذَى فِيهِ
💡وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى:
﴿ وَالعَصرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ ﴾.
📜قَالَ الشَّافِعِيُّ:
((هَذِهِ السُّورَة لَو مَا أَنزَلَ الله حُجَّةً عَلَى خَلقِهِ إِلاَّ هِيَ لَكَفَتهُم))
📜وَقَالَ البُخَارِيُّ :
((بَابٌ: العِلمُ قَبلَ القَولِ وَالعَمَلِ، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى: [فَاعلَم أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَاستَغفِر لِذَنبِكَ]، فَبَدَأَ بِالعِلمِ قَبلَ القَولِ وَالعَمَلِ))
للانضمام لقناة فوائد علمية واتساب اضغط على الرابط التالي 👇
https://whatsapp.com/channel/0029VbAZ4HH8F2pGv35lJE25
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 506 الافتتاحية: • رعاة خنازير الإفرنج! بينما تتدفق ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 506
الافتتاحية:

• رعاة خنازير الإفرنج!

بينما تتدفق دفعات المهجّرين من "السويداء" بإرادة يهودية وخضوع سوري رسمي؛ تدفقت الأخبار عن عملية أمنية مشتركة قاد فيها التحالف الصليبي جنوده "السوريين" لغزو بيت للمسلمين بمدينة "الباب"، لتنتهي العملية بمقتل مجاهد ونجليه وأسر ذويه! ثم تتناقل المنصات الحكومية الثورية "نجاح العملية" بكل فخر واعتزاز!

تُذكّرنا "واقعة الباب" بجرائم جيش "أردوغان" العلماني الذي دكها قبل سنوات بمئات الغارات الجوية لأنها كانت تُحكم بالشريعة، وها هو الجولاني اليوم يكمل المهمة خلف القيادة الأمريكية التي تقوده وأسياده في "إسطنبول".

لقد بات ثابتا لدى الجميع أن التعاون بين الطاغوت الجولاني والصليبيين في الحرب على الإسلام ليس جديدا، غير أنه هذه المرة جاء أكثر وضوحا ورسوخا في "تحقيق مناط الردة" لأولئك الذين ما زالوا يفرون من تحقيقه ويتعامون عن تحقّقه منذ زمن، فما جرى في "واقعة الباب" مظاهرة ومعاونة وموالاة صريحة للمشركين على المسلمين، وهي مناط كفر وردة وناقض من نواقض الدين، كما قال ابن حزم في المحلى: "وصحّ أن قول الله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين". اهـ.

لقد استغرق "تحقيق" هذا المناط عشرات الجلسات والمناظرات السفسطائية بين الجهاديين منذ بداية غدر الصحوات بالدولة الإسلامية في الشام، بينما يتحقق اليوم على مرأى ومسمع العالم، وتتسابق قنوات الثورة على بثه وإثباته بعد أن مكثت سنوات تنفيه وتكذّبه! {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ}.

وليست الصورة من قبيل الاستعانة بالكافر على قتال المسلم فهذا توصيف آخر، لأن ما يجري هو تجنيد وتسخير للنظام السوري الجديد في الحرب على الإسلام، بعد أن خضع قادته لأمريكا الصليبية وركعوا تحت أقدامها وتجندوا تحت رايتها، فصاروا خدما لها وجندا محضرين في تحالفها، تسيّرهم وتسوسهم وتقودهم.

دعوة إلى الله، نخاطبك أيها الجهادي المرتاب، أليس ما يجري ردة صريحة ومظاهرة للكافر "الصهيوصليبي" -كما تسمونه- على المسلم المجاهد المرابط على ثرى شام الكرامة والإباء؟ فهل أسلمتم "الصهيوصليبية" أم كفّرتم الدولة الإسلامية؟ ما الفرق بين تبعية الطاغوت الجولاني لـ "الصهيوصليبية العالمية" وتبعية بقية طواغيت الحكم لها؟! أحرام على ابن زايد والسيسي وجيوشهم؟! حلال للجولاني وجيشه؟!

أليس هذا هو الجولاني ذاته الذي حارب "القاعديون" مشروع الدولة الإسلامية؛ لأجل مشروعه الثوري ودولته المدنية؟! أليس هو الذي لأجله حكموا على الدولة الإسلامية بالخارجية، بينما نحت "مشايخهم وحكماؤهم" صورة للجولاني لم ينحتها هو لنفسه رغم ولعه وهوسه بنحت الأوثان، فهل أدركتم البون الشاسع بين بصيرة الدولة الإسلامية وعمه تنظيماتكم؟! هل عاينتم الفرق بين الهداية والضلال؟! {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

لقد رفض "المعتمد بن عباد" الاستعانة بالصليبيين على خصومه الملثّمين في دولة المرابطين، وخلّد التاريخ موقفه يوم قال: "أهون الأمرين أمر الملثّمين، ولأن يرعى أولادنا جِمالهم، أحبّ إلينا من أن يرعوا خنازير الإفرنج!". بينما لسان حال الجولاني وجنوده اليوم: "لأن نرعى خنازير الإفرنج أحب إلينا من بقاء الدولة الإسلامية".

بل لم يكتف الطاغوت الجولاني برعي خنازير الصليبيين، فبات يسعى إلى رعي خنازير اليهود وربما سقْي "غردقهم" عما قريب بدماء جنوده الكفرة الفجرة، وهو ما بدت تتضح ملامحه في "ملف السويداء" الذي جرجر قاد ةَ النظام السوري أذلةً حقراء إلى المحافل اليهودية الفرنسية لتقديم الولاءات وتجديد التعهدات بالالتزام بالخطوط اليهودية الحمراء، وهو ما تم ترجمته عمليا على أرض السويداء عبر "حافلات الفاتح" في خطوة مشبوهة تهدف لإحداث تغيير "ديموغرافي" في الجنوب السوري، وما السويداء إلا البداية.

ولعل من معالم خذلان هذا النظام أنه ما خطا خطوة إلا انتكس بدلا منها عشرة، فلم تمض سوى أيام على إطلاق هويته البصرية الجاهلية التي أرادها رمزا لـ "سوريا موَّحدة" وإذْ بشبح "التقسيم" يطل برأسه من السويداء التي لعب فيها الجولاني -فجأة- دور المخلّص للدروز من "فزعة" سكان الأرض الأصليين، بعد أن ورطهم في معركته السياسية ثم تركهم وحدهم تحت شعار: "إن غابت عصائبنا حضرت عشائرنا"، فماذا كان مصير "العشائر" غير الحصار والخذلان والتهجير؟! خدمة للمشروع اليهودي الذي يزدهر كثيرا في حقبة الجولاني المتشبّث بالحكم ولو تحت حِراب الدجال!

"ممر داود" الذي حلمت به دويلة يهود منذ نشأتها، بدا أكثر نضجا في عهد الجولاني الذي يعاني من "متلازمة الخيانة" حتى بات كثير من أصدقائه الثوار يتهامسون في خلواتهم ويتخافتون فيما بينهم: "هل يكون نظام الجولاني أكثر خدمة لليهود من نظام الأسد؟"، لقد جاءت مخاوف هؤلاء بعد إدراكهم أنّ ما يمليه اليهود والصليبيون على النظام السوري في المحافل الدولية في باريس وأذربيجان وغيرها، يقابله الجولاني بـ: "نعم سيدي!".

في الجانب الشرعي، فإن الدروز طائفة باطنية كافرة تتقاسم مع اليهود العداء والحقد على المسلمين وليس لها من الإسلام اسم ولا رسم، وهي طائفة معادية محاربة قبل خلافها المناطقي مع نظام الجولاني وأنصاره، وقد عالجت الدولة الإسلامية مبكرا ملف الدروز بحكم الله تعالى، فأعملت سيوفها فيهم قتلا وتشريدا، فكان أنصار الجولاني وأشباههم أول من أنكر واستنكر، وعدّوا ذلك "اعتداء على حرمة الدم السوري!"، بينما صاروا اليوم ينعتون الدروز بالعمالة والخيانة لليهود في خصومة سياسية بحتة ليس للدين فيها نصيب!

أما الدولة الإسلامية فقد بقيت رايتها خفاقة براقة بين ظلمة الرايات الجاهلية، وبقي مشروعها طاهرا ناصعا نقيا لم يتلوث أو يتدنس، وبقي جنودها -على محنتهم- جنودا للشريعة كماة حماة لها، بينما صار الثوار جنودا في جيش التحالف الصليبي؛ هذا برتبة "رئيس دولة" لا يملك من أمرها شيئا، وذلك "وزير عدل" أبدل الشريعة بالديمقراطية فتلبس بالظلم العظيم، وتلك "وزارة دفاع" عن المصالح الأمريكية واليهودية، قوامها جيش من الشبيحة الجدد لا يعرفون سوى: "نعم سيدي" ولو رعوا خنازير الفرنجة واليهود، {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ}.



• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 506
السنة السابعة عشرة - الخميس 6 صفر 1447 هـ

المقال الافتتاحي:
رعاة خنازير الإفرنج!
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (5) تكلمنا في الحلقة السابقة عن اهتمام الأنبياء وأتباعهم ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (5)


تكلمنا في الحلقة السابقة عن اهتمام الأنبياء وأتباعهم بأخبار الغيب، وتبليغها للمسلمين، وتدارسها، والتحقق منها، ونتكلم اليوم عن جانب آخر مهم من هذا الباب يتعلق بالاجتهاد في تأويل هذه الأخبار، وتطبيقها على الوقائع التي يعيشها المسلمون، بناء على قرائن يجدونها تطابق ما جاءهم من أخبار الوحيَين.


• أهل الكتاب يتعرَّفون على النبي الموعود

فقد أمر الله -سبحانه- أهل الكتاب باتباع رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي أخبرهم عن ظهوره في الكتب التي أنزلها على أنبيائهم الذين يزعمون الإيمان بهم واتباعهم، ودلَّهم على وسيلة التأكد من صدق هذا النبي بمطابقة أوصافه لأوصاف الرسول الذي وعدهم بخروجه بعد فترة من الرسل، فقال تعالى: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 156-157].

وهذا المنهج في التأكد من مطابقة أوصاف الوقائع والطوائف والأعيان لما ورد بخصوصها في أخبار الغيب يعلمه أهل الكتاب، بل وطبَّقه بعضهم للتحقق من نبوة النبي، عليه الصلاة والسلام، كما فعل عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- للتأكد من ذلك قبل إسلامه، بأن سأله عن صفات يجب أن تتوفر فيه ليكون على صفة من ورد في الأخبار، كمعرفته لأمور لا يعرفها إلا الأنبياء، فعن حميد عن أنس -رضي الله عنه- قال: "بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، فأتاه، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي" [رواه البخاري]، فلما أجابه عنها، عليه الصلاة والسلام، أسلم له وكان من صحابته، وترك ملة آبائه وأجداده، أما بقية قومه، فرغم تصديقهم بالأخبار الواردة فيه، ومعرفتهم لأوصافه، وانتظارهم لخروجه، فإنهم اختاروا عداوته والكفر به، وذلك أنهم ظنوا أنه يخرج في بني إسرائيل، فكان في أمة غيرهم، كما قال -تعالى- فيهم: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 101].

كما وجدنا في قصة هرقل أنه تأكد من نبوته -عليه الصلاة والسلام- من خلال سؤاله أبا سفيان -رضي الله عنه- عن أوصافه وأخباره، فتبين له أنه نبي، وأنه هو الذي وُعدوا به في كتبهم، فقال: "إن يكن ما تقول فيه حقاً فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنّه منكم" [متفق عليه]، فصدَّق بنبوته، ولم يؤمن به، ضناً بملكه، وخوفا على سلطانه.


• النبي وصحابته يتحققون من ابن صياد

وهذا المنهج، هو منهج نبوي، اتبعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التحقق من مطابقة الواقع لما جاءه من الأخبار، كما فعل في قصة ابن صياد، عندما كان صبيا، فيه بعض الصفات التي يعلمها في المسيح الدجال الذي حذَّر أمته منه، فعن عبد الله بن عمر: أن عمر انطلق مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في رهط قِبل ابن صياد، حتى وجدوه يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد الحلم، فلم يشعر حتى ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده، ثم قال لابن صياد: (تشهد أني رسول الله؟)، فنظر إليه ابن صياد، فقال: أشهد أنك رسول الأُميِّين، فقال ابن صياد للنبي، صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه، وقال: آمنت بالله وبرسله، فقال له: (ماذا ترى؟)، قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (خلط عليك الأمر)، ثم قال له النبي، صلى الله عليه وسلم: (إني قد خبأت لك خبيئا)، فقال ابن صياد: هو الدّخُّ، فقال: (اخسأ فلن تعدو قدرك)، فقال عمر، رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إن يكُنهُ فلن تسلط عليه، وإن لم يكُنهُ فلا خير لك في قتله) [رواه مسلم].

فلم يتمكن النبي -عليه الصلاة والسلام- من التبيُّن من ابن صياد كونه هو المسيح الدجال، أم لا، ولكن رغم ذلك، اجتهد بعض صحابة رسول الله، وحكموا عليه أنه هو المسيح الدجال، فلم ينكر عليهم ذلك، كعمر وابنه عبد الله وجابر، رضي الله عنهم أجمعين، فعن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال، قلت: تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره النبي، صلى الله عليه وسلم [متفق عليه]، وعن نافع قال: كان ابن عمر يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد [رواه أبو داود].

ونجد أن شك الصحابة في ابن صياد لم يتوقف، واستمروا في الحذر منه، وكراهية مخالطته، رغم ما ظهر منه من صفات تخالف ما جاءهم في الأخبار من صفات الدجال، فعن أبي سعيد الخدري قال: صحبت ابن صائد إلى مكة، فقال لي: أما قد لقيت من الناس يزعمون أني الدجال، ألست سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنه لا يولد له)، قال: قلت: بلى، قال: فقد وُلد لي، أو ليس سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يدخل المدينة ولا مكة)، قلت: بلى، قال: فقد ولدت بالمدينة، وهذا أنا أريد مكة، قال: ثم قال لي في آخر قوله: أما والله إني لأعلم مولده، ومكانه، وأين هو، قال: فلبسني [رواه مسلم].

بل وقد كان من أولاده من جعلهم الله أئمة في الدين، كعمارة بن عبد الله بن صياد، رحمه الله، روى عن سعيد بن المسيب وعطاء بن يسار، وروى عنه مالك والضحاك، وقال عنه يحيى بن معين: ثقة [الجرح والتعديل].


• علي يحكم على الخوارج

وهكذا مضى الصحابة -رضوان الله عليهم- هم ومن تبعهم، يجتهدون في الحكم في أخبار الفتن والملاحم كلما وجدوا من القرائن ما يعينهم على ذلك، كما فعل علي -رضي الله عنه- ومن معه في قصة الخوارج الذين خرجوا عليه، فحرَّض المسلمين على قتالهم، مستعينا على ذلك بما يعلم من أخبار الغيب، وظنَّ أنها جاءت فيهم وفي أمثالهم من المارقين عن الشريعة، فعن سلمة بن كهيل قال: حدثني زيد بن وهب الجهني، أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي -رضي الله عنه- الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي، رضي الله عنه: أيها الناس، إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهم من الرّميّة)، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم -صلى الله عليه وسلم- لاتكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد، وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض، فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس فسيروا على اسم الله [رواه مسلم].

وهكذا وجدنا اجتهاد الصحابة في الحكم على الأحداث، كما أوردنا -في الحلقة الماضية- في جزم حذيفة أن عمر -رضي الله عنهما- لن يشهد الفتنة التي تموج كموج البحر، لأنها لا تكون إلا بعد مقتله، واجتهادهم في الحكم على الطوائف، كحكم علي -رضي الله عنه- على الخوارج بأنهم من المقصودين في حديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الذي يوصي فيه بقتلهم وقتالهم، واجتهادهم في الحكم على الأعيان، كحكمهم على ابن صياد أنه هو الدجال الذي جاءت الأحاديث بالتحذير منه، رغم أن من صفاته ما يناقض تلك الأخبار.

والمحصلة أن الاجتهاد في هذا الباب من أبواب العلم وارد من السلف، رضوان الله -تعالى- عنهم، وأن لهذا الاجتهاد منهجا لمن أراد التوصل من خلاله إلى الأحكام الصحيحة، لا على طريقة أهل الهوى والضلال الذين طفقوا يطبقون أخبار الغيب على واقعهم بغير هدى ولا كتاب منير، كما سنجد في الحلقة القادمة من هذه السلسلة، بإذن الله تعالى.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

حكومات الصحوات تأكل ثورتهم لا تقف مهازل صحوات الردة عند حد، بل هم دائبون على الهبوط أكثر في ...

حكومات الصحوات تأكل ثورتهم

لا تقف مهازل صحوات الردة عند حد، بل هم دائبون على الهبوط أكثر في دركات الانحطاط، لا يسوقهم إلى ذلك منازعتهم لأهل الحق فقط، ولكن تنافسهم فيما بينهم على إرضاء المشركين، والترؤُّس على فسطاط المرتدين، ومن ذلك ما نراه اليوم من صراعات بين أطراف الصحوات على تشكيل الحكومات الطاغوتية في إدلب وما يحيط بها من مناطق يسيطر عليها أولئك المرتدون.

وليس هذا النوع من المهازل عن "ثوار الشام" بجديد، بل هي من اللوازم التي كانت ولا زالت من أهم أسباب الفشل في صف المرتدين المتخم بالحمقى والمغفلين، واللصوص والمتاجرين، فلا زلنا نسمع ونرى منذ الأيام الأول للجهاد في الشام، عن أسماء كبيرة لجماعات وكتائب، وألوية وفرق وجيوش، ليس لها من أسمائها شيء إلا جعجعة لأنفار من المسلحين، يزاود كل منهم على إخوانه بالألقاب الفارغة من المضمون، والخيالات المنفصلة عن الواقع، ثم رأينا كيف تشكلت من تلك التجمعات الفوضوية، مجالس عسكرية، وهيئات أركان، هدفها الأول فتح بوابات كبيرة لسرقة الدعم والتمويل الذي يقدمه الطواغيت، وأجهزة مخابراتهم، لشراء الولاءات، وتحقيق المشاريع والمخططات، التي كان أبرزها وأهمها -وبلا شك- قتال الدولة الإسلامية، ومنع سقوط نظام الطاغوت النصيري بشار الأسد.

ووجدنا كيف تتشكل "المحاكم الشرعية" التي تحكم بغير شريعة الله، ثم تلتئم في "هيئات شرعية" ليس بينها وبين شرع الله -تعالى- إلا ذلك الانتساب الكاذب إليه، ورأينا كيف كان الشرط الأهم في تلك "الهيئات" أن تكون مكونة من قضاة ينتمون إلى مختلف الفصائل والتنظيمات، سواء منها الصادق في عزيمته على المناداة بالديموقراطية والعلمانية، أو أختها التي تنادي كذبا بتحكيم الشريعة وإقامة الدين، ولم يكن من وراء ذلك كله إلا رغبة قادة تلك الفصائل بخداع أتباعهم وأنصارهم أنهم يحكمون بشريعة الله تعالى، ويقنعوا مموليهم أن لديهم الأهلية لحكم المناطق التي يتواجدون فيها، ويزعم كل منهم التفرد بالسيطرة عليها.

واليوم لم تعد المجالس العسكرية، والأحزاب السياسية، والهيئات البدعية، ترضي عقول أولئك السفهاء، فصار طموح كل منهم لا يقف دون أن يكون لديه كيانات مثيرة للسخرية يطلقون عليها أسماء حكومات، ويسمُّون الموظفين فيها وزراء، فصار لدى كل طائفة منهم حكومة أو ما يشابهها، هدفها الأول إرضاء دول الكفر، وإقناعها بأهلية كل من قادة تلك الفصائل للحكم بدلا عن الطواغيت الحاكمين حاليا، في الوقت الذي يسيرون على منهج الإخوان المرتدين في إعلان الرغبة بتحكيم الشريعة مخادعة لأتباعهم المغفلين، وإسكاتا لأصوات المعارضين.

وكما كان الشأن في التهام الكتائب والألوية لبعضها البعض فيما سبق، لأنها لا تجد طريقة للنمو إلا على حساب أخواتها، فإن حكومات الردة في إدلب تأكل بعضها البعض، مستقوية بالفصائل المسلحة التي هي واجهة لها، بمجرد أن تجد سكوتا عن ذلك من الدول الداعمة لهذه الحكومة أو تلك.

وها نحن نشاهد بأم أعيننا اليوم تهاوي كل الخرافات التي شنَّع بها طواغيت الفصائل والتنظيمات على الدولة الإسلامية من قبل، من قبيل مشاورة مرتدي الصحوات في إعلان الدول ونصب الأئمة، ومن قبيل عدم الاستفراد بالساحة، واستنكار التغلب، في الوقت الذي كانت فيه دعوى الدولة الإسلامية شرعية صريحة، ودعواهم جاهلية باطنية.

فالدولة الإسلامية أعلنت بوضوح أنها تقاتل كل طائفة ممتنعة عن تحكيم شريعة رب العالمين، وتكفرها هي وأفرادها، ولا تسمح بوجودها، فضلا أن تستشيرهم في أمر من أمور المسلمين، بينما هم اعتبروا أولئك المرتدين إخوانا لهم، وطالبوا ألا يعقد أمر دون مشورتهم، بل ووالوهم على المسلمين في حربهم لمنع تحكيم الشريعة، وإقامة الدين، ثم ها هم يستفرد كل منهم بإعلان حكومة طاغوتية، ويتقاتلون فيما بينهم على الأموال المخابراتية، ورضا الدول الصليبية، ليستبين لكل ذي عقل أن كل دعاويهم ضد الدولة الإسلامية منذ سنين، التي استباحوا بها دماء جنودها، وجعلوهم بناء عليها خوارج مارقين، وقتلة مفسدين، لم تكن إلا لإخفاء حقيقة العداء، وأنه كعداء بني إسرائيل لدين الإسلام، ليس وراءه إلا الكبر والحسد، والهوى والضلال المبين.

ولن تزال الأيام تفضح خبيئات المجرمين، وتكشف سرائرهم للناس، ليفرح من اهتدى بهداية الله له، ويعتبر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شديد، ويهلك الله الظالمين بظلمهم، وما ربك بظلام للعبيد.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 111
الخميس 3 ربيع الثاني 1439 ه‍ـ
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (4) لِأخبار الفتن والملاحم التي تقع آخر الزمان أهمية كبيرة ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (4)


لِأخبار الفتن والملاحم التي تقع آخر الزمان أهمية كبيرة عند المسلمين، وذلك لارتباطها بقيام الساعة التي هي أكبر وأخطر حدث في العالم، وكذلك لاحتواء هذه الأخبار على بشارات بالخير الذي يجب أن يحرصوا عليه، وإنذار من الشرور التي يجب أن يحذروها ويتجنبوها.


• بل الساعة موعدهم

أما من حيث ارتباط هذه الأخبار بقيام الساعة، فإن السؤال عن موعدها من أكبر الأسئلة التي تشغل أذهان الناس، ويسعون جهدهم لتحصيل الإجابات عن ذلك من أنبيائهم، قال جل جلاله: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63]، فالله -عز وجل- قد حجب موعدها عن كل خلقه بما فيهم الأنبياء، عليهم السلام، ولم يطلعهم إلا على أمارات وشرائط تنبئ باقترابه، فكانوا يبلغون عن تلك الأمارات كلما سئلوا عنها، كما في حديث جبريل، قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها) [متفق عليه]، وكذلك ورد هذا على لسان نبي آخر من الأنبياء في قصة الإسراء والمعراج، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى قال: فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم فقال: لا علم لي بها، فردوا الأمر إلى موسى فقال: لا علم لي بها فردوا الأمر إلى عيسى فقال: أما وجبتها فلا يعلمها أحد إلا الله ذلك وفيما عهد إلي ربي -عز وجل- أن الدجال خارج قال: ومعي قضيبان فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص قال: فيهلكه الله حتى إن الحجر والشجر ليقول: يا مسلم إن تحتي كافرا فتعال فاقتله قال: فيهلكهم الله ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم قال: فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج...) [رواه أحمد].
وعلى هذا سار الصحابة الكرام في تبليغ أحاديث الفتن والملاحم عند سؤالهم عن الساعة، كما في الأثر عن يسير بن جابر، قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيري إلا:
"يا عبد الله بن مسعود، جاءت الساعة"، قال: فقعد وكان متكئا، فقال: (إن الساعة لا تقوم حتى لا يُقسم ميراث ولا يُفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا -ونحاها نحو الشام- فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام، قلت: الروم تعني؟ قال: نعم...) [رواه مسلم].


• يدعون إلى الخير

وأما من دلالة الأنبياء والمرسلين أقوامهم على ما سيصيبهم في قابل الأيام من خير أو شر، فهو جزء مما أُمروا بتبليغه للناس لتبشيرهم وإنذارهم، كما قال، عليه الصلاة والسلام: (إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلَمه لهم، وينذرهم شر ما يعلَمه لهم) [رواه مسلم].

فمن تبشيرهم بالخير ودلالتهم أقوامهم عليه، ما كان من إخبارهم عن بعثته -عليه الصلاة والسلام- بعد أن أبلغهم ربهم -تبارك وتعالى- بذلك، كما قال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81]، فأبلغوا هذا الأمر لأقوامهم، كما قال عيسى -عليه السلام- لقومه: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]، ولذلك فإنه كان معروفا عندهم، ينتظرون خروجه، ويعلمون مآل دعوته مما بلغهم من الأنبياء عنه، وقد اعترف أحد كبرائهم وعلمائهم بذلك، وهو هرقل عظيم الروم، لما قال لأبي سفيان، رضي الله عنه: "إن يكن ما تقول فيه حقا فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه منكم، ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي" [متفق عليه].


• قل إنما أنذركم بالوحي

ومن إنذارهم من الشر وتحذيرهم أقوامهم منه، تواتر أقوالهم على التحذير من فتنة الدجال، كما قال -عليه الصلاة والسلام- في شأنه: (إني أُنذركموه، وما من نبي إلا قد أنذره قومَه، لقد أنذره نوحٌ قومَه، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور) [متفق عليه].

وهكذا نجد النبي -عليه الصلاة والسلام- يبادر بإبلاغ أصحابه بما هو كائن إلى قيام الساعة، كما في الحديث عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقاما، ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه" [رواه مسلم].

ونجد من اهتمام صحابته -رضي الله عنهم- بسؤاله عن ما يكون من خير وشر، فيجيبهم -عليه الصلاة والسلام- بما ينفعهم، كما في حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في الجاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: (نعم)، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم، وفيه دخن)، قلت: وما دخنه؟ قال: (قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها)، قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ فقال: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) [متفق عليه].

فكان الصحابة يتذاكرون أحاديث الفتن ويتدارسونها ويؤوِّلونها، كما في حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال: "كنا عند عمر، فقال: أيكم سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره، قالوا: أجل، قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الفتن التي تموج موج البحر، قال حذيفة: فأسكت القومُ، فقلت: أنا، قال: أنت لله أبوك..." [رواه مسلم]، وفي الحديث أيضا قول حذيفة: وحدثته أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر، قال عمر: أَكَسراً لا أبا لك، فلو أنه فتح لعله كان يعاد، قلت: لا بل يكسر، وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت، حديثا ليس بالأغاليط.

وهكذا وجدنا اهتمام أتباع الصحابة من أهل السنة والجماعة بهذا الباب من العلم، يسألون عنه، ويتدارسونه، ويعلِّمونه للناس، ويصنفون فيه الكتب والرسائل، فهم يسألون عن الخير ليكونوا من أهله، ويسألون عن الشر ليتَّقوه، ويتجنبوا أهله، ويعلموا حكم الله فيهم، ويسألون عن أشراط الساعة إيمانا بها، وتصديقا لموعود رسولهم بظهور علاماتها، وطلبا لإرغام من كفر بوقوعها.

وكذلك وجدنا منهم إسقاطا لأخبار الغيب على ما يجدونه أمامهم من وقائع وطوائف وأعيان، والاجتهاد في الحكم عليها وفق ما يرونه من قرائن تتيح لهم إطلاق تلك الأحكام.

وفي الوقت نفسه نجد على امتداد التاريخ من أراد إسقاط أخبار الفتن والملاحم على الواقع من غير هدى ولا كتاب منير، وقد سبب ذلك كثيرا من المصائب التي حلت بالمسلمين على امتداد تاريخ المسلمين.

وسنسعى في الحلقة القادمة من هذه السلسلة إلى بيان بعض الأوجه التي طبَّق فيها السلف أخبار الفتن والملاحم على واقعهم بمنهاج أهل السنة والجماعة، ثم سنبين -بإذن الله- بعض الحالات التي تم إسقاط أحاديث الفتن والملاحم على الوقائع والطوائف والأعيان بمناهج بدعية أودت بأتباعها إلى الضلال، والله الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 110
الخميس 26 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
25 صفر 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً