الأحدث إضافة

*أهم أحكام زكاة الفطر [2/1] من رحمة الله تعالى أن جعل للعبادات ما يجبر نقصها ويطهّر فاعلها من ...

*أهم أحكام زكاة الفطر

[2/1]
من رحمة الله تعالى أن جعل للعبادات ما يجبر نقصها ويطهّر فاعلها من التقصير في أدائها، ومن ذلك ما شرعه الله سبحانه لعباده الصائمين من زكاة الفطر، التي بها تطهيرٌ لنفس من صام رمضان، وكفارة لما ارتكبه من فحش الكلام، وجبرٌ لخاطر الفقير وإغناؤه عن السؤال يوم عيد الفطر... فما هي زكاة الفطر؟ وما حكمها؟ وما حكمة مشروعيتها؟ وما مقدارها؟ ومتى تُخرج؟ وعَمّن تُخرج؟ ومِمّن تُخرج؟ ولمن تُعطى؟

- تعريفها:

زكاة الفطر (أو ما يسمى الفطرة): هي صدقة تجب بالفطر من رمضان عند إتمام صيامه، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها.

- حكمها:

زكاة الفطر واجبة (فرض)، فعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين» [رواه البخاري]، قال النووي: «أجمع العلماء على وجوب صدقة الفطر» [المجموع].
الحكمة من مشروعيتها

عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين» [حسن، رواه أبو داود وغيره] و»قوله: (طهرة): أي تطهيرا لنفس من صام رمضان، وقوله (والرفث) قال ابن الأثير: الرفث هنا هو الفحش من كلام، قوله (وطعمة): بضم الطاء، وهو الطعام الذي يؤكل» [عون المعبود]، وعن وكيع قال: «زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة» [المجموع للنووي]، وقال ابن قدامة: «والحكمة من مشروعية زكاة الفطر الرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يسر المسلمون بقدوم العيد عليهم، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث» [المغني].

- وقت إخراجها:

تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر شهر رمضان، ووقت دفعها له وقت استحباب ووقت جواز، فأما وقت الاستحباب فهو صباح يوم العيد لأن النبي، صلى الله عليه وسلم «أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة» [رواه البخاري ومسلم]، أما وقت الجواز فهو قبل العيد بيوم أو يومين، ففي صحيح البخاري عن نافع قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يعطيها قبل الفطر بيوم أو بيومين؛ ويحرّم تأخيرها لبعد صلاة العيد، قال ابن رسلان في تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد: «إنه حرام بالاتفاق لأنها زكاة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم كما في إخراج الصلاة عن وقتها» [عون المعبود]، ولا تبرأ ذمة مؤخرها، لقوله، صلى الله عليه وسلم: «من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» [حسن، رواه أبو داود وغيره].

- على من تجب:

تجب زكاة الفطر على المسلم القادر، فلا تجب على الكافر، لأن زكاة الفطر قربة من القُرَب وطهرة للصائم من الرفث، وليس الكافر من أهلها، وإنما يعاقب على تركها في الآخرة، قال الشافعي: «وفي حديث نافع دلالة على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفرضها إلا على المسلمين، وذلك موافقة لكتاب الله -عز وجل- فإنه جعل الزكاة للمسلمين طهورا والطهور لا يكون إلا للمسلمين» [الأم]، وتجب على القادر (المستطيع)، وبيّن النووي حد هذه القدرة بقوله: «المعسر لا فطرة عليه بلا خلاف... والاعتبار باليسار والإعسار بحال الوجوب، فمن فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته لليلة العيد ويومه صاع، فهو موسر، وإن لم يفضل شيء فهو معسر ولا يلزمه شيء في الحال» [المجموع].

- عمّن يخرجها المسلم:

يخرجها الإنسان المسلم عن نفسه وعمن يعولهم (ينفق عليهم)، فيخرجها عن نفسه وزوجته وأولاده وما ملكت يمينه ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها، والأقارب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها هم، لأنهم المخاطبون بها أصلا، ويبدأ بالأقرب فالأقرب، بنفسه فزوجته فأولاده ثم بقية القرابة أقربهم فأقربهم على حسب قواعد الميراث، ولا تجب عن الحمل الذي في البطن إلا إن يُتطوع بها، وإن مات مَن وجبت عليه الفطرة قبل أدائها، أخرجت من تركته، والخادم إذا كان له أجرة مقدرة كل يوم أو كل شهر لا يخرج عنه.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال - أهم أحكام زكاة الفطر
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد أبو سهل الأردني من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب ...

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد

أبو سهل الأردني
من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب الموحّدين

[2/1]

المدينة التي خرج منها الطيار الأردني المرتد معاذ الكساسبة، لقصف وحرب الدولة الإسلامية، خرج منها أبو سهل الأردني قبله بسنوات، نصرةً للدولة الإسلامية وحرباً على أعدائها، وإعداداً وتهيئةً لفتح الأردن والمضي إلى بيت المقدس، بإذن الله.
ولد الفارس الداعية السهل مع إخوانه، العسر على أعدائه، المحب لله (وهو اسم أبي سهل الحقيقي) في مدينة الكَرَك الأردنية عام 1411 هـ، في بيت أدب وخلق والتزام وحشمة، ونشأ -رحمه الله- في ظل هذا البيت نشأة حسنة صالحة.

كان ذكياً متفوقاً في دراسته، فتيسّر له أن درس التمريض في (جامعة مؤتة) في الكرك، وتخرّج في الكلية بتقدير جيد، وكان في ظل دراسته الثانوية والإعدادية يتعلم في البيت الصالح على يد أبيه وأصدقائه العلم الشرعي، ويكثر من سماع الأشرطة الدعوية.

وكانت عنده رغبة جامحة للدعوة إلى الله، حتى صار إماما وخطيبا، وداعيا شفوقا في قومه، وكان جلّ دعوته آنذاك في الترغيب بالجنة والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة، والترهيب من النار والمعاصي وسوء الخلق.

كان محبوبا عند الخاصة والعامة، والقريب والغريب، حسن الخلق، رقيق القلب، سليم الصدر، سهل الشكيمة، صاحب حياء وأدب، محبا لإخوانه وخلوقا مع خلّانه، مشفقا على الفقير والمسكين والضعيف، معينا لأقاربه وأصحابه على نوائب الدهر، وذاع صيته بين الناس على ذلك.

- من ظلمات الجهميّة إلى ضياء التوحيد:

شاء الله أن تكون حياة أبي سهل الجامعية هي محطة تحوّل شخصيته، حيث وقع في فخاخ بعض مرجئة العصر وجهمية الزمان، بعد أن أحسن الظن بهم في أول الأمر لشدة تعلّقه بالسنة والأثر وحرصه على طلب العلم الشرعي، فصاحب بعضا من طلاب الجهمي الخبيث (مشهور حسن)، وشيخ الطاغوت ورأس الجهمية في الشام (علي بن حسن الحلبي)، أخزاه الله وأهلكه.

حتى قدّر الله هداية أبي سهل الأردني، وخروجه من أحضان الجهمية الجدد في الأردن، المتخفّين تحت ستار وشعار السلفية، وذلك بعد أن هيّأ له بعضا من أهل التوحيد وأنصار المجاهدين، فدلّوه على الطريق المستقيم، وبينوا له كذب أدعياء السلفية وضلالهم، وقد أثّر فيه كلامهم، وخاصة بعد أن حضر مناظرات بينهم وبين شيوخ التجهم والإرجاء، فطفق بعدها يبحث عن الحق ويلتمس الأدلة إلى أن هداه الله إلى ترك أولئك الضالين والتوبة عن سلوك طريقتهم المنحرفة.

-الصدع بالتوحيد والبراءة من الطاغوت وأهله:

بدأ أبو سهل الأردني يطلب التوحيد ويتعلم الولاء والبراء، ويدرس مسائل الأسماء والأحكام، وأصول الاعتقاد وفقه الجهاد، وشرع يأخذ الدين القويم بقوة، وبعد أن ثبت له بالأدلة الشرعية كفر طاغوت الأردن وجنوده وعساكره وشرطه وسائر أجهزته الأمنية، وسائر طواغيت العرب العملاء لليهود والصليبيين، المبدّلين لشرع الله المتين، صار يكفرهم ويبرأ منهم، ويعاديهم ويدعو إلى تكفيرهم وعداوتهم، بعد أن كان يسميهم ولاة أمر المسلمين ويعتقد طاعتهم بفعل تلبيس المضلّين.

وصار يدعو إلى التوحيد والكفر بالطاغوت، وكانت منطقته معروفة بكثرة انتساب أبنائها إلى الجيش والشرطة والمخابرات الأردنية، بل منهم من كانوا وزراء وضباطا «كبارا»، يستعين بهم طاغوت الأردن في محاربة الإسلام وحراسة اليهود، فكان -رحمه الله- يحذّر الناس من الدخول في هذه الردّة، ويناصح الجنود المرتدين ممن يعرفهم بذلك، حتى هدى الله على يديه وعلى أيدي إخوانه، أحد حراس اليهود من الجيش الأردني العميل المرتد، فترك هذا الجندي الجيش، وأعلن توبته، ونفر للجهاد مع الدولة الإسلامية، ثم نفّذ عملية استشهادية في العراق.

وقد كان أبو سهل الأردني، حريصا على هداية أهله وقومه ودعوتهم إلى التوحيد والجهاد، فيسر الله على يديه هداية أخيه الأكبر مهندس الكهرباء، فنفر بعده إلى الجهاد ولحقه إلى الدولة الإسلامية، ثم نفّذ عملية استشهادية على الرافضة في العراق أيضا، تقبله الله.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من قصة شهيد - أبو سهل الأردني
...المزيد

🌃رسائل الفجر١٤٤٦/٧/٢٧🌃 قال بعض الحكماء: الإخوان من أنفس الذخائر؛ فينبغي للعاقل أن يتأنى لاكتسابهم، ...

🌃رسائل الفجر١٤٤٦/٧/٢٧🌃
قال بعض الحكماء: الإخوان من أنفس الذخائر؛ فينبغي للعاقل أن يتأنى لاكتسابهم، ويصيد بعضهم ببعض، كما تصاد الطير بعضها ببعض.
🔻 🔻 🔻
قال حذيفة: سيأتي على الناس زمانٌ لا يكون فيه شيءٌ أعز من ثلاث: أخ تستأنس به، أو درهم حلال، أو سنة يعمل بها.
🔻 🔻 🔻
قال مالك بن دينار لختنه: يا مغيرة، انظر كل أخ لك، وصاحب لك، وصديق لك لا تستفيد في دينك منه خيرًا؛ فانبذ عنك صحبته؛ فإنما ذلك لك عدوٌ
🔻 🔻 🔻
قال الحسن: «تنقوا الإخوان والأصحاب والمجالس، وأحبوا هونًا، وأبغضوا هونًا؛ فقد أفرط أقوامٌ في حب أقوام؛ فهلكوا، وأفرط أقوامٌ في بغض أقوام؛ فهلكوا، إن رأيت دون أخيك سترًا فلا تكشفه»
🔻 🔻 🔻
تعوذ بالله من صاحب، إن أنت ذكرت الله لم يعنك، وإن أنت نسيت لم يذكرك.
https://t.me/azzadden
...المزيد

كلما أطلَّت على الأمة تلك الذكرى الخالدة "ذكرى الإسراء والمعراج" التي أمتن الله بها على سيد الخلق ...

كلما أطلَّت على الأمة تلك الذكرى الخالدة "ذكرى الإسراء والمعراج" التي أمتن الله بها على سيد الخلق وحبيب الحق، اهتزت قلوبهم شوقاً, وفاضت مشاعرهم حنيناً وأنيناً إلى زيارة المسجد الأقصى الذي أُسري إليه الحبيب ثم عرج منه إلى السماوات العلا.. تلك المعجزة التي كانت خرقاً لكل النواميس الكونية والقوانين التي أودعها الله عز وجل في هذا الكون؛ حيث أصبح صلوات الله عليه لا يخضع لأي ناموس من نواميس الكون، وفي هذا تشريف وتكريم وتفضيل لخاتم الأنبياء وإمام الأصفياء صلوات الله عليه.

أبا القاسم يا رسول الله:
أنت الذي لما رفعت إلى السما
بك قد سمت وتزينت لسراكا
أنت الذي ناداك ربك مرحبا
ولقد دعاك لقربه وحباكا
وخفضت دين الشرك يا علم الهدى
ورفعت دينك فاستقام هناكا.
ماذا يقول المادحون وما عسى
أن تجمع الكتابُ من معناكا
صلى عليك الله يا علم الهدى
ما اشتاقَ مشتاقٌ الي مثواك


أيها الأحبة: بعد أن عشت معكم في لقاءين مضيا قصة الإسراء والمعراج ووقفنا معاً عند عجائب ولطائف الآية الأولى من سورة الإسراء.. فإنني أعيش اليوم معكم في دروسِ وعبرِ تلك الرحلة.. ونحاول أن نستخلص منها عبراً وفوائد تكون عوناً ومعيناً لنا في حياتنا وزاداً لنا في آخرتنا.



الدرس الأول والعبرة الأولى: أنَّ الله عوَّد عباده المؤمنين أنَّ "العطايا لا تكون إلا بعد الرزايا "وأنَّ" المِنحَ لا تكون إلا بعد المِحَن"وأنَّ "اليسر لا يكون إلا في ذيل العسر" نعم...

فقد توالت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأحزان والآلام قبل إسراءه ومعراجه حتى سمِّيَ ذلك العامُ بعامِ الحزن.



فقد حاصره قومه حصاراً خانقاً في شِعب أبي طالب ثلاث سنوات. كانت قاسيات شديدات عليه وعلى أصحابه حتى قال سيدنا سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - الصحابي الجليل فاتح العراق، ومدائن كسرى، وهو يتحدث عما أصابهم مع رسول الله في سبيل الله من جوع وقلة في شعب أبي طالب. قال: خرجت ذات ليلة لأبول والجوع شديد... وبينما كنت أقضي حاجتي إذ سمعت قعقعة تَحْتَ بَوْلِي، فَإِذَا بقِطْعَة جِلْدِ بَعِير..، فَأَخَذْتُهَا فَغَسَلْتُهَا ثُمَّ أَحْرَقْتُهَا..، ثُمَّ اسْتَفَفْتُهَا وَشَرِبْتُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ، فَقَوِيتُ عَلَيْهَا ثَلَاثة أيام[3]. الله أكبر...



ثم ماذا بعد هذا؟؟ يُفجع النبيُّ بخبر وفاة مناصره ومسانده الذي كان يوفر له الحماية الخارجية (خارج المنزل) لتبليغ دعوة ربه. يُفجع بموت عمه أبو طالب. فازدادت جراءة كفار قريش عليه، حتى كان أبو لهب يلاحقه في الأسواق والمجامع، يسبه، ويسفهه، ويرميه بالحجارة، ويخبر بأنه كذاب.. حتى دخل النبيُّ على ابنته ذات يوم - بأبي وأمي هو صلوات الله عليه - وقد نثر سفيه من سفهاء قريش التراب على رأسه فجعلت ابنته تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها‏:‏ ‏(‏لا تبكى يابنيَّة، فإن الله مانع أباك‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏ما نالت مني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب‏[4])‏‏.



انظروا أيها الإخوة الكرام إلى حجم المصيبة والبلاء الذي صُب على النبي قبل إسراءه ومعراجه. "لكنها ابتلاءات سيكون لمن صبر عليها عطيات ومكرمات" قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إذا أحبَّ اللهُ عبدًا أو أراد أن يُصافيَه صبَّ عليه البلاءَ صبًّا وثجَّه عليه ثجًّا: فإذا دعا العبُد قال: يا ربَّاه، قال اللهُ: لبَّيك يا عبدي لا تسألُني شيئًا إلَّا أعطيتُك إمَّا أن أُعجِّلَه لك، وإمَّا أن أدَّخِرَه لك[5]»



ولم يكن هذا البلاء على النبي وحده بل كان أيضاً على أصحابه الأطهار. يقول خباب بن الأرت‏ رضي الله عنه:‏ «شَكَوْنا إِلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- وهو متوسِّد بُرْدة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا؟ ألا تَدْعو الله لنا؟ فقال: قد كان مَنْ قبلكم يُؤخَذُ الرجل، فيُحْفَر له في الأرض، فَيُجْعَلُ فيها، ثم يُؤْتَى بالمنشار، فيوضَعُ على رأْسه، فيُجْعَلُ نصفين، ويُمْشَط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يَصدُّه ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى يَسيرَ الراكبُ من صنعاءَ إِلى حَضْرَمَوْتَ،لا يخاف إِلا اللهَ والذئبَ على غنمه، ولكنَّكم تستعجلون[6]».



ثم ماذا بعد هذا البلاء! الذي لو نزل على جبل لجعله هدَّاً؟! يخرج الحبيب إلى الطائف داعيًا وهاديًا، يحدوه الأمل في هداية ثقيف، لكنه يصدم برفض أهل الطائف لدعوته، وتعرضهم له بالشتم والأذية.. وقد سلطوا عليه وعلى صاحبه سفهائهم..حتى ضاق الحبيب ذرعاً.. فدخل بستاناً يلوذ به، ويحتمي بشجراته من الضرب والمطاردة.. رافعًا يديه إلى السماء، مناجيًا ربه، معتذرًا إليه، متحببًا إليه، بكلمات كريمة، وبدعاء صادق نبع من أعماق قلبه الحزين، قد امتزجت كلماته بحرقه وجدانه المكسور: "اللّهُمَّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك[7]".



ثم ماذا بعد هذا أيها الأحبة ! يُفجع النبيُّ بخبر وفاة رِدءه ومؤازره زوجته السيدة خديجة-رضي الله عنها-، التي ملئت عليه قلبه وعقله، التي كانت تؤازره وتسانده في أحرج أوقاته، وتواسيه بنفسها ومالها في أحلك الظروف! وقد أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم إكراماً للسيدة خديجة فَقَالَ لنبي يَا رَسُولَ اللهِ: «هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ، أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ، وَلاَ نَصَبَ[8]».



بلايا ومحن ومصائبٌ صُبَّت على النبيِّ لو أنها صُبت على الأيام صِرنَ ليالياً.. موت للسند الخارجي. موت للسند الداخلي. طرد وضرب من أهله.. لكنَّ ما نتيجة هذا الصبر.. ما نتيجة هذا الرضا والتسليم المطلق لقضاء الله.. ما نتيجة هذه العبودية الخالصة التي ليس للنفس حظ فيها، النتيجة دعوة كريمة ومَكرمة لنبيِّ بزيارة السماء حتى وصل إلى درجة من الرقي لم يصلها قبله إنس ولا ملك مقرب.



وليعلم كل مؤمن أنَّ الابتلاءات الربانية متى واجهها العبد بالتسليم والرضا والإذعان بالعبودية الخالصة لله مع تعاطي الأسباب؛ فإنَّ الله سبحانه سيجعل له من تلك المحن منحٌ مرضية، وسيجعل له من البلايا والرزايا عطايا. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ[9]».



معاشر الأحبة: أما العبرة والدرس الثاني.. فإلى أن يجمعني الله بكم في لقاء قابل... لا أريد أن أطيل عليكم...اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه..[10]


[1] رواه البيهقي في الشعب، والطبراني في الأوسط، وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد مجمع الزوائد 10/ 289.برقم (18086) المحقق: حسام الدين القدسي. الناشر: مكتبة القدسي، القاهرة. عام النشر: 1414 هـ، 1994 م.

[2] قال الإمام المنذري: رواه أحمد بإسناد جيد وابن أبي الدنيا في اصطناع المعروف والفظ له. الترغيب والترهيب 2/ 23 الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. الطبعة الأولى، 1417 هـ تحقيق: إبراهيم شمس الدين.

[3] حياة الصحابة للكاندهلوي 1/ 137.وانظرها في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم1/ 93. الناشر: السعادة - بجوار محافظة مصر، 1394هـ - 1974م.

[4] البداية والنهاية 3/ 151. وانظر سبل الهدى والرشاد 2/ 435 لمحمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفى: 942هـ).

[5] رواه الحافظ ابن أبي الدنيا كما في الترغيب والترهيب 4/ 142.

[6] صحيح البخاري 3/ 1322 برقم:(3416).

[7] الطبراني عن عبد الله بن جعفر. قال الحافظ الهيثمي: أخرجه الطبراني وفيه ابن إسحاق، وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله ثقات.

[8] صحيح البخاري 3/ 1389 برقم:(3609).

[9] أخرجه الترمذي في الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، وقال: حديث حسن غريب. برقم:(2396).

[10] أُلقيت هذه الخطبة في أحد مساجد عمَّان 1438هـ - 2017م.
وكتبه : محمد مهدي قشلان
...المزيد

" هل استيقظ الفتية المؤمنة من أصحاب الكهف وهم طويلو الشعر والأظافر، وقد تغير مظهرهم؟! " فَهِم ...

" هل استيقظ الفتية المؤمنة من أصحاب الكهف
وهم طويلو الشعر والأظافر، وقد تغير مظهرهم؟! "

فَهِم بعض الناس من قوله تعالى: ﴿ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ﴾ [الكهف: 18]، تغيُّر أشكال أصحاب الكهف تغيرًا فاحشًا؛ لظاهر هذه الآية من أن النظر إليهم سيملأ الرعبَ في القلب، وهو وجه عند بعض المفسرين.



والراجح من أقوال المفسرين:

أنَّ أشكالهم لم تتغير، وكذلك شعورهم وأظافرهم، وأما قوله تعالى: ﴿ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ﴾ [الكهف: 18]، فالمعنى: لو اطلعت عليهم ولم تكن علمت بقصَّتِهم لحسبتهم لصوصًا قطاعًا للطريق؛ إذ هم عدد في كهف، وكانت الكهوف مخابئ لقطَّاع الطريق، فلوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ وهم في تلك الحالة، لفررت منهم وملَكَك الرعبُ من شرهم، كقوله تعالى: ﴿ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ [هود: 70].


وليس المراد الرعب من ذواتهم؛ إذ ليس في ذواتهم ما يخالف خلقَ الناسِ، ولا الخوف من كونهم أمواتًا؛ إذ لم يكن الرعب من الأموات من خِلالِ العرب [1].


أو أن السبب في الخوف والرعب منهم: ما ألقى الله تعالى عليهم من الهيبة وهم في كهفهم، فالله تعالى حمى أهلَ الكهف بالرعب؛ حتى لا يطلع عليهم أحد، ولا يصل إليهم واصل، ولا تلمسهم يدُ لامس، حتى يبلُغَ الكتابُ فيهم أجله[2].


وقال العلامة الألوسي رحمه الله: "فالذي ينبغي أن يعوَّل عليه أن السبب في ذلك ما ألقى الله تعالى عليهم من الهيبة وهم في كهفهم، وأن شعورهم وأظفارهم إن كانت قد طالت فهي لم تطُلْ إلى حد ينكره من يراه، واختار بعض المفسرين أن الله تعالى لم يغير حالهم وهيئتهم أصلًا؛ ليكون ذلك آية بيِّنة"[3].



وبدليل قولهم: ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [الكهف: 19]، فلو كانت أشكالهم تغيَّرت بمرور الزمن، للاحظوا ذلك عند استيقاظهم، ولم يترددوا في مدة لبثهم ونومهم حتى قالوا يومًا أو بعض يوم! قال القرطبي رحمه الله: "وَدَلَّ هَذَا عَلَى ‌أَنَّ ‌شُعُورَهُمْ ‌وَأَظْفَارَهُمْ كَانَتْ بِحَالِهَا"[4].

وقال العلامة ابن عطية الأندلسي رحمه الله: والصحيح في أمرهم أن الله عز وجل حَفِظَ لهم الحالة التي ناموا عليها؛ لتكون لهم ولغيرهم فيهم آية، فلم يبل لهم ثوب، ولم تغير صفة، ولم ينكر الناهض إلى المدينة إلا معالمَ الأرض والبناء، ولو كانت في نفسه حالة ينكرها لكانت عليه أهم[5].
#وكتبه : محمد مهدي قشلان .. رجاء دعوة صالحة

[1] (التحرير والتنوير 15/ 282) الدار التونسية للنشر - تونس.

[2] (تفسير الطبري = جامع البيان 17 /626) ط دار التربية والتراث.

[3] (روح المعاني 8/ 216 وما بعدها) دار الكتب العلمية - بيروت ط:1.

[4] (الجامع لأحكام القرآن 10 /374) دار الكتب المصرية - القاهرة الطبعة:2.

[5] (تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 3 /505) دار الكتب العلمية - بيروت، ط:1.
وكتبه : محمد مهدي قشلان
...المزيد

شخصيات قد تهتم بمتابَعتها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً